في البدء كانت الصورة، وكان الفرح والفرجة، فكانت الرقابة وتجفيف الفرح. في البدء كان أناس ينحتون الفرح من الصخر وكان بشر آخرون يطفئون العيون لكي لا ترى ما لا يرون. هذا هو حال السينما باختصار في الوطن العربي، فقر وندرة في الإنتاج، ورقابة متخلفة لا تفرق بين الحق والباطل، والخير والشر، بين التخييل والتاريخ، بين الشخص والشخصية، إلا وفق شهواتها المريضة. جدل غريب يدور هذه الأيام لمنع عرض فيلم الوهراني، لمخرجه إلياس سالم، يذكر بدواوين محاكم التفتيش المقدس.
هذه المرة ليس من المؤسسات الرسمية ولكن من المجموعات الاعتبارية كبعض الجمعيات الدينية وبعض المفتين على الشاشات الوطنية، الذين لا علاقة لهم بالسينما لا من قريب ولا من بعيد، والعائلة الثورية التي لا شكل لها ولا نعرفها إلا من صوتها الذي يرتفع من حين لآخر.
مع أن الكل يعرف أن السينما هي فعل ثقافي وليست انطباعا طارئا. والرأي حولها يجب أن يتأسس على معرفة مسبقة. فيلم الوهراني شرف الجزائر منذ عرضه الأول في باريس الشهر الماضي، حينما أثار جدلا ثقافيا وسياسيا مهما واعتبر من قبل المتخصصين السينمائيين واحدا من أجمل الأفلام الجزائرية التي أنتجت هذه السنة.
في مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي لهذه السنة، كان الاستقبال رائعا إذ أعاد سالم إلياس الجدل حول التاريخ إلى الواجهة. كنت عضوا في لجنة تحكيم الأفلام الروائية ورأيت عن قرب كيف استقبل جمهور قاعة العروض بقصر الإمارات خبر فوز إلياس سالم بجائزة أحسن مخرج عربي. كل الاحترام للمجموعات الاعتبارية الاجتماعية والدينية والتاريخية.
لكن يجب أن يعرفوا أيضا أنه لهم تخصصاتهم التي تحتاج إلى عمل جبار اليوم في ظل الأوضاع الصعبة التي تواجهها البلاد، لحل مشكلات المواطنين الروحية والثقافية والتاريخية. ولكن السينما شأن آخر، هي من اختصاص النقاد السنيمائيين، والتاريخ أيضا له رجاله من المؤرخين ومن حقهم أن تكون لهم وجهة نظرهم. للمشاهد البسيط أيضا حقه في التعبير لأن أي منجز ثقافي هو في نهاية المطاف ليس شيئا مقدسا، لكنه تعبير عن وجهة نظر. لكن المناداة بمنع فيلم كيفما كان الحال، هو شيء مخجل في بلاد تبحث عن مسالكها في وضع شديد الخطورة والظلمة. زد على ذلك، أن هذا الفيلم، مولته جزئيا، وزارة الثقافة الجزائرية التي عرضت السيناريو على خبراء السينما في FDATIC، الجهاز الأوحد الذي ما يزال اليوم يحافظ على النشاط السينمائي في الجزائر.
هذه الممارسة تذكر بعصر آخر، يفترض أنه مات مع موت الرؤية الأحادية للسياسة والتاريخ بعد قبول التعددية كخيار استراتيجي في الجزائر منذ نهايات الثمانينيات. وكم تحتاج سينما الثورة الجزائرية اليوم إلى جهود السينمائيين والفنانين وإلى الكثير من الديمقراطية، للدخول في صلبها وحتى نقدها، وإخراجها من هالة التقديس الأعمى، كما كل الثورات الكبيرة التي غيرت مجرى التاريخ الإنساني، وهذا لا ينقص مطلقا من قيمتها كثورة وطنية تحررية ولا يحدّ من استمراريتها في الذاكرة الجمعية. أعتقد أن المنع والمصادرة والريبة لا تفعل شيئا بقدر ما تنتج مفعولا عكسيا على غير الذي يتوخاه الرقيب. يكفي سماع أن كتابا أصبح ممنوعا أو فيلما أو أغنية ليركض الناس نحوه بكثافة غير معهودة. عندما حاصرت الدوائر الصهيونية فيلم آلام المسيح لميل غيبسون، كانت الدعاية المضادة للفيلم هي أهم وسيلة للترويج له. ما معنى حرية التعبير وديمقراطية الكلمة إذا لم تكن لنا القدرة على التعبير بشكل حر وتقبل الرأي الآخر حقه في الاختلاف. في ماذا أفادت مقولة غوبلز» كلما سمعت كلمة ثقافة تحسست مسدسي؟».
لا شيء. النازية سقطت والتاريخ دان جرائمها وما يزال يدينها إلى اليوم. لا بديل في النهاية إلا الفعل الثقافي إنتاجا ونقدا واحترام الرأي والمنجز الثقافي ايضا الذي لا يمكن تهديمه في وطنه. قيمة الفيلم، أي فيلم كان، هي قيمة جمالية بالدرجة الأولى وتحسيس بعمق الحياة وجمالها لا خطابا تاريخيا جاهزا ولا بديلا عن التاريخ مطلقا. هو قيمة أخلاقية، بمعنى أنه يمنح الإنسان نافذة ليرى نفسه من خلالها بصدق، كما هو، بقوته وأخطائه وضعفه الإنساني أيضا. ليس درسا لا في التاريخ ولا في الأخلاق ولا في الدين. هو في النهاية عمل تخييلي c’est une fictionكم نحتاج في هذا الزمن المرتبك إلى الرشدية العاقلة التي تضع كل شيء في موقعه. للدين طريقه وللعقل طريقه المختلف. لا يمكن قبول حملة غريبة ضد فيلم شرف الجزائر، لا يحكمها أي منطق ولا أي عقل. السينما الجزائرية مثل السينما العربية، تعيش معاناة كبيرة فلا تجهزوا عليها بالقرارات الغريبة التي تتصيد أي جهد فني، لتنشئ حوله سلسلة من القرارات التي تكره الناس في السينما. موقف وزيرة الثقافة في معرض الكتاب كان مهما حينما أعلنت: اتركوا القرار للجمهور. الجمهور بالغ ويستطيع ان يقول رأيه فيه. الفيلم في النهاية هو تعبير عن وجهة نظر. من الطبيعي أن تكون هناك ردود فعل. النقاش يجب أن يستمر ولا تنتظروا منا منع عرض الفيلم. لسنا هنا لمصادرة فيلم هو في النهاية منجز فني وإبداعي. نحن هنا لفتح النقاش (el-Watan 10/11/2014). كما ان المخرج أخذ المسألة بتبصر كبير. وعلى الرغم من كل ما حدث فهو يرى أن عرض الفيلم في وهران كان لحظة استثنائية في حياته. لقد كان عدد الذين حضروا العرض كبيرا. هناك مجموعة لا تتجاوز 12 فردا احتجوا على الفيلم من قرابة 600 حاضر.
والكثير من الرافضين للفيلم لم يروه. الثقافة السماعية التدميرية التي كانت وراء الحملة التي يقودها بعض الغامضين لهدم الفيلم. الشارع عندما يحركه القتلة الجدد، يمكن أن يتحول أحيانا إلى سلطة سيدها الجهل والضغينة والتخلف.
وزير الأوقاف الذي كان شجاعا في دعوته لفتح الكنائس اليهودية التي أغلقت لأسباب أمنية في العشرية السوداء، وما قبلها، يجب أن يعيد المفتين إلى ديارهم ووظائفهم الأساسية والدفاع عن قيم الخير والرحمة والتسامح بدل زرع الفتنة حول فيلم سمعوا به ولم يروه. تحية لإلياس سالم الذي بفيلميه الناجحين: المسخرة والوهراني، بيّن أن للجزائر وجها أجمل، اسمه السينما.
واسيني الأعرج
شيئ جميل ان ندافع عن الإبداع…. ان تبدع بإنتاج حقيقي لا يتخلف عليه اثنان….. لا اشك انك نسيت شدة محافظة جزء كبير من مجتمعك الجزائري. وكيف كان يخرج ايام الذين يطالب الكثير بإنصافهم في سنوات مضت وكيف رفعت المصاحف وشدت العمائم … ولا آسك انك نسيت حكما استمر (٦٠) سنة يعلمنا ان ثورة التحرير الوطني نموذجا فريدا في سلامة الفكر والاتجاه. وهوماعشته وجبلي … لقد رايت إيثارا من لدن أفرادها وتقديسا لحياة مجتمعهم…..لقد رايت كيف ان امرأة أريد بها في انتخابات دي غول فاغتالت عسكريا وبيدها طفلة . وهي تقول سلموا ابنتي لجبهة التحرير الوطني حتى تتربى حرة….! وان هناك اتهام لمناطق من الوطن بعدم المشاركة …!! وان هناك اخرى هلل لها حتى اصبح آباؤها يمنون على الآخرين تحريرهم….. و)…!