تونس ـ «القدس العربي»: رغم الانتقادات الواسعة التي صاحبت الزيارة الأخيرة للمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل إلى تونس، بالنظر إلى المعارضة الشعبية التونسية الشديدة للرغبة الألمانية في إعادة مقيمين تونسيين غير شرعيين في الأراضي الألمانية إلى الخضراء، إلا أن هذه الزيارة كانت ناجحة من الناحية الاقتصادية. فقد تمكن الطرفان التونسي والألماني من تحقيق مكاسب عديدة ستعود بالنفع على البلدين في مقبل الأشهر حسب جل الخبراء والمختصين في الشأن الاقتصادي.
ورأى محللون أن دعوة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل لتونس، لتكون حاضرة في قمة العشرين، التي ستحتضنها بلادها في شهر تموز/يوليو المقبل، تقيم الدليل على حرص ألماني برز في السنوات الأخيرة، على تنمية العلاقات الثنائية مع الطرف التونسي. فالخضراء التي تتوسط بلدان شمال القارة السمراء تعتبر حجر الزاوية في الاستراتيجية الألمانية الجديدة تجاه افريقيا التي أعلن عنها مؤخرا ورجحت الجغرافيا فيها كفة تونس.
مساعدات مالية
ولعل أهم ما نتج عن هذه الزيارة هو المساعدات المالية التي تبلغ قيمتها 250 مليون يورو والتي ستقدمها ألمانيا لتونس دعما للتنمية وللبناء الديمقراطي الذي تشهده تونس. إذ تعتبر برلين أن تونس هي الديمقراطية الوحيدة الحقيقية الناشئة في المنطقة باعتبارها غير محروسة لا من المؤسسة العسكرية ولا من الملك مثل بلدان أخرى.
لكن يخشى من ان لا تصل هذه الأموال إلى مستحقيها وأن لا تصرف في التنمية باعتبار استشراء الفساد في البلاد بعد «الثورة». حيث اختفت مبالغ مالية ضخمة من خزينة الدولة لا يعرف مصيرها وزاد الأغنياء غنى والفقراء فقرا، وهو ما جعل الدولة تنشئ هيئة لمقاومة الفساد ما زالت إلى اليوم لم تفتح الملفات التي تورطت فيها الحيتان الكبرى واقتصر عملها على تتبع صغار الموظفين.
الشريك الثالث
وحسب الأرقام، فإن أهمية ألمانيا، صاحبة أهم اقتصاد أوروبي، بالنسبة لتونس، تكمن في أنها الشريك الاقتصادي الثالث بعد فرنسا وايطاليا وهي مرشحة لتكون الشريك الأول من خلالها انجازاتها في السنوات الأخيرة. فخلال الفترة بين سنتي 2011 و2015 ساهم الألمان في إنجاز عشرات المشاريع التي طالت مجالات متنوعة في فترة مضطربة سياسيا وأمنيا واقتصاديا عرفتها تونس تخلى فيها الشقيق قبل الصديق عنها.
وقدر عدد الشركات الألمانية في تونس أكثر من 285 شركة تتوزع على المناطق الصناعية الكبرى، في العاصمة وخارجها، يستهويها قرب تونس من القارة العجوز بالإضافة إلى جودة اليد العاملة المحلية التي تتلقى عادة التكوين الجيد. وتساهم هذه الشركات في جهود الدولة التونسية للحد من البطالة وتشغيل العاطلين عن العمل من خلال استيعابها لقرابة الستين ألف عامل.
الحارس والشريك
ويدل تشكيل الوفد الذي رافق ميركل في زيارتها إلى تونس، بالنسبة للكثير من الخبراء، على أهمية البلاد في الاستراتيجية الاقتصادية الألمانية. حيث حل مع المستشارة الألمانية وزراء يشغلون حقائب اقتصادية ورؤساء شركات كبرى التقوا مع القائمين على الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (منظمة الأعراف).
فتونس لم تعد فقط، وعلى ما يبدو، ذلك الحارس للسواحل الأوروبية الجنوبية من الإرهاب والهجرة السرية، بل أن هناك علاقات خاصة تنشأ مع الجانب الألماني بعيدا عن الشراكة الأورو متوسطية وبعيدا عن ما يعرف بقمة خمسة زائد خمسة. فالمستشارة الألمانية تحدثت مع التونسيين باسم بلادها وبحثت عن مصالح بلادها، وفعلت كل شيء من أجل ألمانيا لا الاتحاد الأوروبي الذي يترنح بعد خروج بريطانيا الذي أثار الكثير من الجدل.
نحو افريقيا
وللألمان خطة لغزو افريقيا اقتصاديا تسمى compact for africa تستعمل لترويجها والدعاية لها عبارات لطيفة من قبيل «الشراكة» و «الصداقة» وغيرها. وترى ألمانيا أن تونس الديمقراطية يمكن أن تكون بوابة لافريقيا وحجز الزاوية في هذا المشروع، وعبر مسؤولون ألمان صراحة عن رغبة برلين في التعاون مع تونس لإقامة مشاريع مشتركة في ربوع القارة الافريقية.
وترى أطراف كثيرة في تونس أن عليها أن لا تضيع هذه الفرصة للولوج إلى ربوع القارة جنبا إلى جنب مع الألمان. فتونس لا تتوفر لديها الامكانيات اللازمة للتواجد في افريقيا منفردة وهي غير قادرة على منافسة القوى الكبرى المتواجدة في شتى ربوع القارة، لكن بالشراكة مع ألمانيا سيكون الأمر مختلفا تماما وستتمكن من وضع موطئ قدم شريطة أن يعرف كل طرف مسبقا ما له وما عليه.
دراسة الجدوى
وفي هذا الإطار يعتبر مروان السراي الباحث في المركز المغاربي للبحوث والدراسات والتوثيق أن المشروع الألماني لاقتحام الأسواق الافريقية واعد وهام والنجاح سيكون حليفه باعتبار وزن ألمانيا السياسي والاقتصادي في العالم. وهناك رغبة ألمانية حسب السراي في تعويض هزيمة الحرب العالمية الثانية التي جعلتها لا تمتلك مستعمرات وبالتالي أسواقا لترويج منتوجاتها خاصة وأنها اليوم قوة اقتصادية ومن حقها أن تبحث عن أسواق للترويج لمنتجاتها.
أما فيما يتعلق بالطرف التونسي فيرى محدثنا أنه يجب أولا دراسة ما لنا وما علينا في هذه الشراكة بعقلية التاجر وبمنطق الربح والخسارة، فإذا تأكد لنا أن الربح مضمون والخسارة محدودة، فيجب علينا الانخراط في هذا المشروع الواعد مع الألمان، ودون تردد، لأن الأمر يتعلق بفرصة حقيقية قد لا تتوفر مستقبلا باعتبار أنه لا قدرة لنا كتونسيين على الوصول إلى الأسواق الافريقية بصورة منفردة.
ويختم بالقول: «ستمكن الشراكة التونسية الألمانية الطرف التونسي من التوجه إلى الأسواق الافريقية، ومن الاستفادة من الخبرات الألمانية لتطوير المهارات في شتى الميادين. فالاحتكاك بالأمم الراقية والمتقدمة لا يمكن إلا أن يكون أمرا إيجابيا خاصة إذا تعلق بشراكة اقتصادية قد لا تروق لدول أخرى، سواء منافسة لنا في ضفتنا، أو في الضفة الشمالية للمتوسط حيث يوجد من اعتاد أن يهيمن على اقتصادنا ومبادلاتنا التجارية دون منافسة تذكر، وبالتالي قد يتم إجهاض هذه الشراكة ووأدها في المهد من قبل هذه الدول الشقيقة والصديقة التي نجحت في السنوات الأخيرة في زرع عملاء لها في مرافق الدولة تقوم بتعطيل مثل هكذا مشاريع».
روعة قاسم
السوق التونسية منغلقة تماما على إفريقيا، وأن سوقها المحلي ليس ذي وزن مهم بالنسبة للصناعة الألمانية، فتونس أراد لها مسؤولوها من بورقيبة إلى الهارب بن علي إلى السبسي أن تكون مجرد واحة يرتع فيها السياح الأوروبيون فقط، حتى التونسي لا يستطيع أن ينعم بالمنشآت السياحية في تونس، الليبيون والجزائريون فقط هم من يشكلون موردا سياحيا لتونس مع الأجانب، أما عن قدوم الأفارقة لتونس فهذا لا يحدث حتى في الأحلام ولا في الخيال، فوجهة الافارقة الجزائر والمغرب وليبيا، وإن أرادت تونس أن تتتحرر وتنعتق من كونها واحة وترعة للسياح لأجانب عليها إتمام الإصلاحات والأهداف التي جاءت بها الثورة، وما يحدث الآن هو عودة بتونس إلى نمطها السابق كونها بركة يسبح فيها السواح الأجانب، ما لم تنعتق تونس من هذه الصورة النمطية للاسف فلن تكون بوابة لا لإفريقيا ولا حتى عنصرا هاما في الحركية الإقتصادية النشيطة التي بدأت تؤتي بثمارها في المغرب والجزائر وستنطلق في ليبيا بعد المصالحة، أما تونس فيبدو أنها احتارت النكوص والردة عن الثورة واهدافها كما هو االشأن في مصر، والتالي فذيل الترتيب والتخلف هو مصيرهما.