لندن ـ «القدس العربي»: يتوقع ان يعيد فوز الجمهوريين في الانتخابات النصفية وسيطرتهم على الكونغرس تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية، فلم يمض وقت طويل على فوز الحزب الجمهوري الذي جعل الرئيس أوباما محاصرا إلا وأعلن صقوره عن خططهم لإعادة النظر في قضايا السياسة الخارجية التي تتراوح من تسليح أوكرانيا وخطط مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية- داعش إلى التحقيق في دور الأجهزة الأمنية في التقارب الأمريكي مع إيران.
وكان الرئيس باراك أوباما قد أعلن يوم الأربعاء عن استعداده للعمل مع الكونغرس الجديد لمكافحة داعش مما يفتح الباب أمام نقاش طويل حول طبيعة الحملة الأمريكية الحالية في كل من العراق وسوريا.
وما أعلنه الرئيس أوباما في مرحلة ما بعد الانتخابات لم يكن متوقعا ولكنه يمثل تحولا مهما عن موقفه السابق والذي يقوم على امتلاكه الصلاحيات القانونية لاتخاذ قرارات تتعلق بالحرب والسلم، في الوقت الذي يطلب فيه دعم الكونغرس لهذه القرارات. مع تغير خريطة الكونغرس فقد توصل الرئيس لنتيجة تقتضي منه الطلب من الكونغرس المصادقة على منحه هذه الصلاحية.
وأعلن أوباما انه سيبدأ بالحديث مع قادة الكونغرس عندما يزورون البيت الأبيض اليوم. وفي الوقت الذي زاد فيه أوباما من الضغط على الحكومة الإيرانية للقبول بصفقة قبل نهاية الموعد المحدد نهاية الشهر الحالي، حيث قال انه قدم للقيادة الإيرانية إطارا للحل يسمح لإيران بالحصول على احتياجاتها من الطاقة النووية السلمية. في إشارة لنقل اليورانيوم إلى روسيا وتخصيبه هناك.
ورغم وضوحه في الحديث عن إيران إلا انه كان متحفظا في حديثه عن نجاح الحملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، مشيرا إلى ان عملية تطوير وتحسين أداء الجيش العراقي تحتاج إلى وقت طويل حتى يكون باستطاعته استعادة المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش، ولم يقدم الرئيس تحليلا واضحا حول سوريا حيث قال «تركيزنا في سوريا ليس على حل المشكلة بالكامل هناك، ولكن على المناطق التي تعمل فيها داعش».
وتتناقض تصريحات الرئيس هذه مع المذكرة التي أرسلها الأسبوع الماضي وزير الدفاع تشاك هيغل انتقد فيها سياسة الإدارة وفشلها في ربط الحملة ضد داعش بالكفاح للتخلص من نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
وكتب هيغل قائلا ان فشل الإدارة بتوضيح أهداف الحملة يعني فشلا في تجنيد حلفاء محليين وإقليميين يرون ان الأسد هو أخطر من داعش خاصة فرنسا وتركيا، والمعارضة السورية المعتدلة.
ويقول مسؤولون في البنتاغون ان هيغل لم يدع لاتخاذ موقف متشدد من سوريا ولكنه كرر موقف المؤسسة العسكرية الداعي لتجنب حرب واسعة مع النظام السوري.
أول موضوع
وتتوقع الصحافة الأمريكية ان يكون موضوع سوريا هو الموضوع الأول الذي سيطرح للنقاش في الكونغرس. فقبل الانتخابات النصفية وافق الكونغرس على دعم محدود لتدريب وتسليح أعداد من المعارضة السورية المعتدلة.
والآن يرغب البيت الأبيض في الحصول على موافقة لاستخدام القوة العسكرية مما يعني إطالة أمد الحرب.
وبحسب صحيفة «نيويورك تايمز» فقد برر البيت الأبيض حملته العسكرية في كل من سوريا والعراق بناء على قانونيين سابقين، القانون الذي مرر عام 2001 في مرحلة ما بعد الهجمات والذي استخدمه أوباما في حربه بطائرات بدون طيار في اليمن والصومال، وقانون عام 2002 الذي استخدمه جورج دبليو بوش لغزو العراق.
ويعتقد عدد من النواب ان نقاش الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية قد يؤدي لجدل معقد لكنهم مرتاحون لعدم طلب أوباما النقاش قبل الانتخابات، ويرى بعض من نقلت عنهم الصحيفة ان الحديث عن الموضوع مهم لأن الحرب ضد داعش قد تمتد لما بعد ولاية الرئيس أوباما.
وتشير في هذا السياق لرغبة أمريكية في تحقيق صفقة مع إيران حتى قبل الموعد المحدد 24 تشرين الثاني/ نوفمبر، رغم دفاع أوباما عن مشروع الإطار المقدم لطهران باعتباره محاولة لفحص صدق نياتهم قبل ان يتم التوصل لاتفاق نهائي.
وفي المعركة المقبلة في الكونغرس سيواجه أوباما صقور الحزب الجمهوري، فحتى الحمائم في هذا الحزب ينظرون للفوز باعتباره فوزا للجناح المتشدد.
الصقور لا الحمائم
وكما يقول موقع «دايلي بيست» فهذا الجناح يحضر لمعركة طموحة تهدف لتجديد معالم السياسة الخارجية.
وكان جون ماكين الذي سيتولى لجنة القوات المسلحة في الكونغرس قد أشار في تصريحات إلى انه ناقش أجندة الأمن القومي الجديدة مع زملائه بوب كروكر وريتشارد بير ومن المحتمل تولي كل منهما لجنة الشؤون الخارجية والأمن.
وقال ماكين «انا وبير وكروكر سنعمل معا في كل شيء»، مضيفا «مثلا السلاح لأوكرانيا وسياستنا تجاه الشرق الأوسط ورصيدنا في المنطقة مقارنة مع روسيا، واستمرار تجاوزات الصين في بحر الصين الجنوبي». ويعلق إيلي ليك من «دايلي بيست» على أجندة الجمهوريين بالقول «يمكنك وصفه بانتقام المحافظين الجدد أو عام الصقور، ولكنه انتج لحظة مهمة في واشنطن، حيث يعترف الحمائم في الحزب الجمهوري انها كانت انتصارا للمدافعين عن الخصوصية الأمريكية».
وكما قال رون بول والد النائب المحافظ راند بول في تغريدة له «سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب توسيع المحافظين الجدد الحرب في سوريا والعراق، البساطير قادمة»، فيما قال ويليام كريستول، محرر صحيفة «ويكلي ستاندرد» موافقا على ما جاء في تغريد رون «أعتقد ان رون قال الحقيقة». وأضاف كريستول في تصريحات لـ «ديلي بيست» «والحقيقة هي ان ابنه واجه موسما انتخابيا سيئا ولأن الجمهوريين الذين انتخبوا هم مخلوقات من اليمين المحافظ وليس من نوع راند بول الحمائمي».
فمن بين المحافظين الجدد الذين دخلوا الكونغرس كان توم كوتن، النائب الجمهوري عن أركنساس والذي حصلت حملته الانتخابية على دعم من إعلان نشر في صحيفة كريستول دفعت ثمنه «اللجنة الطارئة لإسرائيل».
وهناك جون ماكين الموجود منذ سنوات ولكنه عاد إلى أروقة صناعة القرار التنفيذية. وقال ماكين ان أول بند على أجندته هو مراجعة القرار المتعلق بخفض الميزانية الدفاعية ومعرفة أثره عل قدرة الجيش الأمريكي في مواجهة التحديات الدفاعية في العالم. وسيحظى موضوع إيران باهتمام من الجمهوريين.
وقال النائب ديفين نونيز المتوقع ان يخلف مايك روجرز في رئاسة لجنة الاستخبارات انه سيبدأ بالنظر في المحادثات التي أجرتها الإدارة مع إيران ودور الوكالات الاستخباراتية. فالمحادثات السرية التي أجراها البيت الأبيض والخارجية مع مسؤولين إيرانيين في عمان غلفت بغلاف السرية.
ولكن غاري سيمور الذي عمل كمنسق في عمليات التحكم بالتسليح والأسلحة في إدارة أوباما أكد قائلا ان السرية كانت مطلب الإيرانيين «لم يكن لدينا أي مانع لعقد المحادثات في اجواء مفتوحة».
و «أصر الإيرانيون على السرية نظرا لما يمثله لقاء الأمريكيين من حساسية لهم». وسيقوم الثلاثي ماكين وكروكر وبير بمتابعة موقف أكثر حزما في التعامل مع إيران، وكما قال ماكين «يساعد الإيرانيون بشار الأسد» و «هم الذين دفعوا بخمسة آلاف مقاتل من حزب الله للقتال في سوريا، ويحصلون على تأثير كبير في بغداد، ونحن نعتقد انه يمكن توقيع صفقة معهم حول الملف النووي مما قد يقود للتعاون في مجالات أخرى».
ولكن تظل قضية توسيع الحرب ضد داعش. فعندما صادق أوباما على الغارات في سوريا، قالت إدارته ان الصلاحية القانونية تنبع من قانون «المصادقة على استخدام القوة العسكرية» لعام 2001 لمواجهة القاعدة.
وقال مسؤولون قانونيون ان التبرير واسع، ففي الوقت تعتبر فيه داعش فرعا للقاعدة إلا انه خرج عنها ويخوض حربا ضدها في سوريا.
ويدعو ماكين لقرار جديد حيث يرى ان التشريع باستخدام القاعدة جاء بعد 9/11 واستهدف منفذي الهجمات لكن داعش تجاوز في فعله التعريف الذي حدده القرار السابق.
توقف الزخم
وفي هذا السياق تقول «نيويورك تايمز» ان داعش على ما يبدو فقدت زخم التقدم الذي حققته في البداية. وتحول ثلث العراق إلى ساحة حروب متفرقة تحقق فيها داعش انتصارات قليلة. ويقول محللون نقلت عنهم الصحيفة ان زمن الانتصارات الحاسمة يقترب من نهايته حسب عدد من المحللين بعد ان بدأ التنظيم يفقد زخمه.
وترى الصحيفة ان الحملة الدولية التي تقودها الولايات المتحدة ربما لعبت دورا في إبطاء تقدم التنظيم، لكن المحللين يضيفون إلى هذا عوامل أخرى منها عدم قدرته على اختراق مناطق لأن العامل الطائفي ليس في صالحه، وعدم ارتياح المجتمعات التي تقع تحت سيطرته، والضرر الذي أصاب تمويل ومصادر التمويل لداعش والتحسن القليل في أداء القوات العراقية.
وتقول الصحيفة ان التنظيم قام بإعادة ترتيب عملياته. فقد قام بإفراغ القواعد العسكرية والمستشفيات وتحول إلى مناطق مدنية لا يمكن تحديدها وقصفها. ولم يعد المقاتلون بقادرين على التحرك بحرية في الصحراء بقوافل كبيرة والآن يتحركون في قوافل صغيرة وعلى درجات نارية.
وينقل التقرير عن مسؤول عسكري عراقي «كانت الهجمات التي شنها الحلفاء مفيدة، وشوشت عمل المقاتلين ولا يعرفون أين يذهبون».
ويقول الجنرال حمد الجبوري، مدير شرطة صلاح الدين ان الغارات رفعت من معنويات قوات الامن العراقية. ومع ذلك لا يمكن للغارات وحدها تحقيق استراتيجية أوباما في اضعاف وتدمير داعش، ولم تكن العامل الوحيد الذي أوقف تقدم داعش. فهناك عامل آخر له علاقة بتوسع داعش في مناطق له جديدة، فقد انتعش التنظيم في مناطق السنة التي عانت من ظلم رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي.
وبعد أشهر من التوسع في مناطق السنة، فشل التنظيم بالسيطرة على مناطق غير سنية. ويمكن للتنظيم التوسع في سوريا إلا انه يواجه تنافسا من جماعات مسلحة مثل جبهة النصرة.
وتنقل الصحيفة عن لينا الخطيب من مركز كارنيغي الشرق الأوسط قولها «لا يمكن لداعش التوسع إلا في مناطق تستطيع عقد تحالفات مع سكانها المحليين وهو ما يحدد توسعها في مناطق السنة وتلك المحرومة» فقط.
وبدأت داعش بخسارة الكثير من المناطق في العراق التي بدأت فيها الحملة الجوية، فقد انسحب التنظيم من مناطق في شمال العراق وقرب بغداد حيث واجه قوات من الجيش العراقي ووحدات من الميليشيات الشيعية والبيشمركة التركية.
ولأول مرة منذ سيطرة داعش على الموصل يستطيع الجيش العراقي الآن السفر على الطريق السريع من بغداد إلى أربيل. وقد أدت هذه التغيرات لتقطيع مناطق داعش ويجد الآن صعوبة في التنقل من منطقة إلى آخرى والتواصل مع القادة الميدانيين.
غضب
وهناك عامل آخر متعلق بغضب سكان مناطق سيطر عليها المقاتلون. ففي ديإلى استطاعت القوات العراقية قطع خطوط الإمداد بمساعدة من الأهالي الغاضبين الذين قتلوا بعض القادة المحليين من داعش. ومن الأسباب التي أثرت على موقف داعش هي إعلانه عن الدولة الإسلامية المزعومة التي لم تجد دعم قطاع كبير من السكان في الداخل وخارج العراق. ويرى نوح بونزي من مجموعة الأزمات الدولية- ومقرها بروكسل «من أهم ملامح هذا التنظيم هو قدرته على التوسع»، «وعندما يتوقف عن التقدم يفقد قدرته على الجذب».
ولم يفقد التنظيم مناطق في سوريا لكن الغارات أجبرته على ترك مقرات الحكومة السورية، وخففت من دورياتها في الرقة، كما أثرت الغارات الجوية على آبار النفط على قدرة التنظيم لاستخراجه وتهريبه.
وتعترف الصحيفة ان الغارات الجوية أضعفت من قدرات داعش لكن قابليته على التكيف تجعل من هزيمته عملية صعبة ولن تتم بدون قوات برية. فقوات داعش تتحرك من خلال مجموعات صغيرة مما يصعب استهدافها، وبدلا من الهجوم على المدن من خلال قوافل عسكرية وآليات بات التنظيم يعتمد على خلايا نائمة تخرج عندما تصل مجموعات صغيرة من المقاتلين وتساعد في السيطرة على المدينة. وترى الصحيفة ان داعش تعرض لنكسات لكن الجيش العراقي غير موجود في مناطق السنة رغم تحسن أداء بعض وحداته.
وبسبب العامل الطائفي لا تستطيع الحكومة إرسال وحدات من الجيش العراقي للانبار. وقد تؤدي ممارسات داعش إلى انتفاضة الناس ضده، فبحسب نعيم القعود، أحد مشائخ قبيلة البونمر التي تعــرض أبناؤها لقــتل على يد داعــش «لا تزال الإعدامات مستمرة، والدعم ضعيف» لداعش.
وظلت قبيلة البونمر تطالب بدعم عسكري لحماية نفسها «كل ما طلبناه هو إمدادات عسكرية لحماية انفسنا من القتل والتجويع». ويواجه التنظيم مقاومة أقل في سوريا، حيث تعاني قوات النظام والمعارضة من الإجهاد.
وفي المناطق الواقعة تحت سيطرة التنظيم لا يتخيل السكان وجود قوة أخرى لديها القدرة على طرده، فبحسب أحد سكان دير الزور «يحاول البعض إطلاق النار أو تنفيذ هجمات عليهم ولكن لا توجد قوة تستطيع تحدي سيطرتهم».
إبراهيم درويش