التهدئة: تنسيق أمني

حجم الخط
3

التهدئة في غزة بشكلها المطروح والتنسيق الأمني في الضفة الذي ينادي الجميع بوقفه، هل ثمة فروقات بينهما.
قبل أن نخوض في الموضوع، وحتى لا نفهم خطأ، وحتى نقطع الطريق على المتربصين ونضع مسبقا حدا للمزايدات ونقطع دابر الاتهامات، لا بد بداية من التأكيد على أننا قلبا وقالبا مع المقاومة، بجميع أشكالها ضد الاحتلال العنصري، ما دام هو جاثم على قلوبنا، وما دام يواصل استيطانه السرطاني على أرضنا، ويواصل استخدام آلات القتل ضد شبابنا وشاباتنا، وكبارنا وأطفالنا ونسائنا، وطالما تتواصل اعتداءات المستوطنين على الأهالي وتدمير ممتلكاتهم واقتلاع أشجارهم وهدم بيوتهم وحرق العزل «غير» الآمنين، وهم نيام في بيوتهم، هذا أولا.
وثانيا يجب التأكيد على أننا، أيضا، قلبا وقالبا مع رفع الحصار عن شعبنا في غزة، الذي لا يزال يتذوق يوما بعد يوم ومنذ12 عاما، طعم القتل والدمار والحصار. ونقول كفى معاناة ولا بد للقيد أن ينكسر، ولا بد لهذا الحصار أن ينتهي بإرادة شعبنا مبتكر مسيرات العودة، والاستمرار فيها لأكثر من4 أشهر، رغم ارتفاع عدد الشهداء والجرحى، ومبتكر الطائرات والبالونات الحارقة، التي يقف جيش الاحتلال بعدته وعتاده عاجزا أمامها وغير قادر على مواجهتها.
ونقول أيضا نعم إن من حق شعبنا في غزة أن ينال الأمن والأمان، وأن تغمض الأمهات أعينهن ليلا وهن مطمئنات على فلذات أكبادهن،وأيضا من حق أطفال غزة أن يمارسوا حياتهم الطفولية الطبيعية كغيرهم من أطفال العالم، ومن حقهم أن يتوفر لهم الطعام والشراب والتعليم والدواء والكهرباء وحرية الحركة أسوة ببقية أطفال العالم.
وهذا طبعا ينسحب على أطفال الضفة الغربية الذين لا ينعمون بالأمن والأمان، ويعانون ايضا من الاعتقال والقتل، إما برصاص جنود الاحتلال، أو بنيران المستوطنين المستأسدين.
وبعد هذه المقدمة الضرورية، سأدخل في صلب المقارنة بين التنسيق الأمني الذي تقوم به السلطة الفلسطينية المرفوض جملة وتفصيلا، والتهدئة بين دولة الاحتلال وحركة حماس، التي يجري الإعداد لها في أروقة أجهزة المخابرات المصرية، وبدعم من المبعوث الأممي نيكولاي ميلادينوف. حاولت المقارنة فلم أجد في النتيجة النهائية فرقا، فكلاهما يوفر الأمن والأمان لدولة الاحتلال ومواطنيها، سواء في مستوطنات غلاف غزة، أو في مستوطنات الضفة، النتيجة واحدة وإن اختلفت التسميات، فالسلطة تبرر تنسيقها الأمني مع دولة الاحتلال بتوفير الأمن والأمان لمواطنيها وإدارة شؤونهم وتسيير أعمالهم، وتثبيت سيطرتها على الأوضاع الأمنية، بمنع أي أعمال عسكرية ضد دولة الاحتلال. ورغم ذلك فإن كل الأطراف والأطياف السياسية والفصائل الفلسطينية، بما فيها حركة فتح نفسها صاحبة السلطة في الضفة المحتلة، والمجلسان الوطني والمركزي لمنظمة التحرير، ترفض التنسيق الأمني وتنادي بوقفه. وهذا الطلب مدرج على جدول أعمال المجلس المركزي لمنظمة التحرير، الذي سيعقد جلسة حاسمة يومي 15/ 16 أغسطس/آب الحالي في رام الله، الذي يفترض أن يضع الآليات لتطبيق قراراته السابقة، من بينها التنسيق الأمني حتى لا تبقى حبرا على ورق.
وهذا التنسيق الأمني لم ولن يمنع قوات الاحتلال عن مواصلة أعمالها الإجرامية ضد فلسطينيي الضفة، بعدما اعادت احتلالها بعد عدوان «الجدار الواقي» عام 2002. ولم ولن يمنعها عن مواصلة سرقة الأراضي وهدم المنازل واعتقال الأطفال والقصر والتضييق على الأسرى.
وفي غزة لم تمنع الهدنة، التي توصلت إليها مصر بين حماس وإسرائيل، والتي وضعت أوزار حرب صيف 2014، دولة الاحتلال من مواصلة الحصار وعلى نحو أشد، كما لم تمنع الهدنة، إسرائيل من مواصلة القتل والتدمير واعتداءاتها اليومية على المزارعين شرق القطاع والصيادين غرب القطاع، برا أو جوا أو بحرا. ولم تمنع التهدئة سقوط مئات الشهداء وآلاف الجرحى منذ الحرب الأخيرة.
تجربة خائبة ثانية مع دولة الاحتلال، تؤكد لنا عدم الوثوق بها وبأي عهود تقطعها، تجربة صفقات تبادل الأسرى، فقد اعادت سلطات الاحتلال اعتقال معظم من أفرج عنهم في صفقة شاليط 2011. وإذا كان الغرض من التهدئة الجديدة هو رفع الحصار مقابل بعض الخدمات الإنسانية، فلماذا انتظرنا كل هذه السنين لنفعل ذلك، وكان بالإمكان تجنيب شعبنا في القطاع ويلات ثلاث حروب ومعاناة حصار خانق استمر نحو 12 عاما، وخلّف آلاف القتلى وعشرات آلاف الجرحى والدمار الشامل، ولتمكن شبابنا من السفر، لتلقي العلاج ومواصلة تحصيلهم العلمي والعمل بشهاداتهم وتخصصاتهم في دول العالم.
التنسيق الأمني وفق مفاهيم اتفاق أوسلو المشؤوم هو أن تعمل السلطة على منع عمليات من الأراضي الواقعة تحت سيطرتها، ونسبتها الآن تصل إلى الصفر، بعد أن استباحت قوات الاحتلال جميع أراضي الضفة سواء «أ» أو «ب» أو «ج». وحتما فإن حماس، السلطة القائمة على الحكم في قطاع غزة، ستضطر للتعامل مع سلطات الاحتلال لتصريف شؤون اهل غزة التواقين للحرية والخروج من سجنهم الكبير. وحتما ستحافظ حماس على الأمن على الحدود. وحتما ستمنع أياً من فصائل المقاومة من إطلاق النار على حدود الاحتلال وقد حصل. وحتما ستزيل مخيمات العودة وتوقف مسيرات العودة لأنها أحد شروط إسرائيل الأساسية. وحتما ستمنع الطائرات والبالونات الحارقة، التي ألحقت خسائر مادية لم يتوقعها العدو و»أخرجته عن طوعه’» كما يقول المثل، بعدما وقف وآلته العسكرية عاجزا عن ردعها، فاختار خلع مصطلح الإرهاب عليها. وحتما سيكون لهذا الهدوء ثمن سياسي لا يعلمه إلا المطلعون على بواطن الأمور ومسودو الاتفاق. وحتما بل منطقيا أن تزج حماس المخالفين والمنتهكين لبنود الاحتلال في السجون للحفاظ على هيبتها، كما تفعل السلطة مع المنتهكين لسلطاتها، ويشكلون خطرا على أمنها، وحصل ذلك في الماضي وسيحصل في المستقبل.
الثالوث الصهيوني في البيت الابيض جارد كوشنر وغرينبلات وديفيد فريدمان، هم أصحاب فكرة الانعاش الاقتصادي لغزة، طبعا كما قلنا سابقا ليس لسواد عيون الغزيين، بل لتمرير صفقة القرن خطوة خطوة، وعبر أطراف عربية وأممية ممثلة بالثعلب نيكولاي ميلادينوف.
إن هذه الخطوة هي جزء من المؤامرة الكبرى/ الحل «الإنساني» أولا لقضية غزة، التي تحدث عنها كوشنر وغرينبلات قبل أسابيع، والتي رفضت جملة وتفصيلا، وسحبت ولكنها تعاد إلينا برداء جديد مصري أممي، الغرض منها، إذا ما تهورنا بقرارات متسرعة، تطبيق «صفقة القرن» خطوة خطوة.
أعرف أن الوعود، مطارا، ميناء، رفع الحصار، وفتح المعابر، والأهم من ذلك الاعتراف الدولي السياسي بحماس، وعود مغرية ولكن من يضمن أن يتحقق أي من هذه المغريات، بعدما تنال إسرائيل مرادها، واهمه القضاء على روح التحدي والنضال المستمر منذ أكثر من أربعة أشهر، بدأ يزداد زخما محليا ودوليا في غزة، ولدينا في اتفاق أوسلو خير دليل، يا أولي الألباب، ألم يأت بمطار وميناء فأين هما، إننا وبعد25 عاما لا نزال نراوح مكاننا في أحسن الظروف، بل عدنا إلى الوراء وأصبحنا في وضع أسوأ مما كنا عليه. قبل وبعد، ونحن هنا نتحدث عن اتفاق أوسلو، الذي وقع في البيت الابيض ليس بضمانة جهاز المخابرات المصري والمبعوث ميلادينوف، بل بضمانة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون شخصيا وإدارته وروسيا والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة والمنظومة الدولية.
قرار التهدئة بالشكل الذي يجري الحديث عنه، ليس قرارا يخص فصيلا بمفرده مهما بلغ شأن هذا الفصيل، إنه قرار مصيري وسيترتب عليه مصيرالقضية الفلسطينية والدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، إنه قرار لا يستطيع فصيل بمفرده تحمل تبعاته، ولا بد أن يأتي ضمن حل شامل ومتكامل يقبل به الشعب الفلسطيني ويضمن حقوقه وليس صفقة القرن.
وأخيرا فقد كان الدكتور محمد الهندي القيادي البارز في الجهاد الإسلامي محقا حينما قال إن «الهدنة الطويلة مع إسرائيل وملف الأسرى له ثمن مختلف غير الأمور الانسانية، وهذه قضية لا تخص حماس وحدها، بل كل الفصائل والشعب الفلسطيني». وأضاف «لا نقبل بمقايضة المعاناة بتحسينات إنسانية، ونرفض تهدئة طويلة الأمد، كما أننا نرفض توقف المقاومة مقابل مثل هذه الهدنة، فنحن نتمسك بحقوقنا وثوابتنا، حيث أننا حركة مقاومة، ولدينا استعداد قوي للحفاظ على المقاومة، والقدس هو المحور الأساسي لدينا». وأشار إلى أن هناك محاولات أمريكية لفرض وقائع جديدة لشطب وتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، وفرض ما يعرف بصفقة القرن.
واختتم بالقول إنه وكما نطلب من قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، لم الكل الفلسطيني حول برنامج وطني نضالي، ندعو حماس أن تعود للمربع الأول وأن لا تخرج عن الإجماع. وتعود بقوة نحو المصالحة وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني، خاصة أننا نقف عند مفترق تاريخي، فبدون ذلك سيكون مصير مخططات الطرفين الفشل، وسيدفع ثمنه الجميع.
كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

التهدئة: تنسيق أمني

علي الصالح

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول رزق الله:

    في غزة يعرفون كل هذا الكلام ومتاكدون منه ، وفي الضفة كذلك ، ومع ذلك ماضون كلهم في صفقة القرن ، لان المحامي المصري هكذا يريد وهم يعلمون بان لا المحامي عن الاحتلال ولا الاحتلال سيتقيد بما يقال ويكتب .لكن لا خيار.

  2. يقول نضال اسماعيل:

    في النهاية حماس وجميع التنظيمات الاخرى هي احزاب وكل حزب يسعى لمصلحت بقائه . فالحزب ومصلحته تأتي اولا …وخلاف ذلك مجرد شعارات مخادعة غير حقيقية ..لايمكن لأي حزب مهما كان ان يقرر او ان يطبق بنودا تضعفه حتى ولو كانت في مصلحة الوطن والشعب ، والعكس صحيح.

  3. يقول تماضر، رام الله:

    سلمت يداك على هذا المقال الذي يجمع ويحلل ويفند الحقاءق الموجودة في واقعنا، حقيقة واقع مخيف موءلم ولذلك يجب ان لانوءل جهدا في جميع المجالات سواء بالتوعية والتحذير والاقتراحات والنصاءح والدعم بكل ما اوتينا كشعب من منع لهذه الكارثة المحدقة بنا،وذلك بسبب من الجهل وعدم الاتعاظ وليس كما يقول المثل “لايلدغ المرء من جحر مرتين” فمابالك من عشرة، قياداتنا يجب ان تصغي لنبض الشارع، ومطالب الشعب ،وهذه المرة ليست ككل المرات السابقة، حيث لا دعم لنا الا ذراعنا وحناجرنا وصبرنا وتحدينا، ولن يصح في النهاية الا الصحيح

إشترك في قائمتنا البريدية