الخرطوم ـ «القدس العربي»: صلاح الدين مصطفى: وضع وزراء سودانيون وخبراء اقتصاديون العديد من المتطلبات الاقتصادية – مقرونة – بإجراءات سياسية وذلك اتساقا مع مرحلة ما بعد رفع العقوبات الأمريكية على السودان.
وأشار المتحدثون في ندوة أقامتها جامعة أمدرمان الإسلامية بعنوان «المتطلبات السياسية والاقتصادية لمرحلة ما بعد رفع العقوبات الأمريكية» إلى جملة من الإجراءات يجب القيام بها حتى يتعافى الاقتصاد السوداني.
وأرجع عبدو داود وزير الدولة في وزارة الصناعة في السودان، السبب الرئيسي لإنهاء عشرين عاما من الضغوط الأمريكية، إلى ورقة عمل مشتركة بين واشنطن والخرطوم، منوها إلى أن كثيرا من الأمور الإيجابية كانت غائبة عن أمريكا.
ورصد نقاطا عديدة يتطلبها الوضع بعد رفع الحظر نهائيا في الثاني عشر من هذا الشهر وفي مقدمتها العمل على ربط وتكامل الاقتصاد السوداني مع الاقتصاد العالمي خاصة بعد انتهاء أزمة التحويلات المالية.
وأكد أن بلاده مطالبة ببذل جهود كبيرة لإخراج القطاع المصرفي من العزلة الطويلة التي دخل فيها بسبب العقوبات والحظر الاقتصادي، مشيرا إلى أن ذلك يتطلب سياسات جديدة تواكب تغيّر الشروط في هذا المجال بعد عام 2008.
وقال الوزير إن الاندماج مع الاقتصاد العالمي يتطلب الحصول على تكنولوجيا متقدمة مع توفر المعرفة والخبرات وهو ما لم يكن متوفرا في مرحلة الحصار.
وعدّد الموارد الضخمة التي يتمتع بها السودان في مجالات المياه، والأراضي، والطاقة، والمعادن، وقال إن بلاده تمتلك 37نوعا منها بكمايات تجارية غير الذهب الذي أصبح إنتاجه واضحا، مؤكدا أن قطاع التعدين يحتاج لتقانات متطورة يمكن توفيرها بعد رفع الحظر.
وبيّن أن الدولة مطالبة – بشكل واضح- بتحريك قطاع الإنتاج من خلال تطوير الزراعة والصناعة والثروة الحيوانية التي يمتلك السودان منها نحو 106مليون رأس لكنها تفتقد لتحسين النوع، إضافة إلى ذلك يجب تطوير قطاع الخدمات الذي يواجه تحديات كبيرة جدا وفي مقدمتها تحديث مجال النقل.
وأشار إلى ما يتمتع به السودان من فرص واعدة وكبيرة في مجال السياحة وكذلك مجال التعليم، مؤكدا أن كل هذه القطاعات تم تسليط الضوء عليها قبل رفع الحظر تمهيدا لهذه المرحلة.
وقسّم أسامة فيصل، وزير الدولة في وزارة الإستثمار، متطلبات المرحلة المقبلة إلى سياسية واقتصادية، الأولى متمثلة في تغيير الصورة النمطية للسودان في ذهن المجتمع الغربي، مؤكدا أن هذا الدور يجب أن تقوم به الحكومة والقطاع الخاص معا.
وأكد على ضرورة فهم ومعرفة الثقافة السياسية لدى الدول الغربية والعمل على إقناعهم من خلال الركائز التي تقوم عليها تلك المجتمعات والمتمثلة في المجتمع المدني، والقطاع الخاص واللوبيات.
وقال الوزير، إن التحدي الأكبر الذي يواجههم في مرحلة ما بعد إنهاء العقوبات هو تهيئة مناخ الاستثمار للقادمين من الخارج، مؤكدا أن الحكومة السودانية شكلت عشر لجان بناء على «مؤشر أداء الأعمال الصادر عن البنك الدولي» وذلك برعاية ورئاسة النائب الأول ورئيس مجلس الوزراء.
وأوضح أن اللجان العشر خرجت بوثيقة إصلاح مؤشرات أداء الأعمال الصادرة عن البنك الدولي، الأمر الذي ساهم في تصحيح العديد من المعلومات الخاطئة والمغلوطة، مؤكدا أن النقاش بين الجانبين توصل إلى قيام ورشة عمل في الخرطوم في التاسع والعشرين من الشهر الجاري.
ولخّص الوزير أهم ما تقوم به وزارته لاستغلال أجواء رفع العقوبات والانفتاح المتوقع وذلك بمراجعة القوانين وتعديل إجراءات ترويج الاستثمار بأحدث الوسائل ومباشرة ملفات الاستثمار دون ترك ذلك للوزارت ذات الصلة وحدها والتركيز على البحوث والدراسات.
وبشّر بتدفق الاستثمارات قبل الإعلان النهائي عن رفع العقوبات، معلنا عن دخول شركات كبيرة في هذا المجال، مشيرا إلى أسباب أخرى جعلت هذه الشركات تبحث عن فرص جديدة وأبرز تلك الأسباب الركود الاقتصادي العالمي.
وسرد الباحث الأكاديمي أسامة عيدروس، تاريخا طويلا لعلاقة أمريكا بالسودان وبداية العقوبات والجهود التي بذلتها واشنطن لإسقاط حكومة الخرطوم ثم التحول في العلاقات، مشيرا إلى أن ثورات الربيع وقيام أنظمة حكم هشة، أتاحا للجماعات الإسلامية المتطرفة وعلى رأسها تنظيم «الدولة الإسلامية» تشكيل تهديد كبير للمصالح الأمريكية في المنطقة ما جعل أمريكا تتحول من ترهيب الخرطوم إلى ترغيبها.
وعلى المستوى الداخلي سرد عيدروس المعاناة التي عاشها السودان بسبب الصراع المسلح، مشيرا إلى أن الحكومة توصلت إلى قناعة بضرورة إنهاء الصراع مع القوى المعارضة بعد أن تأكدت أنه سوف يؤدي إلى دمار البلاد بأكملها.
وأشار إلى عنصر ثالث ساهم في تعجيل رفع العقوبات وهو انفتاح السودان الخارجي على دول الخليج وطيه للملف الإيراني ودعمه لمكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية ما جعل الولايات المتحدة تغير وجهة نظرها تجاه السودان.
وأكد أن الحصار الأمريكي أثّر بشكل واضح على كل القطاعات في السودان، وأدى إلى خروج الأموال من المصارف وتشجيع غسيل الأموال والتهريب والجريمة العابرة للحدود وهي كلها أمور مزعجة للمجتمع الدولي.
وعدّد الخسائر التي مُني بها الاقتصاد السوداني خلال العشرين عاما الماضية وعلى رأسها التدهور الذي أصاب قطاع الصحة وارتفاع سعر الدواء، أما في مجال النقل فأكّد أن 98 قاطرة أمريكية تحولت إلى (خردة) لعدم القدرة على الحصول على قطع الغيار وتم تدمير 1000كيلو متر من السكك الحديدية وأصبح السودان يمتلك طائرة واحدة وباخرة واحدة، ووصف هذا الوضع بأنه أقرب للإنهيار التام لولا رفع العقوبات.
وخلُص عيدروس إلى وجود عقوبات أخرى تحتاج لمزيد من التواصل حتى يتم رفعها، مؤكدا أن التحدي الأكبر يتمثل في تحسين بيئة الاستثمار، مشيرا إلى أن السودان يحتل المركز رقم 168من 190 دولة في مجال جذب الاستثمار.
وقال المحلل السياسي الدكتور صلاح الدومة إن الحكومة السودانية ظلت تنكر آثار الحظر والعقوبات حتى تأذى منها كل الشعب السوداني، مؤكدا أنهم تعرضوا لمضايقات أمنية عندما كانوا يجهرون بهذا الرأي.
وتوقع الدومة وجود اتفاقية سرية بين الخرطوم وواشنطن تم بموجبها رفع العقوبات وأشار إلى أن البرلمان أجاز يوم الخميس الماضي اتفاقية «سيداو» التي رفضت الحكومة إجازتها في السابق واعتبرتها خطا أحمر لا يمكن تجاوزه!
وأوضح أن الإنفراج الاقتصادي لن يحدث بسبب رفع العقوبات، مشيرا إلى وجود العقلية تفسها التي تسببت في هذا الحظر وغيره من العقوبات الأخرى والتي لا تزال سارية المفعول ويعاني منها الشعب وأبرزها وجود السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب وقانون سلام دارفور.
وخلُص الدومة إلى أن انتشار الفساد المالي والإداري والذي ينكره الجميع ويفضحه سنويا تقرير المراجع العام، لن يسهم في الانتعاش الاقتصادي، مؤكدا على ضرورة أن تطلق الدولة الحريات وتنشر العدل والمساواة بين كل فئات المجتمع لينهض السودانيون لبناء بلادهم، تناسبا مع الموارد الضخمة التي تتمتع بها البلاد، وقال إن السودان ثالث دولة في العالم من حيث الموارد لكن تنقصه القيادة الرشيدة.