لو كان بين أفراد الإنسانية وأممها الحد الأدنى من التضامن الفعلي لكانت أول حاجة تؤخذ مأخذ الجد هي الحاجة إلى الغذاء. إذ ليس هناك أسرة يمكن أن تترك أضعف أعضائها فريسة للجوع لمجرد أنه عاجز عن الحصول على الطعام بنفسه إما لصغر أو كبر أو مرض. ومع ذلك فإن الأسرة الإنسانية تترك عشرات الآلاف من أبنائها وبناتها يموتون كل عام جوعا. إذ بمضي كل خمس ثوان يموت طفل دون العاشرة من العمر إما من الجوع أو من مخلفاته المباشرة. أي عائلة عاقلة يمكن أن ترضى بأن تفقد ابنا أو بنتا من أبنائها وبناتها كل خمس لحظات أو حتى كل خمسة أعوام؟
ومع ذلك فإن تقرير الغذاء العالمي السنوي الذي تصدره منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة يذكر أن الزراعة العالمية، في المرحلة الحالية من تطورها، قادرة على توفير الغذاء الكافي لما لا يقل عن اثني عشر مليار نسمة، أي حوالي ضعف سكان الأرض الحاليين! وما يعنيه هذا هو أن حالات الجوع الفردي، وحتى المجاعة الجماعية، لم تعد تحدث نتيجة لنقص في الإنتاج الزراعي والغذائي، مثلما كان الوضع في الماضي. وإنما هي تحدث اليوم نتيجة قرار سياسي. ولذلك صح قول عالم الاجتماع السويسري الشهير جان زيغلر، المعروف باهتمامه الأصيل منذ أكثر من نصف قرن بقضايا التنمية في العالم الثالث والذي كان أول من اضطلع بمهمة مقرر الأمم المتحدة للحق في التغذية بين2000 و2008، إن ضحايا الجوع لا يموتون وإنما يقتلون. إنهم «ضحايا عمليات الاغتيال» التي ينفذها النظام الاقتصادي العالمي اللاإنساني المتوحش. «فكل طفل يموت جوعا هو طفل قتيل لأن هذه المذبحة اليومية ليست قدرا محتوما».
فما هي أسباب «جريمة الجوع» التي «تقبل بها الدول الغنية»؟ أول الأسباب هو الأرباح الفلكية التي تجنيها البنوك وصناديق الاستثمار من المضاربات على المواد الغذائية في البورصات العالمية. ونتيجة هذه المضاربات هي أن ترتفع أسعار الأغذية، مثل الأرز والقمح والذرة، ارتفاعا جنونيا بحيث لا تقدر أي أم تعيش في أحياء الصفيح، التي يقيم فيها ما لا يقل عن مليار ومائة مليون نسمة حسب أرقام البنك الدولي، أن تشتري بنقودها القليلة ما يكفي لسد رمق أطفالها. ولهذا يصاب الأطفال بالوهن، فالمرض المؤدي إلى الموت، حيث أن أمراض سوء التغذية، مثل النوما والكواشيوركور، تفتك بأطفال أحياء الصفيح في مانيلا، وساو باولو، وكاراتشي.
أما وجه المسؤولية السياسية التي تتحملها الدول الغنية في شأن استمرار جريمة الجوع، فيشرحه زيغلر على النحو التالي: إن البورصات العالمية لاتعمل في فراغ قانوني، بل إنه يوجد في كل بلد متحضر قانون ينظمها. ويكفي أن تنقح هذه القوانين بإضافة بند يحرّم كل عملية مضاربة على المواد الغذائية الأساسية، من أرز وقمح وذرة، يقوم بها أي طرف ليس منتجا أو مستهلكا.
ذلك أن هذه المواد الثلاث تمثل ثلاثة أرباع الاستهلاك الغذائي العالمي. أما لماذا لا تبادر البرلمانات والحكومات لوضع حد لجريمة الجوع هذه، فالسبب هو أن الشركات العشر العابرة للقارات التي تتحكم في أربعة أخماس التجارة الغذائية العالمية (إنتاجا، وتخزينا، ونقلا، وتوزيعا، الخ) قد بلغت من السيطرة والنفوذ حد إملاء شروطها على الحكومات.
السبب الثاني لاستمرار جريمة الجوع هو تبخيس الأسعار الزراعية بإغراق الأسواق الإفريقية بفوائض الإنتاج الأوروبية، حيث تباع هذه المواد الأوروبية في النيجر والسنغال ومالي، على سبيل المثال، بنصف، وحتى ثلث، أسعار المنتجات الأفريقية التي من المستحيل عليها أن تنافس الطماطم الإسبانية، أو الزيت اليوناني أو الدجاج الدنماركي. وهذا، حسب قول زيغلر، شكل من المنافسة غير الشريفة التي ينبغي تحريمها.
ولكن القسط الأكبر عن مسؤولية هذه الجريمة إنما تتحمله الصناديق الكواسر، التي تحوم حول الدول الفقيرة المثقلة بالديون لافتراسها. حيث أنها تشتري ديون هذه الدول من البنوك الأصلية، بأبخس الأثمان، ثم لا تدع أي شيء تملكه هذه الدول في الخارج إلا وضعت عليه اليد بسلطة القانون، خاصة في أمريكا وبريطانيا. وقد كان من ضحايا هذه الصناديق الافتراسية الفتاكة دول مثل الأرجنتين ومالاوي. حيث بلغ الأمر أن مالاوي، التي دائما ما تعاني من تكرر جوائح القحط، قد أجبرت على بيع احتياطيها من الذرة في الأسواق العالمية لسداد بعض ديونها لهذه الصناديق، فأدت المجاعة عام 2002 إلى موت عشرات الآلاف من أبناء البلاد.
٭ كاتب تونسي
مالك التريكي
مقال في منتهى الجمال والدقة؛ لوتضامن العالم كأسرة واحدة لماحدثت مجاعة أو أن نسمع أن هناك طفلا مات جوعا في إفريقيا.
المخزون الغذائي الموجود حاليا في العالم يكفي سكان العالم جميعا،بل ضعف سكان الحاليين في الأرض كماتفضلت ذكر ذالك في مقالك .
والمجاعة تحدث حاليا بشكل غير مسبوق له في الصومال إذ يموت الأطفال والعجزة من الجوع والعطش ؛وهذه كارثة إنسانية في القرن الواحد والعشرين .
إذا لم يتحرك أحرار العالم لنصرة هؤلاء الجوعى لنرى ونسمع من شاشات التلفزة أن أطفالنا ماتوا جوعا.