كلما ضاق الأمر بالسياسة والسياسيين في الجزائر اشرأبت الأعناق نحو البزات العسكرية ونياشين القادة التي يلبسونها ويجلسون في مبنى أنيق أبيض اللون بأعالي العاصمة كأنه يحرسها.
مناسبة هذا الكلام أن الجيش تدخل لإقناع قادة حركة الاحتجاج على الغاز الصخري في الجنوب بإنهاء اعتصاماتهم والعودة إلى بيوتهم. أمس الإثنين صادف نهاية المهلة التي منحها قادة الناحية العسكرية السادسة (الصحراء الكبرى ـ مساحتها تناهز المليوني كلم مربع) نيابة عن الرئاسة ووزارة الدفاع، لإنهاء الاحتجاجات.
قبل أن ينزل اللواء عمار عثامنية قائد الناحية العسكرية السادسة إلى عين صالح، قلب الحركة الاحتجاجية، وبعده مدير قطاع العمليات، زار المحتجين قائد الأمن الوطني (الشرطة) اللواء عبد الغني هامل مبعوثا للرئيس بوتفليقة، لكنه فشل في إقناعهم لأنه لا يحمل ميزات الإقناع ولا يمثل مؤسسة قادرة على الإقناع.
وزارهم وزراء وبرلمانيون يشكلون رموزا للفشل الحكومي والبؤس السياسي الذي وصلته البلاد، فكانت النتيجة الطبيعية أن عادوا إلى العاصمة شبه مطرودين.
وجرت محاولات وحملات من قِبل بعض الإعلام بهدف إفشال الحركة والإساءة لقادتها، ففشلت لأن نزاهة الحركة الاحتجاجية وصدقها كانا أقوى من محاولات تلطيخها.
بيد أن القادة العسكريين توصلوا إلى حل ما مع قادة الحركة الاحتجاجية، بحسب تقارير إعلامية لم تمنح قادة الاحتجاجات المساحة الكافية ليشرحوا مضمون ما «اتفقوا» عليه مع القادة العسكريين.
ليس واضحا بعد هل سيفلح هذا «الحل» في إنهاء اعتصامات الصحراء ووضع حد للصداع الذي ظلت تسببه للسلطة طيلة سبعين يوما. ولكن أيا كان مضمون «الحل» وقدرته على الصمود، فهو تحقق لأسباب عدة، منها أن المؤسسة العسكرية ما زالت تحظى ببعض الهيبة والاحترام بين عامة الجزائريين، وتثير قليلا من الخوف في أوساط بعضهم. ولا يزال في مخيال بعضهم الآخر قليل من النفوذ الذي تملكه هذه المؤسسة وترمز إليه.
إذا أضيفت هذه الهيبة والاحترام (مع الخوف) إلى حالة التردي الذي بلغته السياسة والسياسيون، كانت النتيجة التي توصل إليها قادة الناحية السادسة منطقية وطبيعية، على الرغم من أنها آخر ما كان يجب أن يتحقق. فالأصح والأصوب أن الجيش، مركزيا أو محليا، لا يتدخل في أزمة بين الحكومة وشرائح من المجتمع، عنوانها اجتماعي وبيئي، ولم تنذر بأي تدهور أمني أو عسكري كونها بقيت سلمية هادئة وتحت السيطرة جغرافيا وموضوعاتيا.
رغم ذلك لا يمكن للزج بالجيش في الموضوع إلا تكريس الانطباع بأن المسألة تحتاج إلى حل أمني، كما تعاملت السلطة الجزائرية مع كل الأزمات التي افتعلتها وعجزت عن إدارتها.
الذين يتذمرون من (استمرار) تدخل الجيش في السياسة أمامهم فرصة اليوم لكتابة معلقات. والذين يخشون على الجيش من (استمرار) الزج به في السياسة أمامهم فرصة أيضا. مسؤولية هذا الاستمرار (في الحالتين) يتحملها الرئيس بوتفليقة أو الذين يحكمون باسمه، لأن الزج بالجيش، ولو سلميا، في نزاع مدني سلمي، يرمي لحماية نظام الحكم ومصالح رجاله وزمره بالدرجة الأولى. وهدفه شراء بعض الوقت.
لا يجب الابتهاج بتدخل الجيش في عين صالح أيّاً كانت النتيجة التي توصل إليها. ذلك أن نجاح «الحل» في عين صالح سيمنح ورقة أخرى لقادة الجيش يلوحون بها أمام السياسيين والمدنيين. وفشل «الحل» سيمس بمصداقية الجيش، آخر مؤسسة حافظت على وقوفها في بلد انهارت كل مؤسساته وانتكست.
لا يمكن الاستمرار في توظيف حجة فشل السياسيين والادعاء بأن الجيش يعالج أخطاءهم.
لقد انتشر هذا الاعتقاد في الجزائر منذ 1992، ومعه أن المؤسسة العسكرية هي المخلّص ولا شيء يتحقق من دونها أو رغما عنها. منذ قرابة ربع قرن يعمل سياسيون وإعلاميون كثيرون على تكريس هذا الاعتقاد حتى جعلوا منه أمرا واقعا غير قابل حتى لمجرد المناقشة.
كتّاب كثيرون أمضوا سنوات طويلة يتلذذون بالكتابة عن دور ما يسمونها «الصامتة الكبرى» و»قدرتها» على فرض الحلول عندما يعجز المدنيون. ولسوء حظ الجزائر أن السياسيين دائما يفشلون لأنهم، موالاة ومعارضة، من صلب نظام لا ينتج ولا يشجع غير الفشل.
قد تكون المؤسسة العسكرية مضطرة للتعامل مع إخفاقات السياسيين وحماية البلد منها. لكن الاسئلة التي يجب أن تُطرح هي من قبيل: أليس بوتفليقة من هؤلاء السياسيين؟ مَن جاء به إلى الحكم؟ مَن أبقاه في الحكم؟ مَن يسكت على أخطائه؟ مَن يجب أن يحمي البلاد منه ومن جماعته؟
في 1989، وبعد مظاهرات تشرين الأول (أكتوبر) 1988 الدامية، قرر الرئيس الشاذلي بن جديد إبعاد الجيش عن السياسة ضمن مساعي انفتاح على المجتمع وتحقيق حد أدنى من الشفافية في الحكم. لكنه غاب عنه وعن مؤيديه في هذه الخطوة آنذاك أن الجيش لا يُبعد عن السياسة بمرسوم رئاسي لأنه العمود الفقري لنظام الحكم، وأن بعض قادة الجيش لم يكونوا ليسمحوا بإبعادهم عن شؤون الحكم لأنهم يرون أنفسهم أوصياء على مجتمع لا يثقون في نضجه.
فكانت محصلة قرار بن جديد إبعاد الجيش فقط عن بعض المؤسسات السياسية والحزبية مثل اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير (الحزب الواحد آنذاك)، بينما بقيت المؤسسة الأمنية والمخابراتية ممسكة بمفاصل الدولة مدنيا وعسكريا. واستمرت على ذلك الحال إلى اليوم.
لكن بين 1989 و2015 سنوات طويلة وهوة وأجيال تغيّرت ومعها المجتمع الجزائري والجيش ومؤسسات الحكم.
٭ كاتب صحافي جزائري
توفيق رباحي
ﺍﻳﻦ ﺍﻟﻤﺸﻜﻞ?
الجزائردولة لجيش و ليس جيش لدولة و الجيش هو الذي يحكم
و اين الحل يا اخي رباحي انا في عمري 47 و لا ارى بصيص امل في نهاية النفق . الظلم القهر الانحطاط الاخلاقي غياب العدالة الاختلسات..لقد دكرت الرئيس الشادلي يرحمه الله اصدقك القول اخي انني احن الى عهد الحزب الواحد في وقته ولا الى هده المهازل فين جاؤا بعده،فعلى الاقل الرجل كان صادق حسب رأيي.
الجيش له خصوصية في الجزائر لانه ولد قبل الدولة الجزائرية الحديتة وهاد ينطبق على جيش صر وتركيا وباكستان وحتي اسرائيل و