بغداد ـ «القدس العربي»: وصلت، أمس الثلاثاء، ناقلة كويتية عملاقة، محملة بكميات من زيت الغاز، لتشغيل محطات توليد الكهرباء، في خطوة عملية تأتي عقب إعلان الكويت استعداده دعم العراق في توفير الطاقة الكهربائية لمحافظة البصرة.
وقالت وزارة النقل الاتحادية، في بيان : «الناقلة الكويتية وصلت ميناء أم قصر جنوب العراق، قادمة من ميناء الأحمدي الكويتي، وهي محملة بنحو 18 ألف طن من وقود زيت الغاز (الكازاويل) المخصص لتشغيل محطات توليد الطاقة الكهربائية».
ويأتي الإجراء الكويتي، بعد إخفاق العراق في إقناع إيران، بإعادة خط الطاقة الكهربائية المغذي لمحافظة البصرة إلى العمل مرة أخرى، لحين استكمال الإجراءات المالية بين البلدين.
ردّة الفعل الإيرانية دفعت العراق إلى اللجوء إلى السعودية ودول الخليج، لضمان تلبية احتياجاته من الطاقة وتنفيذ المشاريع المتعلقة بهذا القطاع الحيوي.
وأخفقت الحكومات المتعاقبة على العراق منذ 2003، في توفير الطاقة الكهربائية على مدار 24 ساعة، رغم إنفاق مئات المليارات من الدولارات على هذا القطاع المهم، لكن من دون أي تحسن.
ويبدو أن التقارب الأخير بين العراق والكويت، أثار ائتلاف دولة القانون ـ بزعامة نوري المالكي، الذي حمّل الكويت «الجزء الكبير» من الخراب الذي لحق بالعراق.
عالية نصيف، النائبة السابقة عن ائتلاف المالكي، قالت في بيان لها إن «وسائل الإعلام الكويتية تتباهى وتتفاخر بأن حكومتها أرسلت ثلاثين ألف متر مكعب من وقود الكازاويل إلى العراق، إلى درجة أن المانشيت الرئيسي في إحدى الصحف الكويتية هو (الكويت تضيء ظلام العراق)»، مبينة أن «الحقد واضح من خلال هذه الحملة الاعلامية التي تسعى للانتقاص من مكانة العراق وهيبته وتقديمه بصورة مزرية».
وأضافت أن «جزءاً كبيراً من الدمار والخراب الذي لحق بالعراق سببه الكويت، وإصرارها على تنفيذ العقوبات الظالمة واستحصال التعويضات التعسفية ومحاربة العراقيين بأرزاقهم»، مشيرة إلى أن «أي محاولة لتلميع وجه الكويت لن تنجح، فضلاً عن أن هذه الهدية الكويتية التي ستضيء ظلامنا لا تستحق كل هذا التهويل الإعلامي المثير للسخرية».
وتابعت: «العراقي مستعد لتحمل أقسى وأصعب الظروف ولا يفرط بكرامته وهيبته»، موضحة «أننا لو حاربنا الفساد بجدية لما وصل الحال بنا إلى قبول الوقود الرخيص من الجارة المعروفة بعدائها لنا».
وختمت النائبة السابقة بيانها بالقول: «هذا الحال لن يدوم، وما أن تنتهي آفة الفساد في هذا البلد حتى يرى العالم المكانة الحقيقية للشعب العراقي».
أزمة جديدة
وتركّز الحكومة العراقية، بزعامة حيدر العبادي، على ثلاثة ملفات أساسية، لامتصاص زخم التظاهرات الاحتجاجية التي انطلقت شرارتها في محافظة البصرة، وسرعان ما امتدت إلى عموم المحافظات الجنوبية والوسطى، وحتى العاصمة بغداد، وهي ملف الطاقة الكهربائية، في ظل ارتفاع درجات الحرارة إلى أكثر من نصف درجة الغليان، إضافة إلى ملفي التوظيف والمياه الصالحة للشرب.
ووفرت الحكومة نحو ثلاثة مليارات دولار، لتنفيذ المطالب الأساسية للمحافظات المحتجّة، فيما يرى مراقبون إن إجراء الحكومة في توفير عشرات الآلاف من فرص العمل «عبء جديد» على كاهل الدولة ومؤسساتها المالية.
مصدر مطلع في رئاسة الوزراء العراقية، قال لـ«القدس العربي»، إن الموازنة المالية للدولة العراقية تعاني من تأمين رواتب أكثر من أربعة ملايين موظف، ناهيك عن أكثر من 500 ألف موظف في الدوائر المنحلّة (تابعة لنظام صدام حسين) يتلقون رواتب شهرية من دون أي إنتاج، فضلاً عن المتقاعدين ومخصصات الرعاية الاجتماعية وامتيازات بعض الفئات».
وطبقاً للمصدر المقرّب من رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، فإن «مدة العمل الفعلية للموظف العراقي تقدر بنحو 18 دقيقة من مجموع 8 ساعات عمل يومية»، مبيناً أن «الحكومة مقبلة على أزمة عمل، بعد نحو 5 سنوات، تتمثل برفد سوق العمل العراقي بأكثر من 500 ألف شخص سنوياً، لا يستطيع السوق استيعابهم ولا مؤسسات الدولة».
وتابع المصدر الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه : «الحل الأمثل يأتي بإشراك القطاع الخاص في امتصاص هؤلاء، فضلاً عن دعم المشاريع الصغيرة، وإتاحة القروض الميسّرة للمواطنين، وليس باستيعابهم في دوائر الدولة».
أما بشأن ملف تحلية المياه، فقد رصدت الحكومة العراقية نحو مليار دولار لمشروع تحلية المياه في البصرة، فيما شرعت وزارة الكهرباء الاتحادية لإعادة تشغيل ثلاثة مشاريع لنقل الطاقة في محافظة البصرة أيضاً.
مبادرة
في الأثناء، أعلن وزير العمل والشؤون الاجتماعية محمد شياع السوداني، إطلاق مبادرة التدريب المهني للباحثين عن فرص عمل، استجابة لمطالب المتظاهرين.
ووجه، مراكز التدريب المهني في بغداد والمحافظات، باستنفار طاقاتها لاستيعاب الباحثين عن العمل من خلال توفير المستلزمات اللوجستية وتهيئة المدربين لإقامة دورات وفق رؤية مهنية تتناسب مع طبيعة كل محافظة.
وقال في بيان، إن «خلية الأزمة في مجلس الوزراء وافقت على تخصيص 4 مليارات دينار (ما يعادل 3 ملايين و340 ألف دولار)، استجابة لمقترح الوزارة منح المتدربين ضمن المراكز التدريبية مبلغ 10 آلاف دينار (ما يقارب 7 دولارات) عن كل يوم تدريب».
وأضاف: «سيجري العمل بالاقتراح ابتداء من الدورات المقبلة»، مشدداً على ضرورة «استنفار مراكز التدريب المهني في بغداد والمحافظات البالغ عددها 38 مركز تدريب لاستيعاب نحو 41 ألف متدرب».
وأشار إلى أن «سيتم تخصيص مبلغ 400 مليون دينار (نحو 340 ألف دولار)، من ضمن المبلغ الكلي، لتوفير المستلزمات اللوجستية، وأن الهدف هو من أجل امتصاص البطالة والتخفيف من الفقر في البلاد».
يأتي ذلك بالتزامن مع عقد وفد من ممثلي المتظاهرين في محافظات البصرة والنجف وذي قار والمثنى، اجتماعاً مع وزراء التخطيط والمالية والصحة والكهرباء، لبحث مطالب المتظاهرين، حيث تقرر استمرار عقد الاجتماعات للخروج بخطة وتنفيذ جميع هذه المطالب.
إلى ذلك، قال وزير التخطيط سلمان الجميلي، في مؤتمر صحافي بعد إنتهاء الاجتماع: «نحن متفائلون بأن الأيام المقبلة وبتكاتف جميع الجهود، سواء في الحكومة الاتحادية في بغداد أو الحكومات المحلية في المحافظات، ستتحول الكثير من هذه المشاريع إلى منجز متحقق على الأرض».
واضاف: «سنتواصل مع الجهات المعنية في المحافظات من اجل تنفيذ هذه المشاريع التي اطلقتها الحكومة وخاصة ملف التعيينات وايجاد فرص العمل للشباب، بالاضافة إلى استكمال المشاريع المتوقفة».