القانون الدولي وقرارات ترامب العنصرية – انتهاك أرعن في وضح النهار

لم يتوقع أحد أن يبدأ دونالد ترامب، الرئيس المنتخب الخامس والأربعون للولايات المتحدة، بداية دورته الأولى، باتخاذ قرارات رعناء دون تروٍ أو تفكير في العواقب، منذ يومه الأول بادئا بجدار الفصل العنصري مع المكسيك، الذي يمتد إلى أكثر من 3145 كيلومترا، وقد يكلف إنشاؤه مليارات الدولارات، فما كان من الدولة العنصرية في منطقتنا العربية إلا أن التقطت الفكرة ورحبت بها، لأنها تعطيها مبررا لعنصريتها التي فاضت على الكون بأسره، ولم يجد من يقف معها إلا أمثال هؤلاء المجبولين على عقلية تفوق الذات واحتقار الآخر.
لقد أثارت قرارات رجل الأعمال الذي أصبح رئيسا لأقوى دولة في العالم في غفلة من الزمن، حفيظة العديد من الكتاب والمحللين والناشطين والسياسيين ومنظمات المجتمع المدني والنقابات وحتى موظفي الدولة، فتصدوا له بالمظاهرات والاستقالات والعرائض والمقالات والمسيرات والبرامج الحوارية والمقابلات، وتكاد تشعر بأن البلاد الآن على شفا تحرك جماهيري واسع، يذكرنا بحركة «الحقوق المدنية» في الستينيات، التي قادها رجال ونساء عظام مثل مارتن لوثر كنغ ومالكوم إكس وروزا باركس. ولكني سأترك ذلك جانبا وأتناول في هذا المقال المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي انتهكتها هذه القرارات الموغلة في عنصريتها، لنرى كيف أن رجل الأعمال الهابط على ميدان السياسة بالمظلة من برجه العاجي في منهاتن ليعبث في مجال القانون الدولي، حيث لعبت بلاده دورا محوريا في التوصل إلى تلك الاتفاقيات. وسأقتصر هنا بالمرورعلى أهم المواد في خمس اتفاقيات دولية مهمة، تاركا التحليل والاستنتاج للقارئ، الذي يستطيع بكل سهولة أن يراجع قرارات ترامب على ضوء هذه البنود ليتعرف بنفسه مدى ازدراء هذا الرئيس للقانون الدولي.
الفرق بين القانون المحلي الذي يمكن أن يعطيه صلاحيات واسعة للتحايل عليه وانتهاكه مستندا إلى ثلة من المشرعين حوله يزينون له ما يفعل وبين القانون الدولي الذي مجرد أن يتم التصديق عليه بالعدد المطلوب يصبح ساري المفعول وملزما حتى للدول التي عارضته أو تحفظت عليه. فالقانون الدولي هو حصيلة من المفاوضات الشاقة بين الدول صغيرها وكبيرها، فقيرها وغنيها، لإيجاد أرضية مشتركة تناسب الجميع ويصبح تنفيذها سهلا لأنها لم تفرض فرضا على أحد، بل جاءت حصيلة حوارات ونقاشات ومراجعات وتعديلات إلى أن وصلت مسودتها الأخيرة ثم طرحت للتصويت، وتم اعتمادها بالغالبية الساحقة وأحيانا بالإجماع.
أولا- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان – 10 ديسمبر 1948
المادة 1. يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلاً وضميراً وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء.
المادة 2. لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أي تفرقة بين الرجال والنساء. وفضلا عما تقدم فلن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي لبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد، سواء كان هذا البلد أو تلك البقعة مستقلا أو تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو كانت سيادته خاضعة لأي قيد من القيود.
المادة 14- 1. لكل فرد الحق في أن يلجأ إلى بلاد أخرى أو يحاول الالتجاء إليها هرباً من الاضطهاد.
ثانيا – الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين – 14 ديسمبر 1951 (وألحق بالاتفاقية بروتوكول 1967 لتوسيع شمولية الاتفاقية) تنطبق لفظة لاجئ على:
المادة 2. كل شخص يوجد، بنتيجة أحداث وقعت قبل 1 يناير 1951، وبسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية، خارج بلد جنسيته، ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يستظل بحماية ذلك البلد، أو كل شخص لا يملك جنسية ويوجد خارج بلد إقامته المعتادة السابق، بنتيجة مثل تلك الأحداث ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يعود إلى ذلك البلد.
المادة 3. تطبق الدول المتعاقدة أحكام هذه الاتفاقية على اللاجئين دون تمييز بسبب العرق أو الدين أو بلد المنشأ.
المادة 4. تمنح الدول المتعاقدة اللاجئين داخل أراضيها معاملة توفر لهم على الأقل الرعاية ذاتها الممنوحة لمواطنيها، على صعيد حرية ممارسة شعائرهم الدينية وحرية توفير التربية الدينية لأولادهم.
المادة 33. لا يجوز لأي دولة متعاقدة أن تطرد لاجئا أو ترده بأي صورة من الصور إلى حدود الأقاليم التي تكون حياته أو حريته مهددتين فيها، بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو بسبب آرائه السياسية.
ثالثا – الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري – 21 ديسمبر 1965
المادة 1. في هذه الاتفاقية، يقصد بتعبير «التمييز العنصري» أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفصيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها، على قدم المساواة، في الميدان السياسي، أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي، أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة.
المادة 4. تشجب الدول الأطراف جميع الدعايات والتنظيمات القائمة على الأفكار أو النظريات القائلة بتفوق أي عرق أو أي جماعة من لون أو أصل اثني واحد، أو التي تحاول تبرير أو تعزيز أي شكل من أشكال الكراهية العنصرية والتمييز العنصري، وتتعهد باتخاذ التدابير الفورية الإيجابية الرامية إلى القضاء على كل تحريض على هذا التمييز وكل عمل من أعماله، وتتعهد خاصة، تحقيقا لهذه الغاية ومع المراعاة الحقه للمبادئ الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
رابعا- الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل – 20 نوفمبر 1989
المادة 20. يتوجب على الدول الأطراف تأمين حماية ومساعدة خاصتين لطفل محروم بصفة مؤقتة أو دائمة من بيئته العائلية وفي هذه الحالة، التأكد من توفير رعاية عائلية أو مؤسساتية بديلة له، مع الأخذ بعين الاعتبار الخلفية الثقافية للطفل.
المادة 22. يتوجب تأمين الحماية للأطفال اللاجئين، أن كانوا وحدهم أو مع والديهم، وتقديم المساعدة الإنسانية الضرورية لهم من أجل التمتع بالحقوق المنصوص عنها في هذه الاتفاقية.
خامسا- الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم – 18 ديسمبر 1990
المادة 1. 1.تنطبق هذه الاتفاقية، باستثناء ما ينص عليه خلافا لذلك في ما بعد، على جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم دون تمييز من أي نوع، مثل التمييز بسبب الجنس، أو العنصر، أو اللون، أو اللغة، أو الدين أو المعتقد، أو الرأي السياسي أو غيره، أو الأصل القومي أو العرقي أو الاجتماعي، أو الجنسية، أو العمر، أو الوضع الاقتصادي، أو الملكية، أو الحالة الزوجية، أو المولد، أو أي حالة أخرى.
2. تنطبق هذه الاتفاقية خلال كامل عملية هجرة العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، وتشمل هذه العملية التحضير للهجرة، والمغادرة، والعبور، وفترة الإقامة بكاملها، ومزاولة نشاط مقابل أجر في دولة العمل وكذلك العودة إلى دولة المنشأ أو دولة الإقامة العادية.
المادة 7. تتعهد الدول الأطراف، وفقا للصكوك الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، باحترام الحقوق المنصوص عليها في هذه الاتفاقية وتأمينها لجميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم الموجودين في إقليمها أو الخاضعين لولايتها دون تمييز من أي نوع، مثل التمييز بسبب الجنس، أو العنصر، أو اللون، أو اللغة، أو الدين أو المعتقد، أو الرأي السياسي أو غيره، أو الأصل القومي، أو العرقي، أو الاجتماعي، أو الجنسية، أو العمر، أو الوضع الاقتصادي، أو الملكية، أو الحالة الزوجية، أو المولد، أو أي حالة أخرى.
لقد كانت ردود الفعل لكثير من المنظمات الدولية باردة وكأن المسؤولين فيها كانوا ينتظرون ردود الفعل المحلية. فلما وجدوها حامية ومتواصلة ومتسارعة أصدروا بياناتهم التي تعبر عن القلق. صحيح هذا هو زمن القلق لنا جميعا فإذا كانت البداية هكذا فكيف نتخيل أربع سنوات من الحكم على هذا المنوال.
محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بنيوجرسي

القانون الدولي وقرارات ترامب العنصرية – انتهاك أرعن في وضح النهار

د. عبد الحميد صيام

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية