أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بتاريخ 17 أغسطس/آب الماضي، «إن بلاده شكلت فريق عمل حول إيران سيكون بإدارة المبعوث الخاص لإيران براين هوك، وإن الهدف من تشكيل هذا الفريق هو فرض احترام العقوبات الاقتصادية الأمريكية ضد طهران، في سبيل إجبار النظام الإيراني على تغيير سلوكه».
الهدف المعلن من أمريكا فرض احترام العقوبات الاقتصادية الأمريكية ضد طهران، مع المجازفة بفرض عقوبات على الدول التي لا تلتزم بإجراءات واشنطن، وقال بومبيو للصحافيين إن «مجموعة العمل ستكون بإدارة المبعوث الخاص لإيران براين هوك، وسيكلف إدارة وإعادة تقييم وتنسيق كل جوانب نشاطات وزارة الخارجية المرتبطة بإيران»، أما هوك نفسه فقد صرح بأن الهدف هو فرض احترام الدول الأخرى للعقوبات الاقتصادية على إيران، التي أعاد الرئيس الأمريكي العمل بها، بعد انسحابه من الاتفاق النووي الموقع في 2015 بين طهران والقوى الدولية الكبرى، وأوضح أن خلية العمل هذه «مصممة على القيام بجهد عالمي كبير، ليغير النظام الإيراني سلوكه، نريد العمل بشكل وثيق بالتزامن مع حلفائنا وشركائنا في جميع أنحاء العالم، وهدفنا هو خفض واردات النفط الإيراني لكل بلد إلى الصفر بحلول الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني».
وقال المسؤول المقرب من مستشار الأمن القومي جون بولتون «نحن مستعدون لفرض عقوبات ثانوية»، على الدول التي لا تحترم العقوبات الأمريكية.
هذه المجموعة تم تشكيلها في الخارجية الأمريكية، بعد رفض دول الاتحاد الأوروبي وبالذات الدول الأوروبية الكبرى الثلاث بريطانيا وفرنسا وألمانيا الانسحاب من الاتفاق النووي أولاً، وطالبت الحكومة الإيرانية بعدم الانسحاب منه ثانياً، وأخذت ممثلة الاتحاد الأوروبي موغيريني تتصل بالصين وتحثها على توثيق العلاقات معها، بهدف معارضة مبدأ الانسحاب الأمريكي من الاتفاق، وعدم الخضوع للإرادة الأمريكية، وقام الاتحاد الأوروبي بتوقيع اتفاقيات أخرى مع اليابان، لتوثيق العلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي واليابان، وهي تمثل نسبة كبيرة من التبادل التجاري العالمي، كما أن روسيا الاتحادية أجرت اتصالات مع الصين لمواجهة العقوبات الأمريكية على إيران، وهناك العديد من الدول التي أجرت اتصالات بين بعضها بعضا لمواجهة هذه العقوبات التي تضر بمصالحها الاقتصادية.
هذه المواقف الدولية المعارضة للعقوبات على إيران لم تكن الادارة الأمريكية تتوقعها، ما جعلها تشكل هذه المجموعة التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية لتكون بمثابة دائرة تابعة لها للعمل على متابعة هذه الدول التي تقف ضد الادارة الأمريكية وعقوباتها على إيران، فمهمتها هي معاقبة الدول التي ترفض، أو لا تلتزم بالعقوبات الأمريكية على إيران، وأمريكا تعلم أن العديد من الدول لن تضع نفسها بهذا المأزق الصعب، وبالأخص إن كانت علاقاتها التجارية مع أمريكا أكبر من علاقاتها التجارية مع إيران، أو أنها لا تستطيع أن تتحمل عقوبات أمريكا على شركاتها العاملة في أمريكا، أو لها علاقات تجارية كبيرة مع الشركات الأمريكية الكبرى، أي أن تشكيل مجموعة المتابعة لحصار أمريكا على إيران، هدفها تضييق الخناق على إيران، بحيث لا تستطيع الانفلات من تأثير هذه العقوبات.
حتى الآن التزمت الحكومة الإيرانية النصائح الأوروبية بعدم الانسحاب من الاتفاق النووي، ولكنها تكرر مطالبها للاتحاد الأوروبي أن يثبت قدرته على التزامه بالاتفاق معها، على الرغم من رفض أمريكا لذلك، حتى أن المرشد خامنئي قال يوم الخميس 30 أغسطس الماضي، إنه لا يرى آمالاً لقدرة الاتحاد على الاستمرار بالاتفاق، وهدد بالانسحاب من الاتفاق النووي من جهة إيران أيضاً، وهذا التصريح لخامنئي سبقته تصريحات كثيرة مشابهة من الرئيس حسن روحاني، ووزير الخارجية جواد ظريف والمسؤولين الايرانيين، فجواد ظريف يقول بأن الحفاظ على الاتفاق النووي ليس خيار إيران الوحيد، فضلا عن التهديدات العسكرية للجنرات الايرانيين، بإغلاق مضيق هرمز وباب المندب، ومنع تصدير النفط عبر الخليج العربي والبحر الأحمر، إذا نفذت أمريكا عقوباتها ومنعها من بيع نفطها، وهو ما زاد من توتر أوضاع الخليج العربي أمنيا وتجاريا، ودفع الرئيس الأمريكي ترامب للدعوة إلى تشكيل تحالف عسكري عربي أمريكي، لمواجهة تهديدات إيران في مياه الخليج العربي وتهديداتها الأمنية في المنطقة.
وبحكم التعاون العسكري الايراني مع الحروب التي شنتها أمريكا على أفغانستان 2001 والعراق 2003، فإن قطاعا كبيرا من المحللين السياسيين لا يرون إمكانية للاصطدام العسكري بين الدولتين، فأمريكا لا تجرؤ على مهاجمة إيران، قبل وضع خطة عسكرية كاملة لمواجهتها، بما فيها احتمالية استعمال أمريكا لأسلحة نووية، في حال تعرض قواتها البالغ عددها 50 ألفاً إلى نيران القوات الإيرانية المنتشرة في العراق وسوريا ولبنان واليمن ومياه الخليج وأفغانستان وغيرها، وهذا العدد بحسب احصائيات الجنرالات الإيرانيين وتهديداتهم، ولذلك فإن أمريكا وضعت خطتها العسكرية لتوجيه ضربة عسكرية لإيران، في حالة تجاوزها للخطوط الحمر المتفق عليها بينهما، ومن أهمها عدم التعرض للجنود الأمريكين في المنطقة، أي أن إدارة ترامب تسير على مبدأ تبادل المصالح مع إيران، منذ تأسيس الجمهورية الايرانية، ولا تسعى للاصطدام بها إلا مضطرة، فخطتها العسكرية متفق عليها مع الحكومة الاسرائيلية، وهو ما يرجح أن تقدم إدارة ترامب على توجيه ضربة عسكرية لإيران، مع التهديد بأن أي رد عسكري إيراني عليها سوف يواجه بالأسلحة النووية، وهذا ما سوف يجعل الانتقام الايراني غير موجه لأمريكا مباشرة، والإعلام الايراني سيدعي بأنه يواجه أمريكا ولو كانت الضربة لأحد حلفائها في المنطقة.
وقد لا تضطر أمريكا لتوجيه هذه الضربة العسكرية لإيران إذا نجحت العقوبات الأمريكية باضعاف سيطرة الدولة على مقاليد الأمور، وزاد حجم المظاهرات والاحتجاجات الشعبية، أو أدت إلى نشوب حرب أهلية داخل إيران، فمعظم القوميات غير الفارسية تشعر بالظلم والإقصاء من دوائر اتخاذ القرار السياسي أو العسكري، أو الامتيازات المالية الكبرى، وهو ما أدركه وزير الخارجية الايرانية جواد ظريف من تشكيل أمريكا لمجموعة متابعة للحصار على إيران، حيث قال إن هدف تشكيل هذه المجموعة هو العمل على إسقاط السلطة الايرانية، على طريقة إسقاط أمريكا لحكومة مصدقي في خمسينيات القرن الماضي، وهذا يعني أن الحكومة الإيرانية تدرك جدية العقوبات الأمريكية أولاً، وجدية الحزم الأمريكي بتغيير سلوك الدولة الإيرانية، داخل إيران وفي المنطقة، وهذا سيؤدي من وجهة نظر أمريكية إلى سقوط السلطة الإيرانية من قبل الشعب الإيراني، وتأييد أمريكا والدول الغربية له، وإلا فإن التدخل العسكري سيكون خيارا أمريكا ضروريا، وبالأخص إذا قام الحرس الثوري الإيراني بقمع الاحتجاجات الداخلية بطريقة عنيفة، فليس من الغريب أن تسقط السلطة الإيرانية على الطريقة التي شاركت فيها بإسقاط السلطة العراقية السابقة، طالما أن الخطة الأمريكية واحدة.
كاتب تركي
محمد زاهد جول