بغداد ـ «القدس العربي»: حظيت جولة رئيس الوزراء حيدر العبادي في الموصل وزيارة الإقليم المفاجئة، باهتمام المراقبين كونها تأتي في ظروف معقدة وتحديات تواجهها الحكومة العراقية. ومع ان زيارة العبادي إلى مناطق قريبة من خطوط المواجهة بين القوات الحكومية وتنظيم «الدولة» ليست جديدة، ولكنها تعطي دفعة لمعنويات المقاتلين القريبين من حسم معركة الموصل وتعزز مكانة العبادي كقائد للقوات المسلحة وكرئيس للحكومة، كما أراد العبادي بزيارة إقليم كردستان، ضرب أكثر من عصفور بحجر، أولها تخفيف حدة الأزمة السياسية بين بغداد وأربيل والسليمانية، حيث كانت زياراته السابقة تقتصر غالبا على أربيل، ولكنه هذه المرة أراد إعادة الثقة في العلاقة مع السليمانية التي تعتبره بعض القوى فيها، مقربا إلى مسعود البارزاني أكثر من حزب الاتحاد الوطني في السليمانية، وهو الانطباع الذي أراد العبادي ان يغيره بالانفتاح على كل القيادات الكردية واللقاء بها في السليمانية، خاصة وان الزيارة أسهمت في الاتفاق بين بغداد والاتحاد الوطني على استمرار ضخ النفط من كركوك إلى تركيا الذي أنذرت بيشمركه السليمانية بإيقافه إذا لم تنفذ بغداد اتفاقا مسبقا حول نفط كركوك. واستثمر العبادي فرصة انعقاد ملتقى السليمانية حول مرحلة ما بعد «الدولة» ليوجه عبره، رسائل عديدة منها الاقرار بوجود الصراع بين القوى السياسية وتوجيه النقد إلى بعض القوى السياسية الساعية إلى اسقاط حكومته من خلال لعبة إقالة وزراء الحكومة في البرلمان، في اشارة إلى مساعي نوري المالكي بهذا الاتجاه، والإعلان بأن لا إصلاح بوجود الفساد، والسعي لتشكيل كتلة عابرة للطائفية وبعيدا عن المحاصصة، كما أعلن رفضه لوجود قوة عسكرية أجنبية تهدد الدول المجاورة في إشارة إلى حزب العمال التركي الذي له علاقة جيدة بالسليمانية، إضافة إلى التهديد بتوجيه ضربات إلى تنظيم «الدولة» خارج حدود العراق.
وكان انعقاد ملتقى السليمانية حول «عراق ما بعد داعش وكيفية تجنب العنف والاقصاء» مناسبة محلية ودولية هامة لعرض واقع أزمات العراق والمخاوف من المستقبل بصراحة والاستعانة بالخبرات الدولية في محاولة البحث عن الحلول المتاحة، خاصة مع مشاركة واسعة لشخصيات بارزة وصناع قرار محليين ودوليين.
وكشفت نقاشات الملتقى وكلمات المشاركين عن أزمة ثقة عميقة وتباين عميق في المواقف وصراع حاد بين القوى السياسية المتصدية للسلطة في العراق سواء تلك التي تعمل في بغداد أو الإقليم أو في العلاقة بينهما، ونظرة مختلف الأطراف إلى المستقبل المتوقع للعراق، حيث ظهر جليا تباين نوايا ومواقف تلك القوى بين إصرار صناع القرار في العملية السياسية السائدة منذ 2003 على السير بالبلد بمنهجها السابق، وبين إصرار العديد من الأطراف على إحداث تغيير جذري لضمان الوصول إلى أوضاع لا تعيد مبررات بروز التشدد والتطرف كالقاعدة و«الدولة» وغيرها.
الأكراد ومشروع الانفصال
وشغل مستقبل وجود القوات العسكرية غير النظامية ودورها المستقبلي في العراق، حيزا كبيرا من اهتمام المشاركين، وسط تباين واضح بين إصرار التحالف الشيعي على الحفاظ على التنظيمات المسلحة وتعزيز دورها في المشهد العراقي حتى بعد الانتهاء من ظاهرة «الدولة» وبين تخوف القوى الأخرى من هذا الدور بانتفاء مبررات وجوده، ولذا جاء تحذير رئيس البرلمان سليم الجبوري من اندلاع الصراع المسلح جراء استعانة بعض القوى السياسية بالمجاميع المسلحة والمال لفرض إرادتها على الآخرين بالترهيب والترغيب.
أما قضية مستقبل الكرد، فبدى واضحا إصرار القيادات الكردية على السير قدما في مشروع تحديد المصير والانفصال وسط اتهامات لحكومات بغداد السابقة والحالية، باقصاء الكرد وتهميش مصالحهم وعدم التعامل معهم كشريك في الوطن، كما ظهر تمسك القيادات الكردية باعتبار «المناطق المتنازع عليها» جزءا من الإقليم ورفض حتى تغيير التسمية التي اقترحها العبادي بجعلها «المناطق المتفق عليها» وهو ما يعزز المخاوف من اندلاع صراع مسلح على تلك المناطق بعد الانتهاء من تنظيم «الدولة» الذي يرى قادة البيشمركه انه لن ينتهي بتحرير الموصل.
وقد اتفق المشاركون على ان العامل الأجنبي يلعب دورا حاسما في سير الأحداث وتطوراتها في العراق، مع التأكيد ان ضعف العراق أتاح المجال للدول للبحث عن مصالحها الخاصة فيه، وسط دعوات بان يكون للحكومة العراقية إرادة للعب دور في التقارب بين الدول الإقليمية ونزع فتيل مواجهات يتضرر منها الجميع، مع التحذير من السماح بأن تكون الساحة العراقية ساحة لتصفية الحسابات الدولية، كما في مشكلة وجود حزب العمال الكردي التركي في بعض مناطق العراق، ووجود ميليشيات موالية لإيران. بينما دعا بطريارك الكلدان ساكو، السياسيين العراقيين إلى النزول من قصورهم العاجية والشعور بأوضاع الشارع، منوها إلى احباط العراقيين من العملية السياسية.
وضمن محاولات إصلاح أوضاع العملية السياسية، وجهت استقالة نائب رئيس البرلمان آرام الشيخ محمد من رئاسة لجنة الخبراء النيابية المكلفة باختيار مفوضية جديدة للانتخابات، ضربة قوية لآمال الشارع العراقي بإمكانية تشكيل مفوضية مستقلة تشرف على الانتخابات وتضمن نزاهتها بعيدا عن تأثير ونفوذ القوى السياسية المهيمنة على العملية السياسية. وأكد مقربون من الشيخ محمد ان الاستقالة من اللجنة جاءت بسبب الضغوط السياسية من الكتل الكبيرة على رئيس اللجنة، من أجل تمرير ممثليها في مفوضية الانتخابات، وهو ما يعني بقاء الحال على ما هو عليه، وعدم حصول أي تغيير حقيقي في نتائج الانتخابات وهيمنة الحيتان على مقاليد السلطة واستمرار الواقع المتدهور في أوضاع الشعب العراقي. وتصاعدت التحذيرات من القوى الوطنية والدينية والشعبية، من ان استمرار الأوضاع في العراق دون تغيير واصلاح حقيقي، يحمل في جوانبه مخاطر لجوء الشارع إلى خيارات أخرى قد تكون صعبة، لمنع تزوير إرادته وايقاف تدهور أوضاعه.
مصطفى العبيدي