«الذي لم يعد ممكناً»

حجم الخط
1

حين علم بنبأ خطبتها، شعر بأنه سيموت صبيحة اليوم التالي، أصابه إعياء شديد، لم تفلح معه أدوية المقويات التي كتبها له صديقه الصيدلي حين زاره، ولم تعد له شهية للطعام.
بعد أسبوعٍ من صلاة أمه المتواترة وتضرُّعها لله باكيةً، غادر رقدته، وارتدى ملابسه متثاقلاً، ذهب إلى العمل بلا رغبة، عدَّ الأشجار في الطريق إلى الجامعة، وأعمدة الإنارة، وراقب العصافير من شباك الأتوبيس المزدحم، بينما يسيل العرق من يديه على المحاضرات.
دلفَ إلى غرفة الأساتذة والمعيدين فاستقبله رئيس القسم قلقاً، مطمئناً على صحته، كان شحوبه بادياً للجميع، طمأنه وشكره. أخبره الأستاذ أن عليه الإسراع قليلاً في إعداد الماجستير ليترقى من درجة المُعيد إلى مُدرِّس، ابتسم وهو يومئ برأسه..
في قاعة المحاضرات ألقى درسه بلا حماسةٍ، وعاد إلى القسم، منتظراً أن يمر عليه بعض الطلاب ليناقشوه عما لم يفهموه في المحاضرة أو يوجهوا له أسئلة. لم يأتِ أحد. ظلَّ شارداً ببصره خارج النافذة. مسَّح النظارة السميكة بمنديله وعاود ارتداءها. ذهب بعد نصف ساعة.
في الأيام التالية لم يمُت كما تصوّر، وإن ظلت شهيته على حالها من الانسداد.
بعد شهور قليلة، عادت حياته إلى إيقاعها المعتاد، الكُليَّة والمحاضرات، والعودة إلى المنزل، ومقابلة الأصدقاء في المقهى مساءً. عاد يمارس كل ما كان يعيشه في حياته قبلها.
حين بادر أحد الأصدقاء على جلسة المقهى بنكتةٍ ضحكوا جميعاً عداه. رمقوه بينما تتراجع ابتساماتهم. لم يكن قادراً على الضحك.
توالت فصولٌ كثيرة، دار في دولاب الحياة وقد نسيها تماماً، استمرَّ يواصل الإعداد لأطروحة الماجستير، ويصطحب أمه للطبيب، ويسأل موظفي الحسابات عن العلاوة التي لا تجيء، ويلتقي أصدقاءه. في طريق العودة من الجامعة يراقب الأشجار والسائرين والبيوت. عاد كل شيء في حياته إلى حاله، لكنه اكتشف مع تتالي نكات الأصدقاء، وأفلام الكوميديا وجمود ملامحه أن الضحك لم يعد ممكناً.

كاتب مصري

حمزة قناوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول زرياب سعد-السودان:

    أو بتعبير آخر.. إمتناع الحب
    كما في نص ”هيلدا اسماعيل” لم يعد ممكنا أن أحبك أكثر!.

    سرد متماسك.

إشترك في قائمتنا البريدية