كل يوم تمدنا وسائل التواصل الاجتماعي بكم كبير من الصور الصادمة، فيها كل ما يمكن أن تنتهي إليه أدوات الثأر والجريمة والعبث المجنون.
صور القتل والذبح والتفجير والدم والهدم واللحوم البشرية المتناثرة، والحرق والرجم والجلد وغيرها من الإعمال الإجرامية، أصبحت حلقات في مسلسل الرعب الذي كتب على جيلنا أن يكون شاهداً عليه بكل تفاصيله، التي فاقت حدود الخيال والمعقول.
يحدث كل ذلك باسم الله، وبأمره وحسب وصاياه، بناء على أقوال المجرمين الذين ينفذون كل تلك البشاعات باسم الدين، وتحت رايات إسلامية مختلفة، في سبيل نزواتهم التي لا تحد للوصول إلى السلطة والمجد والثروة، واستجابة لموروثاتهم القبلية والثقافية المنافية لروح الدين وسماحته.
إنها حقاً جرائم باسم الله، جرائم هي أشبه ما تكون بمنتجات فاسدة سامة قاتلة، صنعها تجار مجرمون، ثم وضعوا عليها اسم الله كـ»علامة تجارية»، وقالوا لنا إنها حسب شريعة الله، لأغراض التسويق ليس أكثر.
وفي الواقع، فإن الغالبية العظمى من أهل الأديان يتزيون بأديانهم على مستوى القول، لكنهم عند الممارسة يمارسون ثقافاتهم وتقاليدهم المختلفة. ولنكن أكثر تحديداً، بالقول إن أهل الأديان يتصرفون وفقاً لتقاليدهم الموروثة أكثر من وصايا الله، مع العلم أن هذه التقاليد الموروثة هي في معظمها ضاربة الجذور في تربة قبلية عشائرية غير مدنية وغير روحية. الذين رجموا فتاة سورية قبل أيام، ارتكبوا جريمة في حين ظنوا أنهم نفذوا حداً لله، وليس هنا محل نقاش الحدود بقدر ما هو حديث عن تنصيبهم أنفسهم وكلاء لله بدون تفويض من خلق الله، وفي زمن ملتبس، وفي ظروف غامضة، ومحاكمات غير عادلة. والذين هاجموا مسجداً للسنة في العراق في أحد أيام الجمعة وقتلوا العشرات من المصلين، ارتكبوا جريمة، ومارسوا عادة الثأر العشائري لأنفسهم، في حين زعموا أنهم يثأرون للحسين، الذي لا دخل لضحاياهم بدمه. يقول الكاتب والمفكر الأمريكي رضا أصلان في مقال له في «نيويورك تايمز» «كل دين يتجذر بعمق في التربة التي نبت فيه، ومن الخطأ الاعتقاد ان الناس يشتقون قيمهم من أديانهم، والعكس هو الصحيح: فالناس يدخلون قيمهم ضمن أديانهم، ويقرؤونها من خلال عدسات افتراضاتهم الثقافية والعرقية والقومية والسياسية.. (نيويورك تايمز 11/9/2014)
وبمناسبة أجواء عاشوراء عند المسلمين بشكل عام، فإن بعض الطقوس التي يمارسها المسلمون الشيعة ـ على سبيل المثال ترجع في أصولها إلى تقاليد وموروثات هندية قديمة، لا علاقة لها بالحسين، لكنها دخلت كجزء من الممارسات الدينية في مناسبة إحياء ذكرى استشهاد الحسين عند الشيعة، ومن هذه التقاليد «التطبير» المتمثل في إراقة الدماء في الطقوس الحسينية، وقد تناقلت وسائل التواصل الاجتماعية صوراً مرعبة لأطفال يكتفون، في حالة من الرعب لتشج رؤوسهم لإراقة دمائهم ضمن تلك الطقوس، في حالة تعكس ضرباً من العنف الذي تم إخراجه في ثوب ديني، على الرغم من أنه دخل على المسلمين من موروثات قديمة، لها علاقة بأجواء الثار والحروب في منحى ميثولوجي واضح.
وبعيداً عن المشاهد الحسينية الطقوسية، يمارس اليوم في كل من سوريا والعراق واليمن ضرب من العنف المغلف بالدين باستهداف المساجد ودور العبادة، وعمليات التفجير والقتل والذبح المتبادل بين المتحاربين بطريقة وحشية، تضرب بجذورها في أعماق قبلية عصبوية قديمة، لكنها تخرج للناس باسم الله، باسم علي والحسين والعباس وزينب وعمر وأبي بكر وعائشة وغيرها من الأسماء في التاريخ الإسلامي. وقد استغل كثير من خصوم المسلمين في الغرب تلك المشاهد الهمجية لتسعير حملتهم ضد الإسلام. يقول المعلق والكاتب الأمريكي بل ماهر، إن «الإسلام لا يشبه بقية الأديان، بل يشبه المافيا»، ويسجل انزعاجه من تصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي قال «إن إرهابيي الدولة الإسلامية لا يمثلون الإسلام»، حيث يؤكد ماهر إن لدى الإسلام الكثير من المشتركات مع «داعش».
وبالطبع فإن ماهر جانب قواعد النزاهة والموضوعية في قوله السالف عن الإسلام، وتعمد «الانتقاء» في مقاربته، لأنه لم يفرق بين ما هو «ثأر سياسي»، يندرج ضمن أخطاء البشر وحماقاتهم الكبيرة التي تأتي ضمن صراعاتهم المستمرة على السلطة، وبين ما هو من جوهر الدين، بما هو في أصله علاقة روحية بين الإنسان والله، بعيدة كل البعد عن الموروثات القديمة التي تضرب بجذورها في عقلية قبلية تقوم على الثأر وتمجد الموت.
البشر يصطرعون دائماً على مصالحهم، ولكنهم في كل جولات الصراع لا يظهرون الأسباب الحقيقية للصراع التي تدور في معظمها، حول المصالح، بل يغطونها بغلالة دينية لها علاقة بالله، لكي يغطوا على أنانيتهم في تفجير الصراع، ولكي يستمدوا من الله شرعية لاستمرار صراعاتهم باسمه، وحتى يستمر تحشيد الأنصـــار من البسطاء الذين نتطلي عليهم حيلة الزعماء في تغطية الصراعات السياسية بثوب ديني خالص.
لا يوجد في الحقيقة عنف ديني، أو صراع ديني بالمعنى الحقيقي للكلمة، لأن الصراع في حقيقته مرتبط بالمصلحة، أما القيم الدينية والروحية فإن أكثر ما يمكن أن يبعد الناس عنها، هو فرضها على الناس بالقوة وتفجير الصراع من أجلها. إن الذي يقول بوجود صراع ديني، يريد منا أن نصدق أن السباق إلى السماء الواسعة لا يكون إلا بالقتال، أو أننا لكي ندل احداً على طريق الجنة، فلابد أن نقتله ليذهب سريعاً إليها. هذا منطق لا يستقيم، ولن يستقيم الأمر كله إلا بتركيز المسلمين على توظيف الدين لتعمير الأرض، أما السماء فإنها عامرة بأهلها، لن يستقيم الامر إلا بتعاونهم لنصرة أنفسهم، لا تقاتلهم لنصرة الله.
٭ كاتب يمني
د. محمد جميح
كل ما تفضل به السيد الكاتب صحيح. لكن ما هو المخرج؟ كيف يمكن إصلاح الفكر الديني؟ لماذا يبدو دور المؤسسة الدينية سلبياً إزاء مثل تلك الجرائم؟ لماذا تشارك مدارس دينية بعينها في تأجيج الجريمة باسم الله؟
كل تلك الأسئلة تحتاج إلى إجابات من المفكرين المسلمين اليوم، قبل أن ينقرض مفهوم الدين ومفهوم الأمة.
استعراض و فهم أكثر من رائع لتداخل الأعراف و التقاليد مع الدين و بالفعل نرى اليوم أن البيئة و التقاليد هي من تدخل و تتغلب عند الناس على ما هو من الدين الحق و اﻷصل و ليس كما يفترض أن يكون العكس تماماً ، بل ما بعث الله الرسل و اﻹنبياء إلا لتتغلب تعاليمه التي هي أصلح للبشرية التي خلقها و اوجدها على ما وضعوه ﻷنفسهم جهلا و عنادا
(إلا يعلم من خلق و هو اللطيف الخبير )
أضرب مثالين على طريقة تغلب العرف و التقليد على الشرع و الدين
يروي الشيخ القرضاوي في أحد كتبه انه و مجموعة من العلماء يتقدمهم الشيخ الغزالي اجتمعوا في موسم الحج عند الشيخ ابن باز مفتي المملكة السعودية في ذلك الحين ؛ ليناقشوه في موضوع الحجاب و النقاب ومن أن الحجاب من الشرع و الدين أما النقاب فهو من العرف السائد بالذات في جزيرة العرب ، و كان منطق الشيخ الغزالي أن هذا هو رأي الجمهور و هو رأي راجح و أن إصرار السعودية و علماءها على أن النقاب من الشرع و الدين و فرض على المرأة يعرقل جهود الدعاة في أوربا ؛ فهناك المرأة شبه عارية فكيف يمكن أن تقتنع بدخول اﻹسلام الذي يخبرها دعاة السعودية انها يجب أن تغطى بالسواد من أعلى رأسها إلى أخمص قدمها حتى لو كانت راغبة في دخول هذا الدين؛ أجاب ابن باز وهو أعلى علماء السعودية مكانة كما يفترض ؛ يمكنكم قول ذلك كما تشاؤون و لكن دعوا السعودية و شأنها !! يعني الرجل العالم اﻷول كما يفترض غلب العرف على الشرع وإلا لو كان اﻷمر مخالفا للشرع لما سمح به كما يفترض. ..يتبع
المثال الثاني …
نشر أحد المواقع الشيعية المتنورة إن صح التعبير ما يفيد و يدعو الشيعة إلى أن هذه الطقوس من لطم و تطبير و إسالة الدماء هي عادات وافدة و ليست من المشاعر الحسينية كنا أطلقوا عليها و التي تمارس في عاشوراء طل عام و كما أشار أيضا الدكتور الجميح في مقالته، فعلق أحد المتداخلين ، و هو يحمل من الثقافة من خلال اسلوبه قدرا لا بأس به ؛ أجاب ؛ دعونا وشأننا و لا تناقشوا هذه الشعائر البتة ؛ الحسين قضية آلهية ؛ كل ما يجري حولها مسموح و غير مضر ؛ نحن ( هكذا …) مجنون بحب الحسين ، و المجنون لا حساب عليه !!
المسألة تشرح نفسها ؛ أعراف و جنون لا علاقة له بشرع و لا دين
ليس هذه أمثلة نادرة أو بدعا من القول ؛ هي المنتشر السائد المتغلب
سلمت يداك مسكت على جراح الإمة .
لكن ما الحل الان لتفادي هذه الطامة !؟ لماذا لا يجتمع علماء الدين وعمل مصالحة بين جميع الطوائف بل حتى مع الاديان الاخرى المتواجدة في المنطقة العربية لتفادي المزيد من الدم وتكون هذه المصالحة باسم الله . ولنجاح هذه المصالحة يجب الابتعاد عن رجال السياسة .