العراق بين التدخل الدولي ومشاريع المصالحة «المعلولة» واقتراب تحرير الموصل

بغداد ـ «القدس العربي»: حرص المجتمع الدولي على ابقاء بصماته على القضية العراقية وبالتحديد في ملف مكافحة الإرهاب والحرب على تنظيم «الدولة» والقضية الكردية وملف المصالحة المجتمعية الضرورية لمنع التشدد والتفرد والاقصاء الذي يقود نحو بروز المزيد من الحركات المتطرفة مثل تنظيم «القاعدة» و«الدولة». وكان مؤتمر جنيف حول مستقبل العراق محاولة لرسم معالم دور ومواقف المكون السني في العراق للمرحلة المقبلة، ولكنها محاولة باءت بالفشل كسابقاتها رغم الغطاء الأمريكي والدولي لسبب بسيط هو ان قادة المكون السني يلهثون وراء مصالحهم ولا تجمعهم معاناة أهلهم الموزعين بين مخيمات النزوح والسجون والمدن المدمرة. ولم تكن الانتقادات لهذا المؤتمر موجهة من قبل التحالف الشيعي الذي يرفض أي محاولة لتوحيد الموقف السني أو التدخل الدولي بهذا الشأن فحسب، بل ومن معظم قادة المكون السني ممن يخشون بروز وجوه جديدة تنافسهم على مواقعهم وامتيازاتهم أو من الذين يتقربون للتحالف الشيعي.
كما جاء اعلان مؤتمر ميونيخ الأمني عن استمرار الدعم للحكومة العراقية بمواجهة التنظيم المتطرف في المنطقة، بمثابة استمرارية للدعم الذي يقدمه المجتمع الدولي إلى الحكومة العراقية وحكومة الإقليم، بهدف التخلص من هذا التنظيم المتطرف المثير للمتاعب أينما حل. ويبدو ان دول العالم متفقة على ان القوات العراقية والبيشمركه هي الأقدر على انهاء هذا التنظيم في العراق، الأمر الذي شجع رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني المشارك في المؤتمر إلى استثمار هذا الدعم والتأكيد على حق تقرير المصير والتمهيد لاعلان الدولة الكردية من خلال لقاءاته مع القادة المشاركين اضافة إلى توجهه لزيارة باريس وطرح الموضوع نفسه طلبا للدعم في مطلبه الذي يجد تناغما فرنسيا قديما حوله.
وشهدت هذه الأيام المزيد من مشاريع «المصالحة المجتمعية» التي قدمتها كتل تقود السلطة منذ 2003، تدعو إلى مشاريع لإصلاح أوضاع العراق لمرحلة ما بعد الانتهاء من تنظيم «الدولة»، رغم ان هذه الكتل تقود الدولة منذ 14عاما دون ان تحقق أي مصالحة حقيقية.
ورغم ان حبر مشروع «التسوية» الذي طرحه رئيس التحالف الوطني الشيعي عمار الحكيم، لم يجف بعد ولم يحصل عليه توافق وطني أو سياسي حتى الآن، بادر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى طرح مشروع لمرحلة ما بعد تحرير الموصل يتضمن 29 فقرة عن كيفية إدارة الدولة والعلاقة بين مكونات البلد والعلاقة مع دول العالم، وليفاجأ العراقيون بعد أيام بمشروع «المصالحة المجتمعية» الذي طرحه رئيس الوزراء حيدر العبادي. والغريب ان جميع هذه المشاريع طرحتها قوى منضوية ضمن التحالف الشيعي الحاكم، تتحفظ على مشاريع المصالحة التي طرحها شركاؤها في التحالف، لتثير تساؤلات العراقيين عن سبب عدم اتفاق تلك القوى على مشروع موحد بدل ثلاثة مشاريع، ولماذا يصر التحالف الشيعي على طرح مشاريع دون الاتفاق مع القوى والمكونات الأخرى كالسنة والكرد والتركمان، للتوصل إلى مؤتمر وطني جامع بهدف الخروج بمشروع موحد لمستقبل الدولة بدل فرض رؤيته على الآخرين، ولماذا لم يطبق التحالف الشيعي بنود المصالحة وهو الذي يدير الدولة طوال السنين الماضية؟!

قلق على مصير حوالي 750 ألف مدني

وفي التطورات العسكرية والأمنية، فتحت القوات العراقية صفحة حاسمة في المواجهة مع تنظيم «الدولة» عبر اعلان بدء معركة تحرير الجانب الأيمن من الموصل، آخر معاقل التنظيم الكبيرة في العراق، حيث تمكنت في الأيام الأولى من اقتحام قرية البوسيف الاستراتيجية ومطار الموصل المدني ومعسكر الغزلاني، ووصلت إلى مرحلة التطويق الكامل للجانب الأيمن والتقدم التدريجي نحو أحياء المدينة القديمة التي يتوقع ان تدور في شوارعها وأزقتها الضيقة والقديمة أعنف وأشرس المعارك التي سيلعب فيها العنصر البشري الدور الأساسي في الحسم وسط استخدام محدود للأسلحة ذات القدرة التدميرية الكبيرة مثل الدبابات والمدفعية والصواريخ والطائرات، وحيث ستكون عناصر التنظيم المحاصرين أمام خيارين لا ثالث لهما أما القتال حتى الموت أو الاستسلام، بالتزامن مع تحذيرات دولية وقلق على مصير حوالي 750 ألفا من المدنيين العالقين وسط معمعة المعارك.
ومع تطورات معركة الموصل، عمد تنظيم «الدولة» إلى محاولة التخفيف من ضغط القوات العراقية والدولية على عناصره، من خلال تنفيذ سلسلة تفجيرات انتحارية كبيرة في مناطق التجمعات المدنية في العاصمة العراقية، اضافة إلى شن هجمات بسيارات مفخخة على نقاط السيطرات الأمنية في محافظات الأنبار وصلاح الدين وديالى ما أسفر عن سقوط أعداد جديدة من الضحايا المدنيين والعسكريين.
وفي خضم أوضاع الموصل، قوبلت تظاهرة لبعض العرب في مناطق من محافظة نينوى بحماية من قوات البيشمركه، تطالب بالانضمام إلى إقليم كردستان، برفض شديد من قوى المحافظة التي عدتها مسعى جديدا لتكريد مناطق عربية بأدوات عربية، خاصة انها تأتي بعد أيام من اعلان تشكيل أول لواء عربي يضم 2000 مقاتل تحت امرة وزارة البيشمركه في مناطق غرب الموصل، ما يزيد من حدة التوتر والقلق لدى العراقيين، من الصراعات المحلية والإقليمية المحتملة للسيطرة على المحافظة بعد الانتهاء من احتلال التنظيم المتطرف الجاثم على صدر سكان المحافظة منذ حزيران/يونيو 2014.

العراق بين التدخل الدولي ومشاريع المصالحة «المعلولة» واقتراب تحرير الموصل

مصطفى العبيدي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية