الدولة تهتم بالتهليل الإعلامي بدل لغة الأرقام… والمشروع الأكبر هو إعادة صياغـة الإنسان المصري

حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي»: امتلأت صفحات الصحف المصرية الصادرة يومي السبت والأحد بالتحقيقات والأخبار والمقالات والإعلانات عن مشروع قناة السويس الجديدة وإتمامه بنجاح، ومظاهر فرحة الناس به، الذين دفعتهم، رغم موجة الحر الشديدة، للنزول إلى الميادين والشوارع للتعبير عن فرحتهم بافتتاح القناة الجديدة.
ورغم الإعلان عن بدء سلسلة أخرى من المشروعات الاقتصادية الأضخم فلن يكون لها مثل هذا التأثير الذي أحدثه المشروع، لأنه ارتبط دون غيره، ولن يرتبط أي مشروع مقبل آخر بالروح الوطنية، لا لأن القناة الجديدة أصبحت واقعا شهده العالم وتم استخدامها فعلا من جانب شركات الملاحة البحرية المالكة للعبارات والحاويات الضخمة وبدأت عوائده المالية في الظهور، سواء بالرسوم التي سيتم تحصيلها من زيادة عدد السفن أو حمولاتها، وإنما لأن قناة السويس ترتبط في الذاكرة الوطنية للمصريين بتاريخهم مع الاستعمار العسكري والاقتصادي لبلادهم وفقدانهم السيطرة عليها، سواء في ملكية الأسهم أو حتى العائدات، التي كانوا يحصلون عليها من الشركة قبل تأميمها، وهو مبلغ ثلاثة ملايين جنيه إسترليني كل سنة، ثم استعادتها بتأميمها عام 1956، وحتى التأميم ارتبط بمعركتين وطنيتين، الأولى السد العالي باعتباره البدء في حلم تصنيع مصر وزيادة رفعتها الزراعية بتوفير الكهرباء والمياه، وبمعركة العدوان الثلاثي، وهذا هو السبب في التفاف المصريين حول المشروع الذي يعتبر المشروع الثاني القومي بعد السد العالي، ورغم أن الدولة تعد لمشاريع أخرى أكثر ضخامة، إلا أنه لن يكون لأي منها بريق القناة الجديدة نفسه، لأن الروح الوطنية التاريخية لن يكون لها حضور في أي منها، رغم البدء فيها في شرق بورسعيد. فبينما كان مشروع القناة الجديدة مصريا خالصا، من دون أي مساعدة أجنبية تمويلا وملكية فإن المشروعات الأخرى سيدخل فيها مستثمرون أجانب وعرب وبالتالي فقدانها الوطنية المطلقة، رغم إصرار الدولة على أن توجد بنسب مختلفة في ملكية هذه المشروعات.
كما قال وزير الإسكان الدكتور مصطفى مدبولي يوم الاثنين الماضي في حديث نشرته له «الأخبار» وأجراه معه زميلنا ماركو عادل عن مشروع العاصمة الجديدة: «لابد أن أؤكد أن مشروع العاصمة الجديدة هو مشروع دولة وبالتالي يحتاج إلى مجموعة كبيرة من الشركات التي ستشارك في تنفيذه وليس شركة واحدة، وقريبا سيتم الإعلان عن تفاصيل جديدة عن المشروع، و«أحنا كدولة حاننفذ المشروع يعني حاننفذه»، ولن نرتبط باسم أي شركة، سواء تمت ترجمة مذكرة التفاهم إلى عقد أم لم تتم، بل سيتحول إلى أحد أهم المشروعات خلال المرحلة المقبلة، التي ستشرع الدولة في تنفيذها خلال الأيام المقبلة، بدءا من العام المالي الحالي.
قريبا سيتم الإعلان عن إجراءات وتفاصيل جديدة للمشروع ويتم الإعداد له بشكل جيد، ولكن نفضل عدم الإعلان عنها إلا بعد أن تكتمل حتى لا يكون هناك استباق أو تحدث مشكلة، خاصة أن هذه المشروعات في غاية الحساسية وتشارك فيها شركات، وبالتالي فإن أي معلومة مسربة ،سواء بالسلب أو الإيجاب يمكن أن تضر أو تعود بالنفع على هذه الشركات، من خلال أسهمها في البورصة، ولذا نكون حريصين في تصريحاتنا ،هناك عروض من دول عربية وأجنبية وأيضا أكبر شركات استثمار عقاري في مصر طلبت المشاركة في هذا المشروع وأبدت استعدادها للتنفيذ.
أما الموضوع الثاني الذي اهتمت به الأغلبية، فكان موجة الحر الشديدة التي وصلت إلى حد أن زميلنا الرسام محمد عبد اللطيف في «اليوم السابع» أخبرنا أنه نزل لأحد الشوارع فوجد يافطة مكتوبا عليها «مشوي مقلي مسلوق» ورجل يقول لصديقه وهو يشير إليها:
– مش محل سمك دي درجات الحرارة العظمى والصغرى.
كما تواصل الاهتمام بالمرحلة الثانية للقبول في الجامعات التي ستغلق أبوابها بعد غد. ورغم أهمية بعض الأحداث فلم تهتم بها الأغلبية مثل اتهام الرئيس الأسبق الدكتور محمد مرسي إدارة السجن بأنها تقدم له طعاما يرفع ضغط دمه ويخفض نسبة السكر، وموافقة المحكمة التي تحاكمه في قضية التجسس لحساب قطر على طلبه التحقيق في الأمر، كما تعمدت الداخلية نشر صور جثث القتلى الخمسة الذين شاركوا في عملية اغتيال الطفلة جاسمين واستخدام وصف تصفية، وهو الوصف نفسه الذي استخدمته لوصف قتل مجدي البسيوني قائد المجموعة التي قامت بمهاجمة سفارة النيجر. ومقتل أحد الجنود وإلقاء القبض على كل أفراد الخلية. وهذا الوصف استمرار لما سبق للجيش والشرطة استخدامه في قتل العناصر الإرهابية، والتأكيد على أن كل من سيشارك في القتل سيتم قتله. وإلى شيء من أشياء كثيرة لدينا….

مصر ابتعدت عن متابعة
ما يحدث من تطورات داخلية في إيران

ونبدأ بالمعارك والردود المتنوعة التي يضرب أصحابها في كل اتجاه لا يلوون على شيء ويبدأها في تقرير اليوم زميلنا الكاتب الإسلامي فهمي هويدي يوم الثلاثاء في مقاله اليومي في جريدة «الشروق» من أعجب ما كتب عندما قال: «في الثلاثين من شهر يوليو/تموز الماضي نشرت جريدة «الشروق» مقالة للأستاذ جميل مطر ــ المحلل السياسي. انتقد فيها غياب مصر عن الخرائط الجديدة التي تشكلت في المنطقة، خصوصا في علاقاتها بإيران، وقال صراحة إنها التزمت بصداقات دولية وإقليمية جعلتها تصطف في الجانب المخاصم لإيران، مشيرا إلى الدور الذي لعبته واشنطن في ذلك. وكانت النتيجة أن مصر رغم وزنها الكبير ابتعدت عن متابعة ما يحدث من تطورات داخلية في إيران، هذا الكلام الجديد نسبيا بين المحللين السياسيين المصريين كان له صداه السريع في الساحة السعودية. فقد نشرت صحيفة «الحياة» اللندنية مقالة مؤيدة له يوم 2 أغسطس/آب للكاتب السعودي البارز داود الشريان، قال فيها ما يلي: لك أن تتخيل حال الوضع في الشرق الأوسط والخليج تحديدا، لو أن مصر والسعودية ظلتا على علاقة منفتحة مع إيران وتركيا خلال العقود الماضية. لكن الذي حدث أن البلدين فرطا في هذه الفرصة من أجل دول كبرى، وأحيانا دول شقيقة صغيرة تحرض على إيران في العلن، في حين تقيم معها علاقات تصل إلى حد الشراكة، هذه لغة جديدة في الإعلام المصري والسعودي تتجاوز الخطوط الحمراء التي استقرت في وسائل الإعلام. صحيح أنها لا تعنى حدوث أي تغير سياسي في مواقف البلدين، وان الكاتبين يعبر كل منهما عن رأيه الخاص ولا يحسب على دوائر صنع القرار في مصر أو السعودية، إلا أننا نعلم جيدا أن إطلاق دعوات من ذلك القبيل الذي عبر عنه الكاتبان لم يكن مرحبا به أو غير مسموح به بين السياسيين فضلا عن المثقفين».

إيران ليست حملا وديعا

وأنا وصفت ذلك بأنه من أعجب ما كتب لأن قوله بأن مثل هذه الدعوات لم يكن مرحبا بها أو غير مسموح بها بين السياسيين، فضلا عن المثقفين وأنا لم أقرأ ما كتبه زميلنا داود الشريان، ولكنني قرأت كل ما كتبه هويدي نفسه وزملاؤنا من الصحافيين والكتاب والسياسيين المصريين في القضية ذاتها، بدءا من قيام الثورة الإيرانية في فبراير/شباط 1979 وحتى الآن، وما قاله هويدي من أن كل ما كان غير مرحب بالكتابة فيه عن إيران والعلاقات معها وغير مسموح به للسياسيين والمثقفين، كانت تتم مناقشته علنا، حتى في الصحف القومية الخاضعة لسيطرة نظامي السادات ومبارك، وبعبارات أشد عنفا من عبارات جميل مطر وداود الشريان، والدعوات لتأسيس علاقات قوية مع إيران كانت قوية، ويكفي أن نتذكر أنه عندما اندلعت الحرب العراقية الإيرانية، وقف قطاع من المثقفين والسياسيين المصريين ضد صدام حسين واتهموه بأنه مع دول الخليج ينفذ خطة أمريكية لإجهاض الثورة الإيرانية، وأيدوا انحياز الرئيس السوري السابق حافظ الأسد والليبي معمر القذافي لإيران وإمدادها بالأسلحة. ورغم انحياز مصر الكامل للعراق كثرت الكتابات بضرورة استعادة علاقات مصر مع إيران، بل بدأت زيارات بينهما ومحادثات لتعاون اقتصادي، وصل إلى درجة الاتفاق على إقامة منطقة صناعية إيرانية وإعلان المسؤولين المصريين، بمن فيهم مبارك أن مصر على استعداد لإعادة العلاقات بين البلدين إلى مستوى السفارة بشرط أن تطلب إيران أولا ذلك لأنها التي سحبت سفيرها من مصر بعد التوقيع على اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل في 26 مارس/آذار سنة 1979، بشرط أن تغير اسم الميدان الذي أطلقت عليه اسم قائد عملية اغتيال السادات، وهو خالد الاسلامبولي، بل أن مبارك نفسه استقبل الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي عندما زار مصر بعد انتهاء فترة رئاسته، وتم إعداد برنامج حافل له. هذا كلام غير مقبول من هويدي لأنه للأسف يخفي وقائع حقيقية على الأرض ويأتي بغيرها لا تمت للحقيقة بأي صلة. والغريب أن الخطأ نفسه وقع فيه داود الشريان، رغم ما عرف عنه من ميل للموضوعية، ذلك أن قوله كما نقل عنه هويدي «لو أن مصر والسعودية ظلتا على علاقة منفتحة مع إيران وتركيا خلال العقود الماضية، لكن الذي حدث أن البلدين فرطا في هذه الفرصة من أجل دول كبرى وأحيانا دول شقيقة صغيرة تحرض على إيران في العلن في حين تقيم معها علاقات تصل إلى حد الشراكة»، وهو هنا يقصد دولة الإمارات العربية المتحدة، وهكذا نجد أنفسنا أما وقائع أخرى غير حقيقية بالمرة، فعلاقات السعودية ومصر مع تركيا كانت من أقوى ما يكون ولا زالت مع السعودية. أما مصر في زمن مبارك فقد كانت علاقتها مع تركيا في غاية القوة اقتصاديا، رغم حكم حزب العدالة والتنمية، لدرجة أنه كانت هناك شكاوى تتهم النظام بفتح باب أمام المنتجات التركية لإغراق السوق المصرية وتحطيم صناعات مصرية والاتفاق على إقامة مناطق صناعية تركية لا منطقة واحدة. وبلغ من متانة العلاقات أن مبارك نفسه، توسط بين تركيا والرئيس السوري حافظ الأسد عندما تدهورت العلاقات بين البلدين، وحركت تركيا قواتها لمهاجمة سوريا، بسبب دعمها لحزب العمال الكردستاني بقيادة عبد الله أوجلان، وقام مبارك بزيارة سوريا وعقد اتفاقا بين البلدين أوقفت سوريا بموجبه دعمها لقوات حزب العمال، الذي كان قطاع منه موجود في منطقة البقاع في لبنان، وطرد عبد الله أوجلان من سوريا واضطر للتوجه إلى السودان، حيث قامت المخابرات التركية بالقبض عليه هناك، بل أن رجب طيب أردوغان عندما زار مصر أيام مبارك حظي باهتمام هائل. أما التدهور الذي حدث الآن فجاء بعد الإطاحة بمبارك فمن أين جاء الشريان بما ذكره، أما علاقة بلاده بتركيا فكانت على الدوام وثيقة جدا ولم تهتز إلا لفترة بسيطة من حكم الراحل الملك عبدالله.. إن تصوير إيران وكأنها حمل وديع تعرض إلى ظلم من مصر والسعودية أمر غريب جدا وكأنها لا تعمل على تصدير ثورتها للدول العربية، بإعلانها ذلك صراحة على لسان قادتها وكتابة في دستورها، وكأنها تخلت عن الجزر الإماراتية الثلاث طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى التي احتلها الشاه عام 1970 قبل إعلان دولة الإمارات، بل وترفض اقتراحات الإمارات باللجوء للتحكيم الدولي».

يكررون أسلوبهم مع كل سلطة

ومن هويدي والشريان إلى نيوتن وهو الاسم الذي يوقع به رجل الأعمال ومؤسس صحيفة «المصري اليوم» صلاح دياب عموده اليومي، حيث بكي وأبكانا معه عندما قارن بين ما يقابله من تعنت النظام معه ومع أمثاله، ومن تساهل مع رجال أعمال آخرين فقال: «أن تكون رجلاً منشغلاً بأعمالك هذا طبيعي. المفروض أن يشغلك عملك. يأخذ كل وقتك. أما أن تكون رجل أعمال ممن يتمسح دائماً في السلطة. أياً كانت. هذا نهج آخر في الممارسة. فالسلطة لديها الأراضي، يمكنها أن تخصص لك ما غلا ثمنه واقترب بُعده. لديها أيضاً المصانع والمصالح القابلة للخصخصة. لديها تراخيص يمكن منحها بالأمر المباشر الذي انفردت به مصر مرتين في الفترة الأخيرة، حيث تغير فيها الحكم، مرة لصالح الإخوان، الثانية لصالح الشعب بدعم الجيش. كشف هذا النوع الثاني من رجال الأعمال، الذين عرفهم الناس وكشفوا هويتهم. فهم كرروا أسلوبهم نفسه الذي مارسوه مع كل حكم. تكرار الأسلوب نفسه لا غرابة فيه. هم يدينون له بما هم فيه الآن. أما الغريب. أما المذهل. أما ما يكاد أن يكون إعجازاً، أنه في عهد مبارك تحديداً، ادعوا أنهم كانوا مضطهدين، بل كانوا من أفراد المعارضة.. كانوا من رجال المقاومة. طبعاً ليس لديهم اليوم ما يخسرون. أموالهم كامنة مطمئنة في الخارج اعملوا ما شئتم في مصالحكم. حلال عليكم ما كان لكم. حلال عليكم ما كسبتم. سوف يحاسبكم الله على من عملوا لديكم. كان تعليمهم على نفقة الدولة، كذلك كانت رعايتهم الصحية. الأمن الذي صان أملاككم. الدولة التي أمدتكم بالطاقة المدعمة. مع كل ذلك بعضكم وجد ثغرة في القانون. قابلتها ثغرة في ضميره. بررت له أن يتهرب من دفع ضرائب عن الأرباح التي حققها. على الأقل فليسكت عن دور المجني عليه. عن دور المضطهد. فيا ليت الجميع اضُطهدوا مثلكم».
وبالتأكيد فإن صلاح دياب يقصد رجال أعمال معينين لا نريد أن نخمن أسماءهم ما دام لم يذكرهم، خاصة أن هناك أسماء يمكن التوصل إلى معرفة أصحابها من خلال كونهم أصحاب مصانع تستهلك طاقة كبيرة وهي صناعات الحديد والإسمنت والسيراميك.

الكلمة أمانة سنُسأَل عنها

وفي اليوم التالي الأربعاء نشر نيوتن ردا وصله من الدكتور جلال الدين الشاعر أستاذ التاريخ في المعهد التكنولوجي العالي شن فيه هجوما عنيفا على خالد الذكر وأنصاره بالملايين قال عنه وعنهم أجمعين ومشجعا نيوتن على مواصلة حملته ضدهم: «في ظل هيمنة الناصريين على الإعلام والتغني بأمجاد معشوقهم الأوحد وأغنيات النفاق التي تبارى في غنائها الأربعة الكبار، ومنهم من نافق الملك، تصبح كل كلمة نقد هادفة للحقبة الناصرية كمن ينحت في الصخر، أو يحرث في مياه البحر.. ولكن مهما كانت صعوبة المهمة، فالكلمة أمانة سوف نُسأَل عنها، ولن ينصلح حالنا إذا لم نقلها ونعترف بأخطائنا، لذا أطالبك بعدم اليأس والاستمرار في رأيك لا تحيد عنه، مهما تعرضت لهفوات الصغار. لقد دأب الناصريون على الكذب، وشعارهم «إكذب واستمر في الكذب حتى يصدقك الناس»، مدركين أن آفة المصريين النسيان – كيف لهم أن يدافعوا عمَّن وأد الديمقراطية وأداً كاملاً، وحكم البلاد حكما ديكتاتوريا فاشستيا، زج بجيشه في حروب بغير روية، كانت نتيجتها الهزائم وضياع سيناء والقدس والجولان. كيف يدافعون عمَّن تسبب في تفتيت الملكيات الزراعية الكبيرة وتحويل معظمها إلى كتل خراسانية، بعد أن أصبح نصيب الوريث بضعة قراريط لا تسمن ولا تغني من جوع، فحوَّلها إلى شقق سكنية كيف يدافعون عمَّن خرب البلاد باشتراكية الفقر التي فشلت في إنصاف الفقراء من الأغنياء وأفقرت الشعب كله؟! استمر يا أستاذ في إلقاء الضوء على أخطاء الماضي وإلا لا ولن ينصلح حالنا».

ليس المطلوب من وزير الثقافة
أن يكون شاعرا أو كاتبا أو ممثلا

ونظل في معارك الأربعاء ففي «الأهرام» جدد زميلنا وصديقنا الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي الناصري الأسبق حملته العنيفة على عهد خالد الذكر بقوله: «كنت أحب أن أكمل ما بدأته يوم الأربعاء الماضي عن «القناة والأوبرا والبرلمان»، فما زال هناك الكثير يجب أن يقال عن كل من هذه المفردات، وعما يربط بعضها ببعض، وعن نهضتنا التي يجب أن نعود إليها ونستأنفها بعد أن تخلينا عنها أكثر من نصف قرن، لكنني تابعت ما يحدث في وزارة الثقافة وما تنشره الصحف وترسله الإذاعات حول القرارات التي اتخذها الوزير باستبعاد من استبعدهم من رؤساء الهيئات التابعة لوزارته وإحلال غيرهم محلهم، ولا أظن أن أحدا يستطيع أن ينكر على الوزير حقه في أن يختار من يعاونونه أن يكون مدركا لرسالة الوزارة ووظيفة كل مؤسسة من مؤسساتها. ليس مطلوبا من وزير الثقافة أن يكون شاعرا أو كاتبا أو ممثلا، لأننا لم ننشئ وزارة الثقافة لتكتب لنا أو لتمثل أو لتغني، وإنما أنشأناها لتعين الكتاب والممثلين والمغنيين والمصورين وتفتح أمامهم طرق التجديد والتجويد والإبداع، وهذا ما صنعه أول وزير للثقافة في مصر.

مبادرات شخصية
لجمع ما كتب عن عبد الناصر

وهكذا أوقعت بركات خالد الذكر حجازي في شر أقواله فكيف يكون عهده قد أوقف مسيرة النهضة في مصر في عهد أسرة محمد علي، ثم يقول إن إنشاء وزارة الثقافة أدى لرعاية الكتاب والفن والإبداع عندما ترأسها المرحوم ثروت عكاشة، وهو من ضباط يوليو/تموز التي أصبح حجازي يشن عليها حملات دائمة. ولأن صديقنا الشاعر والكاتب شعبان يوسف أراد أن يسبق مقال حجازي في «الأهرام» كل أربعاء بإحراجه إحراجا لا مزيد عليه، فقد كتب مقالا يوم الأحد في «التحرير» قال فيه وهو يخفي شماتته في حجازي: «لم يحظ قائد أو زعيم أو رئيس أو ملك عربي مثلما حظي به جمال عبد الناصر من تعظيم وتبجيل، كتب فيه الشعراء والروائيون وكتاب المسرح كتابات لا يستطيع جهد فردي حصرها، رغم أن الشاعر الراحل حسن توفيق فعل بعض ذلك وبذل مجهودات كثيرة من أجل جمع بعض الأشعار التي كتبها الشعراء في رحيل الزعيم، وبالتأكيد فإن هذا الجهد الذي قام به حسن توفيق جهد محمود، لأنه قام به من دون تكليف من مؤسسة رسمية أو غير رسمية، وعندما أنجزه راح ينشره على نفقته الخاصة في دار النشر الخاصة في لبنان، وكنت أعرف أنه هو الذي دفع نفقات النشر والإصدار، رغم أن هذه المهمة لابد أن تبادر بها وزارة الثقافة المصرية، التي لا تولي مثل هذه المهمات أي اعتناء، لذلك فالمبادرات الشخصية تعتبر خطوة على الطريق، رغم الصعوبات وعدم الكفاءة الكبرى لأي منتج يقوم على جهود خاصة، فها هو أحمد عبد المعطي حجازي يكتب قصيدة عنوانها «عبد الناصر»:
فلتكتبوا يا شعراء أنني هنا..
أمر تحت قوس نصر..
مع الجماهير التي تعانق السنا..
تشد شعاع الشمس تلمس السماء..
كأنها أسراب طير..
تفتحت أمامها نوافذ الضياء..
ويستطرد حجازي في إرسال مجازاته التي تنطلق من حب وتقدير وتبجيل وتأييد شبه مطلق، كتبت هذه القصيدة عام 1956، في الوقت الذي كانت مصر فيه تحقق قدرا كبيرا من أشكال التحدي، هذا التحدي الذي وضع جمال عبد الناصر في مقدمة زعماء العالم، وكذلك جعله هدفا للمؤامرات والمكائد السياسية، لذلك كان الشعراء يؤازرون الزعيم بكل ما يملكون من حس بلاغي ومجازي وصوري» .

عبد الناصر
لم يقل يوما إنني ديمقراطي

وهكذا ذكرني يوسف «بارك الله فيه» بصديقنا العزيز الشاعر حسن توفيق صاحب الأخلاق الرفيعة، وقد عملنا معا ابتداء من شهر مارس/آذار سنة 1979 في تأسيس صحيفة «الراية» القطرية مع زميلنا وصديقنا الناقد رجاء النقاش وشعبان يوسف وحسن توفيق، وهما ناصريان. أما آخر مقال يخص خالد الذكر فكان في «البوابة» يوم الأربعاء كتبه زميلنا سليمان القلش ردا على زميلنا محمد الباز رئيس التحرير التنفيذي وقال فيه:
«مقالة محمد الباز التي نشرها أخيرا في جريدة «البوابة» عن فقد بريق الزعيم خالد الذكر جمال عبد الناصر كتجربة سياسية في الوقت الحالي والسابق، وكما تعود المختلفون والمهاجمون لعبد الناصر فإن سلاح الديمقراطية والحرية هما المسيطران على ما كتبه الباز، يقول في مقال له سابق إن «عبد الناصر حرر الوطن واستعبد المواطن» وهذه مقولة ليست جديدة في الهجوم على عبد الناصر وزمنه، وأنا هنا أتساءل أي استعباد قدمه عبد الناصر للمواطن بالضبط؟ هل قانون الإصلاح الزراعي كان استعبادًا للمواطن؟! هل آلات المصانع التي انتشرت في ربوع مصر كانت استعبادا للمواطن؟! ما زلت أتذكر المئات من عمال بلدنا في قويسنا وهم يمتطون الدراجات صباحا ذاهبين إلى شبين لمقر عملهم في مصنع النسيج، وكيف كان المصنع مصدرًا مهما للدخل وللمستوى الاجتماعي، يكفى أن يقول الشاب إنني في مصنع غزل شبين الكوم حتى يرحب به أهل عروسه! هل السد العالي كان استعبادا؟! هل منجزات ثورة يوليو/تموز الخالدة إلى هذه اللحظة، هل ما فيها كان استعبادا للمواطن؟! هل التعليم المجاني في جميع مراحله كان استعبادا للمواطن؟! هل كان اهتمام عبد الناصر بالمواطن وبالغلابة في مصر استعبادا؟! أما موضوع الديمقراطية التي يتشدق بها كثيرون، فعبد الناصر لم يقل يوما إنني ديمقراطي، وإنه كان يسعى إلى الديمقراطية، عبد الناصر لم يدع ذلك، هو كان مؤمنا إيمانا كاملا أنه جاء إلى هذا الوطن لينتشر ما هو أهم من الديمقراطية، حتى يجعل المصريين يشعرون بأنهم يعيشون في بلدهم.. في الوقت الذي تغنى السادات ومبارك بالديمقراطية، ومع ذلك كان حكمهما كله قمعًا، أنا هنا لا أقول إن عصر عبد الناصر لم يمارس فيه القمع، ولكن الظروف الداخلية والخارجية التي واجهها عبد الناصر في زمنه كانت أشبه بالذي يواجهه السيسي هذه الأيام «.

على ضفاف القناة

وإلى ضفاف القناة ومقال الكاتب عمرو الشوبكي في «المصري اليوم» يوم السبت وقوله: «ارتبط تاريخ مصر الحديث بقناة السويس، فمنذ حفرها في عام 1869 والقناة في قلب الصراعات الإقليمية والدولية، والتعامل معها اختلف من عهد إلى آخر حتى صارت رمزا للتحولات التي جرت داخل مصر والعالم…
ظلت القناة مملوكة للأجانب والمحتلين، وظل الحنين الوطني لاستعادتها حاضراً في نفوس المصريين حتى جاء جمال عبدالناصر واتخذ القرار التاريخي بتأميم قناة السويس وإعادة ملكيتها للشعب المصري، في خطوة دفعت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل إلى العدوان على مصر في 56 بغرض إسقاط نظام عبدالناصر، وفشلوا نتيجة صمود الشعب المصري ووقوفه خلف زعيمه وبطل التحرر الوطني في ذلك الوقت. وفجّر قرار التأميم ثم العدوان الثلاثي خطاب تعبئة سياسية ضد الاستعمار في مصر والعالم العربي والعالم الثالث، ونالت مصر دعم القوى التقدمية في الغرب في مواجهه العدوان الثلاثي، وكان لهتافات المذيعين في ذلك الوقت صدى كبير في داخل مصر وخارجها، ولم يشعر أحد بزيفها (حتى لو كان هناك أشخاص مزيفون ومنافقون) لأنه كانت هناك معركة حقيقية ودم يراق على الأرض، وكان قرار التأميم في ذاته فعلاً تاريخياً لأنه نقل ملكية مؤسسة كبرى بحجم القناة، دفعت مصر الدماء والمال من أجل بنائها، إلى أهل مصر وشعبها. وهنا كانت الأولوية للحدث الوطني ولخطاب التعبئة السياسية، وأصبحت كل أغنية وطنية (الله أكبر فوق كيد المعتدي، دع سمائي، وغيرهما) ضد استعمار يحاربنا بالسلاح بجد، وكل هتاف وطني كان يعبر عن قيم العصر في التحرر والاستقلال الوطني وهي في حد ذاتها وبعيدا عن أي حسابات رشادة اقتصادية وسياسية كانت مطلوبة في ذاتها وينتظرها الشعب… يحتاج الناس لمشاعر وطنية رشيدة وعاقلة لمواجهة تحديات كثيرة تختلف عن معارك التحرر الوطني، فكان يجب على مصر الرسمية أن تهتم أكثر بلغة الأرقام بدلا من التهليل الإعلامي، فكل شيء متضارب عند الناس، الطول والعمق هل هو 37 كيلومترا أم 72؟ كما لا توجد أي أرقام رسمية عن العائد الاقتصادي، وحتى الجانب المعنوي المشرق المتمثل في قدرة المصريين على العمل والإنجاز تاه أمام صراخ الإعلام وهتيفة كل العصور. إن كل دول الجنوب التي انتقلت من حال التخلف والفقر إلى حال التقدم (ولو النسبي) واليسر لم يغنوا لمشروع واحد تصوروا أنه سيخرجهم مما هم فيه، واعتبروا أن معاركهم الرئيسية كانت على القضايا «مايكرو» Micro (الجزئي) فى إصلاح المؤسسات وخلق بيئة تشجع على الاستثمار بتنمية اقتصادية وإصلاح سياسي».

أكوام الزبالة
في شوارعنا من صنع أيدينا

وأخيرا إلى «الشروق» ومقال الكاتب الأب رفيق جريش ومما جاء فيه: « تزينت الميادين والشوارع في كل محافظات مصر احتفالا بافتتاح القناة الجديدة، ولكن بجانب هذه الترتيبات المواكبة لهذا العرس الكبير نجد الزبالة في كل مكان على بعد أمتار من قصر الاتحادية الرئاسي، فالضيوف الذين يذهبون للقاء السيد الرئيس يمرون من تلك الأكوام التي أصبحت «نصبا تذكارية» في وسط الشوارع ولا أحد يبالي. إذا كنا كمصريين نستطيع أن نعمل المعجزات مثل قناة السويس الجديدة ألا نستطيع أن نهتم بقطاع الزبالة ونزيلها حتى لا تأتي بالأمراض، ويكون منظرنا أمام العالم وأمام أنفسنا أننا شعب متحضر. في أيام الأعياد الماضية هوجم محافظ الإسكندرية بضراوة بسبب كميات الزبالة التي تخلفت من الناس، ولكن لم يكتب أو يشر أحد أن شعبنا هو الذي فعل ذلك، وأن هذه الزبالة نتيجة سلوكيات خاطئة. الذي ذهب إلى الكورنيش واستمتع به وتركه على هذه الحالة المزرية من أكوام زبالة ومخلفات أدت إلى منظر غير حضاري لمدينة كانت تسمى عروس البحر المتوسط.
نحن في أشد الاحتياج للمشروعات الكبيرة العملاقة التي ستصنع مصر المستقبل اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، ولكن المشروع الأكبر هو إعادة صياغـة «الإنسان المصري». إن إعادة صياغة الإنسان المصري يستلزم تعليما مميزا وتربية دينية وأخلاقية سليمة، تغرز فيه الالتزام والانضباط وترجمة كلمة «حب مصر» إلى واقع ملموس، فلا بد أن تتضافر الجهود، سواء من الدولة أو من مؤسسات المجتمع المدني وعلماء النفس والاجتماع من أجل صياغته من حيث المهارات والقدرات حتى يكون قادرا على تحمل المسؤولية والأمانة والقيام بالمهام المطلوبة لتحقيق أهداف التنمية الشاملة لاستعادة وجه مصر الحضاري.

حسنين كروم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية