الكويت – «القدس العربي»: عاشت الكويت خلال الأيام الماضية أجواء من الإضطرابات المتسارعة نتيجة لما سبقها من شحن سياسي ما بين الأطراف المتصارعة متمثلة في الحكومة ومجلس الأمة بنظام الصوت الواحد الذي أقرته المحكمة الدستورية بعد مرسوم أميري في 2012 وبين المعارضة المقاطعة للإنتخابات إعتراضا على تغييره من خارج قبة البرلمان وهي كانت تمثل الأغلبية بـ 35 مقعدا من أصل 50 بآخر إنتخابات على النظام القديم بخمس دوائر إنتخابية وأربعة أصوات للفرد الواحد الذي تنطبق عليه الشروط التي حددها القانون. كما ان ائتلاف المعارضة ما زال يعتبر نفسه هو المجلس الممثل للشعب لان الأمة مصدر السلطات وان المجلس الحالي جاء كما تريده الحــكومة ليقر القوانين التي تريد لها أن تمر.
وتتبادل الأطراف الإتهامات بالفساد وزعزعة أمن البلد خاصة بعد إحتدام المشهد عقب ندوة «نقاط الحق على حروف الحقيقة» في 10 حزيران/يونيو الماضي في ساحة الإرادة. وكشف أمين عام حركة العمل الشعبي «حشد» عن وثائق وتحويلات مليارية قام بها متنفذون سابقون في حكومات ومجالس سابقة وورود أسماء من المجلس الأعلى للقضاء في تلك الندوة ثم أعقبهتا شكوى الشيخ أحمد الفهد الصباح ضد رئيس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد الصباح ورئيس مجلس الأمة «التاجر» جاسم الخرافي متهما إياهم بقضايا أمن دولة بالإنقلاب على الحكم وتحويل مليارات من المال العام عبر بنوك دولة معادية هي اسرائيل ثم عودة ناصر المحمد وجاسم الخرافي من الخارج وتقديم الخرافي شكوى مضادة على الفهد بتهم تشويه السمعة وإستغلال تسجيلات مقابل مبالغ مالية.
هذا المشهد المعقد والمتشابك سياسيا ألقى بظلاله على الشارع بل واستدعى لتفاقمه تدخل أمير الكويت مباشرة عبر خطاب ألقاه على الشعب في بداية رمضان أكد من خلاله ضرورة التلاحم والمحافظة على الوحدة الوطنية والتمسك بالقانون وإحترام القضاء وأمر بعدم الخوض في أمور أصبحت بين يد القضاء مؤكدا على أن من يثبت عليه التهم سيأخذ جزاءه أيا كان.
ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد بل واصلت الأطراف صراعها خاصة مع إصدار السلطات الثلاث في البلاد، الحكومة والبرلمان والقضاء تصريحات وبيانات تفند ما جاء به البراك والفهد قبل أن تتخذ الإجراءات القانونية مما أعتبرته المعارضة أحكاما مسبقة من جهات يفترض بها الحيادية، كما أعتبرت ورود أسماء قضاة من هيئة القضاء في التحويلات ووجود شبهات عليها يتطلب ان يتم إبعادهم عن القضايا المرفوعة. وأوضحت المعارضة في مؤتمر صحافي أقيم مطلع الشهر الحالي أنها لن ترضى بغير لجنة دولية محايدة لتتبع التحويلات المليارية التي نهبت من المال العام وأن السلطات الثلاث قد أصبحت في مكمن الشبهات بعد إصدار بياناتها وخاصة مع تعارض مصالح الأشخاص القياديين في الحكومة والمجلس والمتهمين بهذه القضايا التي تصل حد الخيانة العظمى .
وأستدعت النيابة العامة النائب السابق مسلم البراك يوم 20 حزيران/يونيو الماضي للمثول للتحقيق للشكوى المرفوعة ضده من رئيس مجلس القضاء الأعلى فيصل المرشد بتهمتي السب والقذف بحقه والإساءة للقضاء. ولكن البراك رفض الحضور معللا ذلك بأن المرشد لم يعد رئيسا لهيئة القضاء حيث أنه يزعم أنه رئيس المجلس الأعلى للقضاء ورئيس محكمة التمييز ورئيس المحكمة الدستورية والحقيقة أن مقدم البلاغ كان قد تقدم بإستقالته في شهر ايلول/سبتمبر 2012، وقد تم إعلان تقديمه الإستقالة، وتم تثبيتها في محضر إجتماع المجلس الأعلى للقضاء. ونشرت الصحف المحلية خبر الإستقالة رسميا «وأن سمو الأمير طلب منه العدول عن الإستقالة بعد ذلك ووجب احترام وتنفيذ رغبات صاحب السمو».
وحيث إن المادة 32 مكرر من قانون تنظيم القضاء تنص على: «تعتبر إستقالة القاضي مقبولة من وقت تقديمها» فإنه لا صفة قانونية للسيد فيصل المرشد في تقديم البلاغ، فهو لم يعد قاضيا بعد إستقالته، وليس رئيسا للمجلس الأعلى للقضاء ولا محكمة التمييز ولا المحكمة الدستورية.
ولكن البراك عاد وأعلن عشية غرة شهر رمضان عن توجهه للنيابة مما أعتبره الكثيرون تكتيكا سياسيا مدروسا لإختيار التاريخ ولكن أوضح قبل التوجه للنيابة العامة انه لن يجيب على الأسئلة التي ستوجه إليه بسبب التمايز في تطبيق القانون. وهي المرة الاولى التي يصرح بها علنا بأن القوانين تطبق بتمايز بين الناس مما يعد انتقادا مباشرا لسلطة قضائية لم يجرؤ أحد من قبل على إنتقادها.
وقال محامو البراك أنه ردد ما قاله في ساحة الارادة أمام وكيل النيابة وامتنع عن الإجابة في التهم التي وجهت إليه. وفي صبيحة 2 تموز/يوليو أمرت النيابة العامة بحجز النائب السابق مسلم البراك عشرة أيام على ذمة التحقيق على أن يعرض عليها مساء اليوم التالي لإستكمال التحقيق على خلفية ما قاله في ساحة الارادة بتهمتي السب والقذف بحق رئيس المجلس الأعلى للقضاء المستشار فيصل المرشد بناء على الشكوى المقدمة.
وفور إنتشار خبر إحتجاز البراك تداعت مجاميع شبابية ونواب سابقين للإعتصام أمام مقر المباحث الجنائية تضامنا مع البراك. وأعلنت كتلة الأغلبية تضامنها مع البراك ودعت لإعتصامات حاشدة مساء صلاة التراويح أمام قصر العدل.
وقامت الداخلية بإغلاق ساحة قصر العدل لتتوجه الاعتصامات إلى منطقة الأندلس حيث ديوانية «مقر إستقبال» النائب البراك القريبة من السجن المركزي، وشهدت صداما بين المسيرة وبين القوات الخاصة نتج عنها إستخدام القنابل الدخانية المسيلة للدموع والرصاص المطاطي والقنابل الصوتية، فيما أستخدم المتظاهرون الحجارة للرد عليهم من بعيد وحرق الحاويات وإغلاق الشوارع، وألقي القبض فيها على مجموعة من المشاركين. وتجددت المسيرات في اليوم التالي لتتمركز بمنطقة صباح الناصر المقابلة للأندلس وهي تتسم بكثافة عددية لقبيلة «مطير» التي ينتمي إليها البراك وانطلاق مسيرات متزامنة في كل من منطقتي الصباحية جنوب الكويت والجهراء شمالها، وقد كانت المواجهة شديدة ونتج عنها مجموعة من الإصابات البليغة والاختناقات وأستمرت المظاهرات الليلية مع دخول البدون على الحراك بعد القبض على الناشطين عبدالحكيم الفضلي وعبدالله عطاالله بتهم التحريض على التجمهر والتعدي على رجال الأمن حتى يوم السبت 5 تموز/يوليو نتج عنها الإمساك بما يقارب من 50 شابا من المشاركين خلال الثلاثة أيام الاولى. أما يوم الأحد، فقد شهد إعلان المعارضة عن مسيرة كرامة وطن 8 على شارع الخليج العربي، على ان تنطلق بعد صلاة التراويح من المسجد الكبير المقابل لقصر السيف «مقر إقامة أمراء الكويت» مسيرا لمسافة ما يقارب من 5 كم وصولا لقصر العدل. وشهدت المسيرة فور إنطلاقها بعد رفض المعتصمين فضها، إطلاق القنابل الدخانية والرصاص المطاطي والقنابل الصوتية مما أدى لتفريق المتظاهرين في الأسواق القريبة وتم إغلاق المحلات التي توجه اليها المتظاهرون ومطاردتهم بأزقتها وتعرضهم للحجز والضرب. كما منعت قوات الأمن الراصدين الحقوقيين من تغطية الأحداث لتستمر هذه الليلة حتى ساعات الصباح الاولى . ولكن وزارة الداخلية أصدرت بيانا عقب ذلك أكدت فيه أنها لم تستخدم سوى القنابل الصوتية وان الإصابات كانت نتيجة للزحام والتدافع.
وفي اليوم التالي الأثنين 7 تموز/يوليو أخلت المحكمة سبيل مسلم البراك بكفالة مالية قدرها 5 آلاف كويتي ليخرج مساء متوجها مباشرة إلى المسيرة في صباح الناصر، ثم ينتقل بعدها إلى الاعتصام أمام مبنى المباحث الجنائية تضامنا مع المعتقلين «حسب تسمية المعارضة» معلنا الإستمرار ومتوعدا بالدعوة إلى المسيرة الكبرى بعد خروج المعتقلين وأنهم لن يعودوا منها حتى تحقيق المطالب المستحقة ومحاسبة الفاسدين.
وما زالت الإعتصامات مستمرة مع بقاء أحد عشر محتجزا حتى اللحظة وتتركز غالبيتهم أمام مبنى المباحث. وقد أعلن البراك يوم الخميس الماضي أن الحكومة إذا لم تطبق القانون سيعملون بمبدأ «العين بالعين والسن بالسن والبادىء أظلم». ولم يكشف بعد عما يمكن ان تفعله المعارضة لتطبيق هذا المبدأ أو كيف ستتصرف الحكومة والمجلس اللذان يقولان أن الكويت تتعرض لمؤامرة خارجية وداخلية مع مطالبة أعضاء في البرلمان لطرح فكرة الأحكام العرفية، وتداول المحللين السياسيين والشارع لها واعتبارهم إياها جس نبض محلي ودولي خاصة مع دعوة رئيس مجلس الأمة إلى عقد دور انعقاد طارىء في عطلة المجلس الحالية وتوقعات البعض إتخاذ قرارات وتشريعات ربما تجرم المسيرات بعقوبات مشددة في محاولة لإيقافها وتحييد بعض الأسماء البارزة في المعارضة.
وفي ظل هذا الصراع السياسي وتفاقم الأزمة التي تعيشها الكويت داخليا والأحداث الإقليمية التي تقترب من الكويت، خاصة الفوضى في العراق وحالة اللا إستقرار وإنفلات الأمور وخطر داعش الذي أعلنت الحكومة التعامل معه بجدية، يعيش المواطن الخوف من إنفلات الأمور في ظل غياب الوسيط الذي يمتلك القدرة على تقريب وجهات النظر ما بين أطراف متصارعة تلعب اليوم «على المكشوف» ما بين ما تسميه المعارضة «تزاوج السلطة والمال» وما يسميه الإصطفاف الآخر»مؤامرة المعارضة والخارج»