الغزو السوري لأوروبا لم يقع!

تزامنت قمة فيينا التي عقدت الخميس حول أزمة اللجوء التي تعصف بالقارة الأوروبية منذ بداية هذا العام مع نشر مكتب الإحصاء الوطني في لندن تقريره السنوي عن أعداد المهاجرين في بريطانيا. تزامن أدى، بقوة الأرقام ذات الارتفاع القياسي، إلى ترسيخ حالة القلق، بل الجزع، التي شاعت في أوروبا عامة، وبريطانيا خاصة، طيلة هذا الصيف.
والحق أن المجتمع الدولي لم يشهد منذ اندلاع الحرب العالمية الثانية أزمة نزوح أكبر من الأزمة التي اجتاحت أوروبا هذا العام والتي لا تزال تتوالى فصولا مروّعة وأنباء يومية محزنة. فقد سجل من بداية العام حتى منتصفه أكثر من 400 ألف طلب لجوء في دول الاتحاد الأوروبي. ويرجح معهد الإحصاء الأوروبي أن هذا الرقم سوف يرتفع ارتفاعا بالغا في الأشهر القادمة. وقد كان هذا من أسباب إعلان الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية أثناء اجتماعهما في برلين أن أزمة اللجوء والهجرة سوف «تدوم» )لم يقولا «تستمر»(.
وكانت أنغيلا مركيل عرّفت أزمة اللجوء والهجرة غير القانونية بأنها هي القضية التي سوف تهيمن على العقد الثاني من هذا القرن. كما أن نائبها سيغمار غابرييل أعلن أن موجة النزوح غير المسبوقة هي «أكبر تحدّ يواجه ألمانيا منذ إعادة توحيد» شطريها مطلع التسعينيات. ذلك أن ألمانيا تتوقع أن يبلغ عدد طلبات اللجوء التي ستقدم إلى سلطاتها طيلة هذا العام 800 ألف طلب، أي أربعة أمثال عدد طلبات العام الماضي (200 ألف). وقد بلغت الزيادة أعلى مستوياتها منذ بداية الصيف، حيث ذكر وزير الداخلية الألماني توماس دوميزيير أن 38 ألف طلب لجوء قدمت في تموز/يوليو، وأن 50 ألف طلب قدمت أثناء الأيام السبعة عشر الأولى من آب/أغسطس. هذا بينما لم يتجاوز عدد طلبات اللجوء التي قدمت إلى السلطات الفرنسية طيلة العام الماضي 64 ألف طلب.
وكان من طرائف هذه القضية المليئة بالبلاء والمحن – ناهيك عن الموت الذي يتخطّف الآلاف من المزدحمين في القوارب المتهالكة – أن لاجئة من غانا لم تجد ما تشكر به ألمانيا التي منحتها حق اللجوء مطلع هذا العام سوى أن تطلق على الوليدة التي وضعتها في شباط/فبراير اسم «أنغيلامركيل» (هكذا عطفا للاسم على اللقب). وقد وافقت إدارة الخدمات الاجتماعية في مدينة هانوفر، التي آوت العائلة، على هذه التسمية. إلا أن من شبه المؤكد أن هذه التحية الإفريقية لم تثر سرور المستشارة الألمانية. إذ إنها تعلم مقدار تخوف شعبها من موجة النزوح العظيم هذه، مثلما يدل على ذلك الرد الغليظ الفظ الذي وجهته إلى الصبية الفسطينية ريم التي قابلتها في مدينة روستوك مع مجموعة من تلاميذ المدارس منتصف تموز/يوليو وقالت لها بلغة ألمانية طليقة إن عائلتها مهددة بالترحيل من ألمانيا إلى مخيم اللاجئين الذي كانت غادرته قبل أربعة أعوام في لبنان. وأضافت أنها تريد البقاء والدراسة في ألمانيا لأنه «ليس من العدل أن يكتفي المرء بالنظر بينما ينعم الآخرون بالحياة وهو لا يستطيع مشاركتهم هذه النعمة».
كانت الدموع المنهمرة من عيني الصبية أبلغ إدانة لقسوة هذه المرأة التي تعرضت بعدئذ لسيل من الانتقادات، كان من بينها أنها «أخفقت إنسانيا على كل الجبهات». ولكن أعمال العنف والاحتجاجات المعادية للاجئين التي اندلعت في مدينة هايدناو، في شرق ألمانيا، جعلت ميركيل تأخذ قبل يومين بزمام المبادرة وتعلن عدم تسامح ألمانيا مع كراهية الأجانب ومع من «يشككون في كرامة الآخرين».
صحيح أن هنالك «انفجارا» في أعداد النازحين إلى أوروبا، وصحيح أن الأعداد الحقيقية أكبر بكثير من المعلن (وهو كبير فعلا) لأن المهاجرين غير القانونيين غير مسجلين ولا محتسبين. ولكن الصحيح أيضا أن الأزمة التي تواجهها أوروبا «ليست»، حسب قول الباحث البلجيكي فرانسوا غيمين، «سوى قطرة في محيط» مقارنة مع عدد اللاجئين والمهجّرين في مختلف أنحاء العالم: إذ إن هنالك اليوم ما لا يقل عن 60 مليون مشرد معظمهم (86 بالمائة بالضبط) مستجيرون ببلدان فقيرة لا تكاد تقوى على تحمّل أبنائها، ناهيك عن الغرباء.
أما حرب طبيب العيون على شعبه، التي شردت 4 ملايين و200 ألف سوري (حسب إحصائيات الأمم المتحدة)، فإنه لا يكاد يكون لها أي أثر إنساني في أوروبا. ذلك أن طلبات اللجوء السورية إلى البلدان الأوروبية قد بلغت 270 ألف طلب فقط، أي أنها لا تتجاوز 6,5 بالمائة من مجموع المهجّرين السوريين. فأين أوروبا – بتعالمها وتعاظمها وتحايلها على قيمها – مما يبذله الجوار، الذي لم يدّع شيئا، في تركيا ولبنان والأردن؟

٭ كاتب من تونس

مالك التريكي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمد الأحمد:

    يا اخ مالك ، لمستشارة ميركل لم تكن فضة مع الطفلة الفلسطينية بل كانت بمنتهى الرقة والتواضع بنزولها الى الطفلة ومواساتها وتهدئتها ومن ثم إلغاء البصمة في الدول الأوروبية ثم إلغاء ألمانيا لمعاهدة دبلن. يا سيدي، ميركل تستحق جائزة نوبل لكونها تمثل الانسانية المحترمة لفتحها الأبواب امام السوريين وغيرهم بينماا سدت في وجوههم ابواب الإخوة والاشقاء العرب والمسلميين، هذه السيدة أجدر بنا ان نقف لها بكل احلال واحترام ونطالب حكامنا بان يتعلموا من هذه الكافرة (كما يدعون).

  2. يقول الهدهد - اربد:

    مسئولية اخلاقية وتاريخية ودينية وقومية تقع على دول الخليج العربي الانانية التي
    باعتقادها ان تتحسن باموالها على الشعوب العربية ان للعرب حق كما لدول الخليج
    حق في الاقامة والعمل فلماذا لا تقوم دول الخليج بفتح ذراعيها لاشقائها العرب
    السوريين ولماذا لا تبني لهم بيوتا وتساعدهم بالعمل والعبادة والاطمئنان في بلدانهم
    بدلا من ان يهاجروا الى بلاد لايعرفوا ماذا يتكلمون فيها وماذا ياكلون فيها بعد قطعهم لمسافات مرعبة في وسط البحار والذين اصبحو قوتا لجميع انواع الاسماك
    في البحار الا يوجد ضمير لدى المسئولين الخليجين بهذا الموضوع انها غربة
    حقيقية في بلدان لا يعرفون فيها الا البحث عن مكان هادئا ينامون فيه وامان لهم ولابنائهم فقط اسكنوهم لديكم واطعموهم بدلا من ان تكونوا متفرجين اما العالم
    الذي ينظر الى كل العرب بازدراء فهل نسمع من مسئولي دول الخليج ان كل
    من يريد من الاخوة السوريين الاقامة في هذه الدول فاهلا وسهلا به انها بلاد العرب اوطان من الشام لبغدان ومن يمن ………………. انه التاريخ لا يرحم يا مثقفي
    الخليح ويا كتابهم ويا رجال الدين سوف تحاسبون اما الله وذنبكم عن مائة مسلم
    الوعظ والارشاد بالتلطف باخواننا العرب وذدق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عندما قال بارك الله في شامها وفي يمنها انهم شعب يحتاج الة المساعدة منكم كفوا البلاء عنهم يا عرب بدلا من الذهاب لدول الفرنج التي بامكانها وقف نزيف الدم السوري.

إشترك في قائمتنا البريدية