«الخطوط الجوية التونسية» تتطلع إلى التوسع في افريقيا مع استعدادها لمنافسة محتدمة في أوروبا

حجم الخط
0

 

تونس – رويترز: تستعد تونس لتحرير مجالها الجوي أمام أوروبا هذا العام، سعيا لدعم قطاع السياحة وتخفيف حدة أزمتها الاقتصادية، بتوقيع اتفاق «السماوات المفتوحة» مع الاتحاد الأوروبي، غير أنها قد تخاطر بمواجهة حادة مع النقابات العمالية التي تخشى مصيرا مجهولا يهدد «الخطوط الجوية التونسية».
لكن الخطوط المملوكة للدولة- التي قد تتأثر باتفاق «السماوات المفتوحة» تأثرا مباشرا- تسعى إلى التوسع في أفريقيا، في ظل المنافسة المحتدمة المتوقعة مع شركات الطيران منخفض التكلفة في أوروبا التي طالما كانت تمثل الوجهة الرئيسية للخطوط التونسية.
كانت تونس وقعت مع الاتحاد الأوروبي في ديسمبر/كانون الأول الماضي مذكرة تفاهم لتحرير حركة النقل الجوي على أن يجري توقيع اتفاق «السماوات المفتوحة» النهائي في وقت لاحق هذا العام.
ويأمل المسؤولون والفنادق ووكالات السفر في تونس أن تضع شركات الطيران منخفض التكلفة تونس على خريطتها لنقل عدد أكبر من السياح، مثلما حدث في المغرب، حيث تضاعف عدد المسافرين إلى نحو مثليه منذ أن وقعت المملكة على اتفاق مماثل في 2005.
لكن النقابات العمالية في تونس تهدد بتنظيم إضرابات إذا مضت الحكومة قدما في خطتها لتحرير الأجواء دون إعادة هيكلة الخطوط التونسية المملوكة للدولة، وتخفيف الأعباء المالية عن الشركة التي تعتبر من أكبر مثشَغِّلي العمالة بين الشركات العامة في تونس.

نقابات قوية

يقول العام لنقابة الخطوط التونسية ،إلياس بن ميلاد، «نحن مستعدون لكل النضالات، ومن بينها شن إضراب وطني يشمل كل المطارات، إذا أصرت الحكومة على المضي قدما في اتفاق السماوات المفتوحة دون القيام بإصلاحات هيكلية للشركة، ودون ضخ أموال هامة قبل الاتفاق لجعلها قادرة على مواجهة المنافسة الشرسة».
وفي حين يضغط المقرضون الدوليون على تونس لإجراء إصلاحات وخفض الإنفاق على الشركات العامة المتضخمة وتعزيز القطاع الخاص، فإن رئيس الوزراء يوسف الشاهد لا يمكنه القفز بسهولة فوق جدار اتحاد الشغل ذي النفوذ القوي والذي يعارض بشدة خطط الخصخصة المحتملة.
ويحتاج الشاهد وحكومته للاستماع إلى النقابات التي تريد تجنب فقدان وظائف في وقت تبلغ فيه نسبة بطالة الشبان حوالي 30 في المئة ووصلت فيه معدلات التضخم لأعلى مستوياتها منذ 1990. ويوم السبت الماضي، احتشد المئات من موظفي الخطوط التونسية أمام مقر «الاتحاد العام للشغل» في العاصمة تونس، رافعين شعارات رافضة لاتفاق السماوات المفتوحة. وطالب المحتجون بتعليق فوري للاتفاق المبرم مع الاتحاد الأوروبي.
والخطوط التونسية واحدة من عشرات الشركات المملوكة للدولة التي عانت من معضلات مالية في السنوات الأخيرة. وتسعى الحكومة إلى وضع خطط لوقف نزيف الخسائر، إذ خسرت الخطوط التونسية وحدها حوالي 700 مليون دينار منذ انتفاضة 2011.
وتسعى الحكومة أيضا من خلال إصلاح الشركات العمومية إلى خفض الوظائف في القطاع العام، الذي يعمل فيه حوالي 700 ألف موظف برواتب تعادل نحو 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو من أعلى المعدلات في العالم رغم أن الأجور في تونس تظل هزيلة بوجه عام.
متنفس قطاع السياحة
في ظل تردد المستثمرين في العودة إلى تونس، تبقى السياحة أفضل أمل للحكومة في رفع نسب النمو وخلق فرص العمل.
وكانت السياحة قد تعرضت لضربة عنيفة عقب هجومين كبيرين شنهما إرهابيون في 2015. لكن البريطانيين وغيرهم من السياح الغربيين عادوا بقوة من جديد لزيارة المنتجعات السياحية في تونس بعد أن رفعت معظم الدول حظر السفر.
واستقبلت تونس العام الماضي سبعة ملايين سائح، في مؤشر قوي على تعافي القطاع، بينما تتوقع استقبال ثمانية ملايين للمرة الأولى هذا العام مع ارتفاع معدلات الحجوزات.
وقال وزير النقل رضوان عيارة ان اتفاق «السماوات المفتوحة» سيخلق حوالي ثمانية آلاف فرصة عمل جديدة، وسيزيد عدد المسافرين في السنوات المقبلة بشكل ملحوظ، متوقعا أن يرتفع عدد ركاب الخطوط التونسية إلى أربعة ملايين العام المقبل من 3.5 مليون في 2017 نتيجة الإصلاحات.
وأضاف «من المنتظر أن يحقق هذا الاتفاق عدة نتائج إيجابية، من أهمها التطور السريع للحركة الجوية بين تونس والاتحاد الأوروبي، وفتح خطوط جوية باتجاه وجهات جديدة، وتطوير القطاع السياحي في تونس، والتقليل من أسعار النقل الجوي، وتحسين الخدمات، وخلق مواطن شُغل جديدة، بالأضافة إلى تحفيز الاستثمار». لكن تحرير الأجواء أمام الشركات الأوروبية ذات التكلفة المنخفضة قد يعني تضييق المجال على الخطوط التونسية التي تسيطر حاليا على 41 في المئة من السوق وفقا للأرقام الرسمية.
ويقول عيارة ان الحكومة ستستثني مطار قرطاج، وهو مركز العمليات الرئيسي للخطوط التونسية، من اتفاق «السماوات المفتوحة» سعيا لحماية الشركة إلى حين انتهاء برنامج الإصلاح لتكون جاهزة بشكل جيد للمنافسة.
لكن إلياس بن ميلاد، النقابي في الخطوط التونسية، قال في مقابلة جرت في مكتبه في مقر الشركة «ستكون كارثة كبرى.. الشركة ليست جاهزة بعد للمنافسة وأتوقع أن الخطوط التونسية لن تصمد أكثر من سبعة أشهر عقب اتفاق السماوات المفتوحة».
وأضاف أن الشركات منخفضة التكلفة قد تعرض تذاكر بأسعار بين 50 و80 يورو، مما يزيد صعوبة مهمة الخطوط التونسية، التي ستضطر لتخفيض كبير في أسعارها لن تستطيع تحمل تبعاته. وتتراوح أسعار تذاكر الخطوط التونسية بين 220 و400 يورو.
لكن الحكومة ترفض هذه التوقعات، وتقول إن إصلاحات جريئة ستشمل الشركة لجعلها قادرة على المنافسة. وحسب وزير النقل فإن إجراءات إعادة هيكلة الخطوط التونسية ستتضمن خفض 1200 وظيفة بشكل طوعي في الشركة.
لكن النقابة تشكك في المضي قدما في هذه الإصلاحات، باعتبار أنها وافقت على هذا المقترح قبل أربع سنوات لكن التنفيذ بقي حبرا على ورق، وتقول أنها ستعرقل اتفاق «السماوات المفتوحة» ما لم يتم إجراء إصلاحات حقيقية وإعادة هيكلة للشركة.

بيروقراطية معوقة

يقول المُطَّلعون على شؤون الشركة ان المعضلة الرئيسية هي العقلية السائدة التي تتطلب «ثورة» لتسيير الشركة بشكل أكثر فعالية، على غرار الشركات الخاصة أو حتى مثل الشركات العامة العاملة في قطاعات تنافسية.
فعلى سبيل المثال، يحتاج المدير العام للخطوط التونسية إلى كثير من الوقت والإجراءات المعقدة والموافقات من وزيره المباشر، من أجل شراء طائرة أو قطع غيار، أو حتى لإرسال بعض كبار الموظفين في مهام بالخارج.
كما يتمتع موظفو الخطوط التونسية بامتيازات كبيرة مثل شراء التذاكر بتكلفة قد لا تزيد على عشرة في المئة من سعرها الحقيقي. لكن النقابي بن ميلاد يرى أن «هذا ليس مشكلا حقيقيا وأن 700 موظف فقط تمتعوا بهذه الحقوق في 2017». وفي مقابلة مع قائد طائرة في الخطوط التونسية قال ان «الفوضى» سادت في الشركة في السنوات الأخيرة التي تلت الانتفاضة. وأضاف «المشكل الحقيقي هو غياب إدارة تتصدى للنقابات القوية التي أصبحت لها الكلمة الفصل في الشركة منذ الثورة».
واستدل على ذلك بخلاف كبير نشب العام الماضي بين قائدي الطائرات والفنيين الذين أصروا آنذاك على ارتداء زي مشابه لزي قائدي الطائرات، مما أدى إلى تعطيل حركة سير الطائرات وتأخر الكثير من الرحلات.
وتابع «لكن لو يجري إصلاح حقيقي للشركة وتحسين مستوى الخدمات… فالشركة تمتلك قدرة كبيرة على النمو وتحقيق أرباح، ولا خوف من السماوات المفتوحة لأن الوصول للخطوط البعيدة مثل أفريقيا وأمريكا والصين لا تتيحه الشركات ذات التكلفة المنخفضة».
ويشكو مسافرو الخطوط التونسية من فقدان الأمتعة والتأخر في مواعيد الرحلات في كثير من الأحيان، إضافة إلى تراجع مستوى الخدمات. ويقر مسؤولون في الشركة بهذه المعضلات، ويقولون أنهم يسعون لتداركها وتحسين جودة الخدمات.
ولا تملك الخطوط التونسية إلا أسطولا صغيرا حجمه نحو 32 طائرة. لكن عدد موظفيها يصل إلى ثمانية آلاف موظف. وقال وزير النقل ان لدى الشركة خطة لشراء خمس طائرات «إيرباص» جديدة في السنوات الثلاث المقبلة، وسيجري استئجار طائرات أخرى لتسيير مزيد من الرحلات في أوقات ذروة الطلب.
وتضررت الخطوط التونسية في السنوات الأولى للانتفاضة بسبب تراجع أعداد السياح، وخسارة سوقها الرئيسية في ليبيا التي كانت تسهم بحوالي 25 في المئة من أرباحها، عندما توقفت عن تسيير رحلات هناك بسبب الأوضاع الأمنية. وعلى الرغم من استثناء مطار قرطاج من اتفاق «السماوات المفتوحة» لمدة خمس سنوات حتى تكمل الخطوط التونسية برنامج إصلاحها، فإن شركات الطيران منخفض التكلفة ستكون قادرة على الهبوط في باقي المطارات، ومن بينها مطار النفيضة الذي يبعد 90 كيلومترا عن تونس العاصمة، أو مطار المنستير الذي يبعد عنها 120 كيلومترا، وهو ما سيشكل تحديا حقيقيا للخطوط التونسية. ويسعى مسؤولو الشركة إلى فتح طريق جوية جديدة إلى أفريقيا، مع تزايد فرص الاستثمار والتصدير هناك، حتى تكون تونس مركز عبور إلى أفريقيا عبر الخطوط التونسية، تماما مثلما تسعى لذلك السلطات المغربية مستغلة ناقلتها الوطنية شركة «الخطوط الملكية المغربية». وفتحت الخطوط التونسية في السنوات الأخيرة عدة رحلات إلى خمس وجهات أفريقية، من بينها داكار وكوتونو وكوناكري ولومي، بينما تستعد لفتح وجهات أخرى من بينها السودان والكاميرون هذا العام. وتأمل أيضا بتسيير رحلات إلى نيويورك هذا العام.
وحتى الآن تسير الخطوط التونسية رحلات إلى ثماني دول في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، وتسعى لرفعها إلى عشر وجهات هذا العام وربما أكثر لاحقا.
والرحلات الأفريقية مبعث أمل للخطوط التونسية لإنعاش أنشطتها التجارية، نظرا لما تكتنزه هذه الأسواق من فرص نمو هائلة. ونما عدد ركاب الشركة على الرحلات الأفريقية في أول شهرين من العام بنسبة 27 في المئة مقارنة به قبل عام، بينما زاد عدد ركابها على الرحلات الأوروبية 4.6 في المئة على أساس سنوي في تلك الفترة.
وساهمت الوجهات الأفريقية بنسبة 16.9 في المئة من إجمالي عدد ركاب الخطوط التونسية في أول شهرين من العام والبالغ 475 ألف مسافر، بينما شكلت أوروبا 68.9 في المئة والشرق الأوسط 13.4 في المئة.
ولتحقيق هدفها تستعد الخطوط التونسية لشراء طائرات جديدة واستئجار أخرى، بعد أن ظلت السوق الأوروبية والعربية هي الوجهة الأساسية لها في العقود الماضية.
وتقول مصادر مُطَّلِعة على نشاط الشركة ان هذا يظل قليلا، مقارنة بما ضخه المغرب من أموال في ناقلته الوطنية لإعادة هيكلتها، قبل توقيع اتفاق تحرير الأجواء، وبأسطول يتكون من 50 طائرة أضافة إلى طلبيات حالية لأربع طائرات «بوينغ» قادرة على تسيير رحلات طويلة.
وفي ضوء الأزمة الحادة التي يشهدها الاقتصاد التونسي ومستوى الاحتياطي الضعيف من العملة الأجنبية، الذي نزل إلى ما يكفي لتغطية واردات أقل من 80 يوما، لا تبدو تونس قادرة عمليا على تمويل مشروع توسع ضخم للخطوط التونسية مشابه للخطوط المغربية.
لكن من دون أسطول كبير فقد لا تصمد الخطوط التونسية أمام المنافسة المحتدمة في ظل الأسعار الزهيدة التي تعرضها شركات الطيران المنافسة، وربما تتضاعف خسائرها.
ويرى محمد علي التومي رئيس «جامعة (رابطة) وكالات الأسفار» أنه «سيكون لاتفاق «السماوات المفتوحة» تأثير جيد على قطاع السياحة دون شك وسيعزز حركية ونشاط المطارات التونسية». لكنه أضاف «السؤال هو هل الخطوط الجوية التونسية بهذه الحال مستعدة للمنافسة الشرسة؟ لا أعتقد ذلك».

«الخطوط الجوية التونسية» تتطلع إلى التوسع في افريقيا مع استعدادها لمنافسة محتدمة في أوروبا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية