سأل الصحافي البريطاني العريق روبرت فيسك الشيخ حمد آل ثاني سلف ابنه الأمير تميم في سدة الحكم في قطر عن السبب الذي يدعوه لعدم طرد الأمريكان، وهو يعني القاعدة والجنود الأمريكيين في قطر، ليجيب عليه الأمير قائلا ً: «إذا فعلت ذلك، فإن إخواني العرب سوف يحتلون قطر».
منظور سياسي ثاقب لم يعف عليه الزمن، يفسر المدلول الضمني لمصادقة البرلمان التركي على معاهدتين سابقتين مع قطر، لتخويل الجيش التركي «بنشر جنوده في الأراضي القطرية وتدريب القوات العسكرية والأمنية القطرية»، وهو ما ينسجم مع ما خلص إليه روبرت فيسك من احتمال أن يكون «تواجد القواعد العسكرية الأمريكية في قطر عديم الجدوى، وهو ما يفتح الطريق للرياض للاستيلاء على كل ثروات الغاز الطبيعي في إمارة قطر»، ومعها كل احتياطات السيولة النقدية المتبقية لديها، والتي تقدر بما يعادل 50 مليار دولار أمريكي في مصرف قطر المركزي، بحسب نشرات البنك الدولي في شهر أبريل المنصرم؛ قد تكون المملكة العربية السعودية في أشد الحاجة إليها لسداد فواتير صفقات التسليح في الرياض مؤخراً، التي سوف تصل فاتورتها الكلّية إلى 300 مليار دولار خلال عقد من الزمن، بحسب تصريحات المسؤولين الامريكيين لصحيفة «الغارديان»، وهو يتجاوز فعلياً كل الكتلة السائلة من كل احتياطاتها النقدية التي تقل قليلاً عن 200 مليار دولار، بحسب بيانات صندوق النقد الدولي المعلنة، حيث أنّ الكتلة المتبقية من احتياطاتها النقدية المجمّدة التي تبلغ قيمتها 388 مليار دولار، هي عبارة عن استثمارات معظمها في سندات الخزينة الأمريكية، لا يتوقع أن تسمح الإدارة الامريكية بخروجها منها، وهو ما أثبته فشل التهديد السعودي ببيع أصول تلك السندات، قبيل إصدار قانون «جاستا» لمقاضاة الدولة السعودية في المحاكم الأمريكية، بتهمة رعاية الإرهاب، كونها مسؤولة وفق القانون المذكور»عن الدعم المادي لمرتكبي أحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية» في الأشهر الأخيرة من حكم أوباما، وهو القانون الذي لم يتبرع ترامب (صديق المملكة العربية السعودية) وأغلبية الجمهوريين التي تدعمه في الكونغرس، حتى بالإشارة إلى أنه سوف يحاول إبطاله بتشريع جديد من الكونغرس، لتبييض صفحة المملكة العربية السعودية من مسؤوليتها وفق القانون الأمريكي عن «تمويل و رعاية الإرهاب الإسلامي المتطرف».
في لقاء جمعني شاباً يافعاً منذ ربع قرن من الزمان مع المفكر الراحل صادق جلال العظم في مكتبه في منزله في حي المهاجرين الدمشقي، حاولت الاتكاء على عقله الراجح لاستكناه سبب عسر تأصل وعي وطني عروبي في سورية – وهو ما أفصح عن نفسه الرثة القبيحة في التراجيديا السورية الراهنة، واستفحال النكوص إلى وعي ما قبل وطني قبلي عشائري، خاصة في منطقة وادي الفرات وبادية الشام، التي خبرت تفاصيلها الاجتماعية عميقاً، وهي للطرافة السوداوية أصبحت موئل عاصمة دولة «خلافة» الخبث الداعشي، بعد كل تلك السنين التي ما فتئت تكرس مشكلتي المعرفية وسبب تساؤلي المخضرم، فكان ردّه المكثّف بأنّه «عقل البداوة المقيم في مجتمعاتنا العربية»، ووجهني بحكمته النبيلة المتواضعة لقراءة فكر فلهم رايخ، وإريك فروم، وعلي الوردي، خاصة كتابيه «وعاظ السلاطين»، و»مهزلة العقل البشري»، لفهم آلية تكون الوعي الجمعي العصبوي المنغلق في قراءته للتاريخ، واستشرافه الانكفائي الظلامي لضرورات «تغير الأحكام بتغير الأحوال» في سياق حاضره ومآلاته المستقبلية.
لخّص الباحث المجتهد أستاذ اللغة العربية في الجامعة اللبنانية، ديزيرة سقال رسوخ مفهوم الغزو كأحد التكوينات البنيوية في عقل البداوة، وهو يعني في الواقع العياني المشخّص أنْ تُغير قبيلة بغتة على قبيلة عربية أخرى بقصد السطو على أنعامها وسبي نسائها وأولادها، حتى أصبح هذا الفعل من سمات البطولة والرجولة، وترفَّع ليصبح ضرباً من «الرياضة القومية» للقبائل العربية.
ولكي لا يبدو الاستدعاء الأخير كما لو أنّه تمطيط بالقوة لمنظار التاريخ ليستوعب الحاضر الحداثي المعاصر، فقد اتخذت جريدة عربية لندنية عنواناً لمقال لخصت فيه المحاور الكبرى لفكر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وخطبه، ابتداءً من عام 1980 وفي 2012 ببيت شعر لشاعر الجاهلية دريد بن الصمّة، الذي قاتل أترابه من المسلمين عرب شبه الجزيرة العربية فقط لمخالفتهم إياه في معتقداته الوثنية، فقتل في معركة حنين: «وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت، وإن ترشد غزية أرشد؟ والتغاوي هنا بحسب قاموس مختار الصحاح يعني الإمعان في الضلال والتجمع والتعاون على الشر.
وقد يستقيم في هذا المقال استحضار تلخيص المحرر الدبلوماسي لصحيفة «الغارديان» باتريك وينتور، لأس الأزمة المفتعلة مع قطر، إذ «أنّ معظم المراقبين يقولون بأنّ الأدلة واهية على أي تمويل حكومي قطري مباشر للجماعات المتطرفة، وإنّ الخلاف مع قطر يعود في جوهر الأمر للخلاف على مستقبل آليات الحكم في الشرق الأوسط، متضمناً التهديد الذي يحتمل أن يشكله الإسلام السياسي للأنظمة الاستبدادية» في المنطقة العربية، وهو خلاف وجودي يتنازع مفهوم السلطة بين كونه حقاً حصرياً لمن يرى في نفسه وعشيرته ومن والالهم من «وعّاظ السلاطين» ممثلين شرعيين وحيدين لسلطة النص، أو بين كونه قبولاً بسلطة الشعب وقوة صناديق الاقتراع وشروط اللعبة الديمقراطية بشكلها الحداثي، حتى لو كان على طريقة المهيض الجناح محمد مرسي. وقد يصيب أيضاً توصيف الصحافي البريطاني المرموق بول ماسون التراجيدي بأنّه على مستوى «العالم الأوسع، فإنّ إيران بزغت بكونها المنتصر التكتيكي في الصراع الراهن» في الخليج العربي.
وإن كان في الكلام الواقعي المنقول عن أمير قطر على موقع وكالة الأنباء القطرية، أو على الأشرطة الأخبارية التلفزيونية ما قد يبرر الغَضْبَةَ الجاهلية على الإمارة الجزيرة وشعبها، فإنّ تراجع الحكومة القطرية عنه هو فضيلة الرجوع عن خطأ سياسي بعينها، ولكن استبطانه وتأجيج غلواء الانتقام الثأري منه تغاوياً على قطر، قد لا يكون إلا تفارقاً عن هدي الحكيم عز و جل في قوله: «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ».
د. مصعب قاسم عزاوي
صادق جلال العظم هو أحد اشهر الملاحدة العرب الذين ينكرون وجود الخالق عز وجل
يفاجأنا الكاتب بالاسترشاد به قائلا : حاولت الاتكاء على عقله الراجح !!! وعقله هذا هو الذي اوصله لانكار من خلق الخلق وخلقه ؟؟؟
ثم يضيف الكاتب قائلا : فوجهني بحكمته النبيلة المتواضعة ! وبات الالحاد حكمة ّ
ومن هنا نستقرأ بعيدا عن فحوى المقالة ان الكاتب وهو احد ثلاثة :
اما ملحد حاله حال صادق جلال العظم
او انه ليس ملحدا ولكنه متأثر بأفكار صادق جلال ويمتدحه في مقالاته
او انه لا يدري ان صادق جلال العظم هو ابرز الملاحدة العرب في القرن العشرين ( وهذا بعيد )
أيا ما يكن…يسرني ان ارى ردا لما وجهته وبكل رحابة صدر
طرح جميل و افكار مهمة. يبدو أن العرب كلهم لم يخرجوا من عقل البداوة و
الغزو وداحس و الغبراء. شكراً للكاتب على الأسلوب الشيق و كأنه قصيدة رثاء
لكل العرب من المحيط إلى الخليج.