ليست مفارقة جديدة بكل الأحوال ..الملك شخصيا في الأردن يتحدث إلى محطة «سي إن بي سي» عن ضرورة العمل على «عودة العقول الأردنية المهاجرة « حتى تساهم في البناء والإستثمار في العنصر البشري والتنموي.
كلام يرقى فعلا إلى مستوى التخطيط لمستقبل زاهر غير أن الخصوم المفترضين لإتجاه طموح من هذا النوع هم على الأرجح تلك الوجوه والرموز التي تحكم وتقرر في المستوى التنفيذي بمن فيهم بعض العاملين في مؤسسة القصر الملكي الذين يتصرفون خصوصا عندما يتعلق الأمر بالإعلام والسياسة المحلية في الإتجاه المعاكس تماما للإتجاه الملكي .
الجميع بات يعرف ذلك ويستغرب من كيفية إفلات الأفكار والمبادرات النبيلة عند صدورها من قمة الهرم السياسي وعبورها إلى المستوى البيروقراطي.
أحد النشطاء تحدث عن معاكسين للخط والإتجاه الملكي في كل مؤسسات القرار …بكل الأحوال مثل هذا التحليل قد ينطوي على مبالغات لكن الصورة قاتمة فعلا عندما يتعلق الأمر بمساحة التفاوت المرعبة بين القرار السياسي والأداء التنفيذي حتى كاد المراقب يشعر بأن القرار السياسي ليس شرطا ان يعني «الإرادة السياسية».
أحد المستثمرين في قطاع النقل تحديدا تعرض لوابل من محاولات الإبتزاز والرشوة والمرمطة الإدارية وأجبر على التعامل مع احدى عشرة لجنة بيروقراطية وخسر ملايين الدولارات فقرر الإنسحاب وترك بلاده ونقل فكرته مع أمواله إلى تركيا وإلتقط الصور مع القطارات الخفيفة التي دشنها بعدما إحتضنه اردوغان.
كل مسؤول في الأردن يتحدث عن «بيئة جاذبة» للإستثمار والعقول والتميز في الأردن ومجرد نظرة للمرأة الوطنية تعفي الجميع من تحديد عشرات الأسباب «الطاردة» وليس الجاذبة لكل فكرة نبيلة او مبدع يريد أن ينتج .
في إحدى المدن وأيام الربيع العربي تجمع الموظفون من فئة الحراس المتقاعدين وثاروا على مزرعة عملاقة لتربية الدواجن وتفقيس البيض فترك المستثمر دجاجاته وبيضاته بين الحراس الثائرين وغادر البلاد لكي يرتفع سعر البيضة التي يأكلها أطفال الحراس البائسين .
كيف وعلى اي اساس يعود «العقل « الأردني إلى بلاده وهو يشاهد بعض المآسي مثل طبيب جراح متخصص بالرقبة لا يوجد غيره في المملكة إطلاقا سحبت جنسيته من قبل موظف ما في الداخلية فغادر إلى كندا ومثل طبيب جراح آخر يجري عشر عمليات في اليوم الواحد آثر البقاء في وطنه ففقد حياته على يد «أحد متعاطي المخدرات».
الأمثلة كثيرة ومتعددة على حالات «الإعتذار» التي ينبغي ان تظهر على اي أردني متميز ليس بفعل أخطاء الحكومة والسلطة والنخب فقط ولكن ايضا بسبب المجتمع نفسه الذي يحارب التميز والإبداع .
بكل الأحوال نعود للسؤال المركزي : ما الذي يدفع الأردني المهاجر للبقاء في «الغربة» فيما بلاده تستقبل ملايين المهاجرين من كل صوب وحدب بدون ثمن سياسي او إقتصادي؟… ما الذي يدفع الشاب الأردني للتفكير بالهجرة أصلا؟.
صديق لي حدثني عن نحو 18 توقيعا وختما إحتاجتها معاملته للحصول على ترخيص «محطة محروقات»…المراجعات شــــملت الشرطة والدفاع المدني والمخابرات والإستخبارات والحاكم الإداري والبلدية..إلخ …كل هذه الأوراق يمكن أن يراجعها موظف واحد فقط فعلى اي أساس يعود للبلاد أي «عقل مهاجر»؟.
غرقت شخصيا مع صديق لي لأكثر من ثلاثة أسابيع في عملية إدارية بسيطة جدا ينبغي ان لا تكلف المجتمع والدولة أكثر من خمس دقائق تعللق بتسجيل شقة .
الملك نفسه في إحدى المرات تحدث عن مراقب المطبوعات «الملكي أكثر من الملك» دوما وهو يراقب كتاب أصدره الملك شخصيا.
رئيس النواب عاطف طراونة حدثـــني بالمقابــــل عن 2000 شخص في إحدى دول الخليج مستعدين للحضــــور ودفع «مليون دينار» لكل منهم مقابل مشروع محلي فقط لو ضمنوا عدم التعرض «للمرمطة» في وزارة الداخلية وهو شرط بسيط جدا أخفق في تمريره أعتى رجال الدولة.
لا يمكن إقناع أبسط أردني يدير ولو «بقالة ناجحة» بالخارج بالعودة للبناء في وطنه ما دامت بقالة لبيع المحروقات تحتاج لمراجعة 18 جهازا أمنيا وحكوميا بدون أي مبرر إداري من أي نوع وما دامت معاملات الأروقة البيروقراطية تميز بين أردني «فل أوبشن» على حد تعبير الفاضل الدكتور أنيس القاسم وأردني «نص اوبشن».
.. نحن مع الملك بالتأكيد ونصفق لمثل هذه المبادرات النبيلة لكن لابد من وقف مثل هذه «المفارقات» اولا أو على الأقل تقليص عددها حتى «نحلق معا».
٭ مدير مكتب «القدس العربي» في الاردن
بسام البدارين
* بصراحة يا أخ ( بسام) هذه عدة موضوعات أنت خلطتها مع بعض
وكأنها ( موضوع واحد ) ؟؟؟
1 ـ هجرة العلماء والمبدعين : هذه ظاهرة عامة تكتسح جميع الدول العربية ؟
* عندما يجد العالم لا أحد يقدره أو يهتم بإنجازاته يفكر ( بالهجرة )
الى ( أمريكا ) أو أوروبا حيث يقدرون العلم والعلماء ؟؟؟
2 ـ هجرة رجال الأعمال : بشكل عام ( رجل الأعمال ) يبحث
عن مكان آمن لإستثماراته ويكره ( الروتين ) و( البيروقراطية ) ؟؟؟
3 ـ هجرة ( الشباب ) : هنا مربط الفرس وبيت القصيد ( كما يُقال ) ؟؟؟
* الشاب الذي تخرج من الجامعة ولا يجد ( عملا ) ماذا يفعل ؟؟؟
* الشاب الذي وجد عملا ولكن ( راتبه ) لا يكف لفتح بيت وتكوبن أسرة
ما يفعل ؟؟؟
* الشاب الذي دخل في الثلاثينات ولسا ما عمل شيء و ( مكانك سر )
ماذا يفعل ؟؟؟
* الله يكون في عون الشباب وقتهم صعب وظروفهم أصعب ؟؟؟
* شكرا
وهل يوجد للعقول المهاجرة فرص عمل متوفرة حتى تعود
التطبيق العملي يختلف عن النظريات، الدليل على ذلك تعيين الشاب وزيرا للداخليه الذي بلغ من العمر عتيا 71 سنه، الا يوجد في الاردن عقول شابه حتى تحتل هذا المنصب؟
تحياتي لك سيد بسام
فتحت جروح كثيره,ستأتكلم عن بعضها.
1-عندما فكرت بالهجره الى كندا كان يؤرقني هاجس ان اصحوا واجد انني اصبحت(بدون جنسيه) صحيح انه لم يحصل معي لكن السعيد من اتعظ بغيره, وانا احب ان اكون من السعداء
2-عندما يسالني موظف المخابرات لماذا لم تكتب البلد الاصلي,اجبته لم افهم المقصود وفعلا لم افهمها,فقال: بلد اجدادك واجداد اجدادك,كتبتها وانا اقول(طبعا في نفسي ..من الخوف)زرت وعشت في كثير من دول العالم من استراليا ونيوزلندا في الشرق الى امريكا في الغرب ولم يطلب احد مني هذه المعلومه حتى في الدول العربيه المجاوره لم يسالوني عن هذا.
3-عندما يقوم موظف الحدود في الرمثا بسؤال رجل سعودي امامي :انت سعودي اصلي والا مزور….لم اسمع بمثل هذا السؤال في كل العالم العربي والغربي والجنوبي والشمالي.
4-عندما اردت تقديم طلب جنسيه لزوجتي العربيه وكان من ضمن الطلب حسن سلوك فطلبت سلطات الدوله التي كنت اقيم بها كتاب من الجهه الطالبه لحسن السلوك فذهبت للسفاره الاردنيه طالبا هذا الكتاب فرفض موظف السفاره,فاتصلت بالقنصل شاكيا فلم يرفض لكن طلب اسمي واسم عائلتي…. ثم رفض …؟؟؟؟ ليه….الحدق يفهم..(لو رفض بدون السؤال عن اسمي لاحترمت رفضه)..ولما عدت لزوجتي بما حصل عارضا ان نذهب ونعمل المعامله في الاردن ,قالت بديش هالجنسيه.
5- قابلت رجل اعمال اردني عنده مصنع في الامارات واخر في المنطقه الحره الاردنيه اشتكى لي من ان السلطات الاردنيه تطلب منه دفع جمرك على بقايا الحديد التي يرميها خارج المنطقه الحره ,يقول هذه زباله وعلى الحكومه ان تاخذها,لمنهم مصرون على دفع جمرك على زبالة الحديد….المهم قال انه سينقل مصنعه لمصر لانهم يعطونه تسهيلات كبيره.
هذا غيض من فيض….مش بقولك اخ بسام حركت جروحي اليوم
كل ما ذكر الكاتب الفاضل و خاصة التدخلات الامنية البدائية صحيح. و لكن الكاتب اغفل او نسي اهم الاسباب و هي افتقاد العدالة في الفرص وفي كل المجالات تقريبا. فهناك قطاعات واسعة تقتصر التعيين فيها على فئة دون اخرى سواء كان ذلك حسب البلدة الاصلية او حسب العائلة او بحكم مهنة الاب. وهذا واضح جدا في الامن و الجيش و القضاء و البعثات الدراسية و التعيين و الترفيع في الجامعات مما اسفر عن تخلف هذه الخدمات بالاضافة الى الخسارة الهائلة جراء هجرة الكفاءات. اما في المناصب السياسية فحدث و لا حرج فهي محتكرة في محيط محدود جدا من العائلات المعروفة و من كان لا يحمل هذه الاسماء العائلية فهو من انسبائهم. وحتى التجارة و الصناعة صارت بحاجة الى شريك من هؤلاء حتى تكبر
هناك الملايين من العقول المهاجرة العربية تكلف اعدادها مئات المليارات بل تريليونات تتبرع بها الدول العربية الفقيرة للدول الغربية او النفطية الغنية ثم تتسول الفتات للتنمية التي عرقلناها بسياساتنا البائسة
الرائع في المقال وفي التعليقات هي التشخيص الحقيقي للواقع المر لهجرة العقول والأستثمارات وحتى هجرة الأخيار من ابناء هذه البلد من مختلف المنابت والأصول.
العقول المتحجرة التي تتحكم في كثير من مفاصل الدولة وبمختلف مؤسساتها وخصوصاً الأمنية منها ….وكذلك ادوات الفساد التي تستفيد من هذه العقول المتحجرة ومن الأجراءات المميتة لأي مشروع وقانون الأصول والمنابت المخفي في أورقة الفاسدين والتائهين لا يمكن إلا أن يدمر العقول ويهجر الكفاءات. لا بد من ارادة حديدية لتغيير الواقع. لا بد من وضع الرؤى الملكية الخاصة بالعدالة والاستثمار موضع التنفيذ….لا بد من الأهتمام بمحرك التنمية (التعليم) بطريقة عملية صحيحة ولا أن تكون قياداته من القيادات الهرمة والتي تحتل الربع المئيني المنخفض من الكفاءات الأكاديمية.
اعتقد بان هجرة العقول تحتاج الى دراسة معمقة ونحن نعرف الاسباب ونحاول ان نذهب بعيدا عنها وكاننا لا نعرفها. اعتقد بان اول اسباب هجرة العقول هو غياب استراتيجية التخطيط للحفاظ على تلك العقول وهذا يتبعه غياب العدالة واسس التعليم والتعيين في المراكز العليا وتحكم حفنة قليلة من البشر بمستقبل الوطن.
اعجبتني عبارة ملكي اكثر من الملك . اي انه حريص على البلد ( طبعاً) بأسلوب خاطئ أكثر من الملك نفسه ولا يعني ان يقول او ان يؤيد رأس الدولة اي قرار بان هذا القرار سوف ينفذ ولنا في قرار حقوق ابناء الاردنيات مثالا حيا على ذلك ومنظومة الرعاية الاجتماعية للاطفال الايتام تحت مظلة وزارة التنمية الاجتماعية مثالا حيا حيث قدم راس الدولة العديد من التوجيهات حول ضرورة تقديم الرعاية لتلك الفئات وتحقيق المساواة الا انه النتائج سلبية ولم يتم تنفيذ ذلك على ارض الواقع.
العقول الاردنية تهاجر واعتقد يا استاذ بدارين بانك خلطت ما بين هجرة العقول والمهارات وهجرة راس المال الاردني وكلاهما يعد مصيبة لوحده ونحن مبتلين والحمد لله بالاثنين.
غياب العدالة والتمييز بين الناس والمواطنين على أي اساس يعد كعب اخيل. والذي يتحدث عن التمييز والاسئلة التي تلمز الاصل يجب ان يوسع دائرة بصره ليرى بان الاردنيين من اهل البلد مثلا يتعرضون لتمييز ضدهم وهذا واقع على الاهل في معان والذين يعدون من اصل واساس البلد والذين يعيشون واقع مرير ومستقبل اسود في ظل نقص الاهتمام بالاستثمار والتنمية المجتمعية ونقص فرص العمل وغيرها من مظاهر التخلف الاجتماعي والتنظيمي. كذلك الحال ما بين العديد من العشائر القوية واخرى الضعيفة فالتمييز يكون ما بين الجميع وليس ضد فئة معينة الا ان جميع الفئات التي تتعرض للتميز تجتمع على ميزة واحدة وهي الضعف والتهميش.