لندن ـ «القدس العربي»: عندما يتم الحديث عن شركات التعهدات الأمنية يشار عادة إلى شركة «بلاكووتر» التي حصلت على تعهدات من القوات الأمريكية لتوفير الحماية للمسؤولين وخدمات أخرى أثناء الغزو الأمريكية للعراق وعقود بمئات الملايين وكانت تملك جيشاً من الجنود المرتزقة ممن عملوا سابقاً في القوات الخاصة سواء في جنوب أفريقيا وأمريكيا اللاتينية أو القوات الخاصة البريطانية المعروفة بـ «أس إي أس» وقوات «الفقمة»الأمريكية .
وأصبح اسم الشركة الأمنية مرتبطاً بمجزرة ساحة النسور في بغداد في عام 2007 حيث قتلوا 17 مدنياً وجرحوا 20 آخرين، بشكل ادى لغضب العراقيين وتقليص الإعتماد على الشركات الأمنية الخاصة على الأقل في العلن.
وغيرت الشركة اسمها إلى «أكاديمي» وهي تقوم اليوم كما أورد موقع «دايلي بيست» في الأسبوع الماضي بدعم عملية غامضة للقوات الأمريكية الخاصة ضد قوات جيش الرب في أوغندا.
عملية غامضة
وذكر ديفيد اكس معد التقرير أن مصدراً ميدانياً في جمهورية أفريقيا الوسطى شاهد في أواخر كانون الثاني/يناير مروحية من نوع من نوع سيكورسكي س-61 تحمل رقم تسجيل N408RC تنقل قوات خاصة أمريكية التي تقوم منذ عام 2010 بملاحقة جوزيف كوني، زعيم الجيش المتهم بارتكاب جرائم حرب وتجنيد الأطفال. وأطلق على العملية اسم «اوزبريرفنت كامباس» حيث طلبت وزارة الدفاع (البنتاغون) من الكونغرس مبلغ 23 مليون دولار لتمديد العملية خلال العام الحالي 2017.
وحسب سجلات إدارة الطيران الفدرالي فالطائرة المروحية التي رصدها مصدر «دايلي بيست» في جمهورية وسط أفريقيا مملوكة لشركة (إي بي افييشن ال أل سي) التي تتخذ من إلينويز مقراً لها.
والتي كانت قبل ذلك شركة فرعية من «أكاديمي» ومقرها فيرجينيا ويرمز حرفي (أي بي) فيها إلى (إريك برنس) مؤسس بلاكووتر والشقيق الأصغر لوزيرة التعليم في الولايات المتحدة، المليارديرة بيتس دي فوس. ويعيد استخدام الطائرات هذه الذكرى إلى الأساليب العنيفة التي استخدمتها الشركة في العراق.
وبسبب ما تعرضت له شركته من قضايا قانونية قام برينس ببيعها عام 2010 وانتقل للعمل في الإمارات. ثم أسس مجموعة الموارد الحدودية وتقدم شركته حسب التقارير طيارين للحرب الجوية القاسية في ليبيا، كما حاولت شركة برنس الجديدة تفادي القوانين الأمريكية لبيع طائرات هجومية لسيلفاكير، أحد الرجلين القويين المتحاربين في جنوب السودان.Top of FormBottom of Form وتعتمد القوات الأمريكية الخاصة في أفريقيا بشكل كبير على طائرات تبدو مدنية. بعضها في الواقع عسكري مطلي طلاء طائرات مدنية. والبعض الآخر طائرات مدنية تعمل بموجب عقد مع البنتاغون.
الروس قادمون
وسوق التعهدات المدنية لم يكن دائماً حكراً على الشركات الأمريكية، فمنذ بداية الحرب في سوريا عام 2011 شارك الكثير من المتطوعين الأجانب إما لدعم المقاتلين السوريين المعارضين لنظام بشار الأسد أو إلى جانب النظام. وكان هؤلاء ضمن ميليشيات. إلا أن شركة «سلافونيك كوربس»، الشركة المسجلة في هونغ كونغ كانت أول من دخل إلى سوريا عام 2013 وقاتل أفرادها الروس إلى جانب النظام عام 2013. ولم تكن المغامرة ناجحة لعدم حصولها على دعم من حكومة دمشق. وكانت تجربة غير ناجحة حيث لم تدفع رواتبهم وتعرضت أسلحتهم ومعداتهم للسرقة واعتقلتهم الخدمات الفدرالية الروسية عند عودتهم إلى روسيا لسفرهم إلى سوريا بدون مصادقة من السلطات. وتغير الوضع بعد تدخل نظام فلاديمير بوتين رسمياً لإنقاذ نظام بشار الأسد في أيلول (سبتمبر) 2015 ووصل عدد المتعهدين الأمنيين إلى ما بين 1.500 – 2.000 من مجموعة «واغنر»، وظهر أفرادها في شرق أوكرانيا كما ورد في تحقيق لشبكة «سكاي نيوز». وعلى خلاف «سلافونيك كوربس» تحظى مجموعة «واغنر» بدعم من الحكومة الروسية. ويعتقد أن قائدها هو ديمتري أوتكين، القائد السابق لوحدة قوات خاصة. ولا يعرف إلا القليل عن المجموعة، ويعتقد أنها وحدة مشاة خاصة تعتمد على الحكومة الروسية ويسافر أفرادها على متن المقاتلات الروسية. وبالإضافة للمرتزقة الروس هناك أعداد كبيرة من أبناء الجمهوريات الإسلامية في وسط آسيا ممن انضموا للجماعات الجهادية في سوريا. وذكرت مجلة «فورين بوليسي» في العاشر من شباط (فبراير) أن شركة اسمها «ملحمة تاكتيكال» أنشئت في أيار (مايو) 2016 وتقدم تعهداتها إلى الجماعات المقاتلة في سوريا، وهي مكونة من 10 مقاتلين تلقوا تدريبات عسكرية متقدمة من أوزبكستان وبقية الجمهوريات الإسلامية المضطربة في القوقاز. وأسس الشركة شخص اسمه أبو رفيق الذي تدرب في وحدة النخبة الروسية المحمولة جوا والمعروفة باسم «في دي في». وسافر عام 2013 إلى سوريا حيث تنقل بين الفصائل السورية بدلاً من الانضمام إلى واحد بعينه قبل أن ينشئ شركته. وقامت شركته خلال العام الماضي بتدريب مقاتلي أحرار الشام وجبهة فتح الشام. ولا تقتصر ظاهرة التعهدات الأمنية على روسيا وأمريكا بل ودخلت الصين المعروفة بحذرها للساحة. ففي تقرير أعده تشارس غلوفر في صحيفة «فايننشال تايمز» تحت عنوان «التعهدات الأمنية الصينية تتوسع عالمياً» وفيه أشار إلى الخدمات التي تقدمها شركة «دي وي» الصينية في جوبا، عاصمة دولة جنوب السودان.
دور الصين
ويتحدث غلوفر عن عملية إجلاء عمال نفط يعملون في شركة النفط الوطنية الصينية في شهر تموز (يوليو) 2016 عندما اندلع القتال بين الأطراف المتناحرة في هذه الدولة الناشئة حيث اتصل عمال ومدنيون صينيون في العاصمة بالشركة وطلبوا تعليمات حول كيفية التصرف. وبدأ كونغ وي، مدير الشركة في جوبا عملية استمرت 55 ساعة لإجلاء 330 صينياً كانوا في 10 مواقع من العاصمة إلى نيروبي- العاصمة الكينية. وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الكشف عن العملية التي جرت في جوبا العام الماضي إلا أنها تشير للدور الذي باتت تلعبه صناعة التعهدات الأمنية والذي يعكس الدور البارز والمثير للجدل للدور الذي لعبته «بلاكووتر» (أكاديمي) و «دينكورب» في العراق وأفغانستان بعد هجمات أيلول/سبتمبر 2001.
ويعلق الكاتب أن المنطق الذي يحكم عمل المتعهدين الغربيين واحد: يمكن التعاون معهم وإنكاره في الوقت نفسه، وفي الحقيقة هم والجيش وجهان لعملة واحدة. فالعلاقة متداخلة بين جيش تحرير الشعب والشركات الأمنية الخاصة لأن العاملين فيها هم من عناصر الجيش السابقين كما يقول أندرو ديفنبورت، مدير المجموعة الاستشارية «أر دبليو أر». ورغم الدور الخاص الذي تضطلع به هذه الشركات إلا أن انها تظل واقعة تحت رقابة وسيطرة البيروقراطية الأمنية في الصين. إلا أن ظهور شركات تعهدات كهذه يعكس تحولاً في موقف بكين والذي كان يؤكد على الحياد تجاه القضايا المتعلقة بالسياسة المحلية في الدول التي تعمل فيها الشركات الصينية. لكن عقيدة الصين القديمة هذه تواجه امتحانًا كبيرًا في ظل التوسع الاقتصادي المتسارع وعمل الشركات المملوكة من الحكومة في ظروف تحاول الشركات الغربية تجنب العمل فيها. فالشركات الصينية تقوم مثلاً بالإشراف على محطات الطاقة في أفغانستان وشبكة الاتصالات في سوريا وتقوم بالتنقيب عن الرصاص في أفغانستان وضخ النفط في جنوب السودان.
وتقدر شركة «أس أي إي إنريجي» ومقرها العاصمة الصينية أن العنف يؤثر على ما حجمه 7 ملايين طن من النفط تقوم الشركات الصينية باستخراجه حول العالم، في العراق وجنوب السودان مثلاً. ويقول غلوفر إن مهمة حماية المصالح التجارية الواسعة للصين ومليون مواطن صيني يعيشون في الخارج أدى لتغير في الموقف الحذر في قضايا السياسة الخارجية. فقد ساهمت في عام 2012 بمواجهة القراصنة في خليج عدن وأنقذت مدنيين من اليمن في عام 2015. وتعمل قواتها تحت ظل راية الأمم المتحدة في عدد من الدول التي تستثمر فيها بشكل كبير مثل جنوب السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية. وفي العام الماضي أنشأت بكين أول قاعدة عسكرية لها خارج حدودها في جيبوتي. ومن هنا فزيادة اعتماد الصين على المتعهدين الأمنيين تعتبر جزءاً من هذا التوجه حيث تبحث بكين عن طرق لحماية مصالحها في الخارج بدون تبني سياسة خارجية ذات طابع إمبريالي تترك أثرها السلبي في الداخل والخارج.
وحسب الجنرال المتقاعدة من جيش تحرير الشعب فـ «الحاجة للحماية في الخارج مهمة جداً والجيش ليس مهيأً للقيام بها بسبب المشاكل المحتملة التي قد تؤثر على العلاقات الخارجية». ويقدر عدد الموظفين الصينيين في الشركات الأمنية بحوالي 3.200 وذلك حسب لوي تشين بينع نائب مدير مركز أبحاث الدفاع وأمن ما وراء البحار مقارنة مع 2.600 جندي صيني يعملون ضمن قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وعلى خلاف المتعهدين الأمنيين الغربيين فموظفو دي وي في جوبا لا يحملون السلاح ولكنهم يقودون فريقاً من المسلحين المحليين. ويعبر هذا عن حذر صيني خاصة أن العاملين في الصناعة قد ينتهكون الصلاحيات المتوفرة لهم ويسببون مشاكل لبلادهم كما حصل قوات الاحتلال الأمريكي في العراق وأفغانستان. وفي عام 2010 قام مشرفون على منجم فحم حجري تملكه الصين في زامبيا بإطلاق النار على عمال فيه طالبوا بزيادة أجورهم وجرحوا 11 شخصا بشكل أدى لردة فعل سلبية ضد الصينيين. وبعد عامين قتل مراقب في الموقع بسبب خلاف حول الأجور. ونقل عن مدير شركة أمنية قوله إن العقود التي يوقعونها مع الشركات المملوكة من الحكومة الصينية تنص على عدم حمل الموظفين السلاح. مضيفاً أن الحكومة الصينية «لا تريد بلاكووتر».
دروس الماضي
وعلى ما يبدو تعلمت الصين من دروس الـ15 عاماً الماضية حيث مات عدد كبير من المتعهدين الأمنيين في العراق وباكستان وأفغانستان أكثر من الجنود النظاميين. وحسب دراسة أعدها معهد واتسون للشؤون الدولية والعامة قتل منذ عام 2001 ما مجموعه 7.071 متعهداً أمنياً في العراق وأفغانستان وباكستان. وهو رقم أعلى من عدد الجنود الذين قتلوا وهو 6.860.
ويعلق جون- كلارك ليفين الخبير في شؤون الأمن البحري «يسمح المتعهدون الأمنيون للساسة بأن يخفوا بعض نشاطاتهم العسكرية فيما يتعلق بالإشراف السياسي والمسؤولية». ومن هنا فالعاملين في المجال الأمني الصيني يكلفون بمهام قد تكون حساسة لو تولتها القوات النظامية. ويقول بن ستيوارت، مدير «الشركة البحرية للخدمات المالية الأمنية والتدريب» إن «من الفوائد المهمة للخدمات الأمنية الخاصة أنها تحمي الحكومة من حوادث دبلوماسية». ويمكن للموظفين في «هاو تشين تزونغ»، وهي شركة مقرها في بكين استخدام القوة القاتلة في مواجهة القراصنة، فيما تقوم البحرية الصينية التي ترافقهم بإطلاق رصاص تحذيري. وعلى الأرض تتعامل الحكومة الصينية بحذر أكبر فتاو ديكسي الذي يعمل مع شركة مقاولات أمنية في العراق يقول إنه لا يسمح لأحد من العاملين حول السلاح. وقال إن «الشركات الأمنية تقوم بمهام أمنية عبر فرق محلية». و»في ظروف خاصة يمكن للفرق الصينية استئجار سلاح من الموظفين الأمنيين المحليين».
ويعلق كاتب التقرير أن الشركات الأمنية ينظر إليها عادة في بكين نظرة شك إلا أن القيادة الصينية بدأت تعتمد عليها عقب الحرب في جنوب السودان. ففي العام الماضي تبنى الرئيس شي جين بينغ سياسة تعزيز السلام والرقابة والتحذير المبكر والتعامل مع الطوارئ للشركات العاملة في مناطق خطرة. وطالب بإجراءات لدعم الاستثمار في الدول التي تحتوي على مخاطر.
وبعد شهرين من تعليقاته أعلنت شركة «دي وي» عن خطط لإنشاء معسكرات أمنية في جنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى. وهي أول منشآت أمنية تقيمها شركات صينية بشكل يفتح الباب أمام وجود أمني مستمر. وفي كلمة لمدير الشركة لي تشياوبينغ أمام «منبر بكين» حول أمن ما وراء البحار إن «الخطوة المقبلة هي إنشاء «معسكرات أمنية» في دول تستثمر فيها الصين وتعاني من عدم استقرار». ويقع مقر الشركة قرب مطار بكين حيث تم تحويل مخازنه إلى مجسمات تشبه المدن في الشرق الأوسط والتي تستخدم للتدريب. ويعود إنشاء الشركة إلى عام 2011 حيث شارك فيها عدد من ضباط الجيش والشرطة السابقين والذين عملوا معاً خلال دورة الألعاب الأوليمبية في بكين عام 2008.
وكانت الحكومة الصينية قد أصدرت قراراً عام 2010 يسمح بإنشاء الشركات الأمنية الخاصة لتوفير الخدمات للشركات والمصانع في البلاد. ولدى شركة «دي وي» 352 عاملاً يعملون في الخارج بالإضافة إلى 3000 يعملون داخل الصين. ويعتبر سوق التعهدات الأمنية في الصين جديداً مقارنة مع السوق الدولي في عدد من الدول مثل نيجيريا والعراق التي يعمل فيهما المتعهدون الأمنيون منذ سنين كما تقول فروك رينز، الباحثة في الشركات الخاصة. وبالنسبة لدي وي فقد أصبحت معروفة لأن المجموعة النفطية الصينية – جي سي أل طلبت منها العام الماضي حماية خط أنابيب الغاز الطبيعي المسال بين إثيوبيا وجيبوتي وكلفته 4 مليارات دولار وهو أكبر مشروع يطلب من شركة أمنية حمايته. ويذكر الكاتب أن سوق الصناعة الأمنية الخاصة في الصين جذب أيضاً شركات اجنبية للعمل والاستفادة منه وهي شركة «أكاديمي» وصاحبها برينس. ويدير شركة مسجلة في هونغ كونغ والتي يقول الكاتب إن برينس يجلب معه للسوق الصيني الخبرة والصلات السياسية بصفته شقيق وزير التعليم الأمريكية الجديدة.
إبراهيم درويش