بيت لحم ـ فلسطين ـ «القدس العربي»: في بيت لحم وعلى بعد أمتار من مهد السيد المسيح عليه السلام إلتقيت بغطبة القس الدكتور متري الراهب على هامش «مؤتمر الشتات الفلسطيني» عقده في كلية دار الكلمة الجامعية للتراث والفنون. وقد جمع المؤتمر باحثين وأكاديميين من 25 جامعة من 15 بلدا في الأمريكتين الشمالية والجنوبية. ويهدف المؤتمر إلى بحث أحوال الفلسطينيين في الشتات وكيفية تعزيز الهوية العربية الفلسطينية لديهم من جهة وربط إنتمائهم بالوطن.
يقول القس الدكتور متري الراهب عن نفسه في لقاء مع «القدس العربي»: «ولدت في بيت لحم عام 1962 ودرست في ألمانيا وحصلت على الدكتوراة من هناك في علم اللاهوت. راعي الكنيسة اللوثرية في بيت لحم ومؤسس ورئيس جمعية دار الندوة أهم المؤسسات المسيحية في البلاد وكانت مؤسسة متواضعة فيها ثلاثة موظفين واليوم عندنا 115 موظفا. وأنشأنا كلية متخصصة للفنون والتراث للحفاظ على الهوية من خلال حفظ التراث والفن. كاتب وباحث وعندي تقريبا 16 كتابا بالعربية والإنكليزية، معظمها تدور حول قضية المسيحية الفلسطينية ومسألة بيت لحم. وآخر كتبي «الإيمان في مواجهة الاحتلال» وقد انتشر انتشارا واسعا. وكان لنا مع القس متري الراهب هذا الحوار:
○ نريد ان نتطرق إلى مسألة الأوضاع التي يعيشها الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة والمسيحيون بشكل خاص. كما وأننا مهتمون بمسألة النزيف المستمر للمسيحيين الفلسطينيين خارج وطنهم. فلسطين بدون مسيحييها تكون أي شيء إلا فلسطين، كما قلت في مقال كتبته عن مسيحيي فلسطين.
• المسيحية نشأت في فلسطين والكتاب المقدس هو نتاج فلسطيني كما أوضح ذلك عندما أتحدث في الكنائس الغربية. من يقرأه يرى فيه مرآة لمأساة شعبنا. وأنا أوافق على ما طرحته من ان فلسطين بدون مسيحييها لا تبقى فلسطين، وغياب العنصر المسيحي عن هذه البلاد مأساة. فمن العار أن تختفي المسيحية من الأرض التي نبتت فيها وتتحول إلى متحف يحمل ذكريات لكنائس مسيحية يجسدها الحجر لا البشر. والخسارة ستكون ليس للمسيحيين الفلسطينيين فحسب بل لكل الشعب الفلسطيني الذي سيجد نفسه قد فقد عنصرا أساسيا وحيويا من مكوناته الأصيلة. والخسارة الثالثة هي الاستفادة الإسرائيلية من هذا الغياب إذ إنه سيحول جوهر الصراع من قضية شعب وأرض وحقوق إلى قضية صراع ديني بين اليهود والمسلمين وسيقف الغرب بكامله مع إسرائيل. فالمسيحيون هنا هم حجر عثرة في وجه المخططات الإسرائيلية الرامية إلى تحويل الصراع من صراع وطني حول شعب وأرض إلى صراع ذي طابع ديني.
○ لنسلط الضوء على موضوع هجرة المسيحيين.تاريخيا هناك تسهيلات لهجرة المسيحيين من قبل الغرب المسيحي، هل تلاحظون ان هذه التسهيلات زادت في السنوات الأخيرة كنوع من المخطط لتفريغ البلاد من مسيحييها؟
• من خلال الدراسات التي قمت بها حول هجرة المسيحيين كانت هناك ثلاث موجات في التاريخ الحديث. الموجة الاولى في العقد الأول من القرن العشرين وبعدما إعتلى «حزب تركيا الفتاة» مقاليد الحكم بعد ثورة 1908 وقالوا إن الانخراط في الجيش يجب أن يشمل كل الملل دون إستثناء. قبل تلك اللحظة كان المسيحيون لا ينطبق عليهم قانون التجنيد. وبين 1908 و 1914 خسرت بيت لحم نصف سكانها تقريبا وكان عدد سكانها 12،000 وهو عدد مهم في ذلك الوقت. بيت جالا خسرت ثلث سكانها في الفترة نفسها وقد نشرنا كتابا يتعلق بهذا الموضوع بعنوان: «Latin American with Palestinian Roots»
عندنا اليوم أكثر من نصف مليون مهاجر في أمريكا اللاتينية من أصول فلسطينية وفي بلد مثل تشيلي بها ما يزيد عن ثلاثمئة ألف لوحدها.
الموجة الثانية من الهجرة وتكاد تكون مجهولة ولا أحد يتكلم عنها وهي التي صاحبت النكبة الفلسطينية عام 1948. النكبة كانت بالفعل نكبة لكل الشعب الفلسطيني ولكن كانت أيضاً نكبة للكنيسة المسيحية في فلسطين. في الدراسة التي عملناها كانت نسبة المسيحيين في فلسطين التاريخية عام 1947 واستنادا إلى إحصائيات بريطانية 8 في المئة. في عام 1949 أي بعد النكبة أجري إحصاء ثانٍ فوجدنا أن النسبة إنخفضت من 8 في المئة إلى 2.8 في المئة.
○ لكن الفهم العام المتداول أن نسبة المسيحيين قبل النكبة كانت أعلى بكثير من النسب التي تذكرها فما حقيقة النسب التي تطرحها؟
• هناك أساطير كثيرة. سنة 1915 كانت نسبة المسيحيين تصل إلى 15 في المئة. هذه أرقام دقيقة. فبعد النكبة وانحدار النسبة إلى 2.8 في المئة لم نستطع ان نرفع النسبة والعكس هو الصحيح النسبة الآن انخفضت إلى دون ذلك.
الموجة الثالثة لهجرة المسيحيين من فلسطين بدأت في منتصف السبعينيات. بعد نكسة عام 1967 مباشرة لم يكن الناس يرغبون في الهجرة فقد تعلموا من نكبة عام 1948 أن البقاء في الوطن أمر أساسي ومهم. لكن في منتصف السبعينيات بدأوا يدركون أن مستقبلهم هنا صعب وهنا بدأت موجات هجرة جديدة ويمكن أن أفصل في ذلك فيما بعد.
○ يمكننا إذن أن نقول إن الموجة الثالثة من الهجرة جاءت كنتيجة مباشرة للاحتلال الإسرائيلي؟
• طبعا حتى الهجرة الأولى جاءت نتيجة الاحتلال العثماني. كل موجات الهجرة مرتبطة بالأجنبي والاحتلال الأجنبي.
○ هناك الآن هم وطني عام يشمل الجميع يتعلق بالاستيطان ومصادرة الأراضي والتهديد والاعتقالات الجماعية وعنف المستوطنين. لكنني أريد أن أنحو بالحديث حول الهم المسيحي الخاص فما هي الهموم التي يشعر مسيحيو فلسطين أنها خاصة بهم؟
• أريد في البداية أن أؤكد أن الهم المسيحي هو جزء من الهم العام وهذا ما أطرحه دائماً عند لقاءاتي بالوفود الأجنبية وأعطيهم الكثير من الأمثلة. محافظة بيت لحم والتي تشمل بيت جالا وبيت ساحور ويسكنها نصف مسيحيي الضفة الغربية، فقدت 86 في المئة من مساحة أراضيها للاستيطان أو تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي، ولم يبق من أراضي المحافظة بأيدي أصحابها إلا 14 في المئة. لقد عملنا دراسة عن تأثير الجدار على المواطنين في بيت لحم وتبين أن 1400 مواطن من بيت لحم فقدوا أراضيهم وأصبحت خلف الجدار أي فقد صاحب الأرض إمكانية الوصول إلى أرضه واستغلالها. بيت لحم يحيط بها الجدار من ثلاث جهات على طريقة قلقيلية تماماً، لتكون هاتان المدينتان أكثر من تأثر بالجدار من بين مدن الضفة الغربية. مدينة لا تستطيع أن تكبر وتنمو معنى ذلك أنها لا تستطيع إيجاد فرص عمل، معنى ذلك أن البطالة ستزيد فيها ومعنى ذلك أنها ستشهد زيادة في الجريمة وزيادة في استخدام المخدرات. هذه إذن ليست كارثة وقعت علينا من السماء بل خطة إسرائيلية تنفذ بأموال أجنبية وتواطؤ أجنبي ويدفع الثمن سكان هذه الأرض مسلمون ومسيحيون. ولذا يبدو أن المستقبل مظلم إذا ما استمر هذا السيناريو المدروس. تصور أن في شهر رمضان وقع في منطقة بيت لحم نحو ألف مشاجرة معظمها بين المسلمين. تصور أن تترك خمسة أولاد صغار في بيت وتغلق الباب عليهم وتعود بعد عدة أيام فستجد أنهم كسروا البيت وتعاركوا فيما بينهم مرارا. كل هذه الظواهر نتيجة مباشرة للاحتلال وللأسف شعبنا غير منتبه لمثل هذه القضايا بل يحاول أن يغطي عليها.
○ بعض المراقبين والمتابعين للشأن الفلسطيني يثيرون الآن مسألة التطرف الإسلامي كأحد الدوافع للهجرة المسيحية. يقال هناك شعارات كتبت على الجدران تثير نوعا من التخوف لدى المسيحيين. هل هناك حقيقة تخوف من التطرف الإسلامي على مستوى الناس العاديين؟
• أجافي الحقيقة لو لم أقل إن هناك نوعا من التخوف الذي يختلف من منطقة لأخرى. ولكن الحقيقة أن تنظيم الدولة جاء بالإسلاموفوبيا إلى الشرق الأوسط. قبل ذلك كانت ظاهرة الإسلاموفوبيا موجودة في الغرب ونحن كنا نحاربهم فيما يدعون. اليوم الإسلاموفوبيا في عقر دارنا. والتخوف ليس مقصوراً على المسيحيين. بل وكثير من المسلمين متخوفون من هذا الفكر لانه فكر إقصائي وتكفيري وفكر مدمر يحرق الأخضر واليابس. فهم يدمرون المساجد والكنائس والمعالم الدينية كما حصل مؤخراً في السعودية، فالخطر في معظمه يستهدف جماعات ومقرات إسلامية. وقد يكون المسيحيون مستهدفين ليس لأنهم مسيحيون بل لانهم يستغلون من قبل هذه الحركات لتمرير رسائل لجهة ما قد تكون موجهة للغرب أو لنظام معين. فمثلا بعض الحركات الأصولية في غزة تضغط على المسيحيين ليس لانها تحارب المسيحيين بل لأنها تستهدف حماس فالمسيحيون يصبحون أداة لتمرير الرسائل ويقعون ضحايا تحت أرجل المتخاصمين. للأسف ما يجري الآن عبارة عن أزمة يمر فيها المسلمون. فالإسلام تاريخيا مرّ بحقبات كثيرة وكان من أكثر الأديان تسامحا فالإسلام كدين بريء من الذي يجري. المشكلة إذن لدى المسلمين وفهمهم للدين. خذ مثلا جماعات المسيحيين الصهاينة. المشكلة ليست في المسيحية بل في فهم هؤلاء الذين يفسرون الدين لخدمة أغراض سياسية.
أشعر ان هناك أزمة حقيقية في تأهيل الدعاة. فمثلا قام ثلاثة يهود متطرفين بحرق كنيسة في مدينة طبريا. هؤلاء الثلاثة طلاب في مدرسة دينية. فماذا يعلمونهم في تلك المدرسة؟ أستاذهم قال إن الشريعة تقول إن عليهم أن يحرقوا الكنائس. إذن عندنا مشكلة في التعليم الديني سواء يهوديا أو إسلاميا وعملية تأهيل الدعاة. أحد الدعاة المسلمين من بين المدعوين لمؤتمر الشتات في بيت لحم تلقى تهديدا وألغى رحلته لانه كتب كتابا عن الإسلام دين الرحمة. عندما أغلق باب الاجتهاد تحول الدين إلى تشريعات تحلل وتحرم وافتقد إلى عنصري النقد والتجديد وأعتقد ان هذا هو جوهر الأزمة التي تمر بها المنطقة بشكل عام، وللعلم فهي ليست أزمة دينية فحسب في جوهرها هي أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية.
من يدرس التاريخ يجد أن في القرن الثاني عشر أوقف العالم الإسلامي والعالم المسيحي أيضا الاجتهاد، والكنيسة الشرقية كانت نسخة عن إغلاق الاجتهاد عند المسلمين، حيث سكّرت الكنيسة الباب أيضاً. «ما قيل قيل وخلاص». وهذا يعني أننا لا نتصور أن هناك جديدا في هذا العالم وكل ما نصبو إليه في الحاضر والمستقبل هو إسترجاع جزء من الماضي واستنساخه وهنا مكمن الكارثة. ولننتبه أن عدم الإنتاج الفكري تزامن مع غياب الإنتاج المادي. في العالم العربي 350 مليون شخص يستهلكون ما لا يصنعون ولا ينتجون. لديهم نفط ويبيعونه خاما. حتى القمح يأتي من الخارج. وهذه هي المأساة، نحن لا ننتج فكرا ولا ننتج مادة وبدون فكر لا يكون التجديد ولا يكون الاختراع وهذا جوهر المأساة التي نعيشها.
○ ما هو تصورك لكيفية جذب كوادر وقيادات وعقول وخاصة من المسيحيين من الخارج لتعود للوطن؟ كل المهاجرين الفلسطينيين يحنون إلى وطنهم ويعقدون المؤتمرات ويتواصلون مع الأهل والوطن لكن كيف نقنعهم بالعودة وإنهاء مسلسل الغربة والاستقرار في فلسطين؟
• المشكلة ان كثيرا من المسيحيين لا تحق لهم العودة، أي فقدوا هوياتهم الأصلية وإن عادوا يعودون كزوار. الحل هو في تطبيق حق العودة لكل الشعب الفلسطيني وإنهاء الاحتلال حتى يتمكن الفلسطيني من العودة دون عائق.
من جهة أخرى عاد الكثير من الكوادر في الثمانينيات. لماذا؟ لأن عقد الثمانينيات شهد نهضة تعليمية وتكونت الكثير من الجامعات التي فتحت الباب لكل من يعود من المهاجر للعمل في هذه الجامعات والكليات وبالتالي شعر كثير ممن درسوا في الخارج أن الآن لديهم عنوانا ولديهم فرصة. للأسف كثير من هذه الكوادر عادوا وتركوا البلاد في نهاية الثمانينيات لانهم وجدوا أن هناك نقصا في الرؤية الفلسطينية حتى في المجال التعليمي. الجامعات أصبحت نسخة عن المدارس بدون تجديد، بدون اختراعات بدون بحث علمي. تصور أن كليتنا الجامعية وهي من أصغر الجامعات تركز على البحث العلمي وتعقد المؤتمرات.
النقطة الثالثة أن السلطة الفلسطينية أخفقت في إقامة بنية تشجع الفلسطيني على العودة. تصور لو أن المرحوم ياسر عرفات بدل أن يصر على إرجاع عشرين ألف رجل أمن وشرطة اكتفى بعشرة آلاف وأصر أن يعيد معه عشرة آلاف عالم وخبير ومهني ومتخصص. ويقول لهم تفضلوا هذه هي الجامعات والمستشفيات والمؤسسات. تصور لو عاد 500 طبيب إختصاصي وبدل أن يذهب المرضى الفلسطينيون المصابون بأمراض صعبة إلى مستشفى هداسا للعلاج بما يحمل ذلك من إذلال يعالجون في مستشفيات بلدهم وعلى أيدي إختصاصيين فلسطينيين. كيف تقع تحت الاحتلال وتقاومه ثم تطلب المعونة منه؟ هذه من أخطاء السلطة لانها ظنت أن الحل السياسي قريب ووضعت كل أوراقها على أساس أن هناك حلا سياسيا وتبين أنه وهم. لم تنتبه السلطة إلى بناء دولة عصرية تقوم على العلم والفكر والاختراع وليس على الاستذلال لأمريكا وغيرها كما تقول حكمة الآباء والأجداد «لا يحرث الأرض إلا عجولها». يعني أمريكا هي التي ستخلصنا من الأزمة التي نعيشها وهي سبب فيها فكيف «اللي شبكنا يخلصنا» وهل ستخلصنا أوروبا التي حلت أزمة معاداة السامية على حسابنا ورمت باليهود هنا وقالت لهم هذه بلادكم.
هنا في الديار تنبهنا لهذه النقطة ونقول في بيان رؤية الجامعة «نحن نبني الديار نعلي حجرا فوق حجر وبشرا بعد بشر». جزء أساسي أو نحو ثلث الموظفين والأساتذة جاؤوا من الخارج وطبعا كانت معهم هويات ونحن أعطيناهم الفرصة، وبعضهم إستقر نهائيا هنا في الوطن.
عبد الحميد صيام
ولماذا حماس تسمح لهذه الحركات الأصوليه بالتنغيص على الفلسطينيين المسيحيين في غزه؟
الفلسطيني هو الفلسطيني ان كان مسلما او كان مسيحيا او كان يهوديا فانهم جميعا ظلموا بقدر يختلف عن الاخر. ضياع فلسطين كان جريمه بحق الجميع لان ضياع وطن واستبداله بدوله عنصريه استيطانية ذنب لا يغتفر الا بعودة الحق الى أصحابه وتعود فلسطين حرة عربيه لكل المواطنين بلى استثناء.