يمكن للإعلامي أو الناشط السياسي أو الفاعل الثقافي أن يتعامل مع ما يجري في الساحة العربية بحسب ما يمليه عليه موقعه المهني أو موفقه الفكري فيرصد جوانب من الحدث (حصار عين العرب مثلا) رابطا بين التحالف الذي قادته أمريكا ضد العراق، وبين ما تقوم به حاليا ضد داعش، ويتساءل عن تداعياته وآثاره على المنطقة. وقد يقارن بين الطائرات التي تقصف هنا مواقع للإرهابيين، وفي الوقت نفسه ترمي بذخائر وأغذية لمن يساندها على الأرض، وبين الطائرات الأخرى التي تقصف من سماء الهنا نفسها، وإلى جانبها، مدنا وقرى وأريافا بالبراميل المتفجرة، منذ أزيد من ثلاث سنوات، دون أن تجد أي دعم غير الكلام الذي لا يساوي سوى الصمت والتواطؤ. وقد يوجِد في كل ذلك صلات بين ما يجري في اليمن وليبيا، وما يتوقع أن تكون عليه الانتخابات التونسية، ولا بد لكل هذه الأحداث من نهاية.
كيف يمكن للمبدع العربي، الروائي مثلا، أن يتعاطى مع هذه المجريات إذا أراد صياغة نص روائي يعالج فيه هذه الحقبة من زاوية شمولية أو جزئية لتقديم إبداع سردي يمتزج فيه الخيال بالواقع؟ هل سيتخذ موقف السياسي والإعلامي في قراءته للأحداث من أجل الدفاع عن تصور معين؟ أم أنه سيتبنى موقف العالِم الذي يرصد البنيات ويبحث عن العلاقات بهدف تقديم رؤية شمولية تتعالى على الزمان والمكان؟ ولا داعي للتساؤل هنا عن التقنيات التي يشغلها لتتبع المادة المتجمعة لديه، وتنظيمها بالصورة التي تضمن جمالية خاصة، فذلك جزء من الصنعة الروائية.
يختلف الروائي والكاتب، بصفة عامة، عن غيره، في التعامل مع الوقائع أيا كان نوعها. ليس مرد ذلك إلى كونه يمارس التخييل أساسا لإبداعه السردي. ولكن لأن رؤيته الإبداعية تختلف عمن سواه بالضرورة. ألم يقل الروائي الأرجنتيني إرنستو ساباتو «إن الرواية اليوم هي المرصد الوحيد الذي يمكنّنا من معاينة التجربة الإنسانية في كليتها؟»
لكن الأمر لا يقف على حدود اليوم فقط، وقد تطورت الأفكار وتغيرت الأشكال. لقد كانت الرواية في القرن التاسع عشر تعبيرا عن التجربة نفسها، وبالوعي نفسه، وإنْ بتقنيات تتصل بذلك العصر. لذلك لا عجب أن نجد ماركس يقول إنه تعلم من بلزاك ما لم يتعلمه من علماء الاقتصاد في زمانه.
لطالما كثر الحديث عن «أدب الحرب» في العراق خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية. من يقرأ الآن هذه الروايات؟ والأشعار؟ ماذا بقي منها؟ منذ بداية الألفية الجديدة، بدأت تتسلل شخصية «الإرهابي» إلى فضاء السرد العربي، لكن بلا عمق ولا أبعاد؟
إن الروائي العربي، باستثناء علامات محدودة جدا، ما يزال ساردا هاويا حتى وإنْ كتب روايات كثيرة ومتضخمة؟ وليس السارد الهاوي سوى صورة عن الصحافي المتدرب، عند كل منهما الحماس، والرغبة والطموح. يظل الصحافي، هل أقول «الخبري» القابع في مخيلة السارد يحمل معه الموقف الذي تشبع به، فيعمل على تصريفه، متتبعا تطور الأحداث كل دقيقة. أما الروائي فتتعاظم أمامه الوقائع، وتكثر الشخصيات وتتعدد الرؤيات. فمن أين له ترتيب القضايا وبناء عالم تخييلي قابل لاستيعاب كل العوالم الصغرى في تناقضها، ليخرج منها برؤية تنسج لنا عالما غنيا ومعقدا، وهو يستعجل إخراج النص استجابة لإكراهات خاصة؟
الرواية صنعة. وبلغة العرب القدامى صناعة. ولا بد لكل صناعة من أدوات وآلات خاصة يتميز بها الصانع عن غيره من أرباب الصنائع. كما لا بد له أن يحذقها حذقا جيدا، ويبدع من خلالها مستثمرا تجاربه في الحياة ورؤيته للعالم باعتباره مهندسا للنفس البشرية. إن الروائي ليس فقط راويا لأحداث ورابطا بين شخصيات. إنه بذلك لا يختلف عن أي إنسان حين يتحول إلى راو يحكي في حياته اليومية ما يجري له أو يراه أو يسمعه. إنه صانع عوالم، سواء استقاها من التجربة أو التخيل. ولا بد لتلك الصناعة من شروط وضرورات. إن الموهبة وحدها ناقصة، كما أن التزود بقراءة الروايات غير كاف.
ليست عندنا مؤسسات لتعليم هذه الصناعة. وقد يتعجب البعض مدعيا أن المدرسة لا يمكنها أن تُكوِّن أدباء. إن الأديب، شاعرا أو ساردا، وليد الساحة الثقافية. لكن الأدب مؤسسة، ولا يمكنه أن يتحقق على النحو الأمثل بدون أن تأخذ الصناعة الأدبية بعدا مؤسسيا. وهذا مفتقد عندنا، ولذلك كانت إبداعاتنا الأدبية دون المستوى وطنيا وعالميا.
كان الشاعر العربي في القديم صانعا، وهو يأخذ أصول الصنعة من منابعها ولدى أربابها. ومع الكتابة باتت تلك الصناعة أكثر تعقيدا ودقة. لنقرأ لعبيد الشعر ولأصحاب المعلقات، والنقائض، ولشعراء العصر العباسي لنجد أنفسنا أمام تصورات للإبداع ورؤيات يتميز بها المبدعون. لنتذكر فقط المتنبي وأبا تمام لنرى ذلك بجلاء…
هل ما يجري أمامنا اليوم من فظائع لا يمكن أن يُخرج لنا رواية نتبين من خلالها المعري وهو يتحدث عن الشام والعراق وما تعرفه الساحة العربية حاليا، وأنه رأى في محبسه ما لا يراه الكثيرون بنظارات باهظة الثمن؟
كاتب مغربي
سعيد يقطين
استاذ سعيد حقا يعيش عالمنا العربي فصلا تلوى الاخرفي حبكة وصنعة غاية في الحرفية انه اضخم رواية كتبت ولازالت قيد الكتابة و مبدعها موهوب يدعى العم سام المقيم بالبيت الابيض وقد كتبها بلغة الحرب ومداد دم العربي وهو بلا منازع الكاتب الاوحد للزمن العربي
كل عام وانتم بخير