تقع مدينة السليمانية التي هي مركز محافظة السليمانية في شمال العراق، وهي من المحافظات الثلاث التي تكون إقليم كردستان العراق، وتعد مقارنة بغيرها من مدن هذا الإقليم حديثة النشوء، إذ كانت عاصمة لإمارة الأسرة البابانية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
تقع السليمانية على ارتفاع 2895 قدما عن سطح البحر، وتسود الطبيعة الجبلية المحافظة، وتزداد وعورة الجبال كلما اتجهنا نحو الحدود الشرقية مع إيران. ويقدر عدد سكان المدينة حالياً بحوالي 656 ألف نسمة غالبيتهم من الكرد المسلمين السنة كما توجد أقلية مسيحية في المدينة. تقع السليمانية على بعد (330) كم شمال العاصمة بغداد، وتضم المحافظة أقضية عدة، من أهمها قضاء بينجوين الذي يمثل الرابط والمنفذ الحدودي مع إيران، وقضاء حلبجة، المدينة التي اكتسبت شهرتها بعد كارثة ضربها بالأسلحة الكيميائية إبان عهد صدام حسين، وقضاء جمجمال، وكلار ودربنديخان وشربازهر ودوكان وقضاء رانية وقضاء بشدر.
تشتهر المحافظة بكثرة مصايفها مثل مصايف أحمدآوا، وسرجنار، ودوكان، وغيرها. وفي المحافظة أيضا سدان كبيران انشئا في خمسينيات القرن الماضي، وهما سد دوكان، وسد دربندخان. من أهم المظاهر التاريخية المعمارية فيها المسجد الكبير، الذي يقع وسط مدينة السليمانية، وفيه ضريح الشيخ محمود الحفيد، الذي كان ملكا لكردستان في 1921 وضريح كاك أحمد الشيخ. اشتهرت المدينة بسمتها الثقافية، حيث تعتبر العاصمة الثقافية لإقليم كردستان، كما توجد فيها أكبر جامعات العراق وهي جامعة السليمانية. وتعتبر المدينة مصيفا للعراقيين وعاصمة صيفية للعراق لما تحويه من سبل الراحة والخدمات في فصل الصيف العراقي اللاهب.
دورها التاريخي
شهدت نهاية القرن الثامن عشر ظهور إمارات متناثرة في مختلف أصقاع الامبراطورية العثمانية نتيجة ضعف السيطرة المركزية لاسطنبول على أرجاء الامبراطورية الواسعة، وهكذا ظهرت إمارات في الغالب قبلية أو قائمة على تجمعات قبلية تتعامل مع مراكز الولايات أو حتى مع عاصمة الدولة العلية باستقلال يتراوح بين كون هذه الإمارات شبه دول مستقلة في حالة ضعف الدولة المركزية وبين حكم قبلي منزوي في إحدى زوايا الامبراطورية في حال قوة الدولة المركزية التي تجرد الحملات العسكرية على الإمارات المستقلة، وذلك مرتبط أيضا بقوة وسطوة الولاة الحاكمين في الولايات العثمانية. لكن في كل الأحوال كانت علاقة هذه الإمارات بالباب العالي تشبه إلى حد كبير علاقة إمارات الإقطاع بالحكومات الملكية في أوروبا العصور الوسطى، إذ يحكم الإقطاعي أو الشيخ القبلي إمارته باستقلالية عن الحكومة المركزية شرط ان يقدم ما عليه من أموال تجبى كضرائب ومكوس لخزينة الدولة، كما يشترط عليه ان يمد الدولة بالجنود في حروبها.
يذكر المؤرخ الكردي الأبرز في التاريخ الحديث الوزير العراقي محمد أمين زكي، في كتابه «تاريخ السليمانية» ان أمير إمارة بابان، محمود باشا، غادر إمارته متخليا عنها دون ان ينازع أو يناوئ، ولذلك أناط والي بغداد سليمان باشا الكبير زمام الحكم على البلاد البابانية بأبن اخيه ابراهيم بك في سنة 1784 بعد أن منحه رتبة أمير الأمراء. وكان الأمير الشاب نبيها عادلا فطنا، ماهرا في تدبير أمور إمارته، وفاز بإعجاب الأمراء وأولياء الأمور في بغداد ولاسيما الوالي سليمان باشا الكبير الذي يعتبر مؤسس حكم المماليك الجورجيين في العراق، وقد تلاقت النزعة الاستقلالية الناهضة في نفس الوالي الجديد وفي نفس الأمير الشاب مما وطد العلاقة بينهما. كما يشير المؤرخ محمد أمين زكي إلى نقطة مهمة بقوله، ان ابراهيم باشا بابان كان قد أمضى شطرا من حياته في بغداد، وكان يصبو إلى حياة الحضارة، ويصعب عليه العيش في قرية حقيرة مثل قلعة جوالان، عاصمة إمارة بابان القديمة، وينفر من الحياة فيها.
وهكذا كان حال أحد أقوى إمارات كردستان في العصر الحديث وهي إمارة بابان، التي ضمت مساحات شاسعة من كردستان العراق وإيران، وكانت عاصمة الإمارة في البدء قرية صغيرة هي قلعة جوالان، وقد أسس العاصمة الجديدة ابراهيم باشا بابان، في عام 1784 وأكمل بناء المدينة ونقل مركز الإمارة من قلعة جوالان إليها، وأطلق عليها اسم السليمانية. وهنا يختلف مؤرخو المدينة في اختيار الاسم، فالبعض يقول ان ابراهيم باشا أطلق هذا الاسم على عاصمته الجديدة تيمنا باسم والي بغداد الذي دعمه في تولي الإمارة سليمان باشا وإظهارا لطاعته للدولة العلية، بينما يشير بعض المؤرخين إلى ان اختيار الاسم كان تيمنا بالجد الأعلى لابراهيم باشا وهو سليمان باشا بابان.
لكن ما الذي دفع بأمير مثل ابراهيم باشا ذو طموح إلى تأسيس مدينة جديدة لتكون عاصمة إمارته الناهضة؟ في معرض الإجابة على هذا السؤال يشير د. عزالدين مصطفى رسول، في مقدمته لكتاب «تاريخ السليمانية» إلى مجموعة نقاط تمثل الخطوط العامة المسببة في تأسيس المدينة الجديدة وهي:
- بعدها عن هجمات الدولة العثمانية والدولة القاجارية نتيجة اختيار مكان المدينة الحصين بين سلسة الجبال المحيطة بها.
– محاولة خلق مركز جديد للتجارة يرتبط بمحاولات أولية لخلق قطاع صناعي.
– طموح ابراهيم باشا في أن تكون عاصمته مدينة حديثة يتم فيها التحول من حياة الريف إلى المدينة حيث مستلزمات الحياة أكثر تطورا.
وبناء على كل ما سبق كان طموح الأمير الجديد وهو ينظر إلى اسطنبول وطهران، أن تصبح عاصمته قدوة في مجال العلم والأدب لإمارته الكردية الناهضة.
رحالة وتقارير مبعوثين
تناول السليمانية الكثير من الرحالة وضباط الاستخبارات الأجنبية البريطانيين والفرنسيين والألمان في تقاريرهم ووصفوا حياة المدينة وتطرقوا إلى تفاصيل كثيرة تمكننا من تخيل حياتها اليومية. فقد كتب في سنة 1820 أي بعد 36 عاما من بناء السليمانية المستر هارت في كتابه عن كردستان يقول «في هذا العام بلغ عدد نفوس المدينة عشرة آلاف شخص وبلغ عدد مساكنها 2144 وهي موزعة كالآتي، 130أسرة يهودية، تسع كلدان، وخمس أسر من الأرمن والباقي هم من الأكراد المسلمين السنة. وكانت فيها خمسة جوامع». أما المقيم البريطاني في العراق عام 1820 مستر كلوديوس جيمس ريج، فقد دون الكثير من المعلومات في كتابه عن رحلته إلى بغداد، كردستان وإيران، ويقول في وصف جانب من الحياة في السليمانية عام 1820 «ذهبت إلى الحمام، فألفيته جميلا جدا وكانت إضاءته جيدة والخدمة فيه حسنة، كما وجدته أرقى من أي حمام آخر شاهدته حتى الآن في أي قسم من أنحاء المملكة التركية عدا حمامات الشام واسطنبول والقاهرة، بل ويمتاز عليها في بعض النواحي، وقد ملطت جدرانه بالملاط الخافقي وصبغ على الطراز العربي وزوق بالأحواض ذات النافورات، وشيده الباشا الحالي على نفقته مستخدما معماريين إيرانيين جلبهم خصيصا لذلك». ويستمر المستر ريج في وصفه للمدينة، فيذكر قصر الأمير: «كان قد شيد وفق هندسة معمارية رائعة فيها صالات أمامية وخلفية وهناك قسم للنساء وضيوفهن، وان هذه الهندسة المعمارية تختلف كليا عن التركية. شاهدت النساء يشاركن الرجال في أغلب الأعمال دون نقاب حيث وجوههن ظاهرة تماما.»
أما تجارة عاصمة الإمارة البابانية فيصفها بقوله: «شهريا هناك قوافل تتجه إلى مدينة تبريز الإيرانية ومن هناك يجلبون الحرير وبقية الأقمشة، ومن السليمانية يأخذون معهم التمور والقهوة، وفي العودة يحملون الحديد والنحاس على البغال، وبالمناسبة أقوى البغال يشترونها من مدينة أرضروم. وهناك قافلة شهرية من تجار إيران من مدينتي همدان وسنندج تصل السليمانية يحملون معهم الدهن الحيواني والفواكه المجففة والفولاذ، كذلك فالتجارة مستمرة مع كركوك. لقد رأيت تجارا من كركوك متلهفون لشراء الحبوب والعسل والقطن والرز والدهن الحيواني والأغنام. لمدينة كركوك أهمية تجارية كبيرة في المنطقة».
السياحة في الجنة
باتت السليمانية بحق عاصمة ثقافية لكردستان العراق ومركزا للكثير من النشاطات الفكرية والأكاديمية والثقافية، بالإضافة إلى ذلك هي تقترب من ان تكون عاصمة العراق الصيفية نتيجة جوها المعتدل وتوفر الكثير من الخدمات وأماكن الراحة والترفيه فيها. وفي مصايف السليمانية التي تحوي مجمعات سكنية حديثة بخدمات تقدمها شركات سياحة عالمية باتت تنافس ما تقدمه المنتجعات العالمية، يمكن أن يقضي فيها الزائر صيفا مريحا أو حتى شتاء جميلا هادئا وسط تساقط الثلوج الذي يفتقده العراقي إلا في مناطق كردستان. ومن أهم المنتجعات يمكن ان نذكر جبل بيره مكرون، وهو أحد الجبال الشامخة والجميلة في السليمانية والذي تعلو قمته قبل دخولك المدينة ومن مسافة بعيدة ويلاحظ ذلك الكثير من زوارها، وتتمتع هذه المنطقة بمكان رائع ومناظره خلابة ومياه تجري بين جداول وخضرة دائمة. أما مصيف سرجنار فيقع غرب المدينة على بعد (5) كم، فيه مساحات خضر شاسعة، مغطى بالأشجار الكثيفة من جميع الأطراف، وتضفي عليها ينابيع الماء العذب منظراً خلاباً، يجذب إليه الزوار في فصلي الربيع والصيف.
كذلك مصيف زيوي الذي يقع في سفح جبل بيره مكرون على بعد 34 كم غرب مدينة السليمانية، يتميز بالعديد من المشاريع السياحية ومناطق للراحة وألعاب للأطفال كما يوجد فيه مرقد كل من بيره مكرون والعالم الكردي المعروف توفيق وهبي وهما يجذبان العديد من المهتمين بالسياحة الدينية، ويتمتع بمناظره الخلابة كالقمم الشاهقة وممراتها المائية. أما قلعة سارتكة (باشا كورة) فتقع في ناحية قشقولي على طريق دوكان وفي مكان مرتفع مطل على نهر الزاب، تم بناء هذه القلعة من قبل الأمير محمد (أمير سوران 1813ـ 1837) وتعرف بقلعة الأمير كورة .
وهناك مجمعات قشقولي التي تقع في قضاء دوكان وتمتد على طول نهر الزاب الصغير وتتألف من مجموعة من المجمعات السياحية، بالإضافة إلى بحيرة تصلح للسباحة أو الاستمتاع بنزهات بالقوارب، وأكثر زوار هذا المنتجع قادمون من بغداد ومدنها القريبة الأخرى .أما مصيف دوكان فيقع على بعد 70 كم غرب مدينة السليمانية ويحتوي على بحيرة صناعية.
وبالرغم من كل الأزمات الاقتصادية والسياسية التي باتت مدينة السليمانية وإقليم كردستان أجمع يعاني منها منذ بضع سنوات، إلا انها تبقى درة كردستان المتوهجة التي ما أن تنفض عنها تراب الأزمات حتى تعود لتوهجها المبهر.
صادق الطائي
نعم السليمانيه درة كردستان وكر دستان
جوهرة الشرق الاوسط لكن مع الاسف
كردستان مقسمه على اربع دول حكمتها
هي واخواتها من مدن الكورد درر الشرق وهم أنقى الأقوام دما. والنعم منهم موال. تم تقسيم بلادهم على إمبراطورية الشاه وخلافة العثمانيين. ولهم الجبال الى يوم شروق شمس الاستقلال. نعم الناس والأخلاق . لاتفرقهم عن ماسمعنا من ابئنا واجدادنا عن الشهامه والكرم والخصال. لله درهم
شكرا للمقالة المتميزة والاطلالة التاريخية على اهم الامارات الكوردية والتي حكمت حوالي 200 سنة وشملت سلطتها من خانقين وسربيل زهاب جنوبا الى رواندز شمالا مرورا بمناطق سنندج ومريوان داخل كوردستان ايران وهذه مناطق واسعة المساحة والاسرة البابانية كان لها عشرات الشخصيات الدينية والسياسية والثقافية في التاريخ الكوردي ، وقد سقطت هذه الامارة بعد ان اجتاحها العثمانيين .