لا يستطيع رموز العملية السياسية في العراق التفكير بعقولهم والتصرف كرجال دولة، بل مازالوا حتى اليوم يجترون سياسات المحتل في كل خطوة من خطواتهم، وفي كل موقف يتوجب عليهم التصرف حياله واتخاذ قرار فيه.
نعم هنالك فرق كبير بين رجال الدولة ورجال السياسة، فالوصف الأول هم من يواجهون شؤون إدارة الدولة بأقل الكلف، ويجتهدون في كل يوم لانتاج نظرية عمل خاصة بهم، تحقق الإنجاز المطلوب الذي يعود على شعبهم بالخير والرفاهية، بزمن مضغوط كي لا تستمر المعاناة. أما رجال السياسة فهم أصحاب العقول المحنطة، الذين إذا ما شاءت الصدف أن يصلوا إلى السلطة بسرقتها أو بمعونة من غاز ومحتل، فهم يستعينون بنماذج أسيادهم في الحكم حتى لو كان في هذه النماذج خراب الاوطان، وتدمير الشعوب ووضع مصيرها في مهب الريح. فهل المتصدرون المشهد السياسي العراقي هم حقا رجال دولة؟ يقينا لا، لان التصدي للحكم لمدة تجاوزت العقد من الزمن، يُسقط كل عذر بعدم وجود تراكم خبرة، وأن موارد العراق تُسقط كل عذر بعدم وجود إمكانية للتطوير، وأن انفتاحه على دول عظمى كالولايات المتحدة وإنكلترا والغرب عموما، كفيل بنقله من دولة متخلفة إلى مصاف دول جنوب شرق آسيا خلال مدة وجيزة، إن كان من يحكمون فيه عازمين على الاستفادة من خبرات هذه الدول وتقدمها التكنولوجي. لكن العزائم تأتي على قدر أهل العزم دائما، فلو نظرنا إلى كل تاريخ العراق على مر العصور والازمان، والنظم السياسية التي حكمت فيه، نجد أن العراقي كان قادرا على الانتقال من أبعد نقطة في الجنوب، والسكن في أقصى نقطة في الشمال، ومن الشرق إلى أبعد نقطة في الغرب، بدون ان يُسأل من أين أتيت ولماذا جئت إلى هنا. كان الأمر طبيعيا جدا، لأن المؤسسات في الدولة العراقية، كانت قائمة على أساس وحدة الشعب والوطن. كان المنتسب إلى الجيش والموظف في دوائر الدولة، مفروضا عليهم جميعا الانتقال إلى كل أنحاء العراق، للخدمة في قراه ونواحيه وأقضيته ومحافظاته مدة من الزمن، ومن وضع ذلك التشريع في الخدمة العامة كان رجل دولة وليس رجل سياسة، لانه كان حريصا على تحقيق حالة الاندماج الاجتماعي إلى أقصى حد، وإلى أبعد مدى منظور وغير منظور أيضا، نتيجة وعيه بأن الاهتمام بالمؤسسات يُبعد الناس عن التخندق القومي والطائفي والمناطقي، بينما العكس يعني انفجار الجغرافيا.
ولأن المحتل كان حريصا جدا على أن تنفجر الجغرافيا فقد كانت أولى خطواته هي تدمير المؤسسات، والتعجيل بإبراز الهويات العرقية والطائفية والمذهبية، فصنع لنا شمالا كرديا وجنوبا شيعيا وغربا سنيا، ثم تمادى في المناطق التي سماها مختلطة فقسمها إلى أحياء شيعية وسنية، ووضع الحواجز الكونكريتية بينها، خاصة في العاصمة بغداد. كان البعض يقولون إنها لأغراض أمن القوات الامريكية وأنها زائلة بخروج قوات الاحتلال، وكنا نقول بل أنها عملية مدروسة لصنع اختلافات جوهرية بيننا كشعب ووطن واحد، تمهيدا للتقوقع والانغلاق ثم التفكك. واليوم تبدو المؤشرات واضحة جدا على أن ساسة العراق ماضون بجهد كبير على هذا الطريق. فلقد شرعت دوائر الدولة العراقية بحفر خندق يحيط بمحافظة كربلاء، يمتد لمسافة خمس وأربعين كم، مزود بأبراج مراقبة وكاميرات أمن وأسلاك شائكة، وبعمق ثلاثة إلى أربعة أمتار، وان السكان الداخلين يجب أن يكونوا من حملة شارة معينة تدل على أنهم من أهل المدينة. كما سبق أن تم حفر خنادق مشابهه تحيط بمحافظة كركوك، والموصل والنجف، إضافة إلى خندق على الحدود السورية العراقية بطول ستمئة كم. وإذا ما ذهبنا إلى الحدود الإدارية لمحافظات أربيل والسليمانية، فيمكن القول بأن إجراءات الدخول اليهما بالنسبة للمواطن العراقي شبيه تماما بإجراءات الدخول إلى بقية الدول. واذا ما استسلمنا إلى ما يقوله ساسة العراق من أن التحديات الأمنية هي التي أجبرتهم على حفر الخنادق، فماذا يمكننا القول بقيام مجموعة ميليشياوية، بنقل بطارية صواريخ إلى أحد أحياء بغداد، تمهيدا لقصف أحياء مجاورة بدعوى أنها حاضنة للإرهاب؟ وماذا نسمي الحاح ساسة الانبار على استقدام قوات أمريكية لحمايتهم من الميليشيات الشيعية والسنية؟ وكيف لنا أن نفهم الدفاع المستميت لساسة الإسلام السياسي الشيعي عن الجنرال الايراني قاسم سليماني، الذي يتفقد باستمرار عناصر قواته الايرانية واللبنانية على الاراضي العراقية، ويصفونه بالصديق الحبيب الذي يقوم بكل ذلك لوجه الله؟ هل يمكن أن تتعطل الحياة، ويتم تمزيق الوطن، ونُعادي الشعب بعضه ضد بعض، ونعاضد العدو الخارجي ونستقدمه ضد بعضنا بعضا، كل ذلك بدعوى إحلال الأمن؟ لقد بات ساسة العراق يستخدمون حفر الخنادق في الارض، ورسم الخطوط الطائفية على الخريطة، بل كل الازمة في العراق على أنها هي برنامجهم السياسي، على الرغم من أن كل هذه المعضلات سببها ألا أحد منهم لديه برنامج، بينما الوطن بأمس الحاجة إلى مواجهة جريئة لكل الحقائق على الصعيد الداخلي والخارجي، فقد وصل إلى حافة الهاوية التي إن لم يجد من يمسك ببقيته فإنه ذاهب إلى مصير مجهول ومظلم، وإن من يتصور أن الضامنين الدوليين أو الاقليميين قادرون على إبعاده عن هذا المصير فهو واهم، لأنه لم تعد هنالك أي مؤسسة قادرة على الاستنهاض فتبعده عن القصم. دعونا من عبارات التفاؤل التي لا تجدي نفعا في هذا الظرف. دعونا من مقولات التاريخ ذي السبعة الاف سنة، والحضارات التي مرت على هذه الارض، والهمة والغيرة العراقية. هنالك ورش تفكير أعوج تم إنشاؤها خصيصا للعراق تركز عملها على بلورة آليات ووسائل آليات للتأثير النفسي، تبحث عن الانتقام، وتنبش في الماضي السحيق، وتنفخ في الخوف المذهبي، تبث سمومها على العوام فتسلط ضغطا نفسيا هائلا يدفعهم للبحث عن الاقاليم، والجيوش الخاصة بكل محافظة، والاستئثار بالثروات في كل منطقة على حدة، والايهام بأن هذا هو الحل للخلاص من المشاكل. وعندما تتشكل الكانتونات الطائفية والإثنية والعرقية في الذهن أولا، وتوجد على أرض الواقع قواها السياسية، ستتعزز هذه الافكار الكانتونية وتتجه للتناغم مع فضائها الاقليمي بحثا عن قوة حامية خارجية. وهذا هو الوسط الذي تعتاش فيه الجماعات الخارجة عن القانون، لأن بيئتها الطبيعية هي الظروف والبيئات المضطربة، لانها الوحيدة التي ستكون متنفذة فيها. وهل هنالك بعد أصلح من البيئة العراقية لها بعد اليوم؟
٭ باحث سياسي عراقي
د. مثنى عبدالله
لقد شرحت الحالة بالعراق شرحا مفصلا يا دكتور مثنى
وأظنك حملت مسؤولية الخراب والتقسيم على السياسيين فقط
وأنا أقول لحضرتم أن هؤلاء السياسيين مجرد دمى لا أكثر ولا أقل
أفضل حل للعراق بنشر أسماء السكان العراقيين الأصليين المسجلين بجداول الأمم المتحدة قبل الاحتلال الأمريكي سنة 2003 وسيتضح لحضرتكم بأن معظم هؤلاء السياسيين ليسوا عراقيين وأغلبهم من أصول ايرانية
من لم يكن عراقيا أصيلا فهو لن ينفع العراق بشيئ
ولا حول ولا قوة الا بالله
هذه الخنادق التي حفرت في الموصل وكركوك وكربﻻء هي محاولة لصد وإيقاف تسلل ( الرفاق ) الدواعش. إلى هذه المدن وليس ﻻغراض العزل الجغرافي والمناطقي
نواحٌ علي العراق
نواحٌ علي وطن شاركنا جميعاً بذبحه
وما فائدة النواح !؟…
نسيت ان أحيي الاستاذ العراقي الاصيل الدكتور مثى عبد الله على مقالاته الرائعة , التي هي انعكاسات للواقع العراقي المرير منذ عام 2003 المشؤوم , بارك الرجمن فيك يا استاذنا الفاضل انك و الله فخر لكل العراقيين .
تحية خالصة من القلب الی كل عراقي أصيل في المعمورة؛ منذ احتلال العراق والأمة العربية في شبه خراب وأعيدها دوما ولا أمل من إعادتها:لن تنعم الدول العربية بالأمن والأمان؛ مادام العراق أسير إيران.
دمتم بخير وشكرا ل د.مثنی عبدالله علی المقال الوطني.
شكرا جزيلا أخواني الاعزاء القراء الكرام الكروي داود , مهند , محمد , ياسر القيسي , والاخت منى….تمنياتي لكم بالسلامة مع التقدير
اخي الدكتور مثنى حياك الله..غالبا مايدور النقاش بين اﻻخوة العراقيين في المهجر وهم بصيص اﻻمل الضعيف الذي بقي وقادا لوحدتهم ، ومحور نقاشهم هو ذلك السؤال الجوهري مذا دهى
هؤﻻء الحكام الجدد للهبوط الى هذه الهاوية ..ليس عيبا ان تعشق قم وليس عيبا ان تقدس مكة
وليس حرجا ان تحب ال البيت او ان تمجد الخلفاء الراشدين فهم جميعا عظماء وحفروا لهم مواضع
نور في صفحات التاريخ وليسوا في حاجة لمن يريد ان يرفع شانهم او يقلل من قدرهم
ويكفيهم عزة انهم اعزهم العزيز الجبار…وليعلموا ان ﻻسبيل للبصرة بدون الموصل وﻻسبيل لكردستان بدون بغداد وﻻسبيل لكركوك بدون ديالى وﻻسبيل للرمادي بدون العمارة ..اما ان اﻻوان وبعد هذه التجربة المريضة والمرة للمراجعة وطي صفحة الماضي وعودة اهل العمائم لمساجدهم وحسينياتهم وغلق اﻻبواب ورائهم وترك تسيير الدولة ومؤسساتها لذوي العلم والبصيرة..وان كانوا قاصرين ويرعبهم العودة للمربع اﻻول فالياتوا باﻻخوة اﻻكراد ليقودا الوطن الى شاطئ اﻻمان بعد ان اثبتوا جدارتهم في كردستان وهم موضع حب واحترام من العرببشقيهم.. على ان يلتزم اﻻخوة اﻻكراد بان تبقى اللغة العربية هي لغة العر اق وان يراعو ا .مشاعرنا القومية بخصوص فلسطين والقدس واﻻبتعاد عن الصهيونية ولهم منا الود واﻻحترام
قد يتصور احد اﻻخوة باني كرديا ولي الفخر بﻻنتماء اﻻ والله اني عربي من عشيرة الجحيشي من قبيلة زبيد العربية القحطانية بل وازيد من القوميين العرب قوﻻ وفعﻻ ولكن عندما يكون اﻻنسان قاصرا بالعمر يعين له وكيل وهذا شرعا واذا كان قاصرا ذهنيا فيعين عليه من يتوكل امره ، وﻻننا عرب العراق اثبتنا قصر عقلنا فﻻ عجب ان يتولى امرنا من هم من اهلنا ولنا في صﻻح الدين القدوة الحسنة ..شر المصائب ما يضحك وﻻ حول وﻻقوة اﻻ بالله .