بغداد ـ «القدس العربي»: شهد الوضع السياسي في العراق هدوءا نسبيا مؤقتا في أعقاب توقف التظاهرات المطالبة بالاصلاحات بعد توجيه الزعيم الشيعي السيد مقتدى الصدر أتباعه والتيار المدني بتأجيل التظاهر إلى ما بعد رمضان مع الاستعداد لتظاهرة مليونية للمطالبة بالإصلاحات ومحاسبة الفاسدين.
وقد أدى تأجيل التظاهرات إلى تهدئة الساحة السياسية وخاصة في ظل تفاعلات تصاعد التوتر بين أحزاب وقوى التحالف الوطني (الشيعي) في أعقاب قيام المتظاهرين في بغداد ومحافظات الجنوب، بمهاجمة مكاتب العديد من الأحزاب الحاكمة وخاصة الدعوة والمجلس الأعلى وبدر لإتهامهم بالمسؤولية عن عرقلة تنفيذ الإصلاحات الحقيقية والتورط في الفساد، حيث وجهت الأحزاب الاتهامات لأتباع الصدر بالمسؤولية عن مهاجمة مكاتبها وتوعدت بالرد العنيف عليها إذا تكررت. وإذا كانت التظاهرات قد تأجلت في الوقت الحاضر، فهي استراحة ستكون بعدها جولات جديدة من المواجهات وخاصة مع استمرار أسبابها ومبرراتها، في ظل حالة الجمود السياسي والتشريعي مع ما أعتبره معظم العراقيين، مماطلة واضحة من المحكمة الاتحادية بتأخير اصدار قرارها حول شرعية رئاسة البرلمان المنقسم حاليا، وهو الأمر الذي ترتب عليه إصابة البرلمان بالشلل وعرقلة قيام الحكومة بعملها بوزراء مقالين يرفضون ترك مناصبهم ووزراء معينين لم يؤدوا القسم حتى الآن.
وفي الجانب العسكري، دخلت القوات العراقية الأسبوع الرابع من معركة تحرير الفلوجة وسيطرت على معظم أنحاء المدنية بعد معارك شرسة خاضتها لطرد عناصر تنظيم «الدولة». وفي الجانب الإنساني، أسفرت المعارك الدائرة في الفلوجة بين القوات العراقية وعناصر تنظيم «الدولة» عن نزوح أكثر من 43 ألفا من أهالي الفلوجة، لتبدأ مأساة جديدة في كيفية استيعاب هذه الأعداد الكبيرة وتوفير مستلزماتها واحتياجاتها وسط الضائفة المالية التي تعاني منها الحكومة ونقص التمويل للمنظمات الإنسانية الدولية.
ومع اعتزاز العراقيين عموما بالإنجازات التي حققها الجيش العراقي والقوات المساندة له في الفلوجة، فإن الفرحة بقرب تحقيق النصر النهائي وتحرير المدينة وأهلها من كابوس تنظيم «الدولة» نغصها وقوع إنتهاكات كبيرة ضد أهالي الفلوجة الذين فروا من جحيم التنظيم لكي يواجهوا جرائم بعض الميليشيات المنفلتة ضمن الحشد الشعبي. وقد أعلنت لجنة تحقيق شكلتها محافظة الأنبار عن مقتل 49 نازحا وفقدان أكثر من 600 آخرين على يد تلك الميليشيات التي اعتقلتهم بعد فرارهم من الفلوجة.
وجاء الاعتراف الرسمي من العديد من المسؤولين الحكوميين بوقوع إنتهاكات في الفلوجة، ومنها إقرار وزير الداخلية محمد الغبان صعوبة ايقاف مثل هذه الإنتهاكات، مع وعود بمحاسبة الفاعلين لم تجد طريقها إلى التنفيذ حتى الآن، لتؤكد المخاوف من وجود عناصر مندسة ضمن الحشد الشعبي تعودت نشر الفتنة الطائفية في المناطق التي تتواجد فيها، دون خوف من الحكومة التي يبدو انها عاجزة عن ردع تلك الميليشيات في الوقت الحاضر على الأقل.
ومن جهة أخرى، وفي إقليم كردستان، يتصاعد التوتر بين الأحزاب الكردية العراقية بعد إصرار الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني على استبعاد حركة التغيير عن البرلمان والحكومة، وبعد بدء القيادة المشتركة بين الاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير اجتماعاتها في السليمانية لتنفيذ بنود الاتفاق الثنائي المعقود بينهما، وتأكيد طرفي الاتفاق انه سيساهم في تغيير موازين القوة في الإقليم، ما أثار تحفظ الحزب الديمقراطي على الاتفاق الثنائي.
وجاءت زيارة رئيس الاتحاد الديمقراطي السوري صالح مسلم إلى كركوك ولقاءه بمحافظها القيادي في الاتحاد الوطني، وتأكيدهما على ان كركوك هي «قدس الأقداس للكرد»، لتثير من جديد موجة رفض وخلافات بين الكرد من جهة والعرب والتركمان من جهة أخرى وخاصة التركمان الذين يعتبرون الحزب الكردي السوري حركة إرهابية وسط صمت بغداد وقواها السنية والشيعية. كما شكلت الزيارة مؤشرا جديدا على تنامي تواجد الأحزاب الكردية غير العراقية مثل الاتحاد الديمقراطي السوري وحزب العمال التركي وغيرها، في المشهد السياسي والعسكري للإقليم، إضافة إلى استغلالها كورقة مساومة من قبل بعض الأحزاب الكردية العراقية في خلافاتها مع الأحزاب الكردية الأخرى أو ضمن الصراع المحلي والإقليمي، مع تحذير الكثير من عواقب غير محمودة لتواجد هذه التنظيمات التي ستكون على حساب مصلحة الإقليم والعراق.
مصطفى العبيدي