الدين مصدر سعادة أم شقاء…

حجم الخط
8

بحث الإنسان منذ القدم عن معنى لوجوده على هذه الأرض،عن مصدرالحياة والموت،حاول تفسير الظواهر الطبيعية،أسبابها ونتائجها، طمح في الخلود، ألّف الأساطير والخرافات، اخترع آلهة كثيرة في الحضارات القديمة كي يجد لنفسه توازنًا روحيًا، وذلك أن فطرته رفضت قبول منطق يقول إن وجوده صدفة، وحياته عبث بلا غاية على هذا الكوكب.
ثم جاء دين التوحيد، دين أبينا إبراهيم الخليل عليه السلام، الذي دعا لإله واحد، انبثقت منه اليهودية، ثم خرجت من كمّها المسيحية، ثم أتى الإسلام، وكان في الديانات الثلاث اجتهادات أفرزت عشرات المذاهب، ولكن المشترك لثلاثتها أنها ديانات توحيدية،معظم الأفكار فيها مشتركة، وخصوصًا مسألة خلق الكون والقيامة والعقاب والثواب، وعمل الخير وتحريم القتل والسرقة والعدوان وغيرها، مع فوارق بسيطة في التفاصيل.
ملخص هذه الديانات هو أنها مصلحة إنسانية لراحة الجسد والنفس»لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» ووعد المحسنين بالجنة.
ولكن «قُتل الإنسان ما أكفره» «وكان الإنسان كفورًا»، فقلب الأمر رأسًا على عقب، وبدلا من أن تكون الديانات مصدرًا لراحته وطمأنينته، جعلها مصدرًا لشقائه، ملايين البشر قتلوا عبر التاريخ البشري في حروب دينية، حروب نعرفها وأخرى لا نعرفها، في كل جهات الأرض، بين معتنقي مختلف العقائد،وبين الطوائف والملل والمذاهب المختلفة، وفي كثير من الأحيان بين أبناء الوطن الواحد.
فقد استُغل الدين لتحقيق مآرب سياسية اقتصادية، وإعادة توزيع الثروات من جهات ومصادر شتى، قد تكون سلطوية أو معارِضة وقد تكون أجنبية.
المثال المعاصر،الإحتلال الصهيوني لفلسطين اعتمد نظرية دينية، الشعب المختار وأرض الميعاد،وإعادة بناء الهيكل، ومن خلال هذه الرؤية الدينية منح لنفسه الحق بطرد شعب من أرضه وهدم قراه وتشريده كي يقيم دولته على أنقاضه، وما زال الضحايا يتساقطون منذ عشرات السنين حتى يومنا هذا، وما زالت البيوت تهدم، والأرض تصادر والسجون ملآى بالسجناء، والمشرودن يزدادون حتى هذه الدقيقة، وهذا أدى لنشوء حركات المقاومة منذ عام 1936، ثم فتح عام 1965 ثم الجبهات بمختلف مسمياتها، ثم حركتي حماس، والجهاد، وحركات أخرى، كلها رد على الاحتلال أساس البلاء،الذي سبب حروبًا كثيرة مع الدول العربية أدت لسقوط مئات آلاف الضحايا وما زال الطريق طويلا.
في أمريكا الشمالية يوجد ملايين من المسيحيين الصهاينة الذين يدعمون إسرائيل ماديا ومعنويًا في كل عدوانيتها، مهما تمادت وقتلت ودمرت، وذلك لقناعة غيبية بأن المسيح المنتظر لن يظهر حتى يتم تجميع كل يهود العالم في فلسطين كي يحكمهم ألف سنة.
الصهيونية تستغل هذا الإيمان الغيبي وتجمّع اليهود، وكان آخرها دعوة نتنياهو ليهود فرنسا بالهجرة إلى فلسطين، وهذا مصدر قوته وقراره بالخطاب أمام الكونغرس الشهر المقبل رغم اعتراض أوباما وكثير من أعضاء الكونغرس بهدف التلويح بخطر «القنبلة النووية الإسلامية» لزيادة مقاعد حزبه في الكنيست وضمان دورة أخرى من الحكم لصالحه.
عندما وقعت عملية التوأمين الإرهابية، بشر الرئيس دبليو جورج بوش العالم ب»عودة الحرب الصليبية» فدمّر ما دمّر وقتل ما قتل من العرب والمسلمين، في استغلال بشع للعامل الديني وما زالت الحملة مستمرة.
عندما انطلقت الثورات العربية ووصل الدور إلى سوريا تم استخدام الدين من قبل نظام الأسد وليس العكس، كان رده منذ البداية أن الثوار متآمرون وخونة وركز على الطابع الديني للثورة ليظهر أنه حامي حمى الأقليات من خطر الإسلام السياسي، وعمق هذا الشعور يومًا بعد يوم، وقتل عشرات الآلاف من السوريين وما زال يقتل المدنيين بلا حساب، ما دام أنه يقصد قتل «الإرهابيين الإسلاميين»، كذلك عندما تدخل حزب الله لدعم النظام، كانت حجته الأولى دينية «حماية المقدسات الشيعية». وهي حجة إيران التي أضافت لها في حربها ضد الثورة في منطقة حوران حجة «الإقتراب من بيت المقدس».ومع ظهور داعش المشبوه واعتماد سياسة الذبح والحرق أصبح التدخل للعرب والعجم أكثر سهولة ومشروعية في خلط واضح وخبيث بين محاربة الإرهاب والقضاء على الثورة .
المشير السيسي برر انقلابه في مواجهة «التطرف» ثم سماه إرهابًا إسلاميًا، وحاصر قطاع غزة ونسق مع إسرائيل وهدم رفح بالحجة نفسها، ،وأخيرًا جاء إرهاب داعش المشبوه ضد العمال المصريين الأقباط ليقدم الخدمة الثمينة التي يحتاجها لكسب الرأي العام المحلي والعالمي.
رغم كل هذه المآسي ورغم الهجوم على الدين من قبل كثيرين، فهو في الحقيقة استخدم قناعًا لجشع وطمع ووحشية الإنسان،الذي لا علاقة للإيمان به.
قد يكون الدين مصدر سعادة ومصدر قوة وإلهام لمحاربة الظلم والاحتلال، وقد يستخدم للقتل والتدمير وتحقيق أهداف دنيوية، هذا يتعلق بمن يستخدمه كيف ومتى وأين!
ويبقى من حق الإنسان أن يتساءل عن مغزى وجوده ونهايته،من حقه اختيار قناعاته التي تريحه،والمؤمن حقًا يخجل من تنصيب نفسه حكمًا على الناس وتصنيفهم بين مؤمن وكافر،أو أن يسلب حياة أحد لأنه لا يتوافق مع قناعاته الروحية، كذلك ليس من حق أصحاب القناعات المادية فرض ماديتهم الفظة على المؤمنين والمقتنعين بالروحانيات، من حقك أن تشير لإنسان ما أو ترشده إلى طريق الجنة ،ولكن ليس من حقك أن تدخله إليها بالسيف ولا بصاروخ توما هوك.

سهيل كيوان

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    مقال رائع
    ومن كاتب رائع
    شكرا لك يا أستاذ سهيل

    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول م . حسن .:

    حياة الإنسان ليست عبث , لكن السؤال كان هل هي لمرة واحدة ؟ قضية الموت هي التي شغلت الإنسان في حياته , فكان الدين هو العلاج بالخلود بعد الحساب في مكان آخر ., جنة أو نار حسب أفعالة في حياته . أغلبية البشر تؤمن بقوة عليا وتختلف حول الخالق , لكن الجميع متفق علي المبدأ الإنساني والتسامح الأخلاقي لتحقيق الجنة علي الأرض .

  3. يقول الفقر الاخيرة:

    ما ورد في الفقرة الاخيرة جميل ولكن…. أصحاب “القناعات الروحية” يحاولون فرض قناعاتهم وما يعتقدون هم بصحته على الاخرين بينما أصحاب القناعات المادية فقط لا يريدون أن يفرض عليهم احد أمور غيبية… لنكن صريحين ونعترف بأن أصحاب “القناعات الروحية” ميّالين للازعاج وأحيانا كثيرة للعنف أكثر من الماديين بكثير…

  4. يقول أحمد فرنسا:

    الدين “الاسلامي” الذي هو منهج حياة متكامل هو المصدر الوحيد لسعادة البشر و انّما الاشكال كله يكمن في التصور الخطأ للتعاليم الالاهية و تحكيم النزوات الذاتية في تطبيقها فذلك هو الذي يحيد بالدين عن جادة الصواب و يحوله الى مصدر شقاء مصداقا لقوله تعالى : (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَٰكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا )
    انّ ما يشهده الدين الاسلامي الآن من تحريف للكلم عن مواضعه و تأويله على حسب أهواء بعض الأشخاص و الجماعات و ما يتماشى و مصالحها الشخصية و نزواتها الذاتية باخراج النصوص عن مفهومها الصحيح هو صورة لما تعانيه الأمّة من مآسي و شقاء .. فهل في تعاليم الاسلام و سيرة رسول الله ما يشير الى جواز قتل المسلمين و استباحة دمائهم و أعراضهم بحجّة أنهم سنّة أو شيعة ؟؟ فنحن خرجنا عن لب الاسلام كما اراده للبشرية لنختلق بدله اديان موازية نزعم بانها هي الاسلام و من هم خارج دائرتها هم كفّار يجوز قتلهم ؟؟؟ فالتشيّع لأفراد و لو كانوا أهل بيت رسول الله أنفسهم (و هم لم يطلبوا ذلك ) هو اخضاع اعظم دين جاء للبشرية جمعاء (بمفهومه الواسع) لنزوات مجموعة ضيّقة تبني تصرفاتها وفق ميول عاطفية لا غير كالتشع لعلى ابن ابي طالب و الحسن و الحسين رضي الله عنهم بحجة أحقية اهل البيت في تولّي الخلافة بدل غيرهم من الصحابة و آل بيته الكرام ؟؟؟ ثمّ تنتوارث نحن بغباء من جيل الى جيل تلك الفتنة التي باضت لنا بدل دين الله السوي دين آخر فأصبح الاسلام اسلامين و تولّد عن ذلك عداء و قتال لم ينتهي الى يومنا هذا كان أسوز حصاده قرابة المليونا قتيل من المسلمين في الحرب الطائفية بين سنّة العراق و شيعة ايران و الاسلام بريئ منها براءة الذئب من دمّ يوسف عليه السلام .. الم يجلب تحريف الدين عن مفهومه الصحيح باخضاعه لعاطفة اعتباطية لمجموعة ضيّقة من الأفراد شقاءا و كوارث للأمة ؟؟ هل بعث الله الرسول صلّى الله عليه و سلّم ملكا على أمّة العرب حتى نعتقد بأحقية آل بيته في خلافته و هو الذي عاش حياته فقيرا و رفض كنوز كسرى و الروم و مات عليه الصلاة و السلام و درعه مرهونه عند يهودي ؟؟ وأشاطر الكاتب في مقاله فلقد غدى الدين مطية لارتكاب المجازر و صك غفران تستحل به الأرواح و الأعراض كالذي أباد الآلاف من المعتصمين السلميين خلال ساعات قليلة فقط بحجة محاربة ارهاب الاخوان فحرق جثثهم و جرّفها و زجّ بعشرات الآلاف منهم في السجون و اعتقد جازما بأن في كتاب الله نصوص معادية لغير المسلمين يريد الغائها و حذفها معتبرا اياها مصدرا لارهاب الآخرين ؟؟ غريب و الله ما يحدث للامة بسبب بلهائها و اغبيائها و بكيد من أعدائها .. ألم يحن بعد وقت العودة لدين الله و رسالته العظيمة المبعوثة للعالمين .. الاسلام لا غير

  5. يقول طاهر الفلسطيني المانيا:

    بسم الله الرحمان الرحيم.
    كلام جميل يا استاذ سهيل, ولكن حضرتك نسيت شيئا مهمآ, وهو القانون الدنيوي او الارضي وهو قانون المضادات, الذي يتحكم بكل محتويات الارض والذي يُسَيِر الحياة وبدونه لا توجد حياة مطلقا لأن المضادات هي بحد ذاتها كمحرك السيارة, حتى لو شئنا ان نمشي مشيآ على الارض لن يتحقق هذا الهدف الا بوجود قانون المضدات حيث يجب على ارجلنا ان تقومَن بعملية تناوبية رِجلا في الاعلى ورجلا في الاسفل, وبما ان هذا القانون الذي يتيح لنا الحركة , يجعلنا ايضآ نفرق بين كلٍ موجِب وسالب . وعلى هذا الاساس يوجد ايات في القران الكريم تذكر هذه الحقيقة.مثلآ من سورة البقرة
    :فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ(36)
    سورة آل عمران » ” إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب “.

  6. يقول عبد الكريم البيضاوي. السويد:

    ” عقدتنا أننا نحفظ أكثر ممانعقل, أي نفضل العمل مع الماضي على حساب الحاضر والمستقبل ”
    المفكر المغربي عبد الله العروي.

    الإنسان العربي وفي خضم الخطاب الديني صار يترك عقله وتفكيره جانبا حتى في أبسط جزيئات الحياة ,إستغل باسم الدين فأصبح داعية سياسي وليس ديني مع أنه يظن العكس.

    لم تكن الأديان يوما حلا لمشاكل المجتمعات لسبب واحد لأنها ثابتة ولاتتجدد, بينما البشر دائما في حركة وتقدم نحو الأمام , مهما حاول رجال الدين البحث عن تأويلات تناسب العصر لكن الحلول الصرفة لمشكلة ألف والتي تجدها في الحل باء كلمة بأختها في تخريجة إنسانية تحترم كرامة المرء صعب إيجادها, حلول مشاكل المجتمعات القديمة بحكم طبيعة الأشياء لاتصلح لأي زمان ومكان.

    التعبد والصلاة والإيمان من أجل الشعور بالسعادة لا ضير فيه لكل حريته الشخصية , إكراه المواطنين في تطبيق أشياء يعرفون أنها لاتوافق لاالمنطق ولاالزمان لا تقبل.

    1. يقول المختار:

      و من حق الناس اختيار الدين كمنهج حياة و عمل، و ليس من حق أحد كيفما كان أن يصادر حقهم و بالمقابل ليس من حق أحد أن يجبرهم على اعتناق دين أو جعله منهجهم. المسألة في الأول و الأخير حرية و ديموقراطية و ليس من حق العروي أو غيره من الفلاسفة أن يجعلوا من أنفسهم أوصياء على الناس. الناس اختارت الحكم الإسلامي في مصر و لكن تم اغتصاب إرادتهم بالحديد و النار، و إذا اختاروا منهجا آخر فمرحباً. المهم اتركوا الناس تختار و لا تجعلوا أانفسكم مفكرين في مكانهم.

  7. يقول Samaher:

    الكاتب سهيل كيوان ،،رائع ما كتبته ..هذا موضوع مهم والفرق فيه كالفرق بين النظريه الصحيحه وتطبيقها –
    ليس الخطأ في اصول الديانات بل في تطبيقها
    في أيامنا السوداء هذه الديانات كما هي بكل قيمها العظيمه وتمامها اضاع للاسف قاداتها معالم الطريق اليها..
    و هي المعالم الحقيقيه القائمه على كل قيم الخير والحق والرحمه والموده والأمن والسلام للبشر ولعل اول الضياع لهذه المعالم هو حشر الدين الرحب الذي يشمل كل نواحي الحياه البشريه بأن يتم حشره في زاوة او ركن العبادات
    كعنوان اصيل في التعبير عنه- من مارس هذا الحشر للدين وخرج دوره عن دور كهنة المعابد وحاخامات صهيون ورهبان الأديره والإسلام هم من دمروا هذا العالم حولهم فبدلا من ان يبني للبشريه حياه واسعه رحبه من القيم النبيله وهي الأساس لعمارة الأرض التي كلف الله بها البشر عمرها بصواريخ التدمير وتداعيات الارهاب والاطماع بقلوب خردلة من شح ولا تنهى عن منكر …فمن اين للشعوب امنها ..وللارض جنتها ..وللخلود كيف سيخلد بكل هذا الدمار وتداعيات باسم الدين …!!؟

إشترك في قائمتنا البريدية