اسطنبول ـ «القدس العربي»: كان قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتقديم موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة في البلاد مفاجئاً حتى لشريحة واسعة من القيادة والقاعدة الشعبية لحزب العدالة والتنمية الحاكم الذين يعلمون جيداً أن حزبهم يمر في أضعف حالاته منذ وصوله السلطة قبل 16 عاماً.
هذا التراجع في مكانة الحزب وتماسكه وقوته في الشارع التركي ظهر بشكل واضح لأول مرة في الاستفتاء على التعديلات الدستورية وتحويل نظام الحكم في البلاد من برلماني إلى رئاسي والذي جرى في نيسان/أبريل من العام الماضي، حيث تمكن تحالف الموالاة بتمرير الاستفتاء بنسبة لم تتجاوز الـ1٪ كثيراً مع خسارة الحزب الحاكم لأغلبيته التي تمتع بها طوال السنوات الماضية في المحافظات الكبرى لا سيما إسطنبول والعاصمة أنقرة.
ومنذ ذلك التاريخ، اعترف أردوغان بشكل علني أن هذه النتائج كانت بمثابة إنذار من الشعب للحزب، وأعلن عن بدء حملة إصلاحات واسعة في محاولة لإعادة ترتيب صفوف الحزب، وقام بتغييرات واسعة في قيادات أذرع الحزب التاريخية والشبابية والنسائية، وقاد حملة استنهاض لقواعده في المحافظات التركية الـ81، إلى جانب تغيير عدد من رؤساء كبرى البلديات في البلاد في محاولة لتقديم نموذج خدماتي جديد لإرضاء المواطنين وإعادة بناء ثقتهم بالحزب.
لكن وقبيل إتمام هذه الإصلاحات جرى الإعلان عن الانتخابات المبكرة في الرابع والعشرين من حزيران/ يونيو الجاري، وهو ما جعل الحزب غير قادر حتى على عقد المؤتمر العام له قبيل هذا التاريخ، ما أعطى مؤشراً آخراً على حجم الصعوبات التي يمر بها العدالة والتنمية.
وإلى جانب ذلك، يعاني الحزب من صعوبات أخرى جوهرية ولدت خشية كبيرة من أن تؤثر بشكل كبير على حجم التصويت له في الانتخابات المقبلة، لعل أبرزها مشكلة عائلات المتهمين بالمشاركة في محاولة الانقلاب الأخيرة والمتهمين أيضاً بالانتماء إلى تنظيم فتح الله غولن والذي بات يسمى بـ«تنظيم غولن الإرهابي».
وعلى الرغم من التأييد الشعبي لحملة التطهير التي قام بها أردوغان ضد هؤلاء المتهمين، لا سيما المشاركين بشكل مباشر في إراقة الدماء بمحاولة الانقلاب، إلا أن حديثاً قوياً يجري عن وجود «مظلومين» تتم محاكمتهم أو يجري اعتقالهم أو تم فصلهم من عملهم لمجرد الاشتباه بانتمائهم لتنظيم غولن.
هذه الشريحة من المتهمين أو «المظلومين» تعد ربما بمئات الآلاف من الأشخاص وعائلاتهم والمتعاطفين معهم ربما يلجئون إلى الانتقام من حزب العدالة والتنمية وأردوغان بالتصويت ضدهم في الانتخابات المقبلة. وفي تأكيد لهذه المخاوف، تعالت في الأيام الماضية أصوات من داخل تحالف الموالاة تلمح إلى إمكانية إصدار عفو عام عقب الانتخابات وهي ما اعتبرت بمثابة محاولة لاستمالة هذه الشريحة، لكن الحكومة نفت لاحقاً وجود «عفو عام» على أجندتها في الوقت الحالي.
كما تأتي هذه الانتخابات في ظل صعوبات اقتصادية كبيرة مرت بها البلاد في الآونة الأخيرة ما فتح الباب واسعاً أمام التشكيك بالمكانة المتقدمة جداً التي رسخت عن قدرة الحزب على تنمية وتطوير اقتصاد البلاد، حيث شهدت الأشهر الأخيرة ارتفاعاً كبيراً في نسب التضخم ما زاد من غلاء الأسعار وولد صعوبات اقتصادية شعر بها المواطن في الأشهر الأخيرة.
ولم تستطيع حكومات العدالة والتنمية التي حققت أرقاماً لافتة وكبيرة في نسبة النمو والسياحة والتصدير وغيرها من إخفاء وجود مشاكل في قطاعات اقتصادية أخرى كالعقارات، لكن المشكلة الأكبر والأخطر التي مرت بها الحكومة هي الانخفاض الكبير في قيمة العملة التركية مقابل العملات الأجنبية، ما دفعها لاتخاذ قرار تاريخي بالتماشي مع البنك المركزي لرفع أسعار الفائدة في خطوة تخالف توجهاتها في محاولة اجبارية للسيطرة على تراجع قيمة الليرة.
كما أن الحزب الحاكم ما زال يعاني من ارتدادات الثورات العربية لا سيما الأزمة السورية وما رافقها من وصول ملايين اللاجئين العرب إلى تركيا 3.5 مليون فقط من سوريا وهو ما جعل من هذا الملف ورقة قوية بيد المعارضة التي تستغل تململ شريحة من الشعب التركي من سياسات الحكومة في الشرق الأوسط لا سيما في ملف اللاجئين لدعوة الناخبين للتصويت لها في الاستحقاق الانتخابي المقبل.
وإلى جانب التحديات الخارجية، عانى الحزب الحاكم من بعض المشاكل الداخلية وتململ عدد من قياداته التاريخية والمؤسسة له، ما أفقد الحزب واحدة من أهم مميزاته التي تمثلت لسنوات في الولاء والتماسك قبل أن يبتعد وتتعارض مواقف عدد من قياداته البارزة لا سيما الرئيس السابق عبد الله غول، والمؤسس بولنت أرينتش، ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو الذي.
كما يجري «حديث خافت» داخل أروقة الحزب عن وجود تململ وعدم رضا عن سياسات أردوغان في طريقة قيادة الحزب لدى شريحة ليست قليلة من قيادات الصف الأول والثاني، وعن رغبتهم في إحداث تغيير.
وعلى الرغم من جميع المشاكل السابقة وغيرها الكثير التي يعاني منها الحزب الحاكم، إلا أن ذلك لا يعني حتى الآن أن المعارضة التركية في حال أفضل، حيث تؤكد جميع المؤشرات واستطلاعات الرأي على أن العدالة والتنمية وأردوغان ما زالوا يتمتعون بأوسع قاعدة شعبية في تركيا.
ورغم كل السابق، إلا أن العدالة والتنمية يبقى الحزب الأكثر تماسكاً وقوة وقدرة على مخاطبة الشارع التركي، أمام المعارضة المشتتة والتي تعاني من ترهل وضعف كبير في الأداء وفشل متلاحق في مخاطبة الشارع وكسب نسب أعلى في الانتخابات تمكنهم من الوصول للسلطة وإنهاء 16 عاماً من حكم العدالة والتنمية.
لكن الأهم في هذا السياق أن تمتع أردوغان والحزب الحاكم بأعلى نسب من الأصوات لا يعني قدرتهم على حسم الانتخابات بطريقة سهلة، فما زالت هناك شكوك حول مدى قدرة أردوغان على حسم الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى بحصوله على 50٪ من أصوات الناخبين، وعدم الانجرار لجولة ثانية ربما تتوحد فيها المعارضة وتزيد فرصها في المنافسة.
كما أن المعضلة الأبرز للحزب الحاكم تتمثل في خشيته الواسعة من عدم قدرته على حصد أغلبية برلمانية مريحة تمكن الرئيس من ممارسة مهامه بسهولة وتجانس مع البرلمان، وهو ما دفع أردوغان لجعل عنوان حملته الانتخابية «رئيس قوي، مجلس قوي، تركيا قوية»، حاثاً الشعب على إفراز مجلس قوي إلى جانب الرئيس.
التحليل يشخص الحالة التي يمر فيها العدالة والتنمية ولكن السبب الأبرز من بين كل ما تم ذكره يتمثل بالعقلية الأستحواذية التي يقود فيها أردوغان البلاد وهذا ما دفعة للتخلص من قيادات تاريخية لها احترامها ووزنها لدى الشعب التركي عامة ولدى العدالة والتنمية بصورة خاصة وقد انعكس ذلك على الأستفتاء وبالرغم من تحالف الحزب القومي ووقوفه لجانب التعديلات الدستورية فهو بالكاد نجح في تمرير التعديلات الدستورية, وعليه اذا كان حزب العدالة والتنمية معني بالأستمرار بأريحه في حكم البلاد عليه أن يعيد الأعتبار للشخصيات التي تم إقصائها لا لسبب سوى خلافها مع أردوغان في الشأن السياسي الأمر الذي لا يحتمله.
*تحليل ممتاز .
ربما حزب(اردوغان) ضعف قليلا
لكنه سيبقى الأقوى
والانسب لتركيا.
أتوقع فوزه في الإنتخابات القادمة.
سلام