بغداد ـ «القدس العربي» ـ مصطفى العبيدي: يودع العراقيون عام 2017 على أمل ان يكون العام المقبل بداية انفراج لأزمات البلد المزمنة عقب إسقاط كابوس تنظيم «الدولة الإسلامية» والحفاظ على وحدة العراق، وسط تطلع شعبي لحكومة انقاذ وطنية مقبلة.
وإذا كان نجاح القوات العراقية في تحرير جميع المدن العراقية من يد التنظيم المتطرف، إنجاز يسجل لها، فإن تحرير الموصل في العاشر من تموز/يوليو الماضي واعلان إسقاط دولة الخرافة «داعش»، هو الأبرز بلا منازع لأنه أجهز على عاصمة «الدولة» وكان بداية الانهيار لهذا الكابوس الذي جثم على صدور العراقيين ثلاث سنوات عجاف. ورغم ان العراقيين دفعوا لتحقيق هذا الإنجاز ثمنا غاليا جدا، حيث ارتوت أرض البلاد بأنهار من دماء المقاتلين والمدنيين الأبرياء، وخلفت المعارك دمارا هائلا في المدن المحررة، كما أسفرت عن ملايين النازحين الفارين من الحرب ليمكثوا في مخيمات تنقصها الخدمات الأساسية، إلا ان القضاء على هذه المؤامرة الشيطانية وحماية العراق منها كان هدفا يستحق هذه التضحيات المؤلمة. وتنفس العراقيون الصعداء بإعلان النصر النهائي على تنظيم «الدولة» رغم ادراكهم ان الإرهاب لم ينته كليا في البلد، وان هناك العديد من التنظيمات والخلايا النائمة وبعض القوى السياسية المحلية والإقليمية التي ستستمر في لعبة الإرهاب وإزهاق أرواح العراقيين لتحقيق أهدافها الخبيثة، إلا ان الأمل معقود على إرادة التغيير لدى الشعب وبعض قواه الوطنية إضافة إلى الاعتماد على قدرات القوات المسلحة المتصاعدة، من أجل انقاذ البلد.
وأكد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ان العراق يمر بمرحلة جديدة بعد نهاية «داعش» وان هناك مستقبلا واعدا للبلد بوجود الامكانيات الذاتية والدعم الدولي، مع تعهده بحصر السلاح في يد الدولة وشن حملة لمكافحة الفساد، مع اقراره ان معركة الفساد لن تقل خطورة عن معركة الإرهاب نظرا لتغلغل حيتان الفساد في كل تشكيلات الحكومة وبحماية الأحزاب السياسية الكبيرة التي تنتمي إليها.
وتواجه العراق تحديات لعل أبرزها الأزمة بين حكومتي بغداد وإقليم كردستان، عقب إصرار الأخيرة على إجراء الاستفتاء على الانفصال في 25/9/2017 وإفصاح بعض القادة الكرد عن الرغبة في الاستقلال رغم الاعتراضات المحلية والدولية، وهو الأمر الذي دفع القوات الاتحادية إلى بسط سيطرتها على كركوك والمناطق المختلف عليها، كما اتخذت بغداد سلسلة إجراءات عقابية منها إيقاف صرف ميزانية الإقليم شرط السيطرة على تصدير نفط شمال العراق والمطارات والمنافذ الحدودية، مع مخاوف من نشوب نزاع مسلح بين الطرفين، وسط فشل كل المحاولات الدولية لحل المشاكل بالحوار. ويبدو ان موقف القيادة الكردية وخاصة رئيس الإقليم المستقيل مسعود بارزاني أصبح ضعيفا بعد الاستفتاء، بسبب وطأة العقوبات التي فرضتها بغداد ودول الجوار على حكومة الإقليم، وخسارة كركوك والمناطق المختلف عليها، إضافة إلى الخلافات الحادة بين الأحزاب الكردية حول إدارة الإقليم، ما جعل حلم الدولة الكردية بعيد المنال، في الوقت الحاضر.
وبرزت مشكلة مستقبل الحشد الشعبي الذي تصر قوى محلية كالتيار الصدري والقوى السنية والكردية وبعض الدول مثل الولايات المتحدة وفرنسا، على ضرورة انهاء عسكرة المجتمع وحل الحشد ومنع تحويله إلى نسخة من حزب الله اللبناني، مقابل تمسك القوى الشيعية وإيران ببقائه، مع سعي قادة الحشد لاستثمار النصر على «داعش» سياسيا في الانتخابات المقبلة، الأمر الذي رفضه العبادي ومرجعية النجف.
كما تعتبر ملفات المصالحة الوطنية وإعادة النازحين وإعمار مدنهم المدمرة تحديا حقيقيا لضمان استقرار الأوضاع في المحافظات المنكوبة، وهو شرط تصر عليه القوى السنية للمشاركة في الانتخابات المقبلة المزمع اجراؤها في أيار/مايو المقبل، والتي تشغل اهتمام وتركيز القوى والأحزاب السياسية التي تخوض صراعا شرسا لترتيب أوضاعها عبر تحالفات وشعارات تحاول التقرب بها من نبض الشارع العراقي المطالب بالإصلاحات والابتعاد عن المحاصصة الطائفية والعرقية لإيقاف تدهور أوضاع البلد. وتسعى القوى السياسية إلى تشكيل كتل مطعمة بوجوه جديدة من كل أطياف ومكونات المجتمع العراقي من أجل الظهور بمظهر وطني مقبول للناخبين ولكن بقيادة الوجود القديمة نفسها.
وفي الجانب الاقتصادي، مر عام 2017 صعبا على العراق بسبب الضائقة الاقتصادية التي يمر بها البلد جراء انخفاض أسعار النفط وتكاليف الحرب ونفقات بالملايين للنازحين. وأدت سياسة التقشف التي اتبعتها الحكومة إلى توقف كافة المشاريع الاستثمارية والتعيين في الوظائف وتقديم الخدمات بالحد الأدنى، وبالتالي فقد ازدادت نسبة الفقر وفق احصائيات رسمية لتتجاوز ربع السكان ونجم عنها تصاعد البطالة وانتشار الجريمة والمخدرات بشكل خطير لم يسبق له مثيل. وتراهن حكومة العبادي على القروض الخارجية لتغطية العجز الكبير في الميزانية، كما تسعى لجلب الاستثمارات الخارجية لتنشيط الاقتصاد الـــعـــراقي وإعـــادة إعمـــار المدن المدمرة لذا تقود الحكومة حملة واسعة ضد الفساد لتطمين الاستثمارات.
وفي ملف حقوق الإنسان طلبت الأمم المتحدة من العراق «إصدار وقف فوري لعقوبة الإعدام» مؤكدة أن تنفيذ هذه العقوبة في كانون الأول/ديسمبر الحالي بـ 38 شخصاً أدينوا بالإرهاب سبّب «صدمة عميقة» لها، مشككة في عدالة القضاء العراقي. وكان العراق نفذ في أيلول/سبتمبر الماضي عملية إعدام جماعية أخرى بـ 42 متهما بالإرهاب في يوم واحد، ليصل عدد حالات الإعدام خلال هذا العام إلى 106 حالة.
ورغم سوداوية الأوضاع، فالعراقيون يأملون ان يكون عام 2018 أفضل لهم بعد نجاحهم في التخلص من كابوس «داعش» ومحافظتهم على وحدة البلد، مع رغبة شديدة في حكومة جديدة بعد الانتخابات المقبلة تكون قادرة على وقف تدهور الأوضاع.
ما كان لكل هذا الإرهاب و الدمار و أنهار الدماء و سقوط مئات الآلاف من القتلى غالبيتهم مدنيين أبرياء و مئات الآلاف من الأرامل و ملايين اليتامى و مئات الألوف من المعوقين و تفكك النسيج الإجتماعي للبلد و ظهور طبقة طفيلية إنتهازية شفطت خيرات البلاد ، ما كان لكل هذا أن يحدث لولا الغزو الإجرامي عام ٢٠٠٣ . و هذا لا يعني إعطاء شهادة براءة للنظام السابق ، غير أن جرائم النظام السابق لا يبرر الجريمة الكبري بغزو العراق و شعبه بملايينه كان يعاني الأمريّن تحت أهوال الحروب و الحصار .
هنا يبقى أي حديث للمصالحة الوطنية كسيحاً إن لم يتناول أمرين مهميّن : أولاهما محاسبة كل من يحمل الجنسية العراقية و كان قد دعا و برّر و تعامل مع الغزاة المحتلين . و ثانيهما العمل على معاقبة من خُطِّط و سهّلَ و نفّذ الغزو و الإحتلال و العمل على حصول تعويضات عادلة من كل تلك الدول .
العراق عمره لم يشهد الاستقرار كونه
بلد مصطنع شعوبه غير متجانسه
ولن يشهد الاستقرار مستقبلا ،حالة
كحالة بركان يخمد فتره ثم يعود
ويثور ثانية. التمني شيء والواقع شيء
اخر،.