لم أكن أعلم أن «مفيد فوزي» يقدم برنامجاً على قناة «دريم 2»، يحمل إسم «مفاتيح»، ولم أكن أعلم أنه لا يزال حتى وقتنا هذا على قيد الحياة!
لكن لا بأس، فالأستاذ محمد حسنين هيكل لا يزال حياً يُرزق، على الرغم من أنه عاصر «فحت البحر»، وشق الترع، وتشييد الأهرامات، ولا يزال إلى الآن يمارس عادته القديمة، في عدم الصدق!
تذكرون، ما كتبته أكثر من مرة عن أن هيكل هو من كتب خطاب الإنقلاب، الذي ألقاه عبد الفتاح السيسي في يوم 3 يوليو/تموز، عندما غيب إرادة الشعب، وعطل الدستور، وإختطف الرئيس المنتخب. ولم تكن عندي معلومات حصلت عليها من «مصدر مطلع رفض ذكر إسمه»، فقد وقفت على هذا من الأسلوب. وفي اللحظة ذاتها، التي كان يلقي فيها السيسي بيانه هتفت: إنه هيكل، وإنطلقت أعلن هذا في مداخلاتي التلفزيونية، وكتبته أكثر من مرة، قبل أن يتبين لي دوره في الإنقلاب العسكري، وعليه وصفته بوصف صار من حظه ونصيبه لشيوعه وهو «عراب الإنقلاب»!
وجاء هيكل لينفي نفياً مراوغاً أكد لي صدق ما قلته، فقد ذكر في مقابلة له بعد هذا البيان مع لميس الحديدي، أن السيسي إتصل به قبل إلقاء البيان ليتلوه عليه، وصاح «الأستاذ»: «الله.. حلو أوي». كأنه يصف طعم «طبق بامية باللحم الضاني»، ومعذرة لمن سال لعابه بعد أن صارت «البامية» سلعة استفزازية في مصر!
كان هيكل لا يزال مع لميس الحديدي في قناة «سي بي سي» يمثل دور المندهش، وهو يعلن أنه سأل السيسي: من يكون كاتب هذا الخطاب؟ فرد عليه بما أدهش «الأستاذ» أكثر وأكثر: أنا، (أي السيسي) هو من كتبه!
هذا النفي، المدفوع بقصة تصلح حدوتة من حواديت قبل النوم قد تقنع أحفاد هيكل، لم تدفعني لأن أصدقه وأكذب نفسي، وقبل أسبوعين كتب «كليم هيكل» زميلنا عبد الله السناوي في مقاله الأسبوعي في جريدة «الشروق»، وهو يعد تضحيات هيكل الجسام، أنه من كتب البيان الذي ألقاه عبد الفتاح السيسي في يوم 3 يوليو/تموز، فحمل بذلك قلبه على يديه. ليقف الجميع على أنني صاحب هذا السبق الصحافي، رغم محاولات «الأستاذ» للإفلات، بممارسة الغش والتدليس، ليثبت مهارات رجل في الكتابة والخطابة، عندما أوكل لنفسه مهمة صناعة «السيسي الأسطورة» قبل أن يتبين للجميع أن «السيسي» لا يستطيع أن يدشن جملة واحدة مستقيمة، ضعف الطالب والمطلوب.
كتاب الإلهاء
لا يزال هيكل على قيد الحياة، فلا غرابة أن يظل مفيد فوزي حياً ويقدم برنامجاً على قناة «دريم»!
وقد إستضاف فوزي المخرجة السينمائية المثيرة للجدل، إيناس الدغيدي لتقول كلاماً يكفي لطلب الحجر عليها، لأنه كاشف عن أن شيئاً ما في أعلى الرأس قد توقف! فقد قالت إنها رأت الله في ما يرى النائم، وأن روحها إنصهرت في السماء ورأتها تسير أمامها، ولم تنس أن تقول لله عز والله إنها ليست مقتنعة بكلام الأنبياء! لن أقوم بدور شيخ الإسلام إبن تيمية، في إظهار حكم الإسلام في ما قالته المذكورة، فالذي يعنيني هنا أن كلامها يعد فصلاً من فصول كتاب «الإلهاء»، الذي يقوم السيسي بتسويقه، لشغل الناس عن القضايا الحقيقية، وعن فشله في البر والبحر، وقد تعرضنا لفصول كثيرة من هذا الكتاب منذ أن قام بإنقلابه، مرة بالهجوم على البخاري، ومرة في التطاول على الأديان، وللأسف فلدينا في معسكر رفض الإنقلاب من هم سماعون لهذا الكلام وينساقون خلف مخطط إلهاء الجماهير.
هذه هي الأيام الكاشفات لعبد الفتاح السيسي، وللدقة فإن الأسبوع الأخير شهد من الأحداث ما أصابه معسكره بالتصدع، وقرأت لمن كانوا يتعاملون مع ما جرى في 30 يونيو/حزيران على أنه ثورة مكملة لـ«ثورة يناير»، يبدون ندمهم على المشاركة فيها، لأنها هي التي أنتجت هذا الحكم العسكري، فلم يعد يساور أحد أن المصريين يُحكمون من قِبل حكم عسكري بغيض، كانوا قد خرجوا في يناير/كانون الثاني 2011 يطالبون بسقوطه فإذا بفريق من المطالبين يشاركون في عودته في 30 يونيو/حزيران 2013، فكانوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا.
«ذهبت السكرة، وحلت الفكرة»، وإذا كان هناك من تابوا من قريب على مشاركتهم في 30 يونيو/حزيران، فإن هناك من كانوا يحتاجون لصدمة قوية، تجعلهم يفيقون على الواقع المرير، فقد جاءت مظاهرات 30 يونيو/حزيران بالثورة المضادة.
لقد أحيلت أوراق الرئيس محمد مرسي للمفتي، في قضايا سابقة لانتخابه رئيساً، أدى له بعدها رئيس المجلس العسكري التحية العسكرية، وكان عبد الفتاح السيسي يظهر دائماً أنه «الإبن البكر» لمحمد مرسي، وينافقه حد إظهار التدين الشديد. وإذا كان هناك من قبلوا إختطاف الرئيس المنتخب، فإن وصول الأمر حد إحالة أوراقه للمفتي، وعن طريق القضاء الطبيعي، وليس العسكري أو الإستثنائي، أمر كاشف عن خطورة المرحلة، فقد دشن السيسي نظاماً عسكرياً مستبداً على أنقاض «ثورة يناير»، التي لم يكن يوماً مؤمناً بها أو مخلصاً لها.
إعدام أبرياء
الصدمة الثانية، تمثلت في تنفيذ حكم الإعدام في ستة من المتهمين في قضية «عرب شركس»، والذي أصدره القضاء العسكري، ولم يكترث كثيرون بالأحكام، ربما ظنوا أنها صدرت للردع، وليس للتنفيذ، لكن تنفيذها دفع بكثيرين ممن شاركوا في مهرجان 30 يونيو/حزيران، للإعتقاد بأنهم مسؤولون عن هذه الدماء، وهو أمر لم يشعروا به في المجازر السابقة لعبد الفتاح السيسي ومن الحرس الجمهوري لمذبحة رمسيس، مروراً برابعة والنهضة، وغيرها. فقد كانوا في ذروة السكر البين، والآن ذهبت السكرة وحلت الفكرة!
الذي «زاد وغطى»، أن السلطة لم تستطع الرد على ما تردد من تأكيد أولياء الأمور بأن ثلاثة من جملة ستة من الذين تم إعدامهم جرى إعتقالهم في وقت سابق على وقوع عملية «عرب شركس»! وقد حدث بعد ذلك إستهداف عدد من القضاة، في مدينة العريش، وهو ما جعل كثيرين يقفون على أن المسؤول عن الدم المراق هنا وهناك هو هذا الحكم العسكري، الذي إستغل مظاهرات 30 يونيو/حزيران للعودة أكثر وضوحاً مما كان في عهد مبارك.
وبعد ذلك وقعت جريمة قتل طالب كلية الهندسة «إسلام عطيتو»، الذي أذاعت وزارة الداخلية صوره عبر وسائل الإعلام بأنه تمت تصفيته بعد تبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن، وتم إعلان أنه من قتل ضابط الشرطة العقيد «وائل طاحون»، قبل أن يرد زملاؤه بأن قوات الأمن ألقت القبض عليه من مدرج الكلية وهو يؤدي إمتحانات نهاية العامة، مما ينسف رواية وزارة الداخلية، التي لم تقنع أحداً.
لقد كانت صورة الطالب وهو يبدو كطفل بريء، سبباً في عدم إسراف بعض مقدمي برامج «التوك شو» في تبني رواية وزارة الداخلية، وشاهدت جابر القرموطي، وخيري رمضان يطالبان الوزارة بالتحقيق. ولم تجد الوزارة ما تقوله في مواجهة «ترنح روايتها» غير الإعلان عن أنها ستحقق في الأمر، لتصبح هي القاتل وهي القاضي!
مرسي يؤيد الزند
ثم حدث أن تم إختيار أحمد الزند وزيراً للعدل فوقف الجميع على خيارات عبد الفتاح السيسي، فكان هذا فراقا بينه وبين كثيرين! في البدء كانت محاولة التبرير بأن من إختاره هو رئيس الحكومة إبراهيم محلب، وكأن السيسي يقوم بدور عدلي منصور، لكن هذا التبرير لم ينطل على الجنين في بطن أمه! فتم تقديمه على أنه البطل الذي تصدى للإخوان، لكن بضاعة الإخواني المخيف بارت. ثم تم الترويج لمقابلة تلفزيونية للرئيس محمد مرسي مع عماد أديب، إبان الحملة الإنتخابية، وقد سأله سؤالاً لا مبرر منطقيا له عن رأيه في المستشار أحمد الزند، وإذا لم يكن عماد وقتها يستهدف الفتنة، فقد كان يريد الإطمئنان على مستقبل رجال مبارك، وهو أحدهم في حال فوز المرشح الإخواني.
كلام الإنتخابات أقرب ما يكون لكلام الدبلوماسيين، فأجاب مرسي بأن الزند شخص محترم ومقدر، ثم هرب من التخصيص للتعميم، فتحدث عن دور قضاء مجلس الدولة في التصدي لتزوير الإنتخابات قبل الثورة، ودور نادي القضاة في الوقوف ضد التزوير في 2005.
وتم ترويج المقطع على أنه شهادة من مرسي في حق الزند بأنه تصدى لتزوير الإنتخابات. وكان هذا تدليساً، لأن الزند لم يكن رئيساً للنادي في هذه الفترة التي كانت الولاية فيه لقضاة الإستقلال، ودفع نظام مبارك بالزند لرئاسة نادي القضاة في معركة تأميمه. على «قناة مكملين» دافع الأمين العام لحزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي.. الخ الخ، حسين عبد الرازق عن هذا الإختيار بإعتبار أن الزند وقف ضد تزوير الإنتخابات. فأيقنت أنها سوء الخاتمة! مهما كان رأي مرسي في الزند، فقد فات المروجون لهذا التزييف أن القصة لم تعد بينه وبين الإخوان، الذي يلزم عليهم بهذا الرأي لمرسي الصمت، فإختياره كاشف عن أن خيارات السيسي كلها هي خيارات الثورة المضادة، ويمثلها أحمد الزند تماماً.
لقد كان هذا الإختيار سبباً في ذهاب السكرة، فالسيسي هو الإمتداد الطبيعي لحسني مبارك، فقيل له هذا فراق بيننا وبينك. وفي مواجهة كل هذا كان لا بد من إستدعاء إيناس الدغيدي عبر المتوفى مفيد فوزي، رجل المهام الصعبة في عهد المخلوع، لتلهي الرأي العام عن مشهد قائد الإنقلاب، وقد سقطت عنه ورقة التوت التي كانت تستر العورة. تمنيت، لو تجاهلنا تصريحات الدغيدي، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فالسيسي يصيح: «إني أغرق» و«مفيد» و«إيناس» ألقيا بنفسيهما في البحر لإنقاذه، وفينا من عنده وقت فراغ يريد أن يبدده في مشاهدة عملية الإنقاذ.
صحافي من مصر
سليم عزوز
كالعادة : متألق دوما يا أستاذ عزوز
لكني أطلب منك أن تكون الخبر وليس المعلق على الخبر
أريدك أن تدل المصريين البسطاء على طريقة سلمية يسترجعوا بها الثورة
ولا حول ولا قوة الا بالله
الله يفتح عليك ويمتعك بالصحه والعافيه لتستمر في تنويرنا وإمتاعنا في نفس الوقت.شكر الله لك.
رائع كالعادة . . استاذ سليم . . كم كنت فى شوق لكلماتكم الرائعات هذه . . والتى إنقطعت عنها لظروف قاهرة
دمتم أستاذى
سلمت يمناك يا استاذ سليم
سلمت يداك … أبدعت .
مبدع كعادتك…
ان من البيان لسحر
مقال رائع
مقال روعة بصدق ناقد نافذ و ارض الكنانة لم تعقم و الاحرار و الابطال لا يزالون زمرا بارك الله فيك و في قلمك
نهارك سعيد . أحسنت