القاهرة ـ «القدس العربي»: تغيرت اهتمامات الصحف المصرية بدرجة كبيرة بسبب شهر رمضان، لأن كلا منها يخصص صفحات له تتضمن أبوابا عن القصص الدينية وأنواع الأطعمة الصحية، وتلك التي على المرضى تجنبها. والفتاوى ومعلومات عن المساجد في مصر والعالم أجمع وعادات الشعوب الإسلامية، وكذلك الاقليات الإسلامية في بعض الدول، بالإضافة إلى أن شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب بدأ يظهر يوميا على القناة الأولى للتلفزيون الحكومي، بعد أن كانت تجري حديثا أسبوعيا معه كل يوم جمعة.
كما كثرت الإعلانات في الصحف الورقية عن منتجي المسلسلات التلفزيونية، بالاضافة إلى اهتمامها بعرض حلقات المسلسلات وأحاديث مع أبطالها، وسط ضيق لا حدود له من المشاهدين منها، لأن كل مسلسل إذا عرض مشهدا لعشر دقائق يتبعها بإعلانات تبدأ من عشر دقائق إلى ثلث ساعة، ثم يعود لاستئناف المسلسل، بالإضافة إلى حرص الكثيرين على أداء صلاة التراويح في المساجد.
أما الاهتمام الأكبر والأول فهو اقتراب موعد امتحان الثانوية العامة، وتوقعات بأن الحكومة تجهز لكوارث جديدة للناس في ميزانية يوليو/تموز، إذ بدأت الأحاديث عن موافقة البنك الدولي على صرف الشريحة الرابعة من القرض، بعد أن اطمأن إلى جدية النظام في السير قدما في خطة الإصلاح. ولم ينكر الرئيس السيسي ذلك وأكد في حواره مع الشباب، على « أننا أمام خيارين، إما أن لا نجد شيئا إذا لم نقم بالإصلاح، أو نتحمل بعض الوقت وبعدها تبدأ الانفراجة» بسبب زيادة معدلات الاستثمار، وخفض العجز في الميزان التجاري وتراجع التضخم والبطالة. وهناك ثقة شديدة لدى النظام بأنه لن تحدث أي اضطرابات جماهيرية ردا على هذه الزيادات، بالإضافة إلى أنه سيواجه أي محاولة من البعض بقوة تجعل غيرهم لا يقلدونهم، وهو ما ظهر بعد رفع أسعار تذاكر المترو عندما تظاهر البعض في إحدى المحطات فتم القبض عليهم وأحيلوا فورا للنيابة، التي أصدرت قرارا بحبسهم خمسة عشر يوما على ذمة التحقيقات بدلا من الإجراء التقليدي هو الحبس أربعة ايام قابلة للتجديد. وإلى معظم ما لدينا..
حكومة ووزراء
نبدأ بأبرز ردود الأفعال على الحكومة والغضب الشعبي منها بسبب الزيادات المستمرة في أسعار السلع والخدمات التي قال عنها عمرو الخياط رئيس تحرير «أخبار اليوم»: «في كل مرة يستقبل المجتمع المصري إجراءات الحكومة برفع جزء جديد من الدعم عن بعض السلع والخدمات بحالة من المفاجأة ثم الغضب، انتقالا إلى الجدل ومنه إلى التنظير بإمكانية التأجيل أو الحديث عن بدائل دون تحديدها، وصولا إلى الاستسلام للواقع المفروض ثم إلى الشعور بالإحباط العام. وفي كل مرة تتركز ردود الأفعال حول تراجع شعبية الرئيس، بدون أن يحدثنا أحد عن أساليب زيادة هذه الشعبية أو الحفاظ على معدلاتها. إذا كان هناك استسلام لحالة الصدمة فدعونا نستكمل الطريق ونقول إن التوصيف الحقيقي لتلك الإجراءات ليس زيادة الأسعار، بل الانتقال بها إلى قيمتها الحقيقية، الانتقال بالمواطن من حالة الفرضية الوهمية إلى حالة الواقع المحيط به. عموم الحالة تعبّر عن دولة قررت أن تتخلى عن أسلوب التفكير بالتمني إلى أسلوب التفكير بالمنطق. دعونا نعود إلى مجموعات التنظير ومنتحلي صفة النخبة الذين يكررون التصريحات نفسها في كل مرة، ويستعرضون آراءهم في المقالات وعلى شاشات التلفزيون. دعونا نسألهم ما يمكن تسميته بالأسئلة الحتمية التالية، هل الرئيس السيسي ومن حوله لم ترد إلى أذهانهم كل الحلول البسيطة والمقترحات المتاحة التي يتحدثون عنها ببساطة؟ هل السيسي مستمتع بتراجع شعبيته كما يزعمون؟ لماذا خرج الناس على مبارك الذي لم يقترب من الدعم؟ هل المؤسسات الدولية وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي لم تتوصل إلى الحلول الناجعة التي توصلوا إليها في جلساتهم في المقاهي؟ ما هي حلولهم البديلة التي تضمن عدم انهيار الدولة؟».
مشروع حماية المستهلك
ومن جهة أخرى فقد اعتبرت الحكومة أنها حققت مكاسب للمواطنين من خلال موافقة مجلس النواب على مشروعها الذي تقدمت به لحماية المستهلك وضبط الأسواق، ونشرت «الأهرام» تحقيقا موسعا عنه لعصام الدين راضي وهبة جمال الدين جاء فيه: «حيث ألزم القانون بعدم نشر إعلان قبل الحصول على الموافقات اللازمة وضرورة إعلان موعد التسليم في الإعلانات التي يتم نشرها، وكذلك يحقق القانون حماية للمستثمر الجاد من السلع المغشوشة والمقلدة التي تؤثر على وجود منتجه في الأسواق، ويضمن حق الدولة في تحصيل مستحقاتها. السطور التالية تناقش القانون مع جميع الأطراف المعنية. اللواء عاطف يعقوب رئيس جهاز حماية المستهلك السابق، يرى أن القانون الجديد يمثل انتصارا كبيرا للمستهلك، ويعد أحد أهم قوانين الإصلاح التشريعي، حيث يحمي محدودي الدخل والأثرياء والمستثمرين في منظومة متكاملة، ويعد من بين أفضل قوانين حماية المستهلك على مستوى العالم، حيث أنه استخلاص لقوانين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية واليابان وألمانيا. وكانت هناك قوى شر كثيرة لا تريد له أن يرى النور، ولكن الأجهزة الحكومية كانت لديها رغبة حقيقية في إقراره، كما أن تبعية الجهاز لمجلس الوزراء وليس وزارة التموين «كما كان ينص القانون القديم وتعيين رئيسه من خلال رئيس الجمهورية، يؤكد جدية الحكومة في الاعتماد على الجهاز في ضبط الأسواق». يؤكد الدكتور مدحت الشريف وكيل اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب ورئيس لجنة العقوبات الخاصة بقانون حماية المستهلك، على أن هذا القانون في شكله النهائي وفي العقوبات الرادعة التي نص عليها، يعد مكسبا وانتصارا للشعب، مشيرا إلى أن القانون سيتم العمل به بعد صدور اللائحة التنفيذية، مطالبا بسرعة إصدارها. وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد فرض القانون وضع التسعيرة الجبرية على المنتج وسيشعر المواطن تدريجيا بأهمية ذلك، كما أن بعض مواده غلظت العقوبة إلى عقوبات سالبة للحرية، مثل حجب السلع الاستراتيجية ويكون صادرا بها قرار مسبق من رئيس الوزراء، تصل فيها العقوبة إلى الحبس مدة لا تقل عن عام وغرامة مالية لا تقل عن 100 ألف جنيه، كما أنه في حالة إنتاج سلعة أو استيرادها نتج عنها الإصابة بأمراض مزمنة أو مستعصية أو عاهة مستديمة، أو حدوث وفاة نتيجة الغش فيها تصل العقوبة إلى السجن المؤبد وغرامة لا تقل عن 200 ألف جنيه».
هدنة مؤقتة
وفي «الشروق» حذّر خالد سيد أحمد من المصائب التي تجهزها لنا الحكومة لتنزل بها فوق أمهات رؤوسنا وقال في مقال له تحت عنوان «هدنة مؤقتة»: «تنفس المصريون الصعداء بعد مرور يوم الخميس الماضي الذي وافق الأول من شهر رمضان، بدون أن تصعقهم الحكومة بقرار جديد يزيد عليهم الأسعار وأعباء الحياة، كما اعتادت فعل ذلك خلال الشهور الأخيرة، وبالتحديد في يوم الخميس تحت مبررات لم تجد قبولا شعبيا، بل أثارت السخرية مثل حديث بعض المسؤولين عن أن رفع أسعار هذه السلعة أو تلك الخدمة «يصب في مصلحة المواطن». هذا المرور الهادئ ليوم الخميس الماضي، لا يعني أن الحكومة اكتفت من نوعية تلك القرارات التي «تصب في مصلحة المواطن» لكنها مجرد «هدنة مؤقتة» بعد تطبيق قرار زيادة أسعار تذاكر المترو بنسبة تبدأ من 50٪ وتصل إلى 250٪، وهو القرار الذي مثل صدمة كبيرة للشرائح الفقيرة التي اكتوت بنار الغلاء على مدى العامين الأخيرين. نقول هدنة مؤقتة لأن بعثة صندوق النقد الدولي التي انتهت من المراجعة الثالثة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المصري تمهيدا لحصول القاهرة على الشريحة الرابعة من قرض الصندوق، بقيمة ملياري دولار خلال يوليو/تموز المقبل، لديها شروط كثيرة ينبغي على الحكومة الالتزام بها لكي تحصل على تلك الشريحة، أهمها مواصلة رفع الدعم عن الكثير من السلع والخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين. لذلك فإنه في الفترة المقبلة ينبغي على المواطنين الاستعداد لقرارات صعبة وشديدة التأثير عليهم مثل زيادة أسعار تذاكر النقل العام والوقود والكهرباء والمياه، ليس هذا فقط، بل إن مشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالي الجديد، الذي تتم مناقشته حاليا في مجلس النواب تمهيدا لإقراره قبل 30 يونيو/حزيران المقبل، يشير إلى زيادة حصيلة ضريبة القيمة المضافة من التبغ والدخان والسجائر والاتصالات، وهو ما يعني زيادات جديدة في أسعار تلك السلع والخدمات».
تعليقات على حديث الرئيس
أثارت إجابات الرئيس على الأسئلة الموجهة إليه في مؤتمر الشباب الخامس العديد من التعليقات، كان أولها لعماد الدين حسين رئيس تحرير «الشروق» الذي قال: «أحد الأسئلة كان عن موقفنا من العدوان الإسرائيلي ضد الفلسطينيين خلال مسيرة العودة على الحدود مع قطاع غزة، وتزامنها مع نقل السفارة الأمريكية إلى القدس العربية المحتلة. الرئيس قال إن نقل السفارة سيؤدى إلى عدم استقرار الأوضاع في المنطقة، وإن مصر ستقدم للأشقاء الفلسطينيين الأدوية وسيارات الإسعاف، وستفتح معبر رفح لهذا الغرض وستجري اتصالات مع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي سنقول للفلسطينيين «لا نريد إجراءات تؤدي إلى سقوط شهداء». وسنقول للإسرائيليين عليكم أن تراعوا أن تحركات الفلسطينيين مشروعة. الرئيس سأل قائلا: «هل نقدر نعمل أكثر من كده؟». وأجاب عن سؤاله بالقول، لا مضيفا: «تحركنا في القضية الفلسطينية سيكون في حدود قدرتنا، ولازم نشتغل ونكد حتى يكون لنا تأثير، والتأثير سيكون بالقدرة، لكننا لن نطرقع تصريحين فنحن لن نزايد ونريد أن نساهم في الحل وليس التعقيد». هذه التصريحات في غاية الأهمية لأنها تكشف حدود الدور المصري في عملية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أهميتها أنها تكشف عن جوهر الموقف بلا تزيين أو تزييف أو استخدام مصطلحات فضفاضة، أو تعبيرات رنانة ظل كثيرون في المنطقة العربية يستخدمونها في وسائل الإعلام بدون تطبيقها على الأرض».
خفة دم الرئيس
وفي «اليوم السابع» قال دندراوي الهواري، إن ما لفت انتباهه هو الردود التلقائية للرئيس وخفة دمه ما أشاع جوا من الراحة وقال: «الرئيس عندما أطل على المصريين يوم الأربعاء عبر منصات مؤتمر الشباب، وأجاب عن أسئلة الشباب ودَوّن كل ما طرحوه ثم أجاب على أسئلة المواطنين بخفة ظل وروح الدعابة، كان لها مفعول السحر عند المصريين، ووصل إلى يقينهم مدى التفاؤل والأمل في الغد وأن وطنهم ينتظره مستقبل واعد في ظل تقارير كل المؤسسات الاقتصادية الدولية التي تشيد ببرنامج الإصلاح الاقتصادي أيما إشادة، وفي ظل مصداقية الرئيس نفسه لدى المصريين تأسيسا على تحقيق كل ما وعد به. ولا يمكن أن أكون متجاوزا إذا أكدت ومن خلال تجارب حقيقية أن الرئيس عندما يظهر متخليا عن خفة ظله وفي عباءة الجدية الشديدة، فإن المصريين يصيبهم القلق وتستعر بينهم نيران الأسئلة عن السبب الذي دفع الرئيس إلى التخلي عن روح الدعابة وخفة الظل، وتبدأ التخمينات من عينة أن هناك شيئا خطيرا يواجه الوطن وهو مهموم به، ويغزو القلق قلوبهم، خاصة أن المصريين عانوا في الفترة من 28 يناير/كانون الثاني 2011 وحتى 3 يوليو/تموز 2013 حالة من الخوف والرعب على مستقبل مصر، وإلى أي مصير مجهول ومظلم ينتظر وطنهم، لذلك يخشون بقوة على بلادهم وأمنها واستقرارها».
«الحياة الحزبية والحريات»
لكن رئيس تحرير «المصري اليوم» السابق محمد السيد صالح لفتت انتباهه بعض المطالبات وكان مدعوا للمؤتمر وقال: «تم إعداد الدورة الخامسة للمؤتمر الوطني للشباب، التي عُقدت في فندق «الماسة» الأربعاء الماضي على عجل. كثير من التفاصيل المرتبطة بالدعوات وبالمادة الفيلمية التي تم عرضها وقصر دورة انعقاده على يوم واحد، تؤكد ذلك لكنه كان يوما سياسيا بامتياز قيل لي بشكل غير رسمي إن الهدف الرئيسي للانعقاد هو تواصل الرئيس مع الرأي العام من خلال الشباب، وكذلك باقي الحضور من الإعلاميين والسياسيين لشرح أبعاد زيادة الأسعار الأخيرة، خاصة ما يتعلق بتذكرة المتر. كان الرئيس في قمة تركيزه وهو يستخدم أرقاما دقيقة في مداخلاته، وخلال جلسة «اسأل الرئيس» حول الاقتصاد المصري وما ينتظره من فرص إيجابية بدليل ارتفاع معدل النمو إلى 54٪، الرئيس استخدم كل رصيده الإنساني والسياسي لتوصيل فكرته، لكن حديثه عن الحياة الحزبية والحريات كان يحتاج إلى تفاصيل إضافية واهتماما أكبر. أعجبني في الجلسة الأولى «الحياة الحزبية والحريات» مداخلات جميع المشاركين على المنصة، لكن لفت نظرى أكثر ما قاله كل من محمد عبدالعزيز وأميرة العادلي وجون طلعت حول مخاطر التوسع في الحبس الاحتياطي وضرورة تأهيل المفرج عنهم من السجن أو الحبس بتهم سياسية، وغياب الظهير السياسي في الشارع بشكل متعمد، وأنه لو كان هناك تواجد حقيقي للأحزاب في الحياة العامة لنجحت في شرح كثير من الأمور السياسية والاقتصادية للناس، وأنه يتم تحجيم دورهم بضغوط وأخطاء تنفيذية علاوة على ضعف أحزابهم وأن ذلك أدى إلى تهاوي دورهم لصالح وسائل التواصل الاجتماعي».
«حتى لا تؤذن في مالطة»
كما أبدت أمينة النقاش رئيسة تحرير جريدة «الأهالي» لسان حال حزب التجمع اليساري ملاحظة على تضييق النظام على النشاط الحزبي بأن قالت يوم السبت في عمودها الأسبوعي في جريدة «الوفد» تحت عنوان «حتى لا تؤذن في مالطة»: «مع أن الرئيس السيسي رد ضمنا على تلك الآراء التي تنطوى في الحقيقة على استخفاف من فكرة الحزبية ذاتها، مؤكدا أن أحزاب المعارضة جزء من الدولة بترحيبه بالتنوع في أشكالها، وتوصيته بالاستماع إلى أفكارها إلا أن ذلك لا يمنع من بعض التساؤلات، وبينها كم شابا من شباب الأحزاب يتم اختياره في البرامج الرئاسية للتدريب على القيادة؟ وما هي معايير الاختيار التي تبدو في ما نرى من النماذج المشاركة محدودة وضيقة ويجرى التحكم فيها؟ وما هو نوع البرامج التثقيفية في تلك البرامج التي تقنع هؤلاء الشباب أنفسهم بأهمية العمل الحزبي وتعرفه بمهام الأحزاب السياسية المعارضة؟ أما الأهم من كل ذلك هو أن تقتنع السلطة التنفيذية بضرر مثل تلك الأفكار على التطور السلمي الديمقراطي في البلاد، لأنها في الواقع تشجع الأغلبية الصامتة الجالسة على الكنبة على البقاء في موقعها الذي يدير الظهر للاهتمام بالشأن السياسي، ولكي يعرف الناس الأحزاب يجب أن يتاح لها المجال العام للحركة لتعريفهم ببرامجها ولإقناعهم بالسياسات البديلة التي تطرحها، ولحفزهم على الانضمام إليها. العيب ليس إذنا في كثرة الأحزاب بل في غياب هذا المنهج في التفكير عن ذهن السلطة التنفيذية ومع استمراره سنظل نؤذن في مالطة».
معارك وردود
وإلى المعارك والردود، ومنها ما يخص الشهر الكريم وبدأها خفيف الظل محمد عمر في «أخبار اليوم» بقوله عن طلب التبرعات من خلال الفضائيات: «تتعمد الفضائيات مع كل رمضان أن «تكرهنا» في عيشتنا وتنغص علينا الشهر «الفضيل» بسبب إصرارها على إعلانات «الشحاتة» وكأنها بتقول لنا «داهية لتكونوا حتنبسطوا». فكلما فتحت قناة أو حاولت «تسلي» صيامك بأيها «فرجة» تفاجئك وتهاجمك بلا رحمة إعلانات، المفروض أنها «توجع قلبك وضميرك» لكن ما أن تشاهدها حتى تشعر «بالاشمئزاز» وأنك متحاوط من كل اتجاه «بخمسين ستين شحات» فاتحين عليك المطاوي في أكبر عملية شحاتة بالإكراه. وتتفنن الفضائيات وتتبارى في إظهار أكبر قدر ممكن ومتاح لديها من مخزون المآسي والمواجع والمصائب والبلاوي المتلتلة، وتتعمد أن تصدمك بشكل مباشر في نغانيش نفسيتك الموجوعة أساسا بلقطات مأساوية لناس بتشرب من مياه المجاري والمصارف وآخرين «ميتين» أساسا، لكن في انتظار علاج وتنويعة ممن يبحثون عن لقمة في كوم زبالة وأسر عايشة ومش عايشة، حالهم يصعب على الكافر، وعيال يتامي مرميين في الشوارع اللي أيده مقطوعة واللي رجله طايرة، فاكرين بالخطأ أنه كلما زادت جرعة النكد وتنوعت الكوارث والمآسي على دماغ المشاهد «الكريم» احتمال يتوجع في معاميعه ويتعاطف و«يبز» بقرشين صدقة أو تبرع».
إنجاز مصالح العباد
أما زميله رفعت فياض فقال تحت عنوان «الإصلاح ليس بالصلاة والصوم» معلقا على عبارة للرئيس عبد الفتاح السيسي في المؤتمر الخامس للشباب: «جملة بليغة جدا قالها الرئيس عبد الفتاح السيسي لـ1500 من شباب مصر في المؤتمر الدوري الخامس للشباب يوم الأربعاء الماضي عندما قال إن «الإصلاح لن يكون بالصلاة والصوم». نعم سيادة الرئيس الإصلاح لن يكون بالصلاة والصوم نعم الإصلاح ليس بالصلاة والصوم عندما نجد الفرد لا يؤدي عمله بما يرضي الله وينجز مصالح العباد ويقضي معظم وقته في الوضوء قبل الأذان بفترة طويلة ثم الصلاة داخل الطرقات في المصالح والدواوين معطلين العمل بحجة الصلاة، وبعدها يترك هذا الموظف عمله ويعود إلى بيته بعد أن اهتم بشكل مظهري بتعبده وصلاته، وبدون أن يطبق تعاليم الله سبحانه وتعالى الصحيحة بإنجاز مصالح العباد، وهي العبادة الحقيقية التي يحبها الله ورسوله. نعم الإصلاح ليس بالصلاة والصوم ثم يقوم هذا الفرد أو الموظف بفتح درج مكتبه لتلقي «الإكراميات» كما يسميها هو، أو يبررها لنفسه بهذا المسمى، لأنه ينظر لراتبه وكأنه إعانة اجتماعية من الدولة له، أما أي عمل يؤديه لأي مواطن فلا بد أن يكون بمقابل بدون أن تمنعه صلاته أو صيامه من تلقي هذه الإكراميات مع أنها في الحقيقة رشوة».
مشاكل وانتقادات
وإلى المشاكل والانتقادات ومنها مشكلة البطالة التي يعاني منها الكثير جدا من زملائنا الصحافيين بسبب إغلاق الصحف الحزبية التي كان يعملون فيها لأسباب مالية، وكذلك من كانوا يعملون في مواقع إلكترونية، وأيضا استغناء بعض الصحف المستقلة التي لا تزال تصدر حتى الآن عن أعداد منهم، بالإضافة إلى تخفيض مرتبات من احتفظت بهم وذلك بسبب قلة الإعلانات والارتفاعات الهائلة في أسعار مستلزمات الطباعة المستوردة. صحيح أن الصحف القومية لم تفصل أحدا أو تخفض من مرتبات أحد، وصحيح أن نقابة الصحافيين زادت من البدل الشهري الذي تدفعه لكل صحافي له عضوية إلى ألف وخمسمئة جنيه، طبعا مصدرها الدولة. عبد المحسن سلامة رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام، قال في حديث له في مجلة «الإذاعة والتلفزيون» اجراه معه أحمد صفوت: «هذه المشكلة قائمة منذ 15 عاما واستطعنا بالفعل حلها تماما من خلال وضع وديعة بنكية بقيمة خمسة عشر مليون جنيه، ليتم صرف مستحقات الزملاء مدى الحياة من خلال فوائدها. بدأنا في تحديد آلية للصرف من خلال إنشاء موقع إلكتروني في مقر جديد لهم، وتم بالفعل استئجار مكان ليكون مقر العمل لهم، ثم يبدأ تفعيل عملهم وصرف جميع مستحقاتهم على أكمل وجه، وبالشكل الذي يرضيهم تماما، وبأجور لم يتوقعوها. سيتم قريبا قبول صحافيي المواقع الإلكترونية داخل النقابة. أنا لا أحب التخاذل وإضعاف مهنتي، لأن الصحافة الإلكترونية أصبحت أمرا واقعا ومنتشرا، وجزءا مهما جدا في حياتنا لا يمكن أن نلغيه أو نغفل عنه، وبالتالي لا بد من ضم محرريها إلى نقابة الصحافيين، وهذا الأمر تم تجهيز قانون خاص به لاعتماده مع قوانين أخرى لخدمة الصحافيين بشكل عام ستكون مثل الصحف الورقية تماما بتصاريح وشروط وضوابط ورؤساء تحرير. أعضاء نقابة ومجلس تحرير وبعد مرور فترات معينة يتم اعتمادها واعتماد محرريها فتعامل معاملة الصحف الورقية تماما بشكل مقنن يتماشى مع طبيعتها كصحف إلكترونية. ستظل الصحافة الورقية للابد لكنها سنة الكون في ظهور مستحدثات تؤثر على اشياء أخرى، لكن لا تلغيها، بدليل أن الكتاب موجود ومستمر وله معارض ضخمة ومؤلفون وأدباء لهم أعمال سنوية تعرض في معرض الكتاب. الأمر نفسه بالنسبة للصحف الورقية لكن من الممكن أن يقل عدد بعض الاصدارات الحديثة أو غير المنتشرة أو الطباعة الورقية يمكن أن تتأثر أو تقل في ما بعد لكنها باقية مدى الحياة كما ذكرت».
فلسطين وإسرائيل
وإلى أشقائنا في فلسطين وعمليات القتل الواسعة التي تقوم بها القوات الإسرائيلية لهم وسط صمت رسمي وشعبي عربي لدرجة أن الرسام أنور أخبرنا في «المصري اليوم» أنه لبى دعوة لإفطار صديقين عربيين فوجد أمامهما خروف وقال أحدهما وهو يستعد لالتهامه للثاني ليزيل حزنه: «يا راااجل القضية الفلسطينية كده كده قاعدة إنما أنت عارف رمضان بيخلص بسرعة كل وأنسى.
رب ضارة نافعة
لكن الفلسطينيين لم ولن ينسوا وسيظلون يناضلون ويذكرون العالم بقضيتهم أو كما قال مرسي عطا الله في «الأهرام»: «الفلسطينيون مدينون بالشكر لإدارة ترامب التي أعادت إحياء قضيتهم بعد أن كاد اليأس أن يسد عليهم كل السبل وينزع عنهم الثقة في جدوى النهج السلمي للمواجهة، خصوصا أن الأوضاع الإقليمية والدولية كانت تدفع بهم دفعا للابتعاد عن عقيدة الصبر والانتظار التي ملوا منها على مدى 70 عاما،هكـذا تطورت الأحـداث وتلاحقت ردود الفعل ورب ضارة نافعة».
في انتظار صلاح الدين الأيوبي جديد
أما زميله في «الأهرام» أشرف محمود فقد توقع ظهور صلاح الدين الأيوبي الثاني ليحرر القدس كما حررها الأول وقال: «هنا وجبت تحية جنوب إفريقيا التي استدعت سفيرها لدى إسرائيل وأدانت الهجمات الإسرائيلية على الشعب الأعزل. على الأمة العربية أن تفيق من غفوتها التي طالت، وتأكد أنها غفوة بفعل فاعل بعدما اجتمعت قوى الشر عليها ووقفت ضد مصالحها ووحدتها. وعلى الفلسطينيين أن يستفيقوا أيضا من غفلتهم التي أوقعتهم فريسة للانقسام.
علينا كعرب ومسلمين أن نستعين بالصبر على هذا الابتلاء، ونتوحد في مواجهة العدو المشترك لنحفظ حقوقنا ونرعى مصالحنا ونؤمن بلادنا ومنطقتنا ونتسلح بالإيمان بالله وقدرته على نصرنا «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِير». فالقدس لنا والارض كلها لنا وسنصلي ونبتهل إلى الله أن يحفظ القدس والاقصى، وأن يجمع شمل الأمة ليخرج من بينها صلاح الدين الجديد الذي يستعيد الأقصى الأسير ويحرر القدس ويهزم وجه القوة الغاشم الذي فرض سيطرته عليها في غفلة من الأمة».
الاستثمار في فلسطين
لكن الدكتور عبد المنعم سعيد قدّم في «المصري اليوم» رؤية مختلفة تماما مستعينا بالأرقام والوقائع بأن نهاية هذا الصراع لن تكون بالقوة ولا بصلاح الدين الأيوبي الآخر وإنما سيتعايش الشعبان ويندمجان معا وتحت عنوان «عن المسألة الفلسطيينة» قال: «هناك أخبار جيدة تخص القضية الفلسطينية: أولها أن هناك 6 ملايين فلسطيني باقين على أرض فلسطين الواقعة ما بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، أي ما يماثل 6 ملايين يهودي يسكنون الرقعة الجغرافية ذاتها، معنى ذلك أنه أيا كانت الأخبار المزعجة، بما فيها اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل فإن البشر باقون على أرضهم ولا يمكن نزع جنسية البقاء الفلسطينية عنهم. وثانيها أن هناك مليونا وستمئة ألف فلسطيني داخل إسرائيل نفسها يشكلون أغلبية في الجليل وأقليات في حيفا ويافا والنقب والقدس، حيث يعيش 350 ألف فلسطينى يشكلون 40٪ من المدينة وفي مجموعهم يشكلون 21٪ من الإسرائيليين في مقابل 500 ألف يهودي يعيشون في مستوطنات داخل الضفة الغربية.
وثالثها أنه أيا كان موقع الفلسطينيين في الضفة الغربية أو غزة أو الجليل أو في المنافي البعيدة لكوكب الأرض فإن الفلسطينيين لم يفقدوا هويتهم الفلسطينية. الحقائق الديموغرافية على أرض فلسطين تنطق بقصة أخرى غير تلك التي تنطق بها الجغرافيا، من يقدس القدس فإن عليه الذهاب إليها وخلق الحقيقة الكبرى أن فلسطين جزء من بحر عربي ومن يريد للفلسطينيين تمسكا بالأرض فإن عليه الاستثمار في فلسطين من الجليل إلى القدس ببساطة فإن المطلوب فتح كتاب جديد للقضية الفلسطينية ومعها القضية الإسرائيلية أيضا بحيث لا يكون كلاهما مصدرا للتهديد وإنما أساسا للأمل».
شيخ الأزهر وداروين
وإلى الهجوم الذي تعرض له شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب في مجلة «روز اليوسف» يوم السبت من حسام السعداوي لمجرد أنه هاجم نظرية داروين في النشوء والارتقاء، متمسكا بما جاء في القرآن الكريم من خلق آدم ومما قاله حسام: «بكلمات يمتزج فيها الجد بالسخرية أجاب الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر، حين سُئل في أحد الحوارات التلفزيونية عن قصة الخَلق قائلا: إن الأمر قد حُسم لقد بدأ الله خَلق الكون بآدم، وهو مخلوق كامل لا متطورا من قرد ولا من غزال، قاصدا بذلك الطعن في واحدة من أبرز النظريات العلمية التي ساعدت في فهم البشر لحقيقتهم وللعالم من حولهم، وهي نظرية النشوء والارتقاء التي وضعها العالم الإنكليزي تشارلز دارون قبل نحو 160 عاما. دخل شيخ الأزهر بقدميه إلى حقل ألغام وليته ما دخل، بل ذهب في حوار آخر له إلى ما هو أبعد من ذلك، وأخذ يقول إن دارون نفسه ملحد ولكن إلهه أقل شأنا من إله أرسطو الكامل المعزول عن الكون، فدارون يعترف بوجود الإله ولكن يقول إنه ترك الكون بعد خلقه، وقال أستاذ الفلسفة الإسلامية إن الجدل حول نظرية دارون من حيث كونها مقدمة للإلحاد أم لا، دليل على أنها ليست نظرية علمية، خصوصا أنها مضى عليها أكثر من 150 سنة ولكن لا تزال تدور حولها معارك طاحنة بين العلماء، استدل الإمام الأكبر في طعنه على النظرية بقوله: الانتقال من أن الإنسان يشبه القرد وافتراض أن القرد راجع للثدييات وهي بدورها راجعة إلى الزواحف ثم الاستدلال على أن الكون بلا إله هذا استدلال خطأ وتابع: إذن هي ليست نظرية علمية لأنها لا تستطيع إثبات وجود الله من عدمه.
ومضى الطيب في توضيح وجهة نظره قائلا: إن زملاء دارون وتلاميذه منقسمون حول ما جاء في نظريته وإن رجال الدين المسيحيين في الغرب رفضوها وحرّموها وإن الكتب المقدسة كلها أثبتت أن الله خلق آدم خلقا كاملا من تراب بشكل منفصل عن بقية الأنواع والحيوانات الأخرى، وكذلك بقية الأنواع. في معركته مع دارون راح شيخ الأزهر يستعين بأصحاب الكتب المقدسة الأخرى «المسيحيين واليهود» ويقول إن الديانات السماوية الثلاثة ترفض النظرية، لكن الحقيقة أن الكنيسة الكاثوليكية في السابق لم تبد موقفا من النظرية، واحتفظت بحقها في تفسير الكتاب المقدس دون غيرها.
مؤخرا خرج البابا فرانسيس الثاني بابا الفاتيكان وقال: من خلال التواضع والبحث عن الروح والصلاة المتأملة، اكتسبنا فهما جديدا لبعض العقائد، فالكنيسة لم تعد تؤمن بوجود الجحيم بالمعنى الحرفي، حيث يعاني البشر، فهذا الاعتقاد يتنافى مع مبدأ الحب اللانهائي الإلهي فالله ليس قاضيا بل مُحبّا صديقا مُحبّا للبشر والإنسانية، فهو لا يهدف لعذاب البشر وإنما لاحتضانهم ففكرة الجحيم كقصة آدم وحواء أدبية رمزية ترمز لعزل الروح حيث أن الهدف النهائس هو أن تتحد الأرواح كلها مع الله. لم تكن مقاربة البابا فرانسيس إلا محاولة لإيجاد صيغة مقبولة منطقيّا وإنسانيّا للدين تواكب روح العصر وتتناسب مع المحتوى المعرفي الذي وصلت إليه البشرية فلا يمكن فهم النص الديني في عصر الانفجار المعلوماتي بالطريقة نفسها التي كنا نفهمه بها في عصر ركوب الناقة والحمار».
حسنين كروم