عمان –»القدس العربي»: لا تبدو حكومة الرئيس الدكتور عبد الله النسور في الأردن متمتعة هذه الأيام بالصلابة نفسها التي كانت تحظى بها في العادة وسط احساس سياسي عام بان الحكومة تقادمت وبدأت تنهش لحم جسدها عبر خلافات واحتقانات هنا وهناك بين أفراد طاقمها أو اخفاق بعض الوزراء في التقدم ادائيا بإيقاع يناسب إيقاع رئيسهم.
ورغم كل الجدل المثار بعنوان بقاء حكومة النسور أو رحيلها يبدو الأخير مرتاحا للغاية ويبلغ الأصدقاء والحلفاء والزوار الخاصين ان الرضا الملكي على فريقه ما زال متواصلا وان علاقات رئاسة الحكومة ببقية مراكز القرار والقوة في الدولة ايجابية مع الجميع.
مخضرم ومحنك من حجم النسور يفهم التوقيت الأنسب للرحيل ويشعر به على الأرجح لكنه ما زال يخطط للبقاء أطول فترة ممكنة.
وأغلب التقدير ان حديثه عن علاقات ايجابية مع جميع أوساط القرار قد لا يعكس واقع الحال خصوصا مع تنامي رصد مساحات من الاستقلال الإداري والسياسي في عمل بعض المؤسسات السيادية بعيدا عن الحكومة ودورها وحتى بعيدا عن ولايتها العامة.
أضف إلى ذلك تعكس بعض المعلومات والتسريبات وكذلك الوقائع حصول نقص حاد في منسوب الاتفاق والتوافق السيادي مع الحكومة.
العلاقة على الأقل مع رئيس الديوان الملكي وبعض أركان إدارة الديوان لا تعكس مرحليا نمطا تحالفيا أو مساندا للحكومة، وأغلب التقدير ان تقييمات رجال مؤسسة الديوان للحكومة ورئيسها لا تتجرأ على الانطلاق من اعتبارات شخصية بقدر ما تجتهد لإسقاط حسابات التقييم المرجعي نفسها.
من معسكر النسور ثمة حديث بطيء وسري عن تجاذب برز في أكثر من شكل مؤخرا مع رئيس الديوان الملكي الدكتور الطراونة.
الأخير وسط الموالين للنسور متهم فرديا بإنتاج المشهد المحرج الذي برز الشهر الماضي عندما صرح النسور بان الإرادة الملكية على قانون الأحزاب تحتاج للمزيد من الوقت فيما صدرت هذه الإرادة بعد أقل من 48 ساعة على تصريح النسور.
وهو خيار غير ممكن في جوانبه البيروقراطية وفقا لفهم المقربين من النسور نفسه بدون حركة مناكفة أو مشاغبة على الحكومة تحديدا من عند الرئيس الطراونة الذي يشار له في المقابل الآن باعتباره المرشح الأوفر حظا لخلافة النسور إذا ما وصل القرار إلى نقطة حكومة انتقالية تستقيل بعد الانتخابات المقبلة.
في دوره يعكس الرئيس الطراونة وجود رؤية نقدية أو غير راضية مرجعيا عن اداء الحكومة في بعض التفاصيل وهي مسألة يرجح الخبراء ان الطراونة لا يديرها لصالح انحيازاته الشخصية بقدر ما يقيم من خلالها الحكومة بعين المرجعية.
ما حصل في قانون الأحزاب عندما ظهرت الحكومة بدون معلومات ونتج الاحراج، لا يشكل نقطة الاحتكاك الوحيدة في السياق، فالمعلومات الخاصة التي حصلت عليها «القدس العربي» تشير إلى نقطة احتكاك خشنة ومباشرة أكثر برزت في الأسابيع القليلة الماضية بالتوازي مع مهلة ملكية لمدة شهر منحت للنسور لكي تجتهد حكومته في تبديد الأسباب البيروقراطية والسياسية التي تزعج قطاع المستثمرين وتغضب القطاع الخاص.
القصر الملكي وفقا للمعلومات نفسها استقبل في الآونة الأخيرة كثافة لا يمكن تجاهلها في الشكاوي والتذمرات تحت عنوان إعاقة الاستثمارات.
والملك أظهر اهتماما شخصيا بهذا الموضوع على مدار الساعة طوال الأعوام الماضية، وعقدت اجتماعات مع المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال ورموز القطاع الخاص بحضور رئيس الوزراء، الأمر الذي دفع الفريق الاستشاري لانتقاد الحكومة بسبب تباطؤها في التجاوب مع التوجيهات الملكية بخصوص الاستثمار والقطاع الخاص تحديدا.
مع امتثال الحكومة في كل الاتجاهات وكفاءتها في الالتزام بالتوجيهات العامة يمكن القول ان التهمة المتعلقة باغضاب واعاقة المستثمرين قد تكون التهمة الأنسب التي سترافق النسور في حال مغادرته الحكم، علما بانها تهمة لا تكفي كسبب مرجح ووحيد لرحيل الحكومة التي فقدت في الواقع السياسي الموضوعي نجوميتها وقدرتها على الادهاش إضافة إلى انها في رأي الجميع تقادمت إلى حد كبير.
في كل الأحوال توحي هذه التجاذبات التي ما زالت صغيرة ومحدودة ولا يمكن الرهان عليها في توقع وشيك لرحيل الحكومة بولادة مشكلة لها علاقة باستقرار وبقاء الحكومة من رحيلها حيث كان رئيس مجلس الأعيان عبد الرؤوف الروابدة ورئيس مجلس النواب عاطف الطراونة قد أوحى وفي مجالسات خاصة غير متزامنة بان بقاء الحكومة سبب رئيسي في المشاورات النيابية وعدم وجود بديل جاهز يتولى رئاسة الوزراء في الوقت الذي تصدر فيه اليوم استحقاق الاصلاح السياسي بعدما قرر الملك عبد الله الثاني إنهاء حياة قانون الصوت الواحد الانتخابي والعودة لصيغة الصوت المتعدد.
بعيدا عن عمق الاحتكاكات المشار إليها يمكن ببساطة القول اليوم ان الذريعة متوفرة أو يحرص بعض النافذين على توفيرها عندما تسقط ورقة الحكومة وتبدأ عملية التخلص من رئيسها المخضرم الذي دخل بوقار عامه الثالث وبالحد الأدنى من المشكلات مدركا كما يقول لمقربين منه بان فرصته للعودة رئيسا للوزراء مرة ثانية مستحيلة وليست فقط شبه مستحيلة.
في الاتجاه المقابل تبدو الحكومة مهيأة نفسيا لتقبل مصيرها المحتوم إذا ما تحركت الأقطاب في الدولة باتجاه سيناريو التغيير الوزاري وسط نمو الانطباع العام بان الحكومة تقادمت وان حالة من الضجر الديمقراطي تسود وان تطوير العديد من الملفات دخل مستوى العجز والاخفاق خصوصا وان المحاور الأساسية والمفصلية يعمل عليها القصر الملكي وتعتبر اليوم عابرة للحكومة التي خاضت تجربتها بوضوح وسط تحديات كبيرة جدا لم يكن من الممكن تجاوزها إلا عبر قبطان بيروقراطي رفيع المستوى وقدير من طراز الدكتور النسور.
بسام البدارين