السيسي لا يرى أن إسرائيل عدوا… وأنصاره يطالبونه بغزو ليبيا

حجم الخط
6

القاهرة ـ «القدس العربي» يوماً بعد يوم يثبت رجال المقاومة الفلسطينية أنهم رجال الله الذي اختصهم بأشرف مهمة في العصر الحديث «فناء» إسرائيل، التي اصبحت خطرا على الورود والسنابل والطيور والعصافير.. غير ان الشعب الفلسطيني لم يبتلى فقط بأسوأ احتلال شهدته البشرية منذ مولدها، بل ابتلي ايضاً بحفنة من الزعماء يتقمصون روح الدجاج وباتوا يتناولون الخوف مع الخبز من إناء واحد.. وإن كان موقف تلك الانظمة، التي تنام مع امريكا في سرير واحد طيلة عقود مضت، معروفا سلفاً، إلا ان المحير فعلاً هو موقف الجماهير، إذ لم نجد على طول الخريطة العربية مليونية واحدة تخرج لتندد بالمذابح ولو من قبيل إبراء الذمة امام رب السموات والارض، الذي سيسأل «الموؤدة بأي ذنب قتلت». ان مختلف المظاهرات التي انطلقت في العواصم العربية غلب عليها ضعف المشاركة الشعبية، وحينما ننظر لحال قاهرة المعز فإن الحال يبدو مخجلاً، فالبلد الذي يقترب سكانه من مئة مليون.
لم يشهد خروج مليونية واحدة على البراءة التي تقتل في غزة، رغم ان المسجد الاقصى وكل شبر في فلسطين في رقبة كل مسلم ومسيحي.. لكن لأن الناس دوماً على دين ملوكهم فقد انتقل جين اللامبالاة من الحكام للشعوب، ليصدق قول تشرشل، حكام أي شعب يشبهونه.
وفي صحف الأمس استمر تجاهل الحرب في غزة للحد الذي جعل الكثير من الصحف تنشر اخبارها في الصفحات الداخلية، مما يبدو ان هناك توجيهات عليا للصحف بشأن التعتيم على انتصارات المقاومة.. في صحف الامس كان السيسي حاضراً بقوة ومن خلفه منافقوه، كما ارتفع الضجيج حول أداء الحكومة والازمة الاقتصادية الخانقة، وبالطبع استمرت الحرب على الاخوان ومن والاهم وإلى التفاصيل:

خدعوك فقالوا.. مصر
قدمت مئة ألف شهيد لفلسطين

البداية ستكون مع التحقيق في خدعة مفادها ان مصر قدمت للقضية الفلسطينية مئة الف شهيد، ونترك فهمي هويدي في «الشروق» يقدم ما لديه من حقائق حول تلك القضية: «تتداول الأوساط السياسية والإعلامية معلومة مفادها ان مصر قدمت مئة ألف شهيد في دفاعها عن القضية الفلسطينية، ولا يستطيع أي باحث منصف أن يتجاهل ما قدمته مصر لصالح القضية، لكن العطاء المصري الحقيقي ظل سياسيا بالدرجة الأولى، وفي المرحلة الناصرية دون غيرها. سأشرح ذلك توا ولكن بعد تحرير مسألة المئة ألف شهيد. ذلك ان الذين استشهدوا على أرض فلسطين في حرب عام 1948 لم يتجاوز عددهم 1161 شخصا، بينهم مئة ضابط و861 جنديا و200 متطوع من خارج القوات المسلحة (الشهداء من رجال القوات المسلحة على الأقل اسماؤهم مسجلة ومحفوظة) وهذا الرقم أورده المؤرخ العسكري المصري اللواء إبراهيم شكيب في كتابه «حرب فلسطين 1948 ــ رؤية مصرية»، وهو رقم لم يختلف كثيرا عن تقييمات المصادر الأمريكية، وإن بالغت فيه قليلا المصادر الإسرائيلية (موقع جويش فيرتال ليبرتي، ذكر ان عددهم 2000 شهيد) للعلم، اللواء شكيب ذكر ان الجيوش العربية كلها قدمت في تلك الحرب 15000 شهيد و25 ألف جريح، وإسرائيل سقط منها 6 آلاف قتيل و15 ألف جريح. وإذا جاز لنا ان نستطرد ونتتبع أرقام شهداء القوات المسلحة في الحروب اللاحقة، فإننا لا نستطيع ان نتجاهل المعلومات التي وردت على لسان الفريق محمد فوزي وزير الدفاع الأسبق، الذي ذكر ان شهداء عدوان 56 حوالى ثلاثة آلاف شخص. أما الذين استشهدوا عام 67 فعددهم عشرة آلاف، وشهداء حرب عام 73 وصل عددهم إلى خمسة آلاف، الأمر الذي يعني أن العدد الإجمالي للشهداء منذ 1948 حتى الآن عددهم لا يزيد على 20 ألف شخص. الأمر الذي يدحض رقم المئة ألف شهيد ويبين أنه لا أساس علميا أو تاريخيا له».

هذه أخطاء السيسي العشرة عن فلسطين

وفهمي هويدي وجد من يدعم وجهة نظره فها هو محمد سيف الدولة في جريدة «الشعب» يطلق نيران مدفعيته بشأن الاكاذيب التي تفترى على الشعب المحتسب والصابر، متحدثاً عن اخطاء السيسي بالنسبة لفلسطين:»1 قام بتهميش المأساة وتحدث عنها ببرود واقتضاب، وكأنه يتحدث عن مشكلة المرور في جزر القمر. 2 ـ لمح إلى أن انشغال مصر بالقضية الفلسطينية كان هو السبب في ضعف الاقتصاد المصري، متجاهلا أن السبب الحقيقي هو عصابات الفساد والنهب المنظم. 3 ـ قال السيسي ان مصر قدمت 100 ألف شهيد من أجل فلسطين، في حين انه يعلم قبل غيره انها قدمتهم بفخر وشرف في 1956 و1967 وحرب الاستنزاف و1973، دفاعا عن ارضها المحتلة. 4 ـ كرر الجملة الجوفاء ذاتها التي يصدعوننا بها منذ 40 عاما «بأن مصر لا تقبل المزايدة على موقفها من القضية الفلسطينية» التي يكررونها في كل مرة يقومون فيها ببيع فلسطين أو تسليمها إلى المذبح الصهيوني الأمريكي.5 ـ ادعى انهم كانوا يحاولون تهدئة الامور قبل الحرب، رغم انه كان طرفا اصيلا في التمهيد والتصعيد والتنسيق والتوتير، من خلال هدم الانفاق وغلق المعبر والتحريض ضد الفلسطينيين.6 ـ انحاز إلى الرواية (الاسرائيلية) حين لمح إلى ان خطف الاسرائيليين الثلاثة هو السبب في الحرب، وتجاهل اغتصاب الارض والعدوان المتكرر.7ـ حرص السيسي على أن يظهر على الحياد، فاستخدم تعبيرات (الاقتتال، والأزمة) وتجنب ان يستخدم تعبير العدوان، في سابقة لم تتكرر مع أي رئيس أو مسؤول مصري، بما في ذلك حسنى مبارك.8 ـ كرر خطاب كامب ديفيد واوسلو والاعتراف باسرائيل، بتأكيده أن أرض فلسطين تقتصر على الضفة الغربية وغزة وعاصمتها القدس الشرقية. 9 ـ شكك في جدوى فكرة المقاومة، مدعيا انها لم تؤت أي ثمار على امتداد 30 عاما، مخالفا بذلك كل الثوابت الوطنية والسوابق التاريخية والمواثيق الدولية التي تنص على الحق في مقاومة الاحتلال».

المقاومة انتصرت على إسرائيل

ونتحول نحو فريق المتفائلين بنصر المقاومة الفلسطينية، ومن هؤلاء نادر بكار أحد قاديي حزب النور ذو الخلفية السلفية، الذي كتب في «الشروق»: «المحصلة النهائية بعد قرابة شهر من بدء العدوان؛ أن اسرائيل فشلت في تحقيق أي قدر من النجاح الاستراتيجي فاستعاضت عنه بأكبر قدر ٍممكن من التدمير العشوائي، كسياسة عقابية لكل القطاع من ناحية، ولشغل حماس بجهود إعادة الإعمار من ناحية أخرى، بعد انتهاء العملية، وللتضليل على الرأي العام الداخلي من ناحية أخرى بصنع انتصارات زائفة». ويرى بكار انه «كلما زاد عدد القتلى من الجانب الفلسطيني ازدادت قدرة حماس ونفوذها على قطاع غزة، وقل معها نفوذ سلطة رام الله، وهو ما لا تفهمه إسرائيل؛ وعلى العكس تماما ًكلما زاد عدد القتلى من الجانب الإسرائيلي ازداد موقف الحكومة حرجا وزاد الضغط الداخلي عليها..». ويشير نادر إلى أن «خسائر إسرائيل ليست في عدد من سقطوا من العسكريين، وإن كان رقمهم كبيراً جدا ًمقارنة بعمليات سابقة؛ وإنما في حجم معاناة الدولة اقتصاديا ًومعاناة الشعب معنويا. وعلى سبيل المثال فإن إعلان حماس عن توقيت إطلاق دفعة من صواريخها قبل التنفيذ (التاسعة مساء) مثل انتصارا استراتيجياً على صعيدين مهمين؛ أولهما صعيد الحرب النفسية لأنه وبغض النظر عن القدرة التدميرية الواهية لتلك الصواريخ، لكن خطوةً كهذه حملت ثلاث رسائل واضحة: حماس قادرة على انتزاع زمام المبادرة ووضع الخصم في خانة المنتظر؛ إسرائيل فشلت في تحديد أماكن إطلاق الصواريخ، رغم معرفة توقيت إطلاقها مسبقاً، ورغم امتلاكها عمليا لسماء الميدان بطائرات استطلاع تغطي قطاع غزة، بالإضافة إلى فشل إسرائيل استخباراتيا في تحديد مواقع إطلاق الصواريخ أو حتى في استهداف أبرز القادة الميدانيين».

خناقة سلفية إخوانية بسبب السخرية من أسلحة حماس

ومن معارك امس الصحافية تلك التي اهتمت بها صحيفة «المصري اليوم» على إثر التراشق الذي شهدته الشبكة العنكبوتية، حيث نشرت قناة «إخوان كوستاريكا» المحسوبة على جماعة الإخوان على «يوتيوب»، مقطع فيديو للداعية السلفي محمد حسين يعقوب، عضو مجلس شورى العلماء (السلفي)، يعود إلى عام 2009، يهاجم فيه حركة المقاومة الإسلامية «حماس» ويحملها مسؤولية التسبب في المجازر الإسرائيلية في قطاع غزة. وقال يعقوب إن «حماس» في صراعها مع السلطة الفلسطينية «فتح» تطلق صواريخ «ماتخرمش حيطة» على إسرائيل لكي تحدث تلك المجازر التي تودي بحياة العديد من الناس الذين لا ذنب لهم في شيء. وتسبب مقطع الفيديو في تبادل السباب بين السلفية والإخوان، حيث دافع السلفيون من محبي الداعية عن شيخهم، مبررين موقفه بأن الفيديو قديم، وأن «حماس» وقتها كانت ضعيفة وفي صراع مع فتح، بينما سب الإخوان الداعية واتهموه بالعمالة للأجهزة الأمنية ضد حماس والإخوان، حتى ان أحد التعليقات وصل إلى حد تكفير يعقوب، استنادا إلى فتوى إخوانية أطلقها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي يترأسه الدكتور يوسف القرضاوي بتكفير كل من يهاجم حماس. كما تداول ناشطو «فيسبوك» تدوينة للإعلامي أحمد منصور، المحسوب على جماعة الإخوان، أعلن فيها تأييده عودة الرئيس المعزول محمد مرسي للحكم، وقال خلالها: «الشيخ المثبط صاحب اللحية المنفوشة محمد حسين يعقوب، حليف السيسي ونظامه، مدعي السلفية والسلفية منه ومن أمثاله براء، خرج يلوم المقاومة ويستهزئ بها وبأسلحتها»، وأضاف: «ما يردده هو ما ردده خطاب النظام في تحميل حماس مسؤولية جرائم إسرائيل ضد غزة».

تحية واجبة للمقاومة والشعب الفلسطيني

وبعد جهد بالغ عثرنا على من يقف بجوار المقاومة الفلسطينية عبد المنعم المشاط في جريدة «الاهرام»: «تحية احترام وتقدير للمقاومة الفلسطينية الشريفة، التي تسعى إلى تحرير فلسطين وإقامة الدولة الفلسطينية، وتضحي في سبيل هذا الهدف القومي بالروح والدم، وإن كان يقتضي العدوان الإسرائيلي، على غزة مراجعة دائمة لطبيعة الصراع العربي ـ الإسرائيلي وفي داخله القضية الفلسطينية، لأن هذا العدوان لن يكون الأخير، فهو صراع متشابك معقد متوالد ومتجدد، ولكنه لا ينتهي، كما يقول الكاتب: وهو صراع في الأساس على الأرض، حيث يدعي الإسرائيليون أن أرض فلسطين ـ وما وراءها في سوريا ولبنان والأردن وسيناء ـ هي أرضهم، وفي العقيدة اليهودية الأرض أساس البقاء وجوهر الهوية، ومن ثم تؤمن العقيدة الصهيونية، التي تسير عليها اسرائيل، بالتوسع الإقليمي فهي على الأراضي المحيطة بإسرائيل، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي لا توجد لها حدود مقننة إلا مع مصر، وهو صراع على الهوية، ولهذا يحاول نتنياهو أن يفرض على كل أطراف الصراع وعلى العالم مسألة يهودية الدولة التي تعني تفريغ اسرائيل من عرب 1948، وهم الفلسطينيون الذين لم يهربوا من نيران الصهاينة عام 1948، كما تعني أيضا رفض إسرائيل التام لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم الأصلية، خاصة داخل إسرائيل، وهو صراع على المياه، إذ تتحكم إسرائيل في مياه نهر الأردن ومياه الضفة الغربية وبحيرة طبرية السورية، وتحاول دائما أن تحصل على مياه النيل عن طريق ترعة السلام في سيناء أو ترعة زمزم، كما يطلق عليها الإسرائيليون، وهو صراع على الأمن، الأمن القومي العربي في مقابل أمن إسرائيل، ومن ثم اتجهت إسرائيل ومن عام 1957 إلى إنتاج وتخزين الأسلحة النووية، لكي تشكل رادعًا دائمًا لأي هجوم عسكري عربي عليها، كما انه صراع ديني».

حينما يصبح الدفاع عن المقاومة
جريمة يتبرأ منها البعض

ولا يمكن بأي حال ان نتجاهل هذا الهجوم المباغت الذي شنه سليمان جودة في «المصري اليوم» ضد المتعاطفين مع حماس: «حين تطالع الصحف المصرية، تكتشف أن عدداً لا بأس به من أصحاب الرأي فيها ينتمون هذه الأيام إلى حركة حماس، أكثر مما ينتمون إلى هذا البلد.. ولأنهم كذلك، فإنهم لا يفرقون بين باطل كثير تقول به وتردده الحركة، منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أما الحق على عهدة الكاتب فهو أن القاهرة لم تخلط أبداً بين حركة إخوانية متطرفة، هي حركة حماس، وبين سائر أبناء القطاع، من غير الحمساويين، الذين هم في النهاية فلسطينيون أصلاء، تساندهم مصر، لا تخلط مصر أبداً، ولن تخلط، بين الحركة في جانب، وبين جميع الفلسطينيين الذين هم أصحاب قضية عادلة في جانب آخر، ولكن سوء حظهم جعل القضية تسقط في أيدى أسوأ محامين من نوعية قادة حماس. لا تخلط مصر وإلا ما كان رئيسها قد حذر من خطورة التصعيد بين الجانبين، وما كان قد قضى أغلب وقته في اتصالات واستقبالات ومباحثات حول الموضوع، وما كان رئيس مخابراتنا قد سارع للذهاب إلى تل أبيب منذ لحظة العدوان الأولى». ويتابع جوده صب لعناته على انصار المقاومة: «يحدث هذا كله، على الملأ، ويحدث ما هو أكثر منه، ثم ينكره المتبجحون، الذين ينتمون إلى حماس، أكثر مما ينتمون لبلدهم الذي يحملون جنسيته. بكل أسف يحدث هذا، ويحدث ما هو أكثر منه، ثم تفاجأ بأن هؤلاء المتبجحين يتكلمون طول الوقت عن معبر رفح، وكيف أنه مغلق بيننا وبين أبناء القطاع، الذين هم جميعاً إخوة لنا، إلا أن يكونوا حمساويين! يتكلمون، بلا خجل، عن غلق المعبر، وكأن الجرحى الذين يتلقون علاجهم في مستشفياتنا، قد طاروا إليها من السماء».

إعلام «مسطول» يعبر عن دولة مهزومة

وللاسف الشديد لم يدرك الذين قادوا حملات الشماتة في المقاومة وعبروا عن سعادتهم بقصف غزة، لم يدركوا انهم اضروا بمصر، كما يؤكد محمود سلطان في «المصريون»:»الإعلام المصري الرسمي والخاص بات عبئا على أي جهود تحاول أن تحفظ لمصر كرامة أو هيبة.. أو لأي محاولة لإعادة تقديم مصر في صورة مختلفة كـ»قائد» حقيقي يحظى باحترام المجتمع الدولي. ما يحدث في الإعلام المصري حالة من «الاضطراب العقلي» الفاضح الذي جعل من البلد «فرجة» وموضوعا للتندر وإطلاق النكات عليه.. وأتمنى من المسؤولين المصريين أن يكونوا على اطلاع على ما يكتب بشأن ذلك في كل صحف العالم. والمشكلة التي لم ينتبه إليها النظام الحالي، أن ثمة قناعة بأن الإعلام لا يتكلم من تلقاء نفسه، وإنما بما يتلقاه عبر الهاتف من تعليمات «جهات سيادية». وبمعنى آخر.. كما يقول الكاتب فإنه وفقا لهذه القناعة.. فإن حال الإعلام ينقل حالة التردي في مؤهلات من يديرون البلد بالهاتف، ويخلف قناعة أخرى بتورط الدولة رسميا في هذا الإسفاف الإعلامي الذي وضع مصر في أزمة غير مسبوقة مع المجتمع الدولي، وربما يدرجها في مرتبة الدولة «غير المسؤولة».. وهو التوصيف الأقرب إلى عقل المجتمع الدولي حاليا.. ولعل مؤتمر باريس الذي قرر لأول مرة استبعاد مصر من الجهود الدولية المبذولة لحل الأزمة الفلسطينية.. يعتبر أبرز تجليات هذا الانهيار في ترتيب مصر وتراجعه ـ بشكل يبعث على الشفقة ـ على مؤشر الدول الأكثر تأثيرا إقليما ودوليا. حال الإعلام المصري.. خارج أي اعتبار إنساني أو أخلاقي، ويتصرف ككائن متبلد لا يخضع إلا لشهوة التزلف إلى السلطة.. إعلام «مسطول» مغيب لا يعرف ماذا يقول يوزع أذاه وتخبيطه وتغوطه على الجميع..لا يفرق بين العدو والصديق.. يحرق بغبائه وتخلفه كل المراكب أمام عودة مصر إلى منزلة الاحترام».

ليس من مصلحة مصر أن تغرق في المستنقع الليبي

وإلى الشأن الليبي الموغل في الفوضى، وقد لفت نظر رئيس تحرير «المصريون» جمال سلطان ما يتردد عن التورط المصري هناك: «الأخبار عن تفاصيل الوضع في ليبيا وما يجري هناك شحيحة إعلاميا، كما أنها شديدة الغموض في فهم الموقف المصري بشكل خاص، ولكن هناك مؤشرات علنية لا يمكن تجاهل دلالتها عن انحياز السلطات المصرية للواء المنشق خليفة حفتر، الذي يخوض معارك طاحنة مع الكتائب الإسلامية التي تعمل من خلال رئاسة أركان الجيش الليبي الشرعي، كما أن الرجل تحدث كثيرا عن تأييده للسلطة الجديدة في مصر وحربها على الإخوان، واعتبر نفسه في ليبيا امتدادا لتلك الحرب، وأنه يخدم المسار المصري في ليبيا، وأنه عازم على تدمير القوى الإسلامية ونفوذ جماعة الإخوان هناك على النحو الذي حدث في مصر، والإعلام المصري الرسمي والخاص والخبراء العسكريون الذين يظهرون على الشاشات يتحدثون عن المعركة في ليبيا، باعتبارها حرب حفتر على الإرهاب والإخوان والدعم الإعلامي والسياسي والمعنوي العلني أوضح من أن يجهله أحد، لا داخل مصر ولا خارجها، وهناك اتهامات مصرية رسمية متتالية ضد القوى الإسلامية في ليبيا تتحدث عن تآمرها على مصر واحتضانها لكوادر إسلامية مصرية مسلحة تنشط على الحدود لتهديد الأمن القومي المصري، واختراق الحدود والقيام بأعمال إرهابية، وصفوها أحيانا بالجيش المصري الحر، وتحدث إعلاميون مرارا عن أهمية توجيه ضربة مصرية استباقية في الداخل الليبي، وشارك الرئيس المصري نفسه عبد الفتاح السيسي في حوارات ومشاورات إقليمية بخصوص ما اعتبره التهديد الليبي للاستقرار في المنطقة ، وفي كل الأحوال، وفي مثل تلك الظروف لا يمكن التقليل من الحضور المصري في الحالة الليبية بصورة أو أخرى، خاصة أن ليبيا يلعب فيها الآن أكثر من جهاز استخباراتي دولي وإقليمي».

أربعة مذاهب في نفاق السيسي

لا يخفى على من يتابع اجهزة الإعلام المصرية ان يتأذى من تكاثر عدد المنافقين للرئيس الجديد، وهو ما لفت انتباه عماد سيد احمد في «المصري اليوم»: «طوال الفترة الماضية وجدت أننا أمام أربعة مذاهب من الإعلاميين، كلهم من مؤيدي الرئيس السيسي. ولا عيب في ذلك، وإنما في الطريقة المتبعة، وتحول الأمر من تأييد إلى شيء أقل ما يوصف به هو النفاق. الصنف الأول كما يرى عماد: يمتدح الرئيس على طول الخط، هذا الصنف يبالغ في المديح، يتمادى فيه، لا شيء يوقفه، ينسب للرئيس كل الأفعال الإيجابية صغيرة كانت أم كبيرة، (ولولا الملامة لقالوا يأتي بالشمس من المشرق والقمر من المغرب). وفي مقابلة سابقة للسيسي قالت نائلة عمارة: أتمنى ألا أقف أمامك يوم القيامة. اما المذهب الثاني من مذاهب النفاق فيبالغ في نقده للمعارضة، أي معارضة، حتى إن كانت قد تركت عالمنا للآخرة، ودي اسمها البروبغاندا الحويطة، تحاول إرضاء الرئيس من دون أن تأتي على ذكره، وتظن أن رضاءه يكون في التهجم على الناس، والتفتيش في ضمائرهم، تنتقد البرادعي، تشتم 25 يناير/كانون الثاني، تلعن الشباب، تكفر الإخوان وتخرجهم من أي ملة وأي دين، تسب أمريكا والغرب وقطر وإيران وتركيا وإثيوبيا، ولا تترك أحداً من برة ولا من جوة. قبل أيام قاد سيف اليزل هجوماً على البرادعي لا معنى له، لا يريد أن يعترف بأن البرادعي خارج المعادلة الآن، وأن هناك سلطة بيدها الأمر ولا أحد آخر. هذا الصنف يعمل بنظرية تشويه المعارضة لصالح النظام، ولا يدركون أن كل نظام ينتج معارضة تشبهه. اما الصنف الثالث كما يراه الكاتب فينتقد الحكومة ليبقى الرئيس بعيداً عن النقد. يتهجم على الوزراء حتى إن كان الرئيس شريكاً في تحمل المسؤولية، لا أحد يستطيع منافسة معتز عبدالفتاح في هذا المضمار، سوى عمرو أديب. اما الصنف الأخير: لا يمدح ولا يشتم ولا يقول حاجة أصلاً، لكن يصفق لأصحاب المذاهب الثلاثة، وأوقات كثيرة يسأل عماد: ما هو السر وراء حماس «لميس الحديدي» في كل الأوقات، ولكل الموضوعات.

الرئيس في عش الدبابير

ونبقى مع المتيمين بالرئيس الجديد ونصل إلى احمد الجمال في «اليوم السابع» الذي لا يخفي اعجابه بالمشير خاصة بعد خطابه الاخير في ليلة القدر: «طوى السيسي كلمته التي أعدها، ثم ارتجل بصوته الحريري الهادئ الحاسم الباتر، وإذا بى أسمع تأكيدا لمضمون ما سمعته منه قبل توليه الرئاسة، وربما تكررت عبارات بعينها، وبدا إصراره متصلا على مستوى حتمية تغيير الخطاب الديني وواقع المسلمين، ومستوى حتمية القصاص واستمرار الحرب ضد الإرهاب.. فاعليه ومموليهم! ان رئيس الجمهورية يعي أن وطنه مازال يعيش صراعا بين مشروعين، وهو صراع ممتد منذ القرن الثامن عشر إلى يومنا هذا في القرن الواحد والعشرين.. هو الصراع بين مشروع الركود والحفظ والتلقين وتقديس ما ليس له قداسة من متون فقهاء سابقين، وحجر على العقل والفهم والإبداع والحرية، وبين مشروع التجدد والفهم والوعي ومواكبة متغيرات الزمان والمكان وإعمال العقل في كل ما نتلقاه، وحسم العداء المصطنع بين العلم وبين الدين». يضيف الجمال: «لقد وصل أصحاب مشروع الركود والتخلف إلى مرحلة حمل السلاح الخفيف والثقيل والقتل بلا هوادة وتخريب المنشآت العامة وأبراج الكهرباء ومحطات القطارات والقطارات نفسها، وهذا يعني في نظري أن ذلك المشروع يلفظ آخر أنفاسه في آخر معركة، حيث لم تتوقف المعارك وبدرجات مختلفة وبأسلحة متفاوتة منذ واجه الشيخ حسن العطار الركود بمنهج جديد هو نقد المتن في الحاشية بدلا من حفظه والتهميش عليه بما قد يزيده تعقيدا وركودا. نحن إذن بصدد موجة معاصرة في مشروع التجديد والنهوض الوطني، ونقطة البداية هي تصحيح ما استقر في الوجدان الشعبي من مغالطات فادحة تمس جوهر الدين وصميم العقيدة، وتنعكس على سلوكيات الناس وتشغلهم بالشكل عن الجوهر، حيث بات شكل الجلباب وطوله، وهيئة اللحية وطريقة تهذيبها، وتغطية وجه المرأة بسواد في عز لهيب الصيف ورطوبته هو ما يشغل عقول كثيرين!».

لكن الناس تؤكد أنه لم يقدم لهم شيئاً

ورغم الثناء الشديد الذي ينهال على السيسي في وسائل الإعلام، غير ان الاحباط بدأ يتسلل إلى الناس مما دفع رئيس تحرير جريدة «المساء» لان يتصدى لهؤلاء: «رغم مرور ما يقرب من شهرين فقط على تولي عبدالفتاح السيسي منصب رئيس الجمهورية بدأت تظهر «نغمة» لدى البعض تقول ما الذي قدمه الرئيس السيسي لمصر.. فالأسعار في ارتفاع مستمر.. والكهرباء في انقطاع دائم والسلع التموينية اختفت.. والغلابة صاروا أكثر غلبا.. وقد يكون هذا الكلام فيه جانب كبير من الصحة، إلا أنه ليس منطقيا أو معقولاً أن نحمل الرئيس السيسي مسؤولية كل هذه الأزمات. يضيف الكاتب البعض يتصور أن الرئيس يملك عصا سحرية بمجرد الطرق عليها سيتم حل كل المشاكل التي تواجهها مصر، وهذا بالطبع غير صحيح وغير منطقي على الإطلاق.. فالبلد يعاني من مشكلات متراكمة منذ عقود استفحلت خلال السنوات الثلاث الأخيرة ولا يمكن حلها بين يوم وليلة أو حتى خلال أشهر معدودة، وانما بالتخطيط والإرادة والعزيمة يمكننا التصدي لكل هذه الأزمات ومواجهتها بالعمل والإنتاج وهذا هو ما يفعله الرئيس الآن.. لقد عانت مصر على مدى عقود من الاهمال والفساد وعدم التخطيط وغياب الرؤى حتى أصاب هذا الشعب اليأس والاحباط من عدم تغيير الواقع المؤلم الذي يعيشه، فأصيب المواطن باللامبالاة وعدم المسؤولية والتراخي والتكاسل والاعتماد على الغير والبحث عن مصادر للرزق من أقصر الطرق، سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة ولهذا انتشرت خلال السنوات الثلاث الأخيرة ظاهرة السطو المسلح، سواء على الممتلكات أو الأفراد! ويتابع الكاتب مصر يا سادة بدأت تخطو أولى خطواتها على الطريق الصحيح بعد أن كانت كالمريض الذي يرقد في غرفة الانعاش في انتظار الموت.. وهي الآن في مرحلة العلاج من كل الأمراض التي أوجعتها خلال السنوات الأخيرة».

حسام عبد البصير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول نبيل العلي:

    إنها أوامر دافعي قيمة لقمة العيش… من يرهن عنقه لمساعدات الآخرين بالتأكيد لن يستطيع اتخاذ أي قرار.

  2. يقول عبد الله:

    من اول يوم للانقلاب والسيسي مكشوف لمن لديه شيء من بصر

  3. يقول somaa:

    ” فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليمّ فانظر كيف كان عاقبة الظالمين # وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا يُنصرون # وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين ” صدق الله العظيم
    أرى أن مصر أنهت نفسها ووجودها لا دورها فقط ، فهذا الفرعون الصغير وأتباعه المنافقون وجنوده أجمعون ينتظرون نهاية الفرعون القديم ، فهم أوصلوا مصر إليها ، لم أسمع في حياتي هذا الكم من النفاق والتفاهة والفهاهة والسخافة ، رغم أنها كثيرة في بلادنا ، ولكن مصر تفوقت على الجميع في هذا وبخطوات بعيدة . آه يا مصر

  4. يقول خليل ابورزق/ الاردن:

    مناحيم بيجين رئيس وزراء الكيان الصهيوني هو اول من وسوس للسادات بفكرة غزو ليبيا لحل مشكلة مصر الاقتصادية و بدأ السادات بتنفيذها طنا منه انها ضوء اخضر مادامت تأتي من ابناء الشيطان الاكبر. و ها هم الاسرائيليون انفسهم يوسوسون للسيسي بنفس الفكرة و التي ستنتهي بنفس الدماء العربية بدون طائل. و لا غرابة ان لا يتعلم السيسي الدرس بعدما كرر كل الاخطاء التي يمكن ان يرتكبها أي مدير استخبارات او وزير دفاع او رئيس

  5. يقول محمد نور _ السودان:

    هذا العدوان قد خطط له من قبل الانقلاب العسكري الذي قاده السيسي بعد ان بدأت مصر تعود الي دورها الاقليمي .هذا الدوان شاركت فيه سلطة الانقلاب ودول الخليج التي اعانت السيسي وايدته ، شاركت فيه بطريق مباشر او غير مباشر ، ولذلك لاينتظر من الاعلام المصري اي دور ايجابي ومناصرة للقضية الفلسطينية والمقاومة

  6. يقول محمد سعيد _ الجزائر:

    مقال موضوعي بالرغم من خلوه من الكثير من المعلومات المفيدة والمتمثلة في الآتي:
    — مهما كانت تضحيات الجيش المصري لا يمكن المن بها على الفلسطينيين،فالجنود استشهدوا دفاعا عن مصر وهذا واجبهم، ومهما كان العدد مئة ألف أوعشرين ألف فهو ثمن بخس في سبيل تحرير الأوطان وحمايتها،وليقارن المصريون تضحياتهم بتضحيات الكثير من الشعوب،كالجزائريين والفلسطينيين والفياتناميينو…فليتأكد المدعون أن من استشهد من المصريين استشهد دفاعا عن مصر وليس عن فلسطين.
    — إن هؤلاء المتشدقين وأمثالهم على مر العقود،هم المتاجرون بالقضية الفلسطينية،التي حولوها إلى سجل تجاري يتربحون بها داخليا وخارجيا كما يفعلون بمعبر رفح حاليا بالظبط، وارجعوا لموضوع المجهود الحربي ومن أثري من ورائه.
    — وإن كانت حكومات الدول العربية وخاصة دول الطوق هي من باعت فلسطين والأقصى،فإن العرب دولا وشعوبا يشاركون في اغتيال أهل غزة،بالتآمر والتواطؤ والصمت .
    — وبمقارنة إنجازات الجيوش العربية التي تلتهم ميزانيات بلدانها ،هذه الجيوش الجرارة لم تصمد أمام العدوان أكثر من أيام إن لم نقل ست ساعات،بالرغم من مقولة خير أجناد الأرض.بإنجازات أبناء غزة، بالرغم من سنوات الحصار الكريه من الأخ قبل العدو.

إشترك في قائمتنا البريدية