لا يمكن فصل الموضوع الصهيوني عن الموضوع الأمريكي، كما يفصل مثلا عن الموضوع الإنكليزي أو الألماني أو الياباني. في الحالة الأخيرة هناك دول لها مصالحها وحساباتها تتعامل على أساسها مع كيان موجود في الساحة الدولية وعضو في هيئة الأمم.
أما في الحالة الأولى فإننا أمام حالة تماثل واندماج يجعل من أمريكا والكيان الصهيوني توأمين متشابهين لا يمكن فصلهما عن بعضهما بعضا.
أحد أهم أسباب هذه التوأمة العضوية ما يؤمن به سبعون مليون من الإنجيليين الأصوليين الأمريكيين. هؤلاء يؤمنون، كعقيدة دينية أسطورية مقدسة لديهم، بأن رجوع المسيح إلى هذا العالم ليخلصه من شروره وآثامه يجب أن يسبقه قيام دولة يهودية في أرض فلسطين. وهذه الكتلة الهائلة من الأمريكيين تكون أحد أهم دعائم اللوبي الصهيوني في أمريكا وأحد أهم القوى المؤثرة في قرارات مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين.
بالطبع هناك أيضا التمركز الإعلامي والمالي الصهيوني المؤثر إلى أبعد الحدود في قرارات الدولة الأمريكية العميقة ، لكن هنا نتعامل مع مصالح تتغير وتتبدل، أما بالنسبة للكتلة الإنجيلية، فإننا نتعامل مع مزيج مرعب خطر من الأساطير الدينية وما يتبعها من مشاعر وتعصب ليصبح أيديولوجية سياسية ـ أمنية ـ اقتصادية.
لنضف إلى ذلك المشهد الأيديولوجي الديني مشهدا آخر، لا يقل خطورة، يتعلق بالتطبيق الكامل الحرفي للمكيافيلية في الحياة السياسية الأمريكية. الشعار هنا هو «الغاية تبرر الواسطة» أو «المصلحة الأمريكية هي فوق كل مصلحة، من دون التقيد بأي قيم أو موانع أخلاقية».
الأمثلة التي تثبت التمسك الدائم بذلك الشعار المكيافيلي لا تعد ولا تحصى: ابتداء بإبادة حوالي ثلاثين مليونا من السكان الأصليين الهنود الحمر، مرورا باشتراك انتهازي متأخر في الحربين العالميتين عندما تعرف كفة المنتصر ويدب الوهن في القوى المتحاربة، من أجل جني الغنائم، مرورا بتدشين امتلاك واستعمال السلاح النووي وقتل وتشويه مئات الألوف من المدنيين اليابانيين، مرورا باستعمال كل أنواع المبيدات للزرع وللغابات في فيتنام، مرورا بمؤامرات استخباراتية لانقلابات عسكرية وتصفية قيادات وطنية منتخبة، كما حدث في تشيلي وجرت محاولته في كوبا. وهل ننسى ما أظهره فيلم أمريكي شهير باسم «اقتل المرسل» الذي أظهر تورط المخابرات المركزية الأمريكية في نشر وبيع الهروين والكوكايين في أوساط الشباب الأمريكي، من أجل شراء الأسلحة وإرسالها بصورة سرية إلى ثوار الكونترا، وذلك من أجل إسقاط حكومة نيغاراغوا في حينه؟
وماذا عن الدور الغامض، الملتبس دوما للاستخبارات الأمريكية في تأسيس ودعم وتدريب شتى أشكال الحركات الجهادية الإرهابية، أو كذبها وتقلباتها من أجل تدمير العراق وسوريا وليبيا، أو ابتزازها الدائم لدول البترول العربية؟ لماذا ذكر كل تلك التفاصيل المملة عن الأدوار الأمريكية في حياة الغير وفي حياة العرب؟
الجواب هو لأننا نشهد ظاهرة عربية متنامية من الاعتماد على والثقة في المواقف والأدوار التي يمكن أن تلعبها القوى الحاكمة الأمريكية في حل مشاكلنا العربية. يوميا يسمع الإنسان عن الدور الأمريكي في حل مشاكل العراق وسوريا وليبيا واليمن ولبنان وغيرها. لا توجد مشكلة وطنية ولا قومية عربية ولا توجد مشاحنة إقليمية إلا والأنظار تتجه إلى أمريكا طلبا لمعرفة الرأي الأمريكي والحصول على المباركة الأمريكية.
والسؤال: هل أن ذلك الجزء اليسير من المؤامرات والتدخلات الأمريكية التي ذكرنا لا يستطيع إقناعنا بأننا أمام نظام حكم لا يؤتمن ولا يمكن انتظار أي حل لمشاكلنا من قبله؟ فهذا نظام حكم لا تحكمه قيم العدالة والإنصاف والإنسانية في تعامله مع الغير. حتى القريبون من أمريكا، مثل الأوروبيين، لم يسلموا من المواقف المكيافيلية الأمريكية وابتزازهم في الاقتصاد والأمن. أليس من واجب أنظمتنا السياسية العربية أن تعي جيدا ذلك التاريخ الأمريكي الذي لا يأخذ في الحسبان جيرة أو صداقة أو علاقات ود شخصية، وأنه يدوس على كل ذلك عندما تمس على الأخص مصالح أمريكا المالية والاقتصادية والأمنية؟
ألا يرون كيف تحتقر أمريكا هيئة الأمم واليونسكو ومجلس حقوق الإنسان والمحكمة الدولية وغيرها، ثم تبتزهم بإيقاف التزاماتها المالية نحوهم ، ثم تشهّر بهم ليل نهار في وسائلها الإعلامية، بمجرد أن تكون لهم مواقف مخالفة للإملاءات الأمريكية؟
وإذن هل حقا أن الوقت لم يحن لإجراء مراجعة رسمية للموضوع الأمريكي، سواء على المستوى الوطني أو على مستويات الجامعة العربية والمنظمة الإسلامية، وإشعارها بأن الكيل قد طفح، وأن سياسة إدارة الخد الأيسر بعد الصفع الدائم الوقح للخد العربي والإسلامي الأيمن ما عادت مقبولة؟ نحن نتكلم عن مراجعة رسمية وليس عن مراجعة شعبية، ذلك أن الشعب قد عرف منذ زمن طويل أن أمريكا لا تتصرف إلا كامبريالية تخدم نفسها وتخدم توأمها الصهيوني.
اليوم ، ونحن نرى المدن العربية المدمرة، والملايين المهجرين، والألوف المذبوحين والمشوهين، نعرف أن لأمريكا يدا في كل ذرة منه، فهلا وعينا الدرس وعرفنا الفرق بين الصديق والعدو؟
كاتب بحريني
د. علي محمد فخرو
استاذنا الكبير علي فخرو
اولا نسيت ذكر إبادة عشرات آلاف السود الأفارقة ورميهم في البحار واستعبادهم في امريكا وممارسة العنصرية ضدهم الى اليوم
ثانيا كلامك جوهر الكلام لكن زعماءنا الأشاوس هم يحتفظون بكراسيهم بحماية اليانكي الامبريالي فكيف يقفون ضده ألم يكن باستطاعة بن حسين أوباما أن يسقط المجرم ابن المجرم بشار الكيماوي بائع سورية بتسليح المعارضة فقط، هذا عينة فقط تنسحب على الجميع، لا أمل إلا بالربيع العربي
تحياتي
شكرا لاستاذنا الكبير على مقدمته البليغة و التي فسر بها موقف امريكا بشكل خاص الذي يزيد قليلا عن غيرها بسبب كتلة الصهيونية المسيحية فيها و ايضا بسبب انها زعيمة العالم الغربي. و يجب ان لا ننس ان هذا لا يختلف كثيرا عن موقف بريطانيا و المانيا خاصة الا بالحجم. فهذه الدول الثلاث امريكا و بريطانيا و المانيا هي اكبر داعم للكيان الاسرائيلي السرطاني في قلب الشرق.
اما عن استنكار الاستاذ لمواقف من يثق بامريكا و غيرها من الدول الاستعمارية المعادية فاقول مكره اخاك لا بطلن و الطيور على اشكالها تقع ،و الغاية تبرر الوسيلة عند هؤلاء. و الاهم: كيف تفسر انضمام فرد الى عصابة يعرف انها اجرامية و غير مأمونة؟؟. بل انه يرجو العصابة قبوله عضوا فيها؟؟