بغداد – أ ف ب: داخل مطعمه الشعبي «أبو الخير» في منطقة الكرادة وسط بغداد، يسعى علي حسين بأي ثمن الى تأمين الكهرباء ليتمكن من تشغيل مبرّد الهواء، وفي الوقت نفسه جزء من الإنارة من أجل راحة زبائنه.
ويشترك حسين في مُوَلِّد قريب من مطعمه يحصل بموجبه على «15 أمبير» من الكهرباء، واختار خدمة «الخط الذهبي» التي يدفع مقابلها 15 ألف دينار (حوالى 12 دولارا) لكل أمبير مقابل تأمين التيار دون انقطاع.
ومثله مثل العديد من العراقيين الذين ينفقون مبالغ كبيرة في ظروف اقتصادية سيئة من أجل الحصول على حدّ أدنى من التيار الكهربائي. وكان انقطاع الكهرباء أحد الأسباب الرئيسية للاحتجاجات الشعبية في العراق خلال الأسابيع الماضية.
أما مثنى مهدي فلم يترك وسيلة لم يقم بها لتأمين توصيل الكهرباء الى منزله الواقع في شرق بغداد، حيث تنخفض ساعات التغذية بالكهرباء لدى حلول موسم الصيف، ولا يصل التيار إلا أربع أو خمس ساعات يوميا من الشبكة الحكومية.
يقول مثنى (40 عاما) «نعتمد على الكهرباء التي تصلنا من المُوَلِّدات الأهلية لما تبقى من ساعات» أمس.
و خلال الأعوام الـ15 الماضية أنفق العراق، المصنّف الثاني عشر بين أكثر الدول فسادا في العالم، حوالى 40 مليار دولار على قطاع الكهرباء دون جدوى، وذهبت المبالغ إلى جيوب رجال أعمال وسياسين.
ولتأمين الحصول على حد أدنى من التيار الكهربائي كلّ يوم، لجأ كثيرون من سكان بغداد إلى شراء مُوَلِّدات كهرباء صغيرة لمنازلهم تعمل على الوقود. فيما يعتمد آخرون على مُوَلِّدات كبيرة وُضعت في مواقع متفرقة من العاصمة ويبيع أصحابها التيار الذي تولده الى الأحياء المجاورة لها.
وتنتشر في الأزقة والأحياء في كل مدن البلاد مُوَلِّدات تزوّد الراغبين بالكهرباء لمنازلهم أو محالهم التجارية بثمن مرتفع نسبيا.
ويقول مهدي «أتعبتنا الكهرباء، بعض الأيّام يتعطّل المُوَلِّد أو لا يتوفّر الوقود لتشغيله، ما يسبّب أعطالا في الأجهزة الكهربائية في المنازل».
ويشير الرجل، وهو يراقب شبكة أسلاك تمتد الى لوحة مُنَظم الكهرباء، إلى أن «سعر الأمبير الواحد من المُوَلِّد الخاص يصل الى 15 ألف دينار (حوالى 12 دولارا)، وأنا مشترك بخمسة أمبيرات غير كافية إلا لمبرّد هواء وبعض المصابيح». ولا تؤمن المُوَلِّدات خلال أيام الصيف، الذي ترتفع خلاله درجات الحرارة إلى أكثر من خمسين درجة أحيانا، تشغيل مُكّيِّفات الهواء ما يدفع للاعتماد على مبرّدات مزودة بحوض ماء وفتحات محشوة بنشارة الخشب، لتلطيف الأجواء. لكنها تحقّق أرباحا لأصحاب المُوَلِّدات. وبعد مرور 15 عاما على سقوط صدام حسين، بعد اجتياح أميركي تلته فوضى ومعارك وتفكك المؤسسات، لم تنجح الحكومات المتعاقبة بعد في إيجاد حل لمشكلة الكهرباء. ويقول حسين كاظم، وهو صاحب صهريج صغير ينقل الوقود للمُوَلِّدات في حي الكرادة في بغداد «إذا تحسنت الكهرباء سنخسر عملنا، واذا استمر القطع كما هو الآن يعني أننا حصلنا على عمل».
وتترك المُوَلِّدات آثارا سلبية في الشوارع بسبب الضوضاء والتلوث.
ودفع نقص الخدمات العامة، خصوصا الكهرباء، آلاف العراقيين الى الخروج في احتجاجات في مدن وسط وجنوب البلاد، خصوصا في محافظة البصرة التي تمثل المصدر الرئيسي لثروة العراق النفطية، المورد الرئيسي لميزانية البلاد.
وبعد ثلاثة أسابيع من الاحتجاج، قرر رئيس الوزراء حيدر العبادي إقالة وزير الكهرباء قاسم الفهداوي وإجراء تحقيق في أسباب فشل وزارته في معالجة الازمة التي دفعت لتصاعد غضب شعبي وفقدان الثقة في قدرة الحكومة على وضع حد للأزمة.
ويرى مازن الذي يشغّل مُوَلِّدا في حي الكرادة أنّ «الكهرباء غير مستقرة، كل ما يجري كذب بكذب وسرقة».
ويضيف الشاب، الذي تلطّخت ملابسه بالزيت وهو منهمك بإصلاح عطل في مُوَلِّده، أن «القائمين على القطاع سرقوا الأموال وأرسلوها الى الخارج، وكل شخص يقول لك: الكهرباء تتحسن بالعراق، قل له أنت كاذب».
وكان نائب رئيس الوزراء ومسؤول ملف الطاقة في العراق حسين الشهرستاني أعلن في مطلع عام 2012 عن وصول العراق الى اكتفاء في الطاقة، وتوجهه الى تصدير الفائض في عام 2013، الأمر الذي بات محط سخرية لدى الكثير من العراقيين.
وعلق مهدي على إقالة وزير الكهرباء قائلا «الإقالة قليلة بحقه (…) من المفترض أن يعلق (يشنق) هو ومن يمشي خلفه في ساحة التحرير» وسط بغداد. وتابع ساخرا «بلد بعد 15 عاما لا يملك كهرباء، كلهم سرقوا البلد»، في اشارة الى المسؤولين الحكوميين.