عاشت الجمهورية الثانية بزمنين: واحد منذ دخول معظم الاصلاحات الواردة في اتفاق الطائف كمقدمة وتعديلات إلى متن الدستور وطيلة سني الوصاية العسكرية والأمنية السورية على لبنان، وزمن ثان بعد جلاء الجيش السوري وانشطار اللبنانيين بين 8 و14 آذار وصولاً إلى المتاهة الحالية، مع تمادي الشغور الرئاسي، وقبله تعطل الانتخابات النيابية وتمديد المجلس لنفسه مرتين قضى المجلس الدستوري نحبه في احداها، وحالياً انكشاف كم من الاستهتار الحكومي في التعاطي مع كارثة النفايات، ثم في التعاطي مع المحتجين على هذا الاستهتار، ما أدى إلى مضاعفته، والى توسيع رقعة الاحتجاج نفسها أضعاف أضعاف، إلى الدرجة التي فاضت معها الساحات بالجموع المنتفضة على ما تشعر أنه اذلال لها، وعلى ما يحاول اكثر من جهبذ حرفها عنها، بدعوى أنه شعار اما مستهلك، واما غير صالح لبنانياً، عنينا شعار «الشعب يريد اسقاط النظام». وهكذا، تجرّدت حملة «فكر يومي» ينعق كطائر البوم على اوراق الصحف، ويتفنن في الوعظ الأبوي للشباب بلا حتى عدة النصب التي اسمها «رصانة»، ممتهناً الـ «تفسير الزائد» للشعار.
وكل هذا يصلح تسميته «بالتفكيكية المبتذلة» التي شاعت ضد الحراك الاحتجاجي هنا وهناك، والانكى من ذلك، التي تخيّل المروجون لها انه كان يمكن للاحتجاج واتساع دائرته ان لا يحصلا، والناس تبقى تأكلها النفايات، وعمليات الطمر العشوائية تكشف عن تخبّط فظيع واستعداد لامتناهي للنفاق والدجل. ثمة نظام كامل من الكذب لم تفعل الحركة الاحتجاجية حتى الآن سوى افتتاح مسيرة يفترض ان تكون طويلة وصبورة من أجل استنزافه. منطقياً، «الشعب يريد اسقاط النظام»، قضية صائبة. ان لا يكون هناك «شعب» او «نظام» او ان يكون فهذا لا يبدّل شيئاً في صحة القضية.
هناك طرفان. هذا ما يريد قوله حملة هذا الشعار. يستعيرون للاول اسم «شعب» وللثاني اسم «نظام» كما يفعل اي كان عندما يريد ان يتحدث عن شيء. الفرضية ان هناك طرفا متضررا من الطرف الثاني ويريد تخريب لعبته، أي نظامه.
«الشعب يريد اسقاط النظام»، أي اللعبة، النظام – اللعبة. والشعب أيضاً يريد اللعب مع النظام، امطار مرماه بأهداف محققة. فما الضير في ذلك؟
الشعبوية؟ هذه طبعا موجودة بنسبة ما في اي حركة احتجاجية جماهيرية. لا عجب. لكنها تبقى شعبوية حميدة طالما لم يظهر الزعيم الكاريزمي بين الشعب ليقول انا والشعب وحدة صوفية كفاحية، وتلك الشعبوية التي لا تحمد عقباها.
في المقلب الآخر، يعاني الحراك اللبناني من مشكلة انتفاضات الربيع العربي كلها: من فرط احتقان الناس ضد الزعامات السياسية المسؤولة عن تخريب أمنها وسلامتها وبيئتها وكهربائها الخ، لا يسهّل الحراك انبثاق قيادات سياسية جديدة من الجيل الجديد، بما يتجاوز القيادات التنسيقية والإعلامية للحراك.
أزمة الحركات الشعبية في بلادنا العربية منذ أربع سنوات هي أزمة صعوبة انبثاق قيادات جديدة (وفي المقابل، كردة فعل على ذلك في جزء منه، انبثاق خلافة وامارة بين التنظيمات الجهادية).
وبالطبع، يمكن الاستفهام عن أي نظام يراد اسقاطه، طالما أنّ الأنظمة العربية، تعرّف بأنها نظام الديكتاتور فلان الفلاني، وليس في لبنان مثل هذا، إذا ما نحينا مؤقتاً الهالة الديكتاتورية حول زعيم «حزب الله» السيد حسن نصر الله، بل ليس في لبنان رئيس دولة منذ عام ونصف، وهذا عنصر أساسي من المشكلة الحالية.
لكنها ليست مسألة ميتافيزيقة من نوع «هل الفراغ نظام؟»، انها مسألة ملموسة إلى حد كبير قدر ما هي مبهمة في بعد آخر.
عندما يصرخ عشرات آلاف اللبنانيين المحتشدين في شوارع وسط العاصمة، وبأعلى الصوت، مستعيدين «الشعب يريد اسقاط النظام» بشكل أو بآخر، فانهم يفعلون ذلك من موقع الملموسية: فليس يعقل ان يشعر فرد، فكم بالأحرى عشرات الآلاف، بأن ثمة نظاما من الشخصيات والقنوات والقوى والأشخاص يعادي مصالحهم وأرزاقهم وأمنهم وسلامتهم وصحتهم ثم يأتي أحد ما ليقول «ليس ثمة نظام».
ان يقول نظام عن نفسه، «انا لست نظاماً»، «انا وهمي»، وان يقمع من يقول عنه «انت نظام». فكل هذا يعني ان ثمة نظاما ما.
طبعاً، «الشعب» يصبح بذلك في موقع «اسقاط نظام ما». نظام ستتضح معالمه تدريجياً كلما اتسعت الحركة الاحتجاجية اكثر، وهي مرشحة لذلك لأن الحكومة التي تمثل كل الاطراف السياسيين الاساسيين باستثناء «القوات» وقعت في ملف من الصعب ان تخرج منه، هو ملف القمامة.
لكن هذا النظام ليس مبهماً لهذه الدرجة كي نظل نقول «نظام ما» او كي يقال عنه «الطبقة السياسية».
هذا النظام هو أيضاً مرحلة من عمر كل واحد منها: انها الجمهورية الثانية بقسميها، بزمنيها، ما قبل وما بعد 2005.
هذه الجمهورية الثانية ما عاد لها بعد اليوم ذرة تسويغ يمكن ان يشبّه بمفهوم الشرعية.
الناس اسقطت بالفعل آخر شبهة شرعية عن الجمهورية الثانية، وبشكل اساسي طعنت في شرعية استمرارها، بالتوازي مع طعنات ذاتية تسدّدها مؤسسات الدولة وأجهزته لنفسها في آخر سني الجمهورية الثانية هذه.
لا يعني هذا انّ الانتقال إلى جمهورية ثالثة هو «كلمة بالفم».
فقط، يمكن ان يطرح السؤال على المتحاملين على ارادة التغيير الجدي في لبنان، لماذا يمكن ان يطرح شعار «العبور إلى الدولة» كمرحلة تاريخية، بمعنى تأجيل كل مسألة إلى ما بعد حل مشكلة سلاح «حزب الله»، ولا يمكن ان يطرح شعار العبور إلى عقد اجتماعي بيئي جديد كشعار لمرحلة انتقالية، تدريجية، تنطلق من ضرورة اعتراف الجميع بأنّ مؤسسات الدولة وأجهزتها باتت جميعها ما بين حالة فراغ وشغور وبين حالة موت سريري، ولا يمكن شحن بطارية «الجمهورية الثانية» بعدها بالحد الأدنى.
٭ كاتب لبناني
وسام سعادة
في افضل الحالات فان الهيئة الحاكمة في اي بلد لايمكن ان تحظي برضا و تأييد الا اكثر بقليل من 50% من الشعب و بالطبع لا يمكن لل 49% الباقيين المطالبة باسقاط النظام لان هذا هو النظام الاقل سوءا.
ومع هذا فانه يمكن لاي اقلية ولو كانت 10% ان تظالب باسقاط نظام غير ديموقراطي غير شرعي حتى لو اجرى انتخابات فاز فيها ب 90% من الاصوات لانه ببساطة لم يحصل على تلك النسبة في اجواء حرة و بقوانين عادلة
لقد شهدنا رؤساء عرب يفوزون بنسب عالية و صلت 100% و عندما سقطوا حطمت الناس اصنامهم بل مثلوا بهم و اهانوا جثثهم
صحيح انه لايوجد ديكتاتور او رمز حاكم في لبنان ولكن يوجد فيه رموزا تعودت العمل بالايجار للقوى الخارجية ماديا او معنويا. و هذا بالضبط ما يريد الشعب اسقاطه. الشعب يريد ان يكون حرا في وطن حر مستقل
العنصرية في لبنان قوية جدا!يلحظها كل زائر للبنان ؟ نظام البلد طائفي معيب بحق هذا البلد الحضاري الجميل.ايران استغلت الطائفية لتسليح الشيعة وحكمت لبنان .يجب الغاء نظام المحاصصة والطائفية ليعود لبنان بلد الحريات والديمقراطية ويعود للصف العربي وتخليصة من المد الفارسي.؟