لا داعي للتذكير بأن العالم العربي يعيش أسوأ مراحله التاريخية؛ حيث انطفأ أي أفق للنهضة الفعلية التي تدفع بالدول العربية إلى واجهة الحداثة والتقدم. بعد انهيار الامبراطورية العثمانية وتمزقها كليا، وفقدانها لمساحات كانت تحت هيمنتها، جاء دور استيلاء الدول المستعمرة المنتصرة على ما اغتنمته من حروب مدسوسة في المشرق العربي، شارك فيها العرب ضد أنفسهم في النهاية، بتحالف معلن مع بريطانيا وفرنسا الباحثتين عن التمدد، واحتلال السواحل للسيطرة على العالم ومنافذه التجارية، قبل أن تختم اتفاقيات سايكس بيكو المشهد العربي التراجي ـ كوميدي التي حيث نتج عن ذلك تفتيت للمساحة الأرضية العربية الشاسعة، وتحويلها إلى كيانات صغيرة، مع زرع الصهيـــونة لإسرائيل كدولة، في هذا العمق العربي المتماوج.
تبع ذلك، بعد سنوات نشوء الدولة الوطنية في أمكنة عديدة. جمهورية أو ملكية، بحسب الدولة الراعية أو الحامية.
في الوقت الذي راهنت فيه فرنسا على الجمهورية كنظام مثل الحالة اللبنانية والسورية، راهنت بريطانيا على الأنظمة الملكية، كالأردن ومصر، والعراق والسعودية. لكن الدولة الوطنية التبعية للدول الاستعمارية العظمى تحولت داخليا بعد الحرب العالمية الثانية، وتنامي الحس الوطني فيها والرغبة في التخلص والاستقلال النهائي والحقيقي، بعيدا عن هذه القوى الامبريالية والعنصرية المهيمنة، في ممارساتها، وجرائمها وحروبها ضد العرب،
وتعمق الخلاف حول القضية الفلسطينية الذي جعلته بريطانيا وفرنسا قضية حيوية لهما من خلال البرامج والحلول المقترحة. مع تنامي المنافسة الغربية وأمريكا وروسيا والصين، والصناع الجدد للسياسة والاقتصاد. فكان لا بد لهذا الغرب الاستعماري أن يتحرك لأنه مجاله الحيوي، ولأنه رأى أيضا أن مطالب الأجيال العربية الجديدة بدأت تفرض نفسها ،ولا بد من تخطي عقلية الهزيمة. واستباق نشوء الدولة الوطنية والمواطنة التي كانت بصدد التكوين عربيا داخل صعوبات جمة. وترسخ مفهوم الدولة الضامن للحقوق والواجبات والحريات الفردية والجماعية، والحق في التمتع بخيرات البلاد. فبدأت عميلية النهب المبرمج وغير المبرمج بتلك الضخامة. وتم في السنوات الأخيرة اللجوء إلى استراتيجية جديدة ومدمرة، تحت غطاء صدام الحضارات، وتم التأكيد على أنها مخرج لضمان استمرار العالم العربي نائما في تخلفه. والغرق في أوهام الحلول الدينية والعرقية والإثنية. بالتأكيد فإنّ لجهل القيادات السياسية للاعتبارات الاثنية والعرقية الدفينة، دور كبير في التمزق اللاحق.
لهذا وجب العمل على فسيفساء الأعراق والأقليات والأديان التي تشكلت منها الدول العربية التي صاغتها اتفاقيات سايكس بيكو. فقد تم اعتماد هذه الأطروحات جديا، وبدأت عملية التفكيك الجديدة المبرمجة في العشريات الأخيرة من زماننا. وكان العراق المخبر النموذجي الأول والأهم والأخطر على الوجود الإسرائيلي أيضا، عسكريا. ممن على العرب وبشكل مطلق أن يملكوا من الأسلحة التي تخل بالتوازنات التي تم تثبيتها منذ انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية اختيرت العراق مخبريا أيضا لأن مكوناتها الدينية والعرقية توفر هذا النوع من الاختبار التجريبي العملي لأنها متعددة ومتشكلة بوضوح منذ زمن بعيد، وراكمت الكثير من الأحقاد فيما بينها بسبب الاعتداءات وحروب صدام ضد الأكراد مثلا. طبعا، الحماقات السياسية للدولة المركزية، سهلت عملية الانفجار.
وما وصلنا إلى اليوم من إعادة النظر في الدولة الفدرالية في العراق مثلا ليس إلا نتيجة حتمية لهذه الأوضاع المتداخلة. القول برفض أمريكا لمشروع التقسيم الحتمي، لا يقنع أحدا. لا يمكن أن تكون ضد بعد أن حضرت لآليات التقسيم ورسمت الحدود التي تجعل جزءا كبيرا من نفط العراق هناك. وسيكون ذلك الفصل المقبل لحرب صعب تفاديها بين الدولة الكردية الفتية، والدولة الفيديرالية التي سيجتزأ منها جزء غير بسيط من مساحاتها النفطية. هذا التقسيم الذي هو في طور التشكل، والتحقيق، هو جزء من البراغماتية للحفاظ على مصالحها الحيوية. التشظي العرقي والطائفي واللغوي والديني وغيره، هو الضامن الأساسي لاستمرار التبعية والحفاظ على المصالح الحيوية. عمليا، لم يكن العراق عدوا بالمعنى السياسي لأمريكا، ولا للدول الغربية، ولا مهددا لها في سكينتها وأمنها، مهما كانت الادعاءات الغربية اللاحقة التي وضعت العراق في الرتبة العسكرية العالمية الرابعة، وهو كذبة إعلامية لأن الدراسات الاستراتيجية والعسكرية تثبت عكس ذلك. أجزاء كبيرة من رهانات صدام العسكرية كانت تمر عبر هذه الدول، وهي التي كشفت بشكل واضح النوايا النووية التي كانت تحت الرقابة الإسرائيلية الصارمة التي لم تتوان عن تدمير مفاعل تموز النووي. فالدول الغربية هي من زود العراق بكل المعدات العسكرية التي تدخل في المحظور النووي. لكنه أيضا، كان خطرا على التفوق الإسرائيلي الكبير والمفجع. بقاء السيطرة الإسرائيلية على المنطقة عسكريا أمر لا نقاش فيه بالنسبة للغرب الاستعماري.
العصر العربي الجديد ينفتح اليوم داخل هذا المناخ الصعب، وفي ظل شح المياه، السلاح الاستراتيجي المقبل والحروب الفظيعة والقاسية، بعضها انتهى مخلفا وراءه الملايين من الضحايا، والتبديد المالي غير المحدود، وبعضها مستمر حتى اليوم، وبعضها الآخر يرتسم في الأفق بشكل واضح ، ولا أحد يستطيع أن يضمن درجة الخراب الذي يمكن أن يخلفه وراءه.
واسيني الأعرج
غرب مع آلعرب وآلإسلام
تاريخه إجرام…
كان العالم العربي في فترة الخمسينات مزدهراً بشكل أفضل من كوريا الجنوبية والصين والهند ودول عديدة أصبحت الآن أفضل إزدهاراً عنا بكثير
هل السبب بالإنقلابات العسكرية التي جلبت علينا الهزائم ؟
أم ما هو سر تخلفنا عن ركب الحضارة ؟
ولا حول ولا قوة الا بالله
استاذ واسيني المحترم
كلامك صحيح جدا ،، و اني ارى ان افول العرب بداء منذ سقوط الاندلس ،
و زادت عليه الدوله العثمانيه ، و نظام الولايات العثمانيه ، حيث كانت الضرائب تجمع من الولايات و تصب في جيب السلطان العثماني مع حاشيته ، و هو لم يكن يهتم ولا يحكم الولايات ، بل يستمتع بجواريه و غلمانه ، ويبني له قصور فخمه ، مبتعدا عن حياه شعبه ، عازلا ولاياته عن التقدم العالمي في الصناعه و الزراعه
العامل الاخر في التخلف العربي هو عدم وجود دستور لحكم الدول العربيه ، بل نجد ثورات تمجد بقائدها فقط ، ويبقى هذا القائد مدى عمره على كرسي الحكم ولا نعلم لمن سيصير الحكم بعده ، ثورة بعد ثورة الى ان تاهت الشعوب في مصيرها
امرنا محزن حقا ،،،
لا شك أن ما جاء به استاذنا الكبير واسيني الاعرج هو تشريح دقيق في حال الوضع العربي المريض جدا. والاسباب التي طرحها هي وراء انزلاقنا في المنحدر الخطير الذي فيه فناؤنا.
يقال في علم الجريمة عند البحث عن فاعلها: ابحث عن المرأة، وفي الجريمة الكبرى في حق شعوبنا البائسة ابحث عن اسرائيل. وبمفهوم أدق الصهيونية العالمية وشقيقتها الماسونية اللتين تحكمان العالم اليوم عبر التحكم في مفاصل الحكم في الغرب الاستعماري العقيدة، الميكيافيلي التفكير، المجرم في التطبيق. فعالمنا العربي وقع فريسة الصهيونية منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر بسبب ضعف السلطنة العثمانية التي كانت تهمين على اجزاء كبيرة من العالم العربي. وقام العرب بخطأ تاريخي واستراتيجي كبير مع بداية القرن العشرين بالتحالف معه ضد الباب العالي بسذاجة الشريف حسين والانجرار وراء الميكيافيلي الكاذب هنري مكماهون، وتوالت بعدها الاخطاء الاستراتيجية الكبرى مع الأنظمة الوطنية التي كانت ضد شعوبها لضمان بقائها ولم تعر اهتماما كافيا بكل مكونات شعوبنا الطائفية والعرقية لخلق لحمة قوية في مجتمعاتنا كي لا ينفذ عبرها الثعلب الغربي
فتراكم الأخطاء أودى إلى كارثة ٤٨ و كارثه ٦٧ التي كانت أم الكوارث، التي تبعتها مخلفاتها في حرب لبنان، وحروب العراق، وبروز الاسلام السياسي بشكل عنيف، كان من نتائج كل هذه التراكمات الانفجار الكبير الذي اطلقته شرارة البوعزيزي في سيدي بوزيد، وانتشرت النار في الهيشيم وباعتقادي لن تتوقف حتى يصبح عالمنا رمادا
المشكلة هنا ان الشعوب العربية فقدت البوصلة التي تقودهم نحو تحقيق أهدافها لمواكبة الحداثة والتقدم لتلازم باقي الشعوب
وفقدت المقدرة على التطور الصناعي لتثبت وجودها وتكون فعالة كباقي الشعوب التي بنت امجاد صناعية ، ثبت اقدامها على الأرض
ويعود هذا لعدة أسباب ، أولها طبعاً الاستعمار، الذي جاء ليفرِغ المنطقة مِن الثروات ويسيطر عليها ، وليفرغ الانسان العربي مِن
ثقافته الغنية التي اكتسبها عبر العصور بعد الفتوحات الإسلامية ، فعندما قامت هذه الشعوب متحدة تحت راية الإسلام واكتسحت
الأرض بطولها وعرضها لعرض الرسالة النبوية ، ودين الإسلام ، عرف الأوروبيين هذا السر الذي وحد هذه الشعوب من شرقها
الى مغربها ، وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية وسقوط آخر إمبراطوريات الإسلام ، انقضَّت أوروبا الاستعمارية الجديدة على
بلاد العرب لتجزئه وتتقاسم الدويلات والممالك بعد التقسيم ، وتمخض عن ذلك ولادة جمهوريات ومملكات جديدة تابعة لقوى الاستعمار
وتدور في فلكه ، بل اختار المستعمِر الرؤساء والملوك لهذه الكيانات الجديدة ، لتكون من ينفذ المخططات للحقبة الجديدة
مقابل حمايتها وتثبيت حكمها في المنطقة ، ولكي لا يكون هناك عائق او ممانعة مِن تنفيذ هذه المخططات تم قمع الشعوب
العربية اجمعها تحت مسميات مُختلَقة من الحاكم الذي ينفذ أوامر مَن ولوه ، وبينما تنعم شعوب الأرض في الحرية والديمقراطية
بقي الانسان العربي يعيش في ظلمة القمع وجبروت الحاكم المستبد ، حيث تم عبر الوقت تفريغه مِن كل المحصنات التي
ابقته يتفاخر بعروبته وتاريخه القديم ، واصبح تاريخه الجديد هو تاريخ الدولة الحديثة الممثَلة بالسلطان واعوانه ، واذا رغب
بأن يمجد شيء فهو الوطن ، وان يُعظم شخص فهو الحاكم
وطبعاً جاء المستعمرين بالكيان الصهيوني ليضعوه في قلب الوطن العربي ، ليكون الشرطي الذي يتأكد مِن تنفيذ الأوامر
أخيراً ! الحرية تُنتَزَع ، ليس هِبة مِن أحد ، وبعدها سنختار نحن كشعوب ما يصلح لنا وماذا نريد
شكراً
افتقد العالم العربي والاسلامي لنعمة السلام الذي اتي بة الدين الاسلامي…لكن كيف هتلر ثورتة تدعو للسلام مثل الدين الاسلامي ،اذكر من الوثائقيات التاريخية ،بعث هتلر للمفتي امين الحسيني مفتي القدس برسالة يهنئة بمناسبة نضال ثوري، فقال نحن وانتم المسلمون تدعون الي السلام ….مفارقات عجيبة ….سبحانك الهم..
أخي واسيني, المقال جيد ويضع على الطاولة أمامنا شريحة من هذه المأساة, بالنسبة لي يخطر إلى ذهني هنا سؤال صغير وماذا عن الشق الثاني من حزب البعث أي سوريا. التعليقات وقرأتها جميعها ممتازة ومتجاوبة مع المقال. الأخ سوري بدا نوعاما أكثر تشاؤماَ من غيره. و باستثناء عنوان المقال ( أي البحث عن العصر العربي الجديد) لم أجد أي حديث عن إمكانية أو كيفية ولا أو بادرة أمل للخروج من هذا المأزق الحضاري الذي وقعنا فيه.
-الدولة الوطنية والمشروع الحضاري للدولة الحديثة فشل تماماَ.
-القومية العربية فشلت كمشروع سياسي رغم توفر الشروط الموضوعية لها. ويبدو أنها لا تناسب العقل العربي.
-مشروع بناء المجتمع التحرري على قواعد المساواة والعدالة فشل تماما.
وحقيقة عبد الناصر وثورته والبعث بشقيه العراقي والسوري تحولت (مع مرور الوقت) إلى سلطات مستبدة متسلطة وتنهب ثروات البلاد, بينما ظاهرياً تتلبس بالمشروع الحضاري وهي فعلياً أشبه بالعصابات المسيطرة على الدولة. وحقيقة مشاريع التحديث, مستوردات غربية وبالدرجة الأولى فرنسية (أو بريطانية في الأردن والخليج). لكن فشل المستورد أدى إلى الانتكاس والعودة إلى الماضي وقد كان ذلك طبيعياً لفقدان أي رؤيا جديدة. وجاء الربيع العربي كمحاولة جادة لإنقاذ المشروع الحضاري العربي وكان كالضوء في العتمة لكنه أصيب هو الآخر بنكسة وكانت هذه المرة هي الأكثر مرارة. وخاصة أنها كشفت عجز المثقف العربي (أو النخبة العربية وهي نقطة تحتاج بحد ذاتها إلى مقال بل والى دراسة واسعة) على الإمساك بزمام الأمور! بغض النظر عن لحاق بعضهم بالأنظمة.
وماذا بعد؟ المشروع الحضاري يجب إعادة صياغته من جديد على أسس غير أيديولوجية صارمة! لقد قرأت كتاباً لمحمد حسنين هيكل وأكثر ما صدمني هو هذا التشديد الأيديولوجي في أفكاره وآراءه عامةً. نحن ننهار جراء صراع دموي وأيديولوجي عقيم بين العلماني والديني وأقرب مثالين لتوضيح الأمور هما إيران وتركيا وكلاهما نجح في إنشاء دولة فوية مبنية على أساس وطني قوي وإن كان كلاهما مليء بالأخطاء ولا يمثل مشروعاً عالمياً يمكن الاقتداء به. لكن استطاع النظام في كلا الحالتين تجنب الصراع الدموي الداخلي وأكبر مثال على ذلك هو فشل الانقلاب الأخير في تركيا ليس لأن أردوغان رجل دولة عملاق (كما يروج لأنفسهم زعمائنا العمالقة!) لكن لأن الشعب التركي عامة وقف … يتبع من فضلكم
… وقف صامداً ضد الانقلاب, ونحن نرى الآن أخطاء كبيرة لأردوغان لكن المشروع الوطني كان ناجحاً ولم ينهار فهل تستطيع النخبة العربية (بكل أطيافها السياسية والفكرية …) إيحاد المنفذ الصفير الذي نستطيع من خلاله الخروج من هذا الوضع المرير. لاشك أنني كلي أمل.
الامر كله متعلق بثقافتنا وعاداتناوتقاليدنا لانها اهم سبب لامراضنا الاجتماعية وان لم نستطيع ذلك بقيام المثقف العربي بثورة ثقافية تطيح اولا بمكانة رجل الدين وشيخ القبيلة فاننا سنبقى على حالنا قرون عديدة.هناك دور للمثقف لا يستطيع تقديمه بشكل صحيح دون دولة قوية تفرض قوانينها على الجميع.لقد استطاع العراق نوعا ما في فترة السبعينات ان يؤسس لثقافة جديدة عندما تم تحيد دور رجال الدين والقضاء على العشائرية في المدن الكبيرة ولكن تربع صدام على مقاليد السلطة اعاد الامور لسابق عهدها
خليط من تاريخ الامة العربية و إرادتها في كل فترة هو ما حدد حاضرها وبنفس الطريقة سيحدد مستقبلها.