عَمّان – «القدس العربي»: احتضنت مؤسّسة عبد الحميد شومان الثقافية في مدينة عَمّان، يوم الأربَعاء، ندوة ثقافية بعنوان «عشر سنوات من الجائزة العالمية للرواية العربية» بحضور أمناء الجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر) لعام 2018، وهم إبراهيم السعافين (رئيسًا)، والأعضاء إنعام بيوض، وبربارا سكوبيتس، ومحمود شقير وجمال محجوب، وبحضور ياسر سليمان، رئيس مجلس الأمناء، ومشاركة سحر خليفة رئيسة لجنة التحكيم لعام 2017، وشهلا العجيلي المرشحة في القائمة القصيرة لعام 2016. وفي الأثناء تمّ الإعلان عن القائمة القصيرة لجائزة الرواية العربية، وتضمّنت الروايات الستّ التالية: «الخائفون» للسورية ديمة ونوس، و»ساعة بغداد» للعراقية شهد الراوي، و»زهور تأكلها النار» للسوداني أمير تاج السر، و»وارث الشواهد» للفلسطيني وليد الشرفا، و»الحالة الحرجة للمدعو ك» للسعودي عزيز محمد، و»حرب الكلب الثانية» للأردني- الفلسطيني إبراهيم نصر الله.
وقد جاء في بيان إعلان الجائزة توصيفٌ من المحكِّمين لمتون تلك الروايات، ومنه أنّ رواية «ساعة بغداد» هي ذاكرة المكان والهوية، تصوغ في بساطة وعمق المصير الإنساني في علاقة المحلة البغدادية بالزمان مع تقلبات الشخصية الرئيسية، بينما «زهور تأكلها النار» تصور ثراء المشهد الإنساني في طقوسه، ثم وقوع البناء الاجتماعي والاقتصادي تحت سيطرة الجهل والأحادية. وتُمعن رواية «وارث الشواهد» الغوص في أعماق معاناة الذات الإنسانية للواقعين تحت الاحتلال وسلخ الهوية. أما رواية «الحالة الحرجة للمدعو ك»، فتصف في سرد ذكي يُعنى بالتفاصيل الدقيقة صراع مريض بالسرطان ورؤيته للوجود من ذلك المنطلق. بينما تتناول رواية «حرب الكلب الثانية» من منظور عجائبي وغرائبي النفس البشرية وتحولات المجتمع والشخصية بأسلوب فانتازي، يفيد من أسلوب الخيال العلمي. في حين أن رواية «الخائفون» تصور ثنائية المواطن والسلطة وتفضح العلاقة الشاذة بينهما، مركزة على ثيمة الخوف اللصيقة بحياة الفرد والمجتمع. ويُسجَّل في هذا الصدد الظهور الأول في القائمة القصيرة لكل من الكاتب الفلسطيني وليد الشرفا والكاتبة السورية ديمة ونّوس، بينما سبق لأمير تاج السر وإبراهيم نصرالله أن وصلا إلى القائمة القصيرة.
وذهب ياسر سليمان إلى القول إنّ القائمة القصيرة لهذه الدورة تتضمّن أعمالا إبداعية «تشتبك مع واقعها العربي بمآلاته وشظاياه المغموسة بهموم كابوسية، وكأنها عمليات حفرٍ في مواقع الألم. هذا الحفر بالكلمات لا بد منه إذا أردنا أن ننخرط في الوقع ونتجاوزه في آن، في عملية مركبة من المساءلة والمسؤولية، والتقدم والتراجع. إنّ هذا الانخراط شرط من شروط تجربة القراءة الناقدة التي توفرها لنا أعمال هذه القائمة القصيرة، بأصواتها المتباينة من كتّاب وصلوا إليها سابقًا وآخرين يلتحقون بها لأول مرة».
ونحن واجدون في عناوين هذه الروايات الستّ ما يؤكّد ما ذهب إليه ياسر سليمان من حضور الكابوسية والهموم في واقع الكتابة الروائية العربية، بل يؤكّد أيضا أن الرواية العربية الراهنة هي أصدق إنباءً بأحوال واقعها من باقي فنون القول. ذلك أن كلّ عناوين روايات هذه القائمة القصيرة بدت موجوعةً بوقتها، ومجروحة بواقعها، وصورة ذلك أنّ «ساعة بغداد» تحيل إلى مآسي سقوط هذه المدينة وتنامي الهجرة منها، وتصوّر «الحالة الحرجة للمدعو ك» قدر إنسان معلَّقٍ بين الهلاك والنجاة، مرورا بـ»زهور تأكلها النار» حيث تحوّلت الشابة خميلة إلى وسيلة متعة لأمراء الثورة الدّينية، و»وارث الشواهد» الذي اُنتزع منه بيت جدّه وحرم حتى من مشاهدته، و»حرب الكلب الثانية» التي نقف فيها على حقيقة التوحّش التي تسود المجتمعات والنماذج البشرية واستشراء النزعة المادية، بعيدًا عن القيم الخلقية والإنسانية، فيغدو كل شيء مباحًا حتى المتاجرة بمصير الناس وأرواحهم، وتُلفي سُليمى بطلة «الخائفون» نفسها مجبرة على كتابة خاتمة لرواية تحكي سيرة امرأة مصنوعة من الخوف، تشبهها تماما.
وإنْ كنّا لا ندري إن كانت اختيارات لجنة تحكيم الجائزة خاضعة لشروط فنية فقط؟ أم هي تراعي شروطًا أخرى خارج نصيّة؟ فإنه قد أمكن لنا قراءة عددٍ مهم من روايات القائمة الطويلة، ووقفنا فيها على تميّز بعض الأعمال منها وجدارتها بأنْ تكون ضمن القائمة القصيرة، لأسبابها الفنية والقِيَمية على غرار روايتي «النجدي» لطالب الرفاعي و»بيت حُدُد» لفادي عزّام.
فقد غاصت رواية «النجدي» في ذاكرة المجتمع الكويتي والتقطت منها سيرةَ بحّار استثنائيّ لتُعيد بناءَها – بفضل ما فيها من تدبيرٍ فنيٍّ – بناءً تخييليا يُلبّي حاجةَ واقعِ الناسِ إلى «أنموذج بشريّ» حاملٍ لقِيَمٍ شخصيةٍ وجماعيةٍ على غِرار قِيَمِ البطولة والمغامرة والكرم والتسامح والإيثار على النفس. وكشفت رواية «بيت حُدُد» قدرةَ كاتبها على عَرْكِ ظاهرة الثورة، وتفكيك بنية الإرهاب فيها تفكيكا يسمح لي بالقول إنّها إحدى الرصاصات «الفنية» الصائبة في الثورة السورية، رصاصةٌ اخترقت جسد النظام الحاكم وفجّرت فيه زيف ما يتكئ عليه من مزاعم قداسة السُلالة، وقداسة الوطن، وقداسة أتباعه. واخترقت في الآن نفسه جسد الجماعات المتطرّفة وفجّرت فيها فساد مزاعمها الدّينية. وبذلك استطاعت تثوير الأزمة السورية، وتحويل مرويّاتها إلى تراجيديا: أي حفزها لأنْ تنفجر بين أيدي العالَم وهو يتملاّها.
كقاريء أقول إنّ بناء الرّواية ( يجب) أنْ يكون بناءًا فيه السّموعلى الوقائع.وليس ترجمة ليوميات المدينة وناسها هكذا.فالرّواية رؤية ذات مخيال مرتبطة بواقع ذي تحدِ ونضال.فالرّواية التي تكتفي بأحداثها المعاصرة لن تسافربأمان نحوالمستقبل.ورغم هذا الكم المنوّع من الأعمال الرّوائية حتى الآن لم نسمع أونقرأ رواية عربية بمصاف الرّوايات العالمية التي سبق وقرأناها.أين مكمن الخلل ؟ في الضوابط التي تفرض على ( نوع ) الكتابة…حتى أصبحت ولادة رواية عربية كالعملية القيصيرية للخدج ؛ قلما يسلم الوليد من حاضنة الأوكسجين ليبقى حيًّـا.نعم هناك فرادى هنا وهناك ؛ لكنها لا تسموإلى العالمية المرجوة.لهذا فشلت أغلب الرّوايات العربية في المنافسات الدولية كظاهرة حقيقية ؛ ما عدا تلك الأعمال المصممة لأغراض غيــــرروائية.فلماذا لا يجتمع الرّوائيون العرب لمناقشة هذه المعضلة وكيفية معالجتها كرسالة فنية وأدبية وفكرية عربية ؟ من هنا أكررما سبق وقلته بضرورة إنشاء { اتحاد الرّوائيين العرب } كمؤسسة مستقلة ومختصة بشؤون الرّواية العربية حاضرًا ومستقبلًا ؛ ليكون حصاد الجوائز؛ الدليل على الإنبات المثمرللفائز.لا مجرد مهرجان كسباق الخيل في المضمارليتحكّم بها السائس.
اسجل هنا غياب لجنة تحكيم محكمة ومشهود لها بالكفاءة العلمية والحضور الأكاديمي الوازن. كما أن معايير انتقاء الروايات مضللة ولا ترقى إلى العمق الموضوعي والفني للأعمال. من هنا أمكن القول أن الرواية العربية لن تسير نحو المستقبل والتنافسية العالمية.
ولا رواية من شمال افريقيا .! أين الخلل ؟! .