تبدأ كل قضية معرفية موضوعا للتفكير، والبحث والدرس، وعندما تتشرَب تأملا، ويُنتج التفكير فيها، الوعي بسياقها الثقافي، تتحوَل- بدورها- إلى أداة للتفكير في مواضيع أخرى. لكن، ليس كل أشكال التفكير، تستطيع أن تنتقل بقضية معرفية ما، من الموضوع/السؤال إلى الأداة/الوسيط، وإنما يقتضي الأمر، أن تكون القضية قد تم تمثلها، والوعي بتأسيسها، وظهورها وأسئلتها وأفكارها، وأنتج الاشتغال بها خطابات دالة. وهذا الانتقال بالقضية من الموضوع إلى الأداة هو الذي يساهم في تطور الفكر في مبحث ومجتمع وثقافة. غالبا ما نفتح النقاش حول قضايا كثيرة، ونخوض في أسئلتها، ونفتح أمامها كل الإمكانيات للجدال فيها، لكن، لا يعني هذا الاهتمام، مؤشرا ملموسا على الوصول إلى تمثلها، والوعي بها.
كثيرة هي القضايا التي أُثيرت حولها نقاشات، ولكنها بقيت خارج الوعي والإدراك، نظرا لكون مناقشتها، تمت خارج سياقها المعرفي، ما أثر على طريقة التفكير فيها. لهذا، عندما يُنتج التفكير وعيا بقضية، ويصوغ مقاربة معرفية حولها، تُساهم في تمثل منطق اشتغالها، وطبيعة أسئلتها، ووظيفيتها، وموقعها ضمن نظرية المعرفة، باعتبارها موضوعا يُجدد المعرفة، ويُغنيها، فإنه يُحول القضية -الموضوع إلى وسيط معرفي للتفكير في مواضيع/قضايا أخرى. بهذا، الشكل «قد « نقيس تطور القضية في التفكير، عندما تتحول إلى أداة للوعي بأسئلة قضايا أخرى. شكَلت «الكتابة النسائية» موضوعا للجدل الفكري النقدي، ليس فقط في السياق العربي، إنما في مختلف السياقات الثقافية الإنسانية. غير أن طبيعة التفكير تختلف من سياق إلى آخر، ومن فكر إلى آخر، حتى في مستوى السياقات العربية، إذ، نجد مفهوم «الكتابة النسائية» ما يزال يُطرح – بقوة- في بعض المجتمعات العربية، باعتباره تخصيصا لكل كتابة تكتبها المرأة، وتركز على كتابتها، ولذلك، يأتي المفهوم في علاقة مع فكرة الدفاع عن المرأة وكتابتها، في حين، نلتقي بسياقات أخرى، نلمس فيها خفوتا واضحا لتعبير «الكتابة النسائية»، وعدم استعمال المفهوم للإشارة إلى كتابة المرأة، التي باتت تحضر في الوعي الثقافي باعتبارها مكونا من مكونات المشهد الإبداعي. ويُعبَر هذا التفاوت، في التعامل مع هذا التعبير، عن التفاوت في حركية التفكير في المفهوم من جهة، ثم في انتقال المفهوم من القضية – الموضوع، إلى أداة التفكير في مواضيع أخرى، أو وسيط معرفي للوعي بأسئلة قضايا أخرى. يحدث ذلك، في سياقات اجتماعية- ثقافية تمكنت من الاشتغال بالمفهوم في سياقه الإنتاجي. بهذا الشكل، يُصبح شكل التفكير في القضية المعرفية، عنصرا من عناصر إغناء المعرفة، وتطور أدوات التفكير فيها.
ولعل من أهم النماذج التي يمكن اقتراح التفكير فيها، من خلال استثمار إمكانيات مفهوم «الكتابة النسائية»، واعتمادها أداة للتفكير في واقع تحولات الكتابة الإبداعية العربية، بشكل عام، هو طبيعة مقاربة مفهوم « الذات» في «الكتابة النسائية». اعتدنا نقديا، أن نلتقي بدراسات تجعل من كتابة المرأة كتابة للذات النسائية، وأن مجمل هذه الكتابات لا تخرج عن محور ذات المرأة، كما ألفنا، قراءة منطق هذه الدراسات بنوع من الشك، أو رد الفعل اتجاهها، لكونها تُسيَج كتابة المرأة في موضوع الذات، وتجعلها غير قادرة عن الانخراط في قضايا اعتُبرت «كبيرة»، كما تُحوَل كل ما تكتبه المرأة إلى سيرة ذاتية، من أجل إسقاط سلوك البطلة، أو الساردة أو الشخصيات النسائية داخل العمل الروائي- القصصي على الحياة المادية للكاتبة – المؤلفة، وتم الدفاع – بالمقابل- عن كتابة المرأة باعتبارها كتابة منشغلة بمواضيع كبرى، وذلك من باب الدفاع عن حقها الرمزي في كتابة بعيدة عن ذاتها/سيرتها. ولعل هذه النظرة «التبسيطية» لطبيعة حضور الذات، قادمة من سياقات اجتماعية وتاريخية، ذات علاقة بنظرة المجتمع والتوافقات الاجتماعية -التاريخية للمرأة، وبعيدة – إلى حد ما- عن سياق اشتغال الذات في الكتابة. عندما تتم الرؤية من خارج سياق الموضوع – محور البحث، ينحرف الخطاب، ويحمل معه رواسب ثقافة المجتمع. وبناء على مفهوم «الكتابة النسائية» باعتباره إجراء نقديا، يُعيَن الكتابات التي تنتج من خلالها المرأة مفاهيم جديدة، وتصوغ دلالات مختلفة للمفاهيم المألوفة، مما يجعل هذا المفهوم «الكتابة النسائية» مُنتجا لرؤية، تُساهم من خلالها المرأة في إغناء العالم بتعددية المفاهيم ودلالاتها، كما تُحقق انطلاقا من موقعها في التعبير الرمزي معنى الشراكة في إنتاج التصورات والتمثلات، فقد عبَر مفهوم «الذات» في كتابة المرأة عن مفهوم دال عن رغبة المرأة في تخييل ذاتها، ليس من أجل توثيقها، أو حكي سيرة إشكاليتها التاريخية-الاجتماعية، وإنما من أجل قراءتها/تأملها، وإعادة تركيب بناء جديد حولها، يسمح بإدراكها، من قبل الكتابة والكاتبة. ولهذا، عندما كتبت/قرأت المرأة ذاتها، سواء عبر السرد السيرذاتي، أو التعبير الروائي أو القصصي، فقد غيَرت منطق السيرة الذاتية، وجعلت الرواية ترتوي بدلالة جديدة لحضور الذات. تمنحنا هذه الرؤية للكتابة النسائية، التي تُجدد التعامل مع المفاهيم المألوفة، وتُوجه القراءة نحو دلالات جديدة، إمكانية الاقتراب النقدي المُختلف من راهنية الكتابة السردية العربية، التي تحضر فيها ذات المؤلف إما بشكل مباشر، من خلال إعلان الاسم الواقعي، أو عبر إشارات سردية، لا تترك مجالا للشك في علاقتها بالمؤلف، أو بطريقة ضمنية، ويصبح الوعي بحضور الذات في التخييل السردي، بعيدا عن مفهوم السيرة الذاتية، التي تسعى لتوثيق الذات، باعتبارها قيمة جاهزة في الواقع. لقد أدت وضعية الكتابة النسائية في علاقتها بوضعية الذات في المتخيل الجماعي إلى جعل أفق السيرة الذاتية – ووضعية الذات في التعبير الروائي- ينزاح، لينتصر للروائي التخييلي الذي يسمح ـ فنيا وتقنيا- بتشخيص حالة الذات ـ المؤلف باعتبارها موضوعا للقراءة والاكتشاف وإعادة التحليل، وليس لتوثيق قيمتها الاعتبارية في الواقع. بناء على هذا التصور، يمكن اعتبار مفهوم « الكتابة النسائية» من التعبيرات السردية التي من شأنها أن تُساهم في توجيه التفكير النقدي، وجعله ينتبه إلى وضعية الذات في الكتابة السردية العربية الراهنة، التي يتحول فيها المؤلف ـ نفسه- من الذات المنتجة للتعبير الرمزي، إلى موضوع للتخييل الرمزي. عندما كتبت المرأة الرواية أو السيرة الذاتية، وفق وضعية الإحساس بالذات، والتصورات التاريخية والاجتماعية المُنجزة حولها، فقد جاءت كتابتها تعبر عن رؤية مختلفة للذات، وساهمت هذه الرؤية في إعادة الانتباه إليها، خارج المألوف في صورها الجاهزة اجتماعيا، وبعيدا عن التصورات والتمثلات الفنية والإبداعية، التي تستهلك الصور الجاهزة اجتماعيا، ولذا، فإن ما يحدث في وضعية المؤلف داخل التخييل السردي العربي، يُعبر عن حالة تاريخية، يعيشها الكاتب العربي، الذي يدخل مجال التعبير السردي، ليعيد النظر في مسار أفكاره، ورهاناته وخياراته، ويعيد التفكير في تصوراته ورؤاه. ولعلها عبارة عن وقفة تأمل، يعقدها المؤلف مع ذاته أولا، قبل المجتمع والثقافة.
توجد الكتابة السردية ـ باستمرار- في وضعية التحول، الذي يعبر- بدوره- عن حركية الفرد/المجتمع في التاريخ، غير أنه تحول يظل ضمنيا، ولا يتحقق على مستوى التصورات، بل لا يُنتج رؤية، إلا حين يُجيد النقد الإصغاء إليه، ثم الاقتراب منه. ولهذا، يمكن لمفهوم «الكتابة النسائية» باعتباره إجراء نقديا، أن ينتقل من موضوع يُعيَن كتابة المرأة، إلى وسيط معرفي- نقدي، بموجبه نستطيع أن نقترب من وضعية الذات في السرد العربي الراهن، بعيدا عن مفهوم التوثيق، قريبا من مفهوم القراءة.
كاتبة مغربية
زهور كرام
القضية او القضايا هي شغل العالم والفرد والمجتمع باكمله ، بل هي التي تسلبه احيانا سعادته ، وتجعله اسير وسجين لها ، ويخرج منها بثمر يأكل منه الجميع ، ويبقى طعمه يتلذذ به الكبير والصغير ، هده القضايا التي يجب ان تخرج للنور ، ولا تبقى مقبورة مغمورة ، منسية تتحرك بكسل في العقول ،او تخرج مصابة بمرض عضال ، يعيقها الحركة والوقوف ، فالمراة وكتاباتها ، هي جزء من هدا التفكير العلمي والمعرفي في العالم ، فهي في حد داتها قضية ومكسب مند ان انشاء الله هدا الكون ، فهي عنصر فعال مساهم في القضايا ، وتتحلى بافكارنيرة ومفيدة ، واسهامات ادبية اثرت بها العقول البشرية ، وكل مفكر وقاريء ومنهمك في الادب والقراءات المختلفة في جميع العلوم ، ومن الطبيعي ان تسعى المثقفة في سرد سيرتها الداتية ، وهدا من حب الدات وهدا ليس بعيب او نقص ، وهدا نهج ينتهجه كل كاتب ومفكر ، فالمراءة وكتاباتها هي فكر اثار فكرنا ، وهي قضية رابحة ، لانها مشاركة للرجل في الخير ، وابراز القدرات التي تمتلكها ، ومنافس جميل للرجل في ما تطرحه من علم في القصة وغيرها ، فشكرا للمراءة واسهاماتها ، واظهار قضاياها .