السيسي يتصور مشاكلنا كلها بمعزل عن السياسية تماما… والسلطة تحتاج لكومبارس لا ناخبين حقيقيين

حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي»: ركزت الصحف المصرية الصادرة أمس الثلاثاء 20 أكتوبر/تشرين الأول معظم اهتماماتها على متابعة اليوم الثاني والأخير في انتخابات المرحلة الأولى لمجلس النواب، التي جرت في أربع عشرة محافظة، وبدء عملية فرز الأصوات، وبعضها أعطى مؤشرات أولية.
وكان الواضح ضعف الإقبال على التصويت وإحجام قطاع كبير من الشباب، وإقبال كبار السن والنساء، وهي الظاهرة اللافتة منذ ثورة يناير/كانون الثاني2011، وهي انخراط النساء والفتيات في الاهتمام بالسياسة، سواء بالمتابعة والحماس لهذا الاتجاه أو ذاك، أو النزول في المظاهرات وفي الاستفتاء وانتخاب رئيس الجمهورية، ولكن اللافت أيضا أنهن رغم كثافة المشاركة لا يصوتن في أغلب الأحيان لصالح المرشحات من النساء. وعلى كل حال فالانتظار واجب إلى أن تعلن اللجنة العليا للانتخابات النتائج النهائية، وهل هناك إعادات في بعض الدوائر الفردية وبالنسبة للقوائم أم لا؟ كما أن المرحلة الثانية التي ستبدأ الشهر المقبل وتضم القاهرة قد تشهد إقبالا أكبر، ولم يتم تسجيل خروقات بارزة، بخلاف إلقاء القبض على منتقبة أرادت التصويت مرتين والقبض على البعض كانوا يقومون بالدعاية قرب اللجان. ولا يزال الاهتمام متواصلا بخفض سعر الجنيه أمام الدولار وآثاره، وسط ترحيب من رجال الصناعة. كما كان هناك خبر مهم جدا وهو الاجتماع الذي عقده الرئيس السيسي مع رئيس الشركة الروسية، التي يتم الاتفاق معها على إنشاء أول محطة نووية لإنتاج الكهرباء وتحليه مياه البحر في منطقة الضبعة، بحضور وزير الكهرباء محمد شاكر. وناقش الرئيس شروط الاتفاق، وفي الحقيقة فإنه يمارس ضغطا على الشركة لتخفيض التكاليف، كما فعل من قبل مع شركة سيمنز، وقاد الاتفاق بنفسه ونجح في الحصول على موافقتها على خفض مئة مليون دولار. وأتوقع في حالة الاتفاق النهائي مع الشركة أن يطلب السيسي من الرئيس الروسي بوتين الضغط عليها لإجراء تخفيض كبير، وهكذا فشلت أخر جهود رجل الأعمال وصاحب جريدة «المصري اليوم» صلاح دياب في إلغاء المشروع وتخصيص الأرض لمشروعات سياحية على هيئة نخلة وشجرة جميز، ولم يتأثر السيسي بالحملة التي شنها عليه واتهمه بالعناد، كما استعان برجل الأعمال سميح ساويرس الذي استخدم أغنية «أدوا زوبه زقه» لإقناع الرئيس بأن يزق مكان المحطة جنوبا مسافة خمسة عشر كيلومترا، وترك الأرض لمستثمرين. واستعان دياب أيضا بالدكتور محمد المخزنجي والدكتور معتز بالله عبد الفتاح للطلب من السيسي التخلي عن المشروع.
ومن الأخبار المهمة التي لم يلتفت إليها أحد،الاتفاق الذي تم توقيعه بين وزارة النقل والهيئة العربية للتصنيع بالتعاون في ما بينهما في كل مشروعات الوزارة من سكك حديد وطرق، بحيث لا تحتاج الوزارة إلى جهات أخرى، وينحصر التعاون مع الهيئة في أغلب مشروعاتها، وهو ما يتفق مع سياسة السيسي في زيادة وجود الدولة في الاقتصاد. وإلى بعض مما عندنا…

الإسلام ليس حكرا على فريق أو قصرا على طائفة

ونبدأ بإخواننا في التيار الإسلامي ومعاركهم، والبداية من مجلة «الأزهر» التي يصدرها الأزهر الشريف كل أول شهر عربي، وكان يرأس تحريرها صديقنا المفكر وعضو هيئة كبار العلماء الدكتور محمد عمارة، وبعد معارك في الصحف تتهمه بأنه من الإخوان، وأن شيخ الأزهر يحميه، ترك منصبه، وتولى رئاسة تحرير المجلة وزير الأوقاف الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء الدكتور محمود حمدي زقزوق، وفي عدد شهر محرم يوم الأربعاء الماضي، مقال للدكتور عمارة عنوانه «الوسطية الإسلامية في العلاقة بين الفرد والطبقة والأمة». أما أبرز وأهم مقال والأكثر سخونة فكان للأستاذ في جامعة الأزهر وعضو هيئة كبار العلماء الدكتور الشيخ محمد عبد الفضيل القومي، لأنه ناقش قضية حساسة، وهي الفصل والخلط بين الدين والسياسة.. الإسلام والدولة المدنية وأبرز ما في مقاله من ص 75 إلى 80 قوله: «في عبارة شهيرة للشيخ محمد عبده في كتابه «الإسلام والنصرانية»، استعاذ الأستاذ الإمام بالله تعالى صراحة من السياسة بلفظها ومعناها، ومن كل حرف يلفظ في كلمة السياسة، بل ومن ساس ويسوس ومشتقاتها، وأكبر اليقين أن استعاذة الأستاذ الإمام هذه، لم تكن من السياسة بالمفهوم السديد الناصع الذي يعني استصلاح الخلق بإرشادهم إلى طريق النجاة في الدنيا والآخرة، بل كانت استعاذة الأستاذ الإمام بالقطع واليقين متجهة إلى السياسة بالمعنى الزئبقي النفعي الفضفاض، الذي يفتح الباب واسعا أمام سدنة الساسة ودهاتها، لاستخدام شتى الوسائل ومختلف الممارسات أيا كان نصيبها من الحق والصدق والأخلاق، لكي تكون لهم الغلبة. فأي سياسة تلك التي يراد عدم الفصل بينها وبين الدين، بل دمجها فيه ومزجها بنسيجه؟ وأي دين هذا الذي يقبل أن يقحم عليه ذلك المفهوم الزئبقي الفضفاض في «لعبة السياسة» ذات التوازنات والمناورات والمنحنيات؟ فلئن كانت «السياسة الشرعية» التي ترتكز على تربية الأمة وحسن توجيهها إلى محاسن الشريعة ومقاصدها الرفيعة في صلاح الدين والدنيا جميعا، هي التي يراد اقترانها بالدين وخدمتها لقضاياه الراسخات، فذلك هو الأقوم قيلا والأهدى سبيلا، أما حين يتعلق الأمر «بلعبة السياسة» فلا مناص من الحذر من تلك الدعوة الملتبسة العجلى، إلى ذلك الدمج والمزج بين السياسة والدين، بل التوقف عندها ومراجعتها حين يقال: إنه لا فصل بين الدين والسياسة، فإن هذا المزج والدمج بين هذين الطرفين يتضمن إغفالا وإهمالا لحرص الفكري الإسلامي في مختلف أدبياته، على أنه يظل الدين المنزل في كثير من جوانبه في مرقاة عالية بحسبانه المثل الأعلى الذي تطمح البشرية في مختلف عصورها إلى الدنو منه والاقتراب من سمائه، فالفقه بمجمله محاولة «اجتهادية» للاستنباط من الشرع وفي داخل الفقه ذاته محاولة لالتماس الظنيات من القطعيات، بل أن «السياسة الشرعية» ذاتها محاولة «للاقتراب» من الأطر الفقهية العامة، وكل تلك المحاولات «الاجتهادية» لا تعني على جلالها وقدرها المزج والدمج بينها وبين الدين، وإلا ما كانت محاولات «اجتهادية» أصلا. فكيف يقول من يقول بالمزج والدمج بين السياسة في آلياتها وممارساتها وألاعيبها وبين الدين نفسه، مع أن تلك الآليات والممارسات والألاعيب تكتظ بالمنحنيات المتعرجة والمصالح المشتجرة، وأن الدولة في الإسلام ليست دولة دينية بالقطع واليقين أيضا، لكن ليس معنى ذلك بالقطع واليقين أيضا أنها دولة تقف من الدين موقف العداء أو القطيعة لأنها دولة إسلامية التوجه والمنطلقات والتشريعات فيها قائمة على الاختيار الإرادي الدستوري الحر من جماعة المواطنين الأحرار، وليس معنى ذلك أيضا بالقطع واليقين أن يصبح الإسلام فيها حكرا على فريق أو قصرا على طائفة تنفرد به وتدعي الاستئثار بالانتماء إليه، ثم تقتحم به دهاليز الممارسات وسراديبها الشائكة، ومن ظن أن الإسلام يدعو إلى الدولة الدينية فقد نأى عن جادة الحق وضل عن سواء السبيل، فأبسط ما يمكن أن يقال عن الدولة الدينية إن الحاكم فيها أيا كانت ألقابه، يدعي أنه يستمد سلطانه من مصدر إلهي، يمكنه من القبض بيديه على صولجان السلطتين الزمنية والدينية معا، ويجعله مهيمنا على رقاب الرعية الذين لا يملكون إزاءه سوى الطاعة المطلقة، من دون اختيار أو مساءلة، ومن ثم تتفقد تلك الرعية حرية الفعل بعسف ذلك الحاكم وخسفه، كما تفقد حرية العقل لاعتقادها أن طاعة ذلك الحاكم خضوع للمشيئة الإلهية وعصيانه تمرد على تلك المشيئة لا شيء من ذلك يدعو إليه الإسلام بل لا شيء من ذلك إلا أنكره الإسلام، حتى أن المتأمل المنصف يكاد يلمس أن الإسلام يشيد نظامه السياسي على النقيض من تلك الدولة الدينية خطوة إثر خطوة، حيث يقوم هذا النظام على الاختيار الحر والفصل بين السلطات والضمان للحريات والتمتع بالحقوق والواجبات والمساواة بين الناس، أيا كانت دياناتهم أو أجناسهم أو طبقاتهم».

الاحتكام للعلم كما أمر الله

وأهمية هذا المقال أنه يعكس وجود خلافات بين أعضاء هيئة كبار العلماء أنفسهم نحو قضية الخلط بين الدين والسياسة، ويأتي هذا المقال في وقت متزامن مع الموقف المؤسف للغاية وغير المقبول دينيا وسياسيا وعقليا من جانب عضو آخر في الهيئة هو الدكتور أحمد عمر هاشم، الذي كان رئيسا لجامعة الأزهر عندما حضر مؤتمرا في الجيزة نظمته قائمة «في حب مصر» لخوض المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب، وصاح وكله ثقة ما يراه وحده بأن الملائكة تحيط بالمؤتمر لتباركه. وإلى معركة أخرى خاضها يوم الاثنين في جريدة «الوطن» أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأزهر في الاتجاه نفسه وهو الدكتور سعد الدين هلالي بقوله: «أوصياء الدين بطاغوتهم على الناس وجبروتهم على الحق أساءوا لسمعة العلم والعالمية، فسحروا أعين الناس واسترهبوهم حتى اعتقدوا الكذب بأن مصطلح العلمانية نقيض مصطلح الإسلامية، ويمارس بعض سحرتهم الشعوذة الفكرية بقلب مقصود العبارات الإصلاحية البريئة مثل عبارة «فصل الدين عن الدولة» وعبارة «لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين» فإن أصحابها لا يزايد عليهم في خلق ولا دين، وإنما يهدفون من تلك العبارات إنقاذ الناس من الكهنوت الديني، بفرض قناعة أحد على أحد لمجرد وصف نفسه بوصف ديني، فحسب كل إنسان أن يُدخل دينه في سياسة نفسه لا في سياسة غيره، وأن يلتزم بقناعته عند إبرامه لعقوده أو معاهداته، لا يُلزم غيره بها وهذا ما أجمع عليه الفقهاء وأصدروا به عبارتهم الشهيرة والمهشمة للأسف «كل إنسان مؤتمن على دينه»، كما يدل عليه ما أخرجه ابن عدى في «الكامل» بسند حسن عن أبى هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل بني آدم سيد»؛ إذ من مقتضى تلك السيادة ألا يفرض إنسان على آخر قناعته الدينية، أو حتى الحياتية في عباداته ومعاملاته وسياساته، وهذا ما اختاره المصريون لأنفسهم من قديم الأزل، كما أنصفهم الأستاذ حلمي النمنم، وزير الثقافة في قوله مؤخراً: «إن المصريين علمانيون طوال تاريخهم» يعني لا يحتكمون للجهل والكهنوت وإنما يحتكمون للعلم كما أمر الله».

بُدع تسيء للإسلام والمسلمين

أما ثالث وآخر معارك الإسلاميين فقد دارت في يوم الاثنين نفسه على الصفحة العاشرة في جريدة «الأهرام المسائي» شنها صاحبنا النابه إبراهيم توفيق الذي قال معبرا عن غضبه من بدعة بعض الوعاظ في السعودية قال: «فوجئت المملكة العربية السعودية ببدعة جديدة ابتدعها خمسون شخصا من الوعاظ‏،‏ عندما أصدروا بيانا تضمن معناه هجومهم على ما تقوم به روسيا في سوريا بحملة روسيا الصليبية، واعتبروا أن التحالف الغربي الروسي مع الصوفيين والنصيرية حرب حقيقية على أهل السنة وبلادهم وهويتهم لا تستثني منهم أحدا‏.‏ والمجاهدون في الشام يدافعون عن الأمة جميعها. يا سادة ما هذا إلا لعب بالنار واستغلال الدين لإشعال حروب دينية طائفية، وهذا ما تريده إسرائيل عندما وضعت شرطا لا تحيد عنه في أي مفاوضات لاحقة حول القضية الفلسطينية، وهو الاعتراف بيهودية إسرائيل السؤال الأول: هل تنظيم «داعش» وما يتبعه من مسميات مختلفة، هل هم سنة أم شيعة أم من الصليبيين؟ وما دور حماة السنة في ردع جرائم «داعش» من ذبح وحرق واحتلال الأرض واغتصاب العرض؟ السؤال الثاني: هل أهلنا في فلسطين وهم تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من 6 عقود، وقد تم اغتصاب أرضهم وعرضهم وعشرات الآلاف منهم في سجون إسرائيل يتجرعون الذل والهوان ماذا فعل حماة السنة للدفاع عنهم؟ ولماذا يريد البعض الانجرار وراء حروب دينية واستخدام مصطلحات تاريخية بغيضة عفا عليها الزمن مثل، الحروب الصليبية، لقد انتهت سلطة الدولة الدينية وبلا عودة في أوروبا منذ العصور الوسطى، وأصبح الفاتيكان مجرد رمز للمسيحية الغربية في دولة لا وجود لها. وماذا فعل قداسة البابا تواضروس وبابا الفاتيكان عندما قام مجرمو «داعش» بذبح 21 مصريا مسيحيا بلا أي جريرة أو ذنب ارتكبوه! لقد استنكروا جميعا الفعلة الشنعاء وأدوا الصلوات ولم يقولوا أو يعلنوا أن هناك حربا إسلامية على المسيحية، القوات المصرية التي أرسلت للأخذ بالثأر من قتلة أبناء مصر المسيحيين في ليبيا لم يكونوا كتيبة (فرسان الصليب) بل قوات مصرية لا تعرف علما ترفعه سوى علم مصر ورايتها الحق والعدل وعقيدتها الموت أو الشهادة تؤمن بأن الدين لله والوطن للجميع».

فضائيات تثير العنصرية
بين المصريين والأفارقة فمن المستفيد؟

وفي يوم الاثنين أيضا سنكون في «الجمهورية» لنقرأ لزميلنا طلعت الغندور قوله عن نوعية معينة من كارهي مصر، التي هي أمه، وعن اتهام المصريين بأنهم ينظرون إلى الأفارقة نظرة عنصرية: «وسط هذا الاحتفاء الدولي بعودة مصر إلى دورها الطبيعي بين دول العالم، تطل علينا من الداخل إحدى القنوات الفضائية المشبوهة صباح الجمعة الماضي باستضافة إحدى دعاة الإحباط ومروجي الإشاعات، التي لن أذكر اسمها حتى لا أحقق لها هدفها في مزيد من الانتشار والشهرة، لتبعث برسائل سلبية قائلة «إن المصريين لديهم قدر كبير جدا من العنصرية تجاه أفريقيا والمواطن الأفريقي، وإننا نتعامل معهم من منطق العليائية والتفرقة على أساس اللون، وإن هذه العنصرية متأصلة في المصريين منذ القدم؟» أي رسائل سلبية تريد أن تبعثها هذه القناة وهذه المتحدثة ولمن؟ وما المقصود بها في هذا التوقيت بالذات وهل يمر ذلك بدون حساب؟ ألا يعلم هؤلاء أن مصر من أكثر الدول التي تحتضن أشقاءها الأفارقة الذين هربوا من الحروب في بلادهم منذ سنوات طويلة، ويشاركون المصريين أعمالهم ومساكنهم مثلهم مثل العديد من الشعوب الأخرى كالفلسطينيين والليبيين والعراقيين والسوريين وغيرهم».

مشكلة غياب العقل السياسي

أما زميلنا وصديقنا رئيس تحرير جريدة «المقال» إبراهيم عيسى فقد ابتعد عن حكاية العنصرية إلى موضوع آخر قائلا: «مشكلة مصر قديمة لا شيء جديد فيها، إلا ارتفاع منسوب قلة الأدب والوقاحة من جراء انفجار مجاري وسائل التواصل الاجتماعي، لكن من أول الصرف الصحي حتى ضعف الأحزاب السياسية، من أول توغل أجهزة الأمن في السياسة وتواطئها مع التيار الوهابي، وحتى الهجرة غير الشرعية وتلوث مياه النيل وإلقاء المخلفات في البحيرات، من أول عجز الموازنة والفجوة المجنونة بين الصادرات والواردات، وحتى التهرؤ الإداري والشلل الحكومي، من أول جهل التعليم وعلم الفهلوة وحتى فوضي الإعلام وسذاجة لاعبي كرة القدم، كله معروف جدا لكن الذي يمنعنا من حل هذه المشكلات هو مشكلة أكبر مشكلة غياب العقل السياسي، نعم هناك نوايا حسنة وإخلاص وطني وحماس للإصلاح وهمة نشيطة، لكن لا يتوج هذا كله عقل سياسي. الرئيس السيسي يتصور مشاكلنا كلها بمعزل عن السياسية تماما، بل هو يكرهها تقريبا بدليل أنه عندما يختار حكومته يختارها من الموظفين الحرفيين محل الثقة، لكنهم أجهل خلق الله بالسياسة يختار موظفين سكرتارية ومن ثم قولوا كده».

نبيل زكي: الانتخابات البرلمانية
نزيهة لغياب حزب للرئيس

وإلى أبرز ما نشر من تعليقات ومقالات عن الانتخابات، ونبدأها من «الأخبار» ومع زميلنا وصديقنا المتحدث باسم حزب التجمع نبيل زكي الذي قال: «نظرا لعدم وجود حزب حاكم أو حزب للرئيس، فإن الانتخابات البرلمانية لابد أن تكون نزيهة، أي بمنآى عن مدخل الدولة. وقد حاول البعض إقناع الرئيس عبد الفتاح السيسي بأن يكون له حزب، ولكنه رفض ذلك وخيرا فعل، لأنه لو كان قد وافق على الفكرة لكنا قد عدنا إلى الوراء 62 سنة لكي نعيش مرة أخرى تجارب هيئة التحرير والاتحاد القومي والاتحاد الاشتراكي العربي وحزب مصر العربي الاشتراكي والحزب الوطني، وكلها أحزاب كانت في قبضة رئيس الجمهورية. أن يكون للرئيس حزبه معناه الإلغاء التام للتعددية السياسية والحزبية، حيث يصبح لدينا الحزب السيد، بينما الأحزاب الأخرى هامشية أو مجرد استكمال للشكل أو تدور في فلكه، ولم تكن لبرلمان تلك الأيام سلطة حقيقية لأن الحزب الحاكم كان يفبرك أغلبيته التي تضمن له الانفراد بكل شيء عن طريق تزوير الانتخابات. وإنصافا للشعب المصري فإن حزب الرئيس الحاكم لم يكن يحقق الفوز دائما في الانتخابات البرلمانية، رغم الاستعانة بكل أدوات تزييف الإرادة الشعبية، بل كان يحصل في أقصى تقدير على حوالي ثلاثين في المئة من المقاعد».

مستنقع الانتهازية والتطبيل للسلطة

وأمس الثلاثاء قال الطبيب ومؤسس حزب العدل مصطفى النجار في مقاله الأسبوعي في «المصري اليوم» وهو يكاد يبكي حسرة على أحوال مصر، التي هي أمه وأمنا: «تتم الانتخابات في مناخ غير مبشر، يعود فيه الماضي بقبحه وبؤسه ليسيطر على الحاضر وترافقه طفيليات حديثة نمت في مستنقع الانتهازية والتطبيل للسلطة، بحثا عن مصالح خاصة لا مكان للناس فيها. تبدو مصر وكأن هناك أربع سنوات قد مُحيت من ذاكرتها بالكامل. من عايش أجواء انتخابات برلمان 2010 لن يستطيع أن يفرق بينها وبين انتخابات برلمان 2015، التي قد تكون أكثر سوءا، ونرى تدخل أجهزة الدولة في تفصيله واضحا وفجاً؟ يحلو لبعضهم وصفنا بالمتشائمين والمُحبطين والسوداويين، ولكن الحقيقة أننا نبحث عن أي بقعة مضيئة لنتفاءل فلا نجد غير ما يحزننا ويحبطنا ويسحق أحلامنا».

برلمان من رحم السلطة

ومن «المصري اليوم» إلى «المصريون» ومقال رئيس تحريرها التنفيذي محمود سلطان وقوله عن الانتخابات: «الناس لم تخرج، ولم تدلِ بأصواتها في الانتخابات.. «هي حرة».. الناخبون مارسوا حقهم في الإدلاء وفي المقاطعة، وأعتقد أنه من «الجلافة».. أن نعاقبهم على المقاطعة، فيما لم يقدم لهم النظام أي ميزة للمشاركة، وهم يرون هزلية المشهد وعبثيته، وبدت السلطة واضحة في أنها تحتاج إلى «كومبارس» وليس إلى ناخبين حقيقيين. التهديد ـ كل مرة ـ بفرض غرامة مالية 500 جنيه لكل مقاطع، هي وصاية سلطوية فجّة على الحرية وعلى حديث النفس الخفي: أشارك أم أقاطع.. ولو نفذته السلطات المصرية، فإنه سيزيد المشهد هزلاً على هزلٍ.. وسيجعله نكتة و«فرجة» أمام العالم.. لأن المشهد سيتبدل بكل ما يحمله من مفردات كاريكاتيرية، حيث سنرى طوابير الناس ممتدة أمام مكاتب وكلاء النيابة لسداد الغرامة.. بدلاً من أن تكون أمام لجان الاقتراع.. ثم ماذا ستفعل السلطة، مع كل مَن يرفض السداد.. هل ستحبسه؟ أم ستعاقبه بمسح حمامات السادة الضباط في أقسام الشرطة، نكالاً على مقاطعته للانتخابات.. إنها ـ في كل الحالات ـ ستقدم صورة مخزية لنظام غير قادر على إقناع المواطن، فيلجأ إلى تعليقه على «الفلكة» أمام النيابات وأقسام البوليس! التهديد بتغريم المقاطع 500 جنيه، هو استخفاف بحال الناس، وظروفهم المعيشية القاسية، واستغلال تلك الظروف للضغط عليهم، وسوقهم مثل القطيع لتجميل شكل السلطة واستخدامهم في تمثيل أدوار على غير رغبتهم في تلك المسرحية التي تسمى ـ مجازًا وتجاوزًا ـ انتخابات. الدولة ـ أي دولة ـ ليست عصابة أو ميليشيا خارج القانون، تهدد وتبتز وتفرض الإتاوات.. وأعرف أن السلطة في مصر، ظلت لشهور طويلة تسوف في مسألة البرلمان، ولم تكن جادة في إجراء انتخاباته إلا بعد أن اطمأن قلبها إلى أن مرشحي الأجهزة الأمنية المنتحلة صفة «في حب مصر» ستفوز وستتولى «تظبيط» و«ألوظة» المسائل، لحساب الرئاسة. فلا يعنيها الآن ـ بعد هذا الاطمئنان ـ إلا أن يخرج الناس جماعات في طوابير ممتدة، ليس لإضفاء شرعية على هذا البرلمان الخارج من رحم السلطة والدولة العميقة ويحمل جيناتها الوراثية.. فهو قد بات في «الجيب».. ولكن ما يعنيها أن تنقل الطوابير الممتدة ـ التي تأملها ـ عبر الكاميرات إلى العالم، بوصفها علامات رضا وتأييدًا شعبيًا لسياسات الرئيس، بعد أكثر من عام على حكمه، تآكلت خلاله شعبيته بشكل يهدد شرعيته.. وهو لم يحدث، ويبدو أنه لن يحدث في الأيام التالية. على السلطة ـ متى شاءت النجاة ـ أن تفهم مغزى المقاطعة، وأن تعتذر للشعب وتعترف بأنها خذلته و«ضحكت عليه».. بدلاً من إهانته على الفضائيات، وابتزازه في لقمة عيشه وفي رزقه ورزق عياله».

رسالة احتجاج وغضب سلمي شبه جماعي عفوي

ونبقى في «المصريون» ومع مقال الكاتب طه خليفة عن رسالة احتجاج مقاطعة الانتخابات التي يقول فيها: «لست متحمسا بما يكفي لتلك الانتخابات، ولدي فتور غير معتاد في متابعة انتخابات البرلمان، والاهتمام بها لأول مرة منذ برلمان 1984، وقد شاركني ثلاثة من زملائي في حالة اللامبالاة تلك، ثم اكتشفت أن مزيدا من الزملاء يشاطروننا نحن الثلاثة حالتنا تلك، لكن المدهش حقا أن يكون غالبية المصريين من الناخبين في الجولة الأولى مثلنا تماما، بلا حماس، ولا اهتمام بالانتخابات، وهم عبروا عمليا عن موقفهم بعدم الذهاب للجان التصويت، أي المقاطعة، وبدا ذلك من الساعات الأولى في التصويت صباح الأحد، حيث كانت اللجان خالية من الناخبين، ولم تتكرر الطوابير الطويلة والتزاحم الشديد في انتخابات برلمان 2012، وكانت المقارنة حاضرة بين ما كان قبل ثلاث سنوات، وبين ما يكون اليوم، وكانت صور الماضي تفرض نفسها، والناخبون ينتظرون ساعات من دون ملل، أو شكوى من تعب الوقوف في الصف، أو مغادرة الطابور لطول الانتظار لدخول اللجنة، وصور اليوم في المدارس والمرافق التي تحتضن اللجان وهي خالية إلا من المشرفين عليها، وقليل جدا من الناخبين. هو الشعب الذي خرج بعد ثورة يناير/كانون الثاني بكثافة غير مسبوقة في استفتاءات وانتخابات برلمانية ورئاسية عديدة، وهو الشعب نفسه الذي اتخذ قرارا شبه جماعي بألا يعير انتخابات البرلمان الحالية اهتماما كافيا، وهي مقاطعة لا تستجيب لدعوات الإخوان، إنما هي تعبير عن حالة احتجاج وغضب سلمي شبه جماعي عفوي في غاية البلاغة والذكاء، وهي رسالة موجهة لمن يهمه الأمر، وهي السلطة الحاكمة، وتحديدا للرئيس السيسي، فهو الحاكم الأوحد، وليس هناك في مشهد السلطة غيره، ودعكم من الحكومة، فهي أداة تنفيذ تعليمات وتوجيهات حتى الآن، وليست أداة وضع خطط واستراتيجيات وقرارات وتحمل مسؤوليات بمفردها….».

مبررات واهية لضعف المشاركة الانتخابية

أما الرسالة الثانية فأرسلها عماد الدين حسين رئيس تحرير «الشروق» لمن يهمه الأمر قال: «أكتب هذه الكلمات في الثامنة من مساء أمس الأول الأحد، ويفترض أن تنشر صباح يوم الثلاثاء، ولا أعرف ما هي نسبة المشاركة النهائية في الجولة الأولى من انتخابات مجلس النواب، التي شملت 14 محافظة بها أكثر من 27 مليون ناخب.
المؤشرات الأولى التي اتفق عليها الجميع منذ فتح باب الترشيح في التاسعة من صباح الأحد حتى مساء اليوم نفسه، كانت أن نسبة الإقبال من الناخبين على التصويت شديدة الضعف والبؤس والهزال. وإلى أن نعرف نسبة المشاركة النهائية التي سوف تتحدد في نهاية المرحلة الثانية من الانتخابات، فالمؤكد أن عزوف الناخبين في اليوم الأول هو إشارة يجب ألا تخطئها عين، وينبغي أن تصل إلى كل من يهمه الأمر.
اللجنة العليا للانتخابات وبعض الأصوات القريبة من الحكومة حاولت أن تلتمس العديد من التبريرات لغياب الناخبين في اليوم الأول، سواء بحجة الطقس الحار أو انشغال الناس في أعمالهم أو عدم معرفتهم الكاملة بالمرشحين.
ومن دون لف أو دوران فكلها مبررات واهية، لا تصمد أمام أي نقاش جدي، فالطقس لم يكن حارا، بل كان خريفيا لطيفا، وحكاية انشغال الناس بأعمالهم تبرير كوميدي، فلم يتغير شيء في سلوكنا، ولم نتحول فجأة كمصريين إلى مخلصين للعمل للدرجة التي تمنعنا من التصويت، خصوصا أن بعض الإحصاءات كانت تقول إن الموظف المصري لا يعمل أكثر من 27 ثانية في اليوم! ربما يكون عدم معرفة الناخبين بالمرشحين صحيحة إلى حد ما، وهو أمر يتحمله أولاً المرشحون أنفسهم الذين عجزوا عن الوصول إلى الناخبين. قلنا قبل يومين إن الناخبين يجب أن يتوجهوا إلى الصناديق حتى يختاروا الأفضل، وحتى لا يلوموا أنفسهم إذا عزفوا أو قاطعوا، ويتفاجأوا بنواب غير مؤهلين يدخلون المجلس، وهو قول صحيح، لكن من الواضح أيضا أن هناك حالة عامة من الإحباط وسط كثير من المصريين دفعتهم إلى العزوف الجماعي عن التوجه إلى صناديق الانتخاب. صار واضحا أن الإصرار الحكومي على قانون الانتخاب الذي أغضب غالبية الأحزاب الرئيسية، وجعل قوى وأحزاب مدنية أخرى محسوبة على معسكر 30 يونيو/حزيران تقاطع الانتخاب، كان له دور كبير فى وصول رسالة إلى قطاعات شعبية كثيرة، بأن عدم الذهاب إلى صناديق الاقتراع هو الحل الأمثل، وإذا صح هذا الأمر فهي رسالة شديدة السلبية ينبغي على الحكومة والرئاسة وكل الأجهزة المختصة أن تقرأها بعناية. من الواضح أيضا أن حملات الهدم والتشويه الإعلامي الممنهجة ضد كل ما هو مدني أو معارض، حتى لو لم يكن إخوانيا أو إرهابيا، قد أصاب كثيرين باليأس والإحباط، وكان أحد أسباب هذا العزوف الملحوظ في اليوم الأول، وما يزيد الطين بلة أن المرحلة الأولى كانت فى محافظات الصعيد المعروفة بارتفاع نسب التصويت بسبب العوامل العائلية والعصبية. لا أريد التعميم في انتظار نسبة المشاركة النهائية، لكن يفترض أن تستخلص الحكومة والرئاسة العبرة من هذه الرسالة القاسية في اليوم الأول وتبدأ فى إصلاح الأمر، وتبعث برسالة تهدئة إلى الرأي العام والجماعة السياسية، خلاصتها أنها جادة في الانفتاح على كل القوى السياسية في مصر، المؤمنة بالقانون والدستور والدولة المدنية مهما كانت درجة معارضتها.
الوقت لم ينفد بعد، وعلى الحكومة ألا تتجاهل الرسالة، أو تسيء فهمها، وتنفتح أكثر على المجتمع خصوصا الشباب».

هل يلتقي الناصريون والساداتيون على كلمة سواء؟

أما الإعلامي حمدي الكنيسي فقال مندهشا في يوم الثلاثاء نفسه في مقاله الأسبوعي في «الأخبار»: «لقد آن الأوان لكي يلتقي أكبر تجمعين شعبيين على كلمة سواء، أبرزتها الاحتفالات في ذكرى حرب أكتوبر/تشرين الأول المجيدة، إنني أقصد الناصريين والساداتيين. إنني أسأل: لماذا يا أصدقائي جدا من الناصريين والساداتيين لا تتجاوزون ما يراه كل فريق منكما أمورا سلبية في الجانب الآخر، ولا تقدرون الإنجازات الرائعة لهذا الجانب ويكفي أن يكون انتصار أكتوبر قد جمع بين الزعيمين «.
وهل هذا كلام يا حمدي؟ كيف نتوحد مع الساداتيين بينما نحن نرفض أن نتوحد مع بعض لدرجة أن حزب حركة الكرامة الناصري يدعو لإنشاء حزب مع أحزاب أخرى تهاجم ثورة يوليو/تموز وخالد الذكر ولا يدعو لوحدة بين الأحزاب والقوي الناصرية.

حسنين كروم

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية