القبضة الأمنية الغليظة تغلق الطريق أمام أي مشاركة شعبية حقيقية في فاعليات الانتخابات الرئاسية

حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي» : اهتمامات الأغلبية الشعبية اتجهت إلى موضوعين رئيسيين، الأول فوز فريق النادي الأهلي لكرة القدم على الزمالك بثلاثية نظيفة. والموضوع الثاني كان فتح الباب أمام تلقي طلبات الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية، حيث وقع حتى أمس الأربعاء 10 يناير/كانون الثاني 464 عضوا من أعضاء مجلس النواب على طلبات تأييد لترشيح الرئيس السيسي لفترة ثانية. ومعروف أن عدد أعضاء المجلس 596 عضوا، والقانون يشترط على المرشح للرئاسة الحصول على توقيعات عشرين عضوا من المجلس، أو توقيعات خمسة وعشرين ألف مواطن من خمس عشرة محافظة على الأقل.
وفوجئ الذين ذهبوا لكتابة التوكيلات أنه على قاعدة بيانات الكمبيوتر أسماء المرشحين وهم، حمدين صباحي وعصمت السادات وخالد علي ومحمد عبد المعطي، ولا نعلم أن كانوا سيخوضون الانتخابات أم لا؟ وعلى العموم فإن الذين وقعوا في مختلف المحافظات على وثائق تأييد للسيسي بلغوا ستة وعشرين مليون مواطن، ولو أنهم أدلوا بأصواتهم فعلا فالسيسي ناجح مقدما، لأنه ستضاف إليهم أعداد أخرى، رغم عدم رضاها عن ارتفاعات الأسعار، إلا أن الخوف من أن تتعرض مصر لما تتعرض له سوريا وليبيا واليمن، يدفعهم لطلب الأمن قبل أي شيء آخر.
ومعلوم أن عدد من يحق لهم الانتخاب ستون مليونا لن تزيد نسبة من سيشاركون على النصف أو أقل. واهتمت الصحف المصرية الصادرة أمس الأربعاء بحادثة مقتل المواطن محمد عفرتو في حجز قسم شرطة المقطم، وقرار النيابة بحبس معاون المباحث وأمين شرطة. كما اهتم كثير من الكتاب برواية صحيفة «نيويورك تايمز» عن التسريبات، وأحداث إيران، وكذلك الأزمة بين مصر والسودان وبانتشار الإباحية في المجتمع. وإلى ما عندنا من أخبار متنوعة..

انتخابات الرئاسة

أبرز ما نشر أمس الأربعاء عن انتخابات الرئاسة كان لمحمد الدسوقي رشدي في «اليوم السابع» وكان مقاله بعنوان «فين المرشحين» قال فيه: «كل صاحب مصلحة سواء نصب نفسه معارضا أو ناشطا فيسبوكيا، أو كان إخوانيا يعمل طوال السنوات الماضية لهدف واحد هو تأويل وتحريف كل شيء بهدف الانتقام من الرئيس السيسي، والمؤسسة الحاكمة في مصر. يطرحون الآن أسئلة استنكارية حول عدم ظهور مرشحين في انتخابات الرئاسة، حتى هذه اللحظة، رغم اقتراب موعد بداية السباق! وفي طرحهم يشيرون بشكل مباشر أو غير مباشر إلى أن هذا غرض الدولة وهدفها، وأن الانتخابات فعل غير مرغوب فيه، وأن كل الأمور يتم تسييرها بهدف خدمة مرشح واحد هو الرئيس الحالي، كل هذا الطرح الإخواني هدفه الانتقام من السلطة الحالية وتشويه صورة الرئيس السيسي، كما هي عادتهم خلال السنوات الماضية، بالإضافة إلى محاولة تصدير صورة لمصر في الخارج بأنها ليست دولة انتخابات وديمقراطية. غياب مرشحين أقوياء عن مجال المنافسة في الانتخابات الرئاسية هو مسؤولية المعارضة، أو التيارات التي تشكو من غياب المرشحين أصلا، وليست مسؤولية الإدارة الحاكمة أو القيادة السياسية. أصحاب الشكوى هنا يتهربون من الإجابة عن أسئلة مهمة أين كانوا خلال السنوات الأربع الماضية؟ لماذا تكاسلوا عن إعداد مرشح قوي؟ لماذا لا يتذكرون الانتخابات الرئاسية إلا قبل موعدها بشرط؟ لماذا فشلوا في اكتساب ثقة الناس واحترامهم؟ ومع ما سبق يبقى السؤال الأهم كيف يطلبون من الرأي العام أن ينتظر مرشحهم المجهول بينما أرض الواقع هي ساحة مقارنة يشاهد فيها جموع المصريين رئيسا يتحرك في مختلف الاتجاهات، وينجح في استعادة الرونق المصري على الساحة الدولية، ويضع لمصر قدما في المشهد السياسي الإقليمي والعربي بعد سنوات من الترنح والتيه».

ماذا لو؟

وإلى «المصري اليوم» ومقال محمد أمين الذي جاء بعنون «ماذا لو»:»انطلقت عملية توقيع الاستمارات والنماذج في مجلس النواب لصالح مرشحي الرئاسة، ولم يظهر حتى الآن مرشح رئاسي غير الرئيس السيسي، بدليل أن 400 نائب وقعوا لصالحه حتى كتابة هذه السطور، وهو استفتاء على شخصية الرئيس، ربما يكون مستحقاً، ولكن السؤال الذي يشغلني، ماذا لو لم يترشح آخر فى مواجهة الرئيس؟ هل «يفوز» السيسي بالتزكية؟ هل فكرتم في طريقة من أي نوع لتدارك الأزمة؟ وهل هي أزمة بالفعل، أم أنها أمر جيد؟ منذ أيام أعلن شفيق أنه لن يترشح للرئاسة، واستبق قرارات الهيئة الوطنية للانتخابات.. فيما وُصفت هذه الخطوة بأنها وطنية ونوع من الحكمة والعقل. والآن قد ينسحب أنور السادات، بعد اتهامه بمحاولة إسقاط مجلس النواب. أيضاً خالد علي قد يمنعه مانع قانوني فما الحل؟ فهل يُغلق الباب نهاية الشهر، طبقاً للجدول الزمني، بلا مرشح رئاسي في مواجهة السيسي؟ هل نعود إلى الاستفتاء أو إعلان فوز المرشح بالتزكية؟ ماذا يجري في المطبخ السياسي الآن؟ ما السيناريوهات المتوقعة؟ هل الدولة لديها مرشح آخر يلاعب المرشح الأصلي؟ كيف لم ننتبه إلى هذه النقطة بالضبط؟ هل يترشح «رئيس أحد الأحزاب»؟ العلم عند الله. أدهشني أن هناك محاولات لإخلاء الساحة أمام الرئيس السيسى كمرشح وحيد. وأدهشني أن الأجهزة أقنعت شفيق بعدم الترشح، والآن هناك محاولات لإرهاب أنور السادات بكلام هنا أو هناك.. لا أعرف دواعي فتح ملف «نائب ساقط العضوية» الآن.. هل كانت الحملة هدفها عدم إقدام أي نائب لتوقيع استمارة لصالحه؟ ثم ماذا بعد؟ هل أنور السادات «يهدد» بإسقاط الدولة؟ فهل مصر يمكن أن تسقط لأن أي نائب سابق يريد أن يترشح؟ وهل برلمان مصر يمكن أن يسقط كأنه علبة كرتونية؟ لا البرلمان كرتون، ولا مصر دولة كرتونية.. مصر أكبر من أن يُسقطها أحد لأنه يدخل فى سباق الانتخابات.. مصر لم تسقط بالحروب، فكيف تسقط بالترشح للانتخابات؟ الانتخابات ليست عيبا ولا حراماً.. التزكية هي العيب فى وطن قوامه 100 مليون مواطن. الحملات الحالية ضد المرشحين المحتملين لا تختلف عن الحملات التى كان يقودها الرئيس السادات نفسه في خطاباته الرسمية، ضد فؤاد باشا سراج الدين، وخالد محيي الدين.. مع الفارق طبعاً هنا وهناك.. فكان يصف الأول بأنه لويس السادس عشر، ولا ندري ما العلاقة؟ ويصف الثاني بأنه الصاغ الأحمر، في إشارة إلى أنه شيوعي ميعرفش ربنا. كان هدفه الإطاحة بهما فما السيناريو المقبل؟ ماذا لو أعلن أنور السادات بعد شفيق عدم الترشح خشية التشويه؟ ماذا لو منعت الموانع القانونية خالد علي؟ هل الشعب لا يريد الانتخابات؟ هل معنى شعبية الرئيس ألا يترشح أحد؟ هل نعود للاستفتاء؟».

انتخابات بطعم الاستفتاء

انتخابات 2012 الرئاسية حسب رأي مي عزام في «البديل» كان فيها زخم إعلامي وحراك سياسي ومشاركة شعبية واسعة، كان متاحا لجميع المرشحين إقامة مؤتمرات شعبية في كل مكان والظهور في مناظرات إعلامية، كانت الدولة بمؤسساتها على مسافة واحدة من جميع المرشحين، وكذلك الإعلام الخاص والتابع للدولة، وفي جولة الإعادة بين شفيق ومرسي لم يتغير الأمر، واستمرت المنافسة الحقيقية بينهما، وحتى اللحظات الأخيرة لم تكن النتيجة محسومة لصالح مرشح منهما، هذا المناخ لم يتحقق في انتخابات 2014، كانت المنافسة محصورة بين اثنين: عبد الفتاح السيسي وحمدين صباحي، وكانت النتيجة متوقعة ومحسومة لصالح السيسي، رغم عدم تقدمه ببرنامج، كان «مرشح الضرورة» كما أطلق عليه محمد حسنين هيكل حينذاك. إحجام رجالات مصر من أصحاب القيمة والقامة عن منافسة السيسي في الانتخابات الرئاسية، نتيجة طبيعية لما حدث خلال السنوات الأربع الماضية، الحراك الشعبي والتنافس السياسي لم يعد مطلوبا، أو مرغوبا فيه. أفق الحلم بالتغيير وتحقيق أهداف ثورة يناير/كانون الثاني لم يعد مطروحا، حق التظاهر وحرية التعبير دخلا ضمن أعمال الشغب وتكدير الأمن العام، الذي يعاقب عليهما القانون، قانون الطوارئ جعل الجميع تحت المراقبة، تهم مطاطية تلصق بالناشطين السياسيين وأعضاء في أحزاب تمنعهم من ممارسة حقهم في المشاركة السياسية ومنها: تكدير الأمن والسلم العام، محاولة قلب نظام الحكم، إهانة الرئيس، الالتحاق بعضوية جماعة محظورة، خيانة الوطن والتعامل مع وسائل إعلام معادية وغيرها. القبضة الأمنية الغليظة تغلق الطريق أمام أي مشاركة شعبية حقيقية في فاعليات الانتخابات الرئاسية، وهي فاعلية لا تأتي إلا كل 4 سنوات والتحضير لها، لا يكون فقط بتأمينها وضمان سيرها على أكمل وجه، ولكن بتأمين الحريات العامة وضمانها. الانتخابات الرئاسية 2018 في مثل هذه الأجواء، ستكون انتخابات بطعم الاستفتاء ونكهة الفوز بالتزكية، انتخابات تتجاوز تكلفتها المليار جنيه كما نشر، لكنها لن تساهم في تحسين صورة مصر في الخارج ولا في زيادة شعبية الرئيس السيسي في الداخل. لكنها انتخابات الضرورة، فبدونها لن تكون هناك شرعية لاستمرار الرئيس السيسي في حكم مصر».

لم التفاجؤ بالتسريبات؟

جمال سلطان في «المصريون»: «مندهش جدا من الضجيج الذي يحدث حول التسريبات التي نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» وأعادت بثها قنوات معارضة في الخارج، وتشير إلى أن شخصا تزعم التسريبات أنه يتبع جهازا أمنيا يتصل بإعلاميين ويوجه لهم نصائح، وربما تعليمات بما يجب عليهم أن يقوموا به أو يقدموه أو يتعاملوا به مع الشخصيات السياسية أو غيرها، التي تتحول إلى رقم في الحياة السياسية، أو يتصل بفنانات شهيرات ويطلب منهن عمل مداخلات في برامج معينة وأحيانا يؤقت لهم بالساعة الوقت الذي يشاركن فيه، ودهشتي هي تجاه من عرض تلك التسريبات واعتبر أنها اكتشاف، وكذلك الآخرون الذين يقاتلون من أجل إنكارها أو الحديث عن أنها مزورة أو أن إعلاميا إخوانيا مثّل هذا الدور، فهل كان أحد من الطرفين يتصور سلفا أن بعض الوجوه التي نراها على الشاشات تتحدث بتلقائية في الاشتباك السياسي المتشعب والمتوتر في مصر الآن؟ أو أنها تعمل بدون الرجوع إلى «مرجعيات»، وتفتح النار على هذا وتسب ذاك وتثير تلك القضية وتفتح المجال لهؤلاء الضيوف وتحظر آخرين، كل ذلك في جو من الحرية المطلقة؟ الإملاءات الإعلامية حالة مفروغ منها في الظروف الحالية، وبعض من يتصدرون المشهد الإعلامي، وهم عديمو الكفاءة تقريبا لم يحصلوا على «طلتهم» على الشاشة إلا بموجب معايير متصلة بمدى الطاعة والإخلاص والتفاني في خدمة تلك الإملاءات، ومن اعترض طُرد، كما أن هؤلاء جميعا تقريبا لا يعتبرون ذلك مسألة مشينة، أو خادشة للسمعة، فأغلبهم لم تكن له سمعة إعلامية من قبل أصلا، ويعتبرون ذلك فرعا من فروع الوطنية، والولاء للوطن.. كما أن جميع الصحف بلا استثناء مراقبة الآن، وتعمل وفق سقف محدد، ولا تستطيع أن تتجاوزه، رغم أن هذا محظور بنص الدستور نفسه، لكن لأن الدستور كتب بنوايا طيبة فليس من الضروري الالتزام به دائما، ويمكن وقف طباعة أي صحيفة، أيا كانت، لمراجعة بعض المواد واستبدالها بمواد أخرى، صحيح أنه لا أحد يفرض عليك نشر مادة بعينها، خاصة في الصحف المستقلة، في حدود علمي، ولكن يفرض عليك حذف مواد، والشاطر من يعرف السقف المتاح ويعمل في حدوده، حتى لا يتعرض للخسارة والإرهاق المادي والمعنوي، وهذا ما تسبب في ضعف الصحافة المصرية الآن وهزالها المهني، وانصراف القارئ عنها وتدهور المبيعات وتراجع مذهل في كميات الطبع. الخوف من الإعلام ودوره السياسي، والبحث عن «أذرع» إعلامية موالية، كان هاجسا كبيرا للرئيس عبد الفتاح السيسي حتى قبل أن يتولى الرئاسة، وله تسجيلات منشورة، وليست مسربة، عن هذا الأمر، ولذلك فإن الفريق الذي يعمل معه يولي هذا الجانب أهمية قصوى، أكثر من أي نشاط عام آخر، كما أن هناك في مصر الآن رؤية رسمية ترى أنه ليس مفيدا ولا مطلوبا أن يهتم الإعلام بمخاطبة النخبة والطبقة الوسطى التي هي قادرة على الفرز، وتملك وعيا سياسيا متطورا، وترى أنها لن يمكنها إرضاء هؤلاء أو استيعابهم بخطاب إعلامي إلا بخسارة كبيرة وتنازلات غير محتملة حاليا، ولذلك هم يرون التركيز على الخطاب الإعلامي السطحي والبسيط والديماغوجي، الذي يخاطب العوام والمستويات الاجتماعية الأقرب للأمية السياسية، أو حتى الأمية الحقيقية، ويأتون بإعلاميين مناسبين لهذه النوعية المستهدفة. الإعلام المصري هو الخاسر الأكبر في المعترك السياسي الذي أعقب 30 يونيو/حزيران بدون شك، كما أن مصر نفسها، بقوتها الناعمة وحضورها التاريخي في المنطقة وسبقها في هذا المجال، خسرت الكثير من مكانتها وريادتها، وأصبح بديهيا أن أهم منابر الإعلام العربي، صحافة وتلفزيونا، ليست هي التي تصدر من مصر، هذه خسارة كبيرة ومؤلمة لنا معشر الإعلاميين، رغم أن مصر لا ينقصها كفاءات ولا مواهب فذة في مختلف قطاعات الإعلام، ولكن الإدارة السياسية المهيمنة وأدواتها نجحت في صناعة هذا المناخ القاتل لأي موهبة والمهمش للطاقات والمسيء لصورتنا في الخارج».

تحت شمس المحروسة

«بمجرد وقوع «واقعة المقطم»، بادرت، كما يرى محمود خليل في «الوطن»، بعض المصادر الأمنية إلى تأكيد أن الشاب العشريني «عفروتو» مات داخل قسم المقطم، نتيجة تعاطيه جرعة زائدة من مخدر «الأستروكس»، في حين سارعت أصوات ناشطة على شبكات التواصل الاجتماعي إلى الحديث عن أن الشاب مات تحت التعذيب داخل القسم، وأن غضبة أهالي وأصدقاء القتيل كان لها ما يُبررها، وهي الغضبة التي أسفرت عن حرق وتحطيم سيارات شرطية، والقبض على أكثر من 40 شخصاً من المتجمهرين. في النهاية حسمت نيابة حوادث جنوب القاهرة الكلية الأمر، حين قرّرت حجز معاون مباحث القسم وأمين شرطة بتهمة قتل «عفروتو»، على ذمة تحريات الأمن العام، كما قرّرت حبس 43 متهماً بالتعدّي على القسم لمدة 4 أيام على ذمة التحقيق. لا جديد تحت شمس المحروسة، سواء في ما يتعلق بالطريقة التي أدت بها المصادر الأمنية، التي أفصحت أو لم تفصح عن هويتها، وكذلك الحال بالنسبة لوسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي. المصادر الأمنية تبنّت رواية تقول إن الشاب تناول جرعة زائدة من المخدر، أدت إلى وفاته بعد نقله إلى المستشفى، وإنه لم يمت في القسم، وبدأت بعض المواقع تتداول صوراً للشاب تظهر سلامة جسده، حيث تردّد أنه أصيب بتهتّك في الطحال والأمعاء ونزيف داخلى. مَن مصدر هذه الصور؟ وكيف رخصت بعض وسائل الإعلام لنفسها نشرها؟ وكيف تم إعدادها؟ لا أحد يدري. فوجئنا بعد ذلك ببعض الأصوات الإعلامية التلفزيونية تبث لنا فيديوهات لوالد الشاب المتوفى، وأخيه يؤكد الأول فيها أمام مجموعة من الضباط أن ابنه الضال هو الذي أودى بنفسه إلى المهالك، بسبب تعاطيه وتجارته في مخدر «الاستروكس». ويشير فيها أخوه إلى أن «عفروتو» مات موتة ربنا. كل هذا حتى يُبرّئوا الداخلية قبل أن تقول النيابة كلمتها في الأمر. مَن الذي أعدّ هذه الفيديوهات وما ظروف إعدادها؟ لا أحد يدرى. هذا النمط من الأداء أعطى الفرصة كاملة لوسائل التواصل الاجتماعي لتنقل رواية أخرى عن الحدث، تؤكد أن الشاب مات تحت التعذيب، وأن غضبة الأهالي كان لها ما يبررها. ما مصادرهم في تلك الرواية؟ وما سر ثقتهم في أن الشاب مات قتيلاً؟ الإجابة في أحشاء مواقع التواصل. أن يموت مواطن على يد صاحب مهنة معينة أمر وارد، هناك من يموت بسبب أخطاء طبية أو أخطاء قيادة، لكن الأمر يتعقّد عندما يموت المواطن داخل مكان يُفترض أن يُحقّق له الحماية تحت مظلة القانون، مثل قسم الشرطة. الحل الأمثل في مثل هذه الأحوال يتحدّد في التعامل الشفاف والصريح مع ما حدث. كل مهنة فيها الصالح والطالح، المهم المكاشفة، ومحاسبة من أخطأ أو تسبّب في إزهاق نفس بغير الحق. الولع بالتستّر والمبالغة في الإخفاء، وتوظيف أدوات الإعلام في خداع الناس، هو السر وراء قناعة كل من تعرّض لهذا الموضوع على مواقع التواصل بأن الشاب قُتل، حتى قبل التأكد من المعلومة. نمط أداء المصادر الأمنية والإعلامية واحد من الأسباب المفسّرة لغياب الثقة في الجهازين الأمني والإعلامي».

الأزمة مع السودان

وإلى الأزمة الحالية بين مصر والسودان وأدت إلى سحب السودان سفيره من القاهرة وقال عنها في «المصري اليوم» الدكتور عمرو الشوبكي وعن تبادل الاتهامات على وسائل التواصل الاجتماعي: «بعض البؤساء في مصر ممن يهدمون تاريخ هذا البلد يتحدثون بغرور أجوف في بلد قاد التحرر الوطني «لأنه كان مستعمرا أيضا وواقعا تحت الاحتلال» كمصر عن حقبة استعمارية طواها العالم، ويعايرون السودان باستقلاله ويطالبون بكل تخلف بعودة السيادة المصرية عليه، في حين أن استقلال السودان عن مصر لم يكن فقط الموقف الصحيح أخلاقيا وسياسيا، إنما هو الذي فتح الباب للتأثير المصري في إفريقيا حين طبقت على نفسها ما رفعته من شعارات التحرر والاستقلال. يقينا العلاقات بين البلدين فيها مشكلات سياسية كثيرة ومواقف الحكومة السودانية عدائية في أكثر من ملف يخص مصر، سواء ما يتعلق بسد النهضة أو بترسيم الحدود، خاصة بعد أن أصبح السودان الرسمي جزءا من سياسة المحاور في المنطقة، واختار التحالف مع كل النظم التي لديها علاقات سيئة مع مصر. الحكم في السودان لديه مشاكل داخلية عديدة ويحاول تغطيتها بالهجوم على مصر وتصويرها على أنها مصدر الخطر والشرور للسودان، في محاولة لخلق «عدو خارجي» يشغل به شعبه عن أزماته الاقتصادية والسياسية العميقة. لن تحل المشاكل العالقة بين البلدين بسحب السفير ولا بشتائم وبذاءات إعلامية، ولا بخطابات عنصرية جاهلة تنسى أن ما بين الشعبين من وشائج التاريخ والجغرافيا أكبر من خلافات السياسة».

السلطة زائلة والشعوب باقية

وفي «الأهرام» قال فاروق جويدة: «سيطرت على سلطة القرار في مصر والسودان معا حساسيات لا يعرف أحد أسبابها، وقد وصلت أحيانا إلى التراشق بالنيران في مناسبات كثيرة، والأخطر الآن هو التراشق الإعلامي البغيض الذي لا تراعى فيه مصالح الشعوب وأقدار البشر. إن السلطة أي سلطة زائلة مهما طال بها البقاء، والشعوب هي التي تدفع الثمن دائما، ونحن في فترات كثيرة أهملنا السودان الجوار والأهل والسند، وتنقلنا بين علاقات دولية كثيرة افتقدت الندية والتوازن، رغم أن السودان كان الأحق والأجدر بأن نبني معه مستقبل بلدين وليس بلدا واحدا. إن خيرات السودان وأرضه وثرواته تكفي العالم العربي كله، ومصر بقدراتها وثرواتها المنهوبة تكفي لبناء أوطان متقدمة، ولكن أشياء صغيرة غيّرت المسارات وأجهضت الأحلام، حتى صار السودان أكثر من وطن وعبثت به الحروب الأهلية في أكثر من مكان، رغم انه بكل الحسابات دولة كبرى في كل المجالات. أرجو أن نعالج الأمور بين القاهرة والخرطوم بشيء من الحكمة بعيدا عن عنتريات بعض المسؤولين الذين يبحثون عن دور وسط ركام أحلام شعوب تمزقت بين الجهل والارتجال وغياب المسؤولية. لا أتصور السودان إلا في قلب كل مصري ولا أتصور الكنانة إلا في قلب الملايين من أشقائنا في السودان قليل من الحكمة قبل أن يجرفنا الطوفان».

حالة تنافس

وحتى «الأهرام» في تعليقها على زيارة أسياس أفورقي رئيس جمهورية إريتريا أشارت إلى السودان بقولها: «الأوضاع في منطقة القرن الإفريقي تستلزم التشاور المستمر، فهناك أهمية خاصة لهذه المنطقة وهي جزء من الأمن القومي المصري، وتشهد هذه المنطقة الواقعة على مدخل البحر الأحمر الجنوبي حالة تنافس أمني وعسكري واقتصادي كبير وسط صراع دولي على الوجود فيها، ليتحول البحر الأحمر من بحيرة عربية إلى ساحة دولية مفتوحة. ولدى مصر اهتمام كبير بالقضايا المتعلقة بهذه المنطقة مثل، الوضع في الصومال والتعاون مع إريتريا إلى جانب الاهتمام الكبير بالسودان بوصفه جزءا لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، لذلك تتعاون مصر مع كل دول المنطقة ومنها إريتريا لضمان استقرار الأوضاع، خاصة أن منطقة القرن الإفريقي بقيت مهملة ومنسية فترات طويلة، رغم أهميتها للأمن القومي العربي وتعمل مصر على تعزيز أواصر التعاون مع دول المنطقة من أجل حماية المصالح المشتركة ومواجهة كل ما يمس الأمن القومي».

سد النهضة

«عندما يؤكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أننا لن نسمح أبداً بوجود مشكلة مياه في مصر فإنه يعني ما يقول..حسب رأي محمد فودة في «المساء». المياه بالنسبة لأي شعب معناها الحياة، وبالنسبة لشعب مصر تعني أكثر من الحياة، بها نرتوي، وبها ننتج الثمار والمحاصيل، وهي التي تطفئ عطش الأرض «وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حباً فمنه يأكلون. وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون. ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون». الرئيس كشف عن برنامج طموح وضخم في تاريخ مصر لمواجهة أي مشكلات محتملة في المياه، هناك مشروعات لمحطات المياه والتحلية والمعالجة الثلاثية لتعظيم الموارد المائية. إذن نحن بدأنا هذا المشروع الطموح للتغلب على مشكلة المياه.. وتبقى بعد ذلك حصة مصر من مياه النيل التي لن نفرط فيها، رغم العقبات التي تضعها كل من إثيوبيا والسودان في مباحثات سد النهضة. ونخص بالذكر هنا اللجنة الفنية الثلاثية. سامح شكري وزير الخارجية قال إن مصر لم تتلق رداً من السودان أو إثيوبيا حول مقترح إشراك البنك الدولي كطرف فاصل في المفاوضات الفنية لسد النهضة.. وإن هذه المفاوضات فنيه بالأساس. وما تم فيها حتى الآن لا يعبر عن مراعاة المصالح المشتركة. أكد وزير الخارجية أن مصر ليس لديها رغبة في إثارة أي توترات في العلاقات مع السودان وإثيوبيا بسبب مفاوضات سد النهضة. وأن ذلك يتم وفق وجود إرادة سياسية لدى الأطراف الأخرى، وهو ما تراقبه وتقيمه مصر. والسؤال هنا، ما هي الخطوة التالية بشأن مفاوضات اللجنة الفنية الثلاثية؟ الأمر بالنسبة لإشراك البنك الدولي الذي اقترحته مصر يحتمل جانبين اثنين، إما ان ترد كل من إثيوبيا والسودان بالإيجاب على اشراك البنك الدولي.. وفي هذه الحالة ترضى الدول الثلاث، وإما أن تتجاهل الدولتان الأمر ولا ترد بالإيجاب أو السلب، وفي هذه الحالة تكون المشكلة قد تعقدت،
وعلى مصر في هذه الحالة ان تلجأ لحلول أخرى، بحيث تضمن حصتها من مياه النيل. ويكون ملء خزان سد النهضة في السنوات التي تحددها مصر حتى لا يؤثر على كمية المياه الواصلة إليها. لست أدري ما هي الوسيلة أو ما هي الحلول التي ستتخذها مصر للتغلب على هذه المشكلة، لكن الخارجية المصرية لديها من الحلول والبدائل ما يمكنها وفقاً لمبادئ القانون الدولي من ضمان حصة مصر من مياه النيل».

التموين والرقابة على الأسعار

«مشكلتنا الحقيقية في مصر كما يراها طارق يوسف في «الوفد» هي أننا لا نعرف أين نسير ولا نتحسس مواقع أقدامنا، ونمشي على قدم واحدة، إذا لزم الأمر، وننبطح إذا ترك الحبل على الغارب، فعلى سبيل المثال وزارتا التجارة الداخلية والتموين أعلنتا أكثر من مرة أنه لا رقابة على الأسعار في مصر، ولا توجد تسعيرة جبرية لأي سلعة، وأن كل المنتجات تخضع للعرض والطلب والسوق المفتوحة. وهذه التصريحات أطلقت العنان للتجار والسماسرة وسلاسل رجال الأعمال أن تلهب ظهورنا وتكوي جباهنا بأسعار لم تشهدها مصر من قبل، وبعد أن شعر أصحاب هذه القرارات من المسؤولين بأن نيران هذه الأسعار طالت ظهورهم وبدأت تهدد دخولهم المرتفعة، التي لم تجد مع الانفلات التسعيري، بدأوا يشعرون بأن تصريحاتهم بخصوص المواطنين الغلابة، التي كانت للاستهلاك المحلي، أصبحت أمراً ملحاً لهم قبل الغلابة، فبدأوا يفكرون في لحس تصريحاتهم السابقة وإصدار تعليمات مشددة لأجهزتهم الرقابية العرجاء بمراقبة الأسواق، والتأكد من وضع الأسعار على المنتجات، أي أن الجمل تمخض فولد فأراً. ونقول لهؤلاء الجهابذة وهل تعرفون أنتم (وزارة التموين) تكلفة المنتجات داخل هذه المصانع؟ وراقبتم صناعتها وتسويقها والدعاية لها حتى تعرفوا ما يضعونه من أسعار على منتجاتهم، وهل هو حقيقي أم زائف؟ وهل لديكم القدرات والمهارات ووسائل التكنولوجيا للمفاضلة بين طريقة التصنيع واختلافها من شركة لشركة؟ وهل الخامات التي تدخل في صناعة السلع والمنتجات محلية الصنع أم مستوردة؟ وهل هي مستوردة من دول مثل الاتحاد الأوروبي؟ أم من الدول الآسيوية أو غيرها؟ حتى نحدد الفرق في الجودة والأسعار. وإذا سلمنا بكل ما تحدثنا عنه فوزارة التموين التي شاخت وبلغت من العمر أرذله، وخرج نصف رجالها للمعاش، والنصف الآخر ينتظر دوره خلال سنوات قليلة، ورجال مصيلحي في المصالح التموينية على مستوى الجمهورية لا يستطيعون مراقبة أسواق ولا محلات ولا مصانع ولا أفران ولا مطاحن لكى نطالبهم بعبء آخر، ونطلب منهم مراقبة أسعار السلع، وهم لا يملكون سيارات يتنقلون بها، ولك أن تتحقق من صدق ما أقول يا معالي الوزير مصيلحي، وأن تقوم بجولة على مديريات وإدارات التموين في المحافظات لترى سيارات متهالكة (وبتشتغل زق) ومعظمها ماركات الثمانينيات، لا تواكب سيارات الدفع الرباعي التي يمتلكها الجشعون والمحتكرون، الذين يعلمون قدرات هذه الحملات التموينية الكسيحة وتجعلهم في مأمن من تصريحات الوزير والحكومة بأنها فشنك، ولن يلتزموا بها ولن يجني الغلابة إلا مزيداً من القهر والظلم. وأختتم مقالي برباعية من تأليفي تقول: فلت عيار السلع.. والدنيا قادت نار.. وكله ولى وخلع… وسابونا للتجار وأما شكيت بلوتى… طلع البعيد سمسار أم قال ده عرض وطلب… وافهم بقى يا حمار».

القبضة الأمنية الغليظة تغلق الطريق أمام أي مشاركة شعبية حقيقية في فاعليات الانتخابات الرئاسية

حسنين كروم

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية