يعيش المسلمون اليوم – ومنذ قرون- حالة من التيه الفكري والروحي والحضاري الذي يمكن أن يرجع إلى عوامل عدة، لعل في مقدمتها نوعية القراءة التي يقاربون بها تراثهم بشكل عام، ونصوصه المقدسة على وجه الخصوص.
جانب من مشكلة المسلمين في علاقتهم بالنص المقدس اليوم تكمن في أن قداسة هذا النص لديهم منعتهم من الاقتراب أكثر منه، لاستكناه عوالمه البعيدة، تحقيقاً لشروط قداسته، بل إنهم تصوروا هذه القداسة على شكل جدار عازل يمنعهم من «مقاربة / ملامسة/ قراءة/ تدبر هذا النص بمنهج حديث، يعيد إليهم الروح الذكية التي حركت أسلافهم، وحررتهم من قيود الكهانة/العيافة/القيافة/التوسم، التي رفضها القرآن، باعتبارها مناهج تقليدية في القراءة والنظر إلى الكون والأشياء، مطالباً بإلغاء كل تلك الطرائق، واعتماد «القراءة» منهجاً جديداً للفهم والتصور والتفكير، كما جاء في أول كلمة نزلت من القرآن.
لقد ظن العقل المسلم التقليدي أنه يحترم النص المقدس بإحاطته بشيء من القداسة غير الحقيقية، فيما هو في الحقيقة، يجعل بينه وبين النص سُجُفاً تمنع ملامسته لتوليد طاقاته الروحية واللغوية الهائلة، التي كان يمكن أن تساعد المسلم في ارتياد مديات وآفاق واسعة. الواقع أن إغلاق النص على مجموعة محدودة من القراءات (التأويلية لا القرآنية) ليس من تقديسه في شيء، كما أنه ليس من تقديس النص اعتماد منهج محدد في القراءة الدلالية، بل على العكس فإن ذلك التحديد يتعارض مع قدسية النص، في الوقت الذي يمكن أن يشكل فتح النص للقراءات المتعددة وسيلة إثراء، تتناسب ومصدر القداسة في هذا النص. إن اعتبار القداسة قرينة الرهبة والخوف منع المسلمين من انتهاج المقاربة الفاعلة لنصوصهم المقدسة، تلك المقاربة التي كان يمكن أن تعطينا قراءتنا نحن، لا قراءة غيرنا من الأسلاف. ولذا فإن المسلمين اليوم مطالبون بفهم القداسة بمعنى إيجابي يفتح النص لجميع قرائه، لفهمه وتلقيه، دون الحاجة إلى وسائط كهنوتية توصلنا إلى معانيه وأبعاده، ما دام أن المتلقي يمتلك أدوات اللغة الصافية والمنهج المناسب.
لقد ورد في القرآن مفهوم «تيسيره للذكر»: «ولقد يسرنا القرآن للذكر، فهل من مدّكِر»، والذي يجعل «التيسير» طريق «التفكير»، وهو يتنافي مع خوف المسلمين من مقاربة النص بطرائق حديثة، لأن «التيسير» يعني انفتاح النص على «التفسير» والقراءات الجديدة، كما يعني-حسب علم اللغة-نزول النص من «مستوى اللغة» إلى «مستوى الكلام»، أو من مستوى المعنى السماوي المقدس إلى مستوى الدلالة البشرية الميسرة، بشكل لا يعيق عمليات التأويل القائم على منهجية عدم اعتساف النصوص الذي ندد به القرآن، في قوله «يحرفون الكلم عن مواضعه».
دعونا نقول إن «النص الديني» ثابت و»النص الكوني» متغير، ولا بد من عمليات تفاعل مستمر بين النصين: الديني والكوني، أو بين «النص الثابت» و»النص المتغير». وهذا التفاعل الإيجابي هو الذي ينبغي أن ينتج قراءتنا المعاصرة للنصوص الدينية، التي يمكن أن يلعب السياق دوراً كبيراً في توجيهاتها. إن جمال النص القرآني يكمن في مدياته الدلالية، وإذا كان الكشف عن «المعنى الأمي/الأصلي» من وظائف علم التفسير، فإن البحث عن «المعنى الدلالي» يعد من اختصاص علم التأويل، وهنا تتم عملية التخصيب الناجح بين النص وعقل القارئ، وبين النص وشعور القارئ، وبين النص الثابت والواقع المتغير، بحيث تحدث عمليات مفاهيمية متشعبة للوصل لا إلى «تقشير النص» بل إلى «تفسير النص»، ومن ثم الانطلاق إلى تأويله البعيد، ذلك أن القراءة الثرية للنص تقوم على الانطلاق من استيعاب «المعنى الأمي» و»المعنى الدلالي» للنص، على اعتبار أن الأول هو المعنى المباشر الذي يمكن للتفسير أن يميط لثامه، ليسلم النص في ما بعد للتأويل الذي يكشف عن معناه الدلالي، وظلاله الإيحائية المرتبطة بالمتغيرات الزمكانية الطبيعية.
ويبدو هنا نوع من المخاوف- لدى البعض – من اعتماد منهج حديث في القراءة، هذا الخوف نابع من كون نظريات «ما بعد البنيوية» عمدت إلى تفكيك بنية النص في رد فعل تعسفي على «الطروحات البنيوية» التي ركزت أداءها على «جسد النص»، حسب رولان بارت. هذا التفكيك أدى إلى انفجار «نواة اللغة»، وانهيار «هيكلية النص»، الأمر الذي أدخل النص في مجموعة من «التهاويم غير الواعية»، التي أراد مُتَوَسِّموها البحث عن دلالات النص العميقة، فضيعوا معناه ومبناه. غير أن فعل القراءة المطلوب اليوم لا ينصرف إلى ذلك الفعل «التفكيكي» الذي ينظر إلى النص على اعتبار أنه «عماية لغوية»، يقوم المتلقي/القارئ بتفكيكها، ومن ثم إعادة تركيب دلالاتها وإيحاءاتها بطريقة تؤدي إلى ضياع متعمد للمعنى الأُمّي للنص للدخول في «عماية الدلالات» التي نتحصل عليها باعتساف النص ولَيّ بنيته اللغوية لتصبح خاضعة لسلطة الأهواء والأمزجة.
لا خوف- إذن- من الانزلاق في هذا المنزلق الذي وقعت فيه بعض التأويلات المنبتة عن جذر النص اللغوي، لأن القراءة المطلوبة هي تلك التي تنطلق من «جسد النص» إلى معناه الأمي، ثم تحلق منطلقة من المعنى الأمي إلى مدياته الدلاية البعيدة في تجلياتها الأبستميولوجية والهرمنيوطيقية المختلفة، التي تنفتح على الفروقات الثقافية والاجتماعية والسياسية والفكرية المتشعبة. ولعله من المفيد هنا أن نذكر أن الاسم الأشهر للكتاب المقدس لدى المسلمين هو «القرآن»، وهذه التسمية تنفتح على فعل القراءة بآفاقها الواسعة. وبمناسبة ذكر هذه التسمية فإنه ينبغي التذكير بأن الكلمة الأولى في الوحي الإسلامي كانت «اقرأ»، وهذه الكلمة يمكن أن تكون «الكلمة المفتاحية» في العلاقات التفاعلية التي يراد لها أن تكون بين النص القرآني وقارئه.
إن ورود «فعل القراءة» في مفتتح الوحي على النبي في صيغة الأمر، وهو في الغار، يمكن أن تشكل المعنى الأمي للكلمة «اقرأ»، وهو الذي يمكن الانطلاق منه لفهم كون هذا الفعل الصادر للنبي في الغار، منصرفاً في معناه الدلالي إلى كل المسلمين وكل الناس خارج الغار.
ثم إن الآية التي ورد فيها الفعل «اقرأ» وما بعدها من آيات لم تحدد للنبي، ولا لأي من القرّاء ماذا يقرؤون. ولعل في هذا إشارة دقيقة إلى أن فعل القراءة المطلوب في القرآن يشمل قراءة «النص الديني»، و»النص الكوني»، وهذا يعني ضرورة قراءة النص والكون والمواقف والأحداث والظروف قراءة مترابطة، ذات مغزى تعود بالنص إلى مآلاته الحقيقية التي يمكن أن تنفتح بطرق مختلفة لقراء مختلفين في أمكنة وأزمنة مختلفة كما مرّ معنا. ولكي لا تضيع منهجية القراءة في «عماية التفكيك»، جعلت الآيات القراءة مرتبطة «باسم ربك». «اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم».
وهذا يعني وجود علاقة تفاعلية بين فعلي: «القراءة» و»الخلق»، أو بين فعلي: الرب الخالق والإنسان القارئ، إذ أن عمل الإنسان هو أن يقرأ/يفكر، فيما عمل «ربك» أن يخلق»، وبين فعلي «القراءة» و»الخلق» تتم عملية التفاعل القرائي الذي يراد للقرآن أن ينفتح عليه، بالانطلاق من النص لأنه «عالم لغوي» إلى العالم باعتباره «نصا كونيا» في عملية تفاعل مستمر يمكن أن تفضي بالمسلمين، إذا ما ساروا فيه، إلى الخروج من عمايتهم الحضارية إلى آفاق النور والهدى والرشاد.
كاتب يمني من أسرة «القدس العربي»
د. محمد جميح
عزيزي الكاتب المحترم : هذا موضوع استراتيجي وانقلابي في الفكروعلى السلوك ؛ وبه حاجة لعدة أيام من العرض ليأخذ فرصته من التفاعل وليس ليوم واحد فقط.باديء ذي بدء إنْ شاء الله سنعلّق عليه بما هوأهل له وأنعم به من موضوع ؛ بشأن تاج رؤسنا القرآن ؛ وأقترح بين يديك ؛ نقل الموضوع إلى الصفحة الثقافية ؛ وعدم تركه كالمواضيع السياسية السريعة التغييرللعرض والقراءة ؛ ليوم وليلة فقط.مع محبتي ومودتي لكم.
نعم لقد نزل القرآن الكريم بلسان عربي مبين, ولكن لماذا قال الله لنبيه{وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا}؟ ولا حول ولا قوة الا بالله
تحية الثلث الاخر الذي يلقي بظلال الذكر المجيد على كل قلب متفكر سيار ! في كون الله ؛حافظ للذكر المجيد في شغاف قلبه يرى ما وراء الاشياء متجللا بمشكاة الذكر المجيد الذي يلقي وحيه روحا جديدة في قلوب انجلت ابصارها فرأت ما وراء الحجاب وسافرت على ضفاف الروح كشعاع الق يكشف حجب الفكر وظلامات الضلال ويعلن بصيرته كوكبا دريا يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولة لظ تمسسه نار نور على نور … انت يا ابن اليمن ما اجمل روحك التي تنحني على جراح امة اذاها اميون لا ينطلقون الى افاق (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا ) في اشارة حاسمة الى تجدد لا يبلى وكنوز روحية ومعنوية وتشريعية لا تبلى بل تمضي كشمس متجددة مع حركة الزمن .. كم احب رؤياك المعتدلة وجمالات روحك القلقة على كنز الذكر المجيد ان تفنيه ارواح بالية لا تبصر مز خلف حجب الفكر وضلالات رفض البعد السماوي العميق الذي اراده العليم الخبير وضلالات التطرف في التناول بين الامي وكاسر عنق النص ليوافق هواه …
اقرأ تعني اجمع معانيه ورتله باسم ربك الذي خلق الانسان من علق وتجلى كرم الله المجيد في تعليمه بالقلم الانسان ما لم يعلم وهي دلالة واضحة لكل من يقرأ قوله تعالى اقرأ اي اجمع ما خفي من دلالات النص وما وراء وراء ظاهر التفسير الامي اجمع كل فتوحات الله على علقة تطورت بنفخ روح الله فيها وعلمها بالقلم الذي خط رزقا للعباد في الفهم والعلم فعلمه ما لم يعلم من قبل وما لم يكن ليعلم لولا ان الله علم بالقلم مضغة اصبحت انسانا كريما خلع عليه العلي القدير خلعة العلم وقراءة كل كنوز الدلالات المتجددة عبر الزمن ..
قارئة تحبك من قلبها
غادة الشاويش
فعلا هذا هو المطلوب في هذه الجزئيه.لقد اصبت ايها الكاتب العميق المميز.
شكرا.
أن فعل القراءة المطلوب في القرآن يشمل قراءة «النص الديني»، و»النص الكوني»، وهذا يعني ضرورة قراءة النص والكون والمواقف والأحداث والظروف قراءة مترابطة، ذات مغزى تعود بالنص إلى مآلاته الحقيقية التي يمكن أن تنفتح بطرق مختلفة
رغم مشاغل الحياة اليومية…وعدتك بكتابة تعليق ؛ ووعد الحرّ دين وإلا كان النفاق. سأقصرتعليقي الموجزعلى موضوع مقالك الكبيربفقرة واحدة أسمّيها المنطلقات الأساسية.وأعني بها المعاييرالتي يجب على الكاتب المفكّروحتى المفسّرأنْ يضعها نصب عينيه قبل المباشرة بالمهمة ذيّاكه.وإلا لا فائدة للتعليق العام هنا.وبشأن قرآن الله البديع ؛ أول هذه المنطلقات أنّ يرسخ لدى القائم بالمهمة وبالعلم المؤمن أنّ القرآن كتاب الله المنزل بالحقّ ليكون للعالمين بشيرًا ونذيرًا….المنطلق الثاني : أنّ كلام القرآن بين دفتي المصحف هوالكلام الرّبانيّ كما أنزل على النبيّ الخاتم من دون زيادة ولانقصان.هذان المنطلقان يوفرّان للقائم بعملية التفسيرالاطمئنان ؛ أنه يتعامل مع الحقيقة من دون شكّ ولا تشكيك ولا تفكيك تجريبي ؛ كما في المنهج الغربيّ الفلسفيّ لديكارت وفق نظريته المسمّاة ( الكوجيتو/ أي الشكّ ).المنطلق الثالث : أنّ الخطاب القرآنيّ بعد نزوله أصبح نصّا لأهل الأرض بلسان عربيّ مبين ؛ ضمن تقاطع عوامل تطوّرالزمان والمكان والإنسان ( مكيّ ومدنيّ ).وبالتالي فإنّ لفظه القديم ثابت لا ينتهي ولا يُخلق ومعناه متطوّريتجدد خلاق الآفاق والأعماق.والفرق بين الخطاب والنصّ.أنّ الخطاب هوالصيغة النظرية للكلام المسموع ؛ أما النصّ فهوالصيغة العملية للخطاب في حياة الإنسان.فالخطاب للنبيّ الخاتم ؛ والنصّ للإنسان المؤمن العالم.وبذلك انتقل الكلام القرآنيّ إلى لغة اللسان العربيّ.على عكس غيره يتصارع فيه الكلام مع اللغة.وبذلك رفع الكلام القرآنيّ اللغة العربية ؛ فجعلها لغة الملأ الأعلى.ومن هنا قالها الأصمعي : ( لغة العرب شبه الوحي )…{ يتبع } :
عليه الثبات للكلام الربانيّ والتجديد للغة اللسان العربيّ { المبين }.ولفظة المبين ليس فقط معناها الفصيح الواضح بل من أهمّ معانيها ( المتجدد ) مأخوذة من بان الشجرإذا تجدد ورقة الأخضربعد سقوط وجرد التالف في فصل الخريف .فيقال بان الشجرأي تجددت خضرته بتجدد أوراقه الناصعة.ومن هنا يكون المنطلق لتجديد ( النصّ ) وليس الخطاب الثابت.ولعمري هذه أعلى درجات التطوّر؛ أنْ توفرت للمثقف / العالم / الفقيه الكاتب : نظرية مستقرة مطلقة الحقيقة ؛ لتبقى له المعياروالدليل فلا يضيع ؛ وله مع ذلك حرية الفكروالتعبيرالبديع ؛ وإنْ أخطأ سيأتي غيره ليكون الأصوب في نشأة الترصيع.فما الذي حصل للمنظومة العظيمة المتطوّرة ؟ جاء بعض حكام بني أمية وفقهاء السلطان من الباحثين عن المال ؛ فقالوا لا يجوز( المساس ) بكلام الله خشية اختلاف الأمة.هوحقّ أرادوا به الباطل…فمنذ ذلك الزمان قبل (13) قرنًا وضعوا القرآن بعيدًا عن التفاعل الحقيقيّ في حياة الإنسان.فترانا نقرأ تفاسير( داحس والغبراء) والزمان والمكان والإنسان تجاوزها بسرعة الضوء بين النجوم.قبل فترة أردت معرفة شيء من التطوّربهذا الشأن ؛ فلجأت إلى اختيارأربع رسائل ماجستيرودكتوراه لطلاب وطالبات الدراسات العليا في إحدى الدول المجاورة ؛ فلم أجد أي فرّق بين ما كتبه الدكتورالمعاصرعما كتبه ( أبو زيد الهلاليّ ).فأتصلت بالدكتور…وقلت له : أنت ترفض التجديد ؟ هذا شأنك الفكريّ ؛ لكن لماذا تطيب نفسك وتتباهى بلقب دكتور؛ وهوغربيّ مسيحيّ ؟ هناك منطلقات أخرى ؛ أكتفي بما تقدّم مراعاة لحجم المقال في جريدة القدس.فليس معقولًا أنْ يكون التعليق أكبر من المقال ؛ كما لا يعقل أنْ يكون الظلّ أكبرمن الشمس.
تحية للكاتب الحصيف.
فعلا، بالقراءة (على الوجه الحر المنفتح والشامل الذي أراده الله في أول كلمة من التنزيل) تكتمل إنسانية الإنسان، فيرتقي من حال الكائن الطبيعي المخلوق “من علق” إلى حال الكائن الثقافي الذي يبني ذاته ويصنع التاريخ بالعلم النافع والعمل الصالح.
الأخ داوود الكرويّ المحترم : أفيدك بمعنى بعض ألفاظ في الآية.الأول : النّاس ؛ قد وردت في القرآن (241) مرّة ؛ إضافة لألفاظ أخرى مثل ( أناسي…).والناس في القرآن لا تأتي لعموم البشربل هي للخاصة منهم.أي الذين يمتلكون المال والتجارة والسلطة بشكل مؤقت أودائم ؛ ما داموا لصيقين بالحالة قيد الحديث.أما عامة الخلق من كافة البشرفسمّاهم القرآن : ( الجِـنـّـة ) كما في سورة الناس :{ من الجنّة والناس }أي من العامة والخاصة.وفقه معنى ودلالة الناس تساعد كثيرًا على التفسيرالدقيق للآية.كما وردت الناس بمعنى اليهود في عدّة مواضع ؛ لأنّ أغلب يهود هم من التجّاروالمرابين وتجارسلاح ؛ فلديهم المال الكثير؛ فسمّاهم القرآن بالناس ؛ لهذا السبب ؛ وإنْ كان فيهم الفقير؛ أخذًا للجزء بالكلّ أوالكلّ بالجزء ؛ سيّان.كما وردت في حالة الحجّ والزواج ؛ لأنّ الذي يروم الحجّ أو الزواج ؛ لابدّ له من مال : قليل أوكثير.والغريب العجيب أنّ المفسرين من القدامى ؛ وهم أهل لغة ؛ لم يعطوا هذه اللفظة معناها الحقيقيّ في البشر؛ فقالوا بالمعنى العام للناس.أي جميع البشر…الغنيّ منهم والفقيروما بينهما.ويبقى تحديد معنى اللفظ القرآنيّ مقياسه ومفتاحه نسق السياق للآية وليس مجرد الكلمة ومعناها على ( الجاهز) السائد في أعــراف الكلام الدارج.{ يتبع } :
الثاني :{ على مُكث } : وعلى تفيد الاستعلاء والخفض حسب المعنى.أما { مكث } فهوالتريث مع شيء من الاطالة من دون استعجال.وجاء في الحديث : { أنه توضأ وضوءًا مكيثًا }.أي متأنينًا غيرمستعجل.والماكث : المنتظربأناة لا يبرح. الثالث : { ونزلناه تنزيلًا }.التنزيل السائد هوالقادم من أعلى / فوق / سماء…لكن لها معنى آخرمن المنزلة ؛ وهي المكانة.أي جعلنا القرآن ذي منزلة عالية بعد النزول طوال الزمان والمكان فلا يزول.لهذا جاءت بصيغة المفعول المطلق.وسواء أكان المفعول المطلق لتأكيد أولبيان العدد أو لنوعه أولفعله.فهوغيرمقيّد بزمان ولا مكان.لهذا قال أهل اللغة : { وسمِّي مطلقّا لأنه غيرمقيّد بزمان أومكان محدد ، بل يدلّ على مجرد الحدث من جهة ؛ ومن جهة أخرى لصدق المفعولية عليه ؛ لأنه يقع عليه اسم المفعول بلا قيد.أما معنى صدق المفعولية فناتج عن كونه المنتوج للفعل }ولهذا سمّي المفعول المطلق : المصدرالحادث المتجدد.وترى كلما تقادم الزمان وتنوّع المكان يزداد القرآن مكانة على غيره ليبقى السّيد ذي المقام والمصدرللإلهام.وأنت ترى بعد 1400 تزداد مكانة القرآن في كلّ مكان رهبًا ورغبًا وعلمًا.عسى أنْ يعينك هذا المختصرعلى القــراءة الجديدة ؟ ويبقى شعاري : { وفوق كلّ ذي علم ؛ عليم }( يوسف 76).
أود أولا أن أحيي الأخت الكريمةغادة الشاويش حامدا الله على سلامتها وعلى عودتها للأردن وإلى أحضان ودفيء عائلتها الكريمة.
القرآن الكريم مليء بالآيات التي تحث على إعمال العقل والتدبر في آيات الله المليئة بمعجزات كثيرة وغزيرة.معجزات علمية وبلاغية..تحثنا على العلم (يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تانفذون إلا بسلطان)تكفي هذه الآية في أن يكون لنا السبق في الوصول إلى القمر و قيادة العالم عوض أن نكون وراء الركب تجرنا أمريكا متى شائت وفقا لمصالحها تملي علينا ما يجب فعله وما يجب تركه.يحثنا القرآن على إقامة العدالة (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) إلى آخر الآية.شيئان أساسيان غزت به أمم الفضاء وتتطلع للمريخ ونحن لا زلنا نجتر الماضي نبكي على الأطلال وكلامنا إلا عن الحيض والنفاس وعن جواز إرضاع الكبير أو لا وهرطقات كهنوتية تثير الضحك لا يتقبلها لا العقل والمنطق.