عند تعيين محمد بن نايف وليا للعهد في السعودية، منذ سنتين، كتبت أتساءل، متى يظهر محمد بن نايف «انتاعنا» في الجزائر، لقناعتي بأن هناك تشابها كبيرا بين النظامين السعودي والجزائري، رغم ما قد يوحي بعكس ذلك، لأول وهلة.
فالنظامان زيادة على طابعهما الريعي اقتصاديا والمغلق سياسيا، يعيشان في السنوات الأخيرة إشكالا سياسيا فعليا، يتعلق بعملية تسيير انتقال السلطة من الجيل المؤسس، الذي حكم البلدين، لمدة أكثر من نصف قرن، نحو جيل صغير في السن، لا يملك الشرعية التاريخية التي تمتع بها الجيل المؤسس وبنى عليها سلطته، بما يفرض عليه تجديدا على مستوى الشرعيات والعقائد والتحالفات الداخلية، وتلك المرتبطة بالدولية، بكل التوازنات التي يتطلب إيجادها داخليا وخارجيا.
قضايا كبيرة، يجب حلها مع هذا الانتقال الجيلي للسلطة، يعيش خلالها الحكم الجديد هشاشة أكيدة، إذا لم يتم التحكم فيها كمرحلة انتقال متميزة بظروفها وشروط تسييرها، ما قد يؤدي الى انزلاقات خطيرة، قد تبدأ بانقلابات القصور، وصولا الى اضطرابات جدية، تمس باستقرار المجتمع والنظام السياسي ككل، في عقائده وطرق تسييره وتوازناته، وحتى ما تعلق بالوحدة الترابية للبلاد، في وضع دولي واقليمي أكثر من مضطرب.
تجربة كان الاتحاد السوفييتي قد دفع ثمنها وهو يعيش مثل هذه الحالة، عندما انتقلت السلطة من الجيل السوفييتي المؤسس، إلى جيل ثان مثله غورباتشوف ويلتسين بعده، قبل العودة الى الاستقرار عقودا بعد ذلك، مع بوتين، بعد ان فقد الاتحاد السوفييتي جزءا كبيرا من ترابه ومصالحه وهيبته الدولية، يعمل على استعادتها بصعوبة. اعترف بأنني كنت ساذجا، أو على الأقل مفرط التفاؤل، عندما حسبت أن إشكال الجيل والسياسة، قد حل بهذه السلاسة في السعودية، بعد أن انتقلت السلطة، من جيل الأبناء إلى جيل الأحفاد، الذين تحولوا مع الوقت الى قوة ديموغرافية، ليس من السهل تسييرها، كما كان حاصلا مع الجيل الأول، الذي كان أكثر قبولا بالقوالب الأيديولوجية ودور العائلة وكبارها من الذكور، كمؤسسة سياسية مركزية في اتخاذ القرار، رغم الهزات التي عاشها هذا الجيل المؤسس، مع إبعاد الملك سعود واغتيال الملك فيصل. فتسيير الجيل الجديد بكل خصائصه الديموغرافية المرتبطة بالتعليم الجامعي والتحول في العقليات والمصالح، ليس أمرا هينا ومضمونا بالضرورة، ما يعني ان انقلاب القصر الذي عاشته السعودية في الأسبوع الماضي، بإبعاد محمد بن نايف، ليس إلا بداية لمرحلة جديدة، قد تكون اكثر اضطرابا في هذا الجو الإقليمي والدولي المشحون، فقرار إبعاد ابن الأخ نايف، من قبل عمه الملك سلمان، ما زال لم يفصح عن كل تداعياته، في الداخل السعودي والإقليم المضطرب، ناهيك عن المتغير الدولي الذي لم يعد يقبل بنظام سياسي بهذه المواصفات الفكرية والعقدية، المطلوب التخلي عنها أو على الأقل تغييرها جديا وليس شكليا، كما يفعل النظام السعودي حتى الآن، وهو يقوم بإنتاج مسلسل أو حصة تلفزيونية «نقدية «، يعتقد أنها كفيلة بمنح صورة مغايرة عنه للخارج.
أعترف كذلك بأنني «غرت» في حينه، من هذا «النجاح السعودي» في الانتقال الجيلي، كما بدا لي ولغيري، بكل تأكيد، منذ سنتين، بعد تعيين محمد بن نايف وأنا أنظر إلى بلدي الذي ما زال يحكمه جيل كبير في السن، وما زال يتحكم في القرار السياسي، منذ مرحلة ما قبل الاستقلال. جيل حكم البلد بشرعية الثورة، وما أنجزته الدولة الوطنية بعد الاستقلال. جيل تحول إلى أقلية ديموغرافية، نراه يموت أمامنا كل يوم، كما هو حال جيل الأبناء في السعودية، الذي أصبح يتوفى فيها ولي العهد قبل ملكه. جيل يرفض مغادرة مركز السلطة السياسية، في مجتمع شاب أصبح ينظر اليه نظرة في غاية السلبية، وصلت للتشكيك حتى في إنجازاته التاريخية التي حققها كثورة التحرير والاستقلال وبناء الدولة الوطنية.
ما هو خطير في الحالة الجزائرية ليس فشلا في تسيير مرحلة الانتقال الجيلي، بل رفضا لها من الأصل، وعدم طرحها كتحد يجب ان يرفع قبل فوات الأوان. فالجيل الحاكم، رغم أنه ينقرض بيولوجيا يوميا، كما كان يحصل للقيادات السياسية العليا خلال السنوات الأخيرة، من عمر التجربة السوفييتية، يرفض تنظيم هذه العملية الانتقالية، التي يمكن أن تجنب البلاد الكثير من الويلات، إذا تمت بنوع من التوافق ومن داخل المؤسسات السياسية الرسمية للدولة، كما يتمنى ذلك اغلبية من الجزائريين، أحزابا ومواطنين، المتخوفين من الابتزاز الأجنبي للجزائر، وهي تراوح مكانها في حالة الركود والشلل هذه، كما حصل لدولة عظمى، مثل الاتحاد السوفييتي، وكما هو حاصل للسعودية في المدة الأخيرة، كما ظهر بعد زيارة ترامب الأخيرة. فالدور الذي قامت به المؤسسة العائلية في الحالة السعودية، بتنظيم بداية العملية الانتقالية هذه، بكل عيوبها، يبدو ان الجيش الذي قام مقام العائلة الكبرى في هذا النظام الأبوي في الجزائر، لم يعد يقوم به أو يرفض القيام به، بعد التحولات التي عاشتها قيادته في العقدين الأخيرين، بعد تنحي وابتعاد/ إبعاد القيادات الكارزمية، التي كانت على رأس مؤسساته المركزية، كالمخابرات وقيادة الأركان، من الوجوه العسكرية التي شاركت بمستويات مختلفة في حرب التحرير. حصل هذا الابتعاد عن الشأن السياسي من قبل العسكريين، بعد وصول قيادات محترفة من الجيل الجديد، لم تعد تطالب بالقيام بأدوار سياسية، لم تتكون أصلا على القيام بها، وربما لا تريد القيام بها وتراها خارجة عن مجال «اختصاصها المهني» الذي اقتنعت به كتنشئة عسكرية، بعد الاستقلال.
الشيء نفسه بالنسبة لمؤسسات الدولة الأخرى، كالبرلمان والحكومة والأحزاب السياسية، التي حصلت نخبها على تنشئة غير سياسية في الأصل، خصصتها في مهام يغلب عليها منطق التسيير الإداري ومشاركة شكلية بعدية، لا تؤهلها للبت في قضايا سياسية، كالإشراف على عملية انتقال جيلي معقدة، بأبعاد ديموغرافية، كما هو مطلوب إنجازه في الجزائر وليس عملية انتقال سياسي فقط، بين وجوه سياسية بين أبناء الجيل نفسه.
النتيجة أننا امام فراغ مؤسساتي، لا يساعد للإشراف على العملية الانتقالية في الجزائر، التي ستتكفل بحسمها البيولوجيا، بكل التبعات المتوقعة لهذا الفراغ المؤسساتي، فهل ستعود الجزائر الى العائلة وعلاقات القرابة والجهة ومؤسسات الماقبل وطنية، للحسم في هذه العملية المصيرية.
كاتب جزائري
ناصر جابي
النظامان مختلفان، الاول ملكي و الثاني رئاسي
هناك شيء اسمه الانتخابات في الجزائر، في 2019 سيتم انتخاب رئيس جديد، ربما ينتمي للجيل الجديد ، تبدأ معه الجمهورية الثانية و السلام