ياسر خنجر شاعر سوري جولاني، ابن مجدل شمس، البلدة السورية الأبية، وابن المقاومة الوطنية ضدّ الاحتلال الإسرائيلي، سجين هذا الاحتلال طيلة سبع سنوات ونصف السنة، والخاضع للإقامة المنزلية الجبرية منذ العام 2011؛ كتب النصّ التالي، تعليقاً على ما شهدته مؤخراً بعض مناطق الجولان المحتل من وقائع محزنة: «التعرّض لجريح أعزل والتنكيل به هو افتقار للحد الأدنى من الأخلاق. القتل بناء على شبهة هو العهر وجريمة قذرة. نعم، الجريمة قذرة، ومرتكب الجريمة تجسيد بشع للأسباب التي دفعته لارتكاب جريمته، شبيح، داعشي، طائفي، أو كلّ أشباههم أو قلْ عنه ما تشاء. ولكن هذا ليس كافياً لأنّ الجريمة لم تبدأ هنا، لقد سبقها تحريض طائفي أعمى مهّد لانفلات هذا الوحش، سبقها لعق أحذية القتلة الآخرين والتباهي بانحطاطهم وبشاعتهم، وسبقها رجال دين وسياسة ومجتمع تحولوا إلى شياطين خُرس حين سكتوا عن الحق ونطقوا عهراً وتشبيحاً. وسبقها صمت كلّ من صمتوا عن الدموية التي مارسها النظام منذ الرصاصة الأولى التي صوبها إلى رأس متظاهر أعزل ثم أعقبتها البراميل وسواطير الدواعش. لقد سبقت الجريمةَ جرائم كثيرة…».
وقد يكون هذا الصوت بمثابة النموذج الأوضح على حسّ وطني، سوري جولاني، نقدي وعقلاني بقدر ما هو ديمقراطي وثوري، أثبتت وقائع كثيرة سابقة أنه الأعلى، وأنه المعياري التوافقي، منذ انطلاقة الانتفاضة الشعبية السورية في آذار (مارس) 2011.
المرء، على سبيل اقتباس مثال ساطع، يعود إلى الشهر ذاته، أي ذلك البيان الذي وقّعه «سوريون مِن الجولان المحتل»، وصدر بعنوان «أنتم الصوت ونحن صداه»؛ وجاء فيه: «لأننا جزء لا يتجزأ مِن وطننا السوري ونسيجه الاجتماعي، لنا ما له وعلينا ما عليه، نعتقد جازمين أن الوضع السوري لا يشكل استثناء عن مثيله العربي، وأنه الأجدر بالحرية ونفض غبار الذل والإرهاب الذي يُمارس بحقه، معلنين أن كلّ مَن يعتدي على شعبنا السوري، قتلاً أو بطشاً أو اعتقالاً أو تعذيباً أو تشريداً أو نهباً هو بمثابة عدوّ، لا يختلف عن الاحتلال الإسرائيلي قيد أنمله، كائنا مَن كان هذا الأحد».
وفي ربط مباشر، وثاقب، بين استبداد النظام وحال السوريين تحت الاحتلال الإسرائيلي، تابع البيان: «نعلم يقينا ما قد تشكّل هذه المبادرة لسكان يعيشون في أرض محتلة مِن حساسية؛ لكن ثقتنا مطلقة بحصانتنا الوطنية وموقفنا الواضح الرافض للاحتلال الإسرائيلي وأبعاد المشروع الصهيوني على أرضنا. فالنظام ليس هو الوطن بأي حال؛ حتى لو حاول تصوير نفسه على هذا النحو. إن منبع تحركنا ينطلق مِن مسؤولية تاريخية وقناعة أكيدة أنّ ‘العيب على مِن يصنع العيب’ وليس على مَن ينتقده أو ينفض الغبار عنه! نحن صمدنا في أرضنا وقاومنا محتلنا بصدورنا العارية، دافعين الغالي والنفيس للمحافظة عليها سوريّةً كما ورثناها عن آبائنا وأجدادنا، لكن إبقاءنا تحت الاحتلال ليس معناه أن نكون شياطين خرساء على ما يمارسه النظام السوري بحقّ شعبنا مِن انتهاكات. فالاحتلال والقهر هنا صنو للذل والبطش والقمع هناك، وازدواجية الأحكام والمعايير ليست مِن شيمنا وأخلاقنا بشيء».
لكنّ النصّ ذهب أبعد، وأعمق في الواقع، من حيث استدخال الاعتبارات السياسية والاجتماعية في المشهد الوطني المشترك، على خلفية الانتفاضة وبنية نظام الاستبداد والفساد والنهب والتوريث: «إن واجبنا الوطني والإنساني والأخلاقي يحتم علينا الانحياز الكامل لشعبنا ضدّ جلاديه، وأن نكون صدىً صدّاحاً لصوته، مع وضع أنفسنا بتصرّفه وتقديم كل ما عزّ في سبيل حريته وكرامته وعيشه الكريم. فلم يعد مقبولاً، بأي شكل، التصرف بالوطن ومقدراته على أنهما مشاع ومزارع خاصة، يعيث بهما الفاسدون، ويتوارثها الأبناء عن الآباء». وأيضاً، في فقرة تفضح زيف ادعاءات «المقاومة» و»الممانعة»، تابع البيان: «إن التلطّي خلف أنظمة الطوارىء وتأبيدها بحجة المقاومة والممانعة والصراع مع العدو، أثبتت زيفها وعجزها عن استرجاع حبة واحدة مِن تراب الجولان، مبيحةً سماء الوطن وبحره وبرّه للعدو يجوبه في أربع جهاته، ومشرعةً أبوابه لشتى أنواع الفساد والإفساد والنهب المنظم! ويقيننا، أنّ تحرير الجولان لن يكون ممكنا إلا بتحرير الوطن مِن قيده. فشعب محتلّ، مقموع ومقهور داخل وطنه، لن يقوى على تحرير أرضه مِن أعدائه!».
أهمية هذا النصّ تسوّغ اقتباس فقرات مسهبة منه، على هذا النحو؛ لأنها تخدم في إضاءة سجال أوسع لا يتصل بإشكاليات مواقف هذه الشريحة أو تلك من أبناء الطائفة الدرزية، في سوريا والجولان المحتل وفلسطين، تجاه الانتفاضة الشعبية السورية، وتجاه النظام أيضاً، فحسب؛ بل هي صالحة لقراءات أعمق في مفاهيم غائمة، أو ملتبسة، مثل «الموالاة» أو «المعارضة» داخل فئات شعبية تُلحَق ـ على نحو تصنيفي مطلق، جماعياً، وعشوائياً ـ بهذه الأقلية أو تلك، مذهبية كانت أم دينية أم إثنية. ذلك لأنّ ايّ تصنيف لا يأخذ بعين الاعتبار سلسلة السياقات الاجتماعية ـ الاقتصادية والتاريخية، أسوة بتلك السياسية والعقائدية، التي تحكم ذلك الطراز الجَمْعي من ذهنية التكتل الأقلوي، الطائفي أو المذهبي أو الديني أو الإثني؛ لن تمسّ، في نهاية المطاف، إلا مستوى السطح، ولن تقترب كما ينبغي من الذهنية، وربما الذهنيات، العميقة.
صحيح أنّ بيان الصوت والصدى شوّشت عليه، موضوعياً، تطورات كثيرة؛ تخصّ احتقانات الجسم الوطني السوري عموماً، وفي محورَي محافظة السويداء وبلدات وقرى الجولان المحتل خصوصاً. وصحيح، كذلك، أنّ بعض تلك التطورات كان دامياً، حتى إذا ظلّ خارج إرادة التيارات الوطنية والديمقراطية التي ينتمي إليها أصحاب البيان (كما في مجزرة قرية قلب اللوز ذات الأغلبية الدرزية، التي ارتكبتها «جبهة النصرة» في ريف إدلب؛ أو الاعتداء على جريح سوري بالضرب، حتى الموت، أثناء نقله في سيارة إسعاف إسرائيلية، قرب مجدل شمس…). إلا أنّ الصحيح، أكثر، أنّ تلك التطورات لم تُجْهِز على معادلة الصدى والصوت، في علاقة المواطنين السوريين، أبناء الطائفة الدرزية، بالانتفاضة.
من جانبه ظلّ النظام، في أعين غالبية ساحقة من هؤلاء المواطنين الدروز، على شاكلة غالبية ساحقة من السوريين، منظومة استبداد وفساد، آن أوان طيّ صفحتها مرّة وإلى الأبد. وليست خافية تفاصيل التوتر بين أجهزة النظام وأبناء السويداء (التنصل من تعهد رأس النظام بأن يخدم المجندون من أبناء المحافظة في مناطقهم، وإفراغ المنطقة من السلاح الثقيل، واعتقال بعض شيوخ العقل، وسحب الاحتياط لإرساله إلى اللواء 52 قبيل سقوطه…). وليست خافية، في المقابل، ألاعيب أنصار النظام داخل الطائفة، سواء في سوريا أم انطلاقاً من لبنان، فضلاً عن الجولان وفلسطين، من حيث إثارة النعرات الطائفية، وإشاعة كوابيس الرعب عبر مسخ جميع معارضي النظام إلى محض «تكفيريين» أو «دواعش» يستهدفون طائفة الموحدين!
وفي كلّ حال، كيف تُنسى سلسلة المفارقات المأساوية، حين ترافت الذكرى الثلاثون للإضراب الوطني الكبير في الجولان المحتل (14/2/1982) ضدّ الاحتلال الإسرائيلي؛ مع القصف الوحشي الأعنف، حتى تلك الساعة، الذي استهدف أحياء مدينة حمص؛ ومع ذكرى المجزرة الهمجية التي استهدفت مدينة حماة، سنة 1982؛ وترافقت، أخيراً، مع ذكرى قرار الكنيست الإسرائيلي بضمّ الجولان المحتلّ؟ وقياساً على خسّة نظام «الحركة التصحيحية» إزاء العربدة الإسرائيلية، في بطاح الجولان المحتلّ، كما في أجواء سوريا طولاً وعرضاً، على امتداد 45 سنة؛ كيف سينجح هذا النظام في كسر المعادلة العريقة العتيقة، الأصيلة والمكينة، بين الصوت والصدى؟
٭ كاتب وباحث سوري يقيم في باريس
صبحي حديدي
حينما يكون الكلام عن الدروز تأريخيا أتذكر سلطان باشا الأطرش
وحين يكون الكلام عنهم حديثا أتذكر الأستاذ الدكتور فيصل القاسم
الدروز كالسنة فيهم الجيد وفيهم غير الجيد
ألا يوجد الآلاف من السنة ما زالوا في جيش النظام ؟
ولا حول ولا قوة الا بالله