الخرطوم ـ «القدس العربي» من صلاح الدين مصطفى: «الشاعر المتجول» تجربة سودانية، تهدف لاستعادة الشعر لمنابره القديمة بعد أن تنازعته الوسائط الحديثة وأصابته بالجمود.
وتتلخص الفكرة، التي ابتدرها ويرعاها شعراء شباب، في تنصيب أحد الشعراء لمدة عام ليطوف في العاصمة والولايات ويقدم قراءات شعرية مع آخرين.
وأنهى الشاعر بابكر الوسيلة الجولة الأولى، بعد أن قدم قراءات شعرية في الخرطوم والولايات، أبرزها كان في منتدى شروق في القضارف شرق السودان، ليستلم الراية منه الشاعر مأمون التلب هذا العام.
وأعلن منتدى مشافهة النص الشعري عن تجربة الشاعر المتجول قبل أكثر من عام، وذلك بهدف إحياء طقوس قراءة الشعر، التي كادت تندثر بفضل عوامل كثيرة. واللافت في التجربة هو الوصول للجمهور في أماكن تجمعاته، إذ لا يكتفي الشعراء بالقراءة في المنتديات فقط، بل ينطلقون للحدائق والساحات العامة.
وتستعيد الفكرة، بشكل أو آخر، تجربة الشاعر محمد مفتاح الفيتوري، الذي اشتهر بهذا اللقب، بسبب تجواله بين السودان ومصر وليبيا وبيروت والمغرب، التي فاضت فيها روحه، ووصفه الكثيرون ب»الدرويش المتجول»، وتختلف تجربة الفيتوري في كونه يحمل أصولا وجنسيات مختلفة.
يقول مأمون التلب: «لم أرتبك في منبرٍ مثلما ارتبكت ذلك اليوم، كانت المرة الأولى التي أتشرّف بتَقَلُّدِ منصبٍ في حياتي – الشاعر المتجوّل لعام 2017-2018 – ما عقّد الموقف وأكسبه رهبةً وجلالاً، اختيار ضيف الشرف لليوم الشاعر ميرغني ديشاب، الذي سلّمني مجسّم الشاعر المتجوّل بعد أن تسلّمه من شاعر العام الماضي بابكر الوسيلة في المنصّة». ويضيف التلب: «كان امتيازا أن يتم اختياري من قبل المنتدى لهذه المهمّة الصعبة والجميلة لأبعد الحدود، وأَعِد أنني ـ تشريفاً للمنصب- سأستمتع بكل اللحظات، وأستغلّ كل الفرص للسفر، بحيث أغطي خلال العام الحالي أكثر ما أستطيع من المدن والأقاليم السودانية».
ولبى الشاعر المتجول في النسخة الثانية لهذه التجربة، دعوات بعض المدن السودانية، منها مدينة ودمدني في وسط السودان، ومدينة القضارف، وتزامن ذلك مع الاحتفال باليوم العالمي للشعر، وتخليد ذكرى الشاعر محجوب شريف، ويستعد لجولة أخرى في نواحي جنوب كردفان والنيل الأزرق. ويوثق الشاعر بابكر الوسيلة لهذه التجربة قائلا: «كانت فكرة مبدعة واستثنائية بالنسبة لي، تلك الفكرة التي دبرها منتدى مشافهة النص الشعري، فكرة الشاعر المتجول.
في العام الفائت اختارني المنتدى لأكون «الشاعر المتجول» في تجربته الأولى. وكان هذا التكليف ذا كلفة باهظة من ناحية المسؤولية، عوضا عن كونه اختبارا صعب الأوراق والمذاكرة التخيلية الشديدة الحساسية، والدقيقة الالتقاط». ويضيف: «كان من المرجو، بل من العادل لي، قدر رغبتي أن أقوم بتجوالات كثيرات في جغرافيات المكان السوداني، لكن حظي كثير العثرات واللؤم، منع نفسي من هذا المطمح البسيط كجرة قدم .غير أني استعضت عن هذا اللؤم بالتجول في جغرافيا النص (كما أظن) فأنجزت أكثر من مئة من النصوص (القصيرة) وأظن أنني اكتسبت بها قارئا جديدا بمثابة الكنز، كنز عزيز ونادر الحصول عليه».
ويصف الوسيلة نهاية رحلته بقوله: «الآن توقف شاعري المتجول والمفضل لي عن كل ما عانيت من لذة، لأفسح الفضاء لشاعر آخر يملأه بما يريد وكيفما يريد من أسرار جديدة . شاعر آخر أوفر حظا مني في مقاربة الحياة وفي مقارعة اللحظة بالكلمة الرائعة».
ويقول محفوظ بشرى، إن تجربة «الشاعر الجوال» مهمة من أجل المحافظة على العلاقة بين الشعر والناس، في ظل ضمور الاهتمام به على حساب أجناس أخرى. ويصف جولات الشاعر الجوال بأنها فرصة لتحفيز النشاط المرتبط بالشعر في الأقاليم، كسراً لمركزية العاصمة التي ابتلعت كل شيء. «فقيام ليال ومنتديات في عدد من المدن الأخرى، على الأقل سيحافظ على دقات قلب الشعر في السودان من الموت في انتظار أن ينهض، كحركة يسهم مشروع الشاعر الجوال في ربط حبالها ببعضها».
ويقول بشرى إن التجربة أيضاً فعل شجاع وأصيل من منتدى مشافهة النص الشعري، «فعل عابر للتقليدي من وسائل العمل والتواصل الثقافية، إلى توظيف الممكن على بساطته لابتدار حراك كبير في معناه وفي تأثيره».