المؤرخ اليهودي إيلان بابيه لـ «القدس العربي»: أصاب الفلسطينيون برفضهم التقسيم

حجم الخط
4

إكستر – «القدس العربي»: التقت «القدس العربي» المؤرخ اليهودي المناهض للصهيونية البروفيسور إيلان بابيه داخل مكتبه في جامعة اكستر البريطانية، التي بلغها قبل عقد تاركا عمله كمحاضر في جامعة حيفا بعد انكسار العلاقة مع الإسرائيليين لمعاداته الصهيونية.
وكانت نظرة واحدة لمحتويات مكتبته ومقتنياته كافية للتعرف على مسيرة رجل رفض ظلم إسرائيل وتحداها. كما تشي أشياؤه بانحيازه لحركة التحرر الوطني الفلسطينية، مناديا بتسوية الصراع باعتراف إسرائيل بمسؤوليتها عن النكبة وبناء دولة ديمقراطية واحدة. المكتبة غنية جدا بكتب التاريخ والثقافة وتدور أغلبيتها في محور التاريخ الفلسطيني، خاصة الحديث، وتزدان رفوفها بالكوفيات والأعلام الفلسطينية وخريطة عربية لفلسطين التاريخية. فيما تزدان جدران مكتبه بصور تاريخيه له مع الراحلين ياسر عرفات، ووحيد عبد الشافي، وفيصل الحسيني وغيرهم، الى جانب شخصيات فلسطينية فاعلة كرئيس لجنة المتابعة محمد بركة وهما بريعان الشباب. كذلك تبرز صورة نادرة لبابيه مع زعيم كوبا الراحل فيدل كاسترو، ومن تحتها سلة مستلزمات خاصة بحملة «الحرية لفلسطين» وبجوارها لوحة نحاسية تحمل الشكر والتقدير من مجلس محلي كفر قرع داخل أراضي 48 «عرفانا له بدوره الأكاديمي الحر الذي عام ضد التيار منتصرا للحق والحقيقة».
في حديث معه يؤكد بابيه أنه لم يمل ولم يكل فيما يفعله، لكن السفر من حيفا لأكسيتر مرة كل أسبوعين أخذ يثقل عليه، كما أوضح. وفيما يلي الحديث معه:
■ غرفتك متحف لشخصيات فلسطينية دون سواها ماذا يستدل من ذلك؟
■ أنا مرتبط رباطا وجدانيا عميقا بالشأن الفلسطيني، وهذا يكلفني  ثمنا برابطة واهية مع المجتمع اليهودي الإسرائيلي. من الصعب أن تكون في مكانين إذا كنت مخلصا لحقيقتك. وأنا متصالح جدا مع نفسي والثمن محتمل ولا يردعني عن مواصلة التشبث بمواقفي.
■ متى وقع الكسر في العلاقة مع الإسرائيليين؟
■ لا يوجد حدث واحد لكن اعتقد أن قضية مصادقتي على بحث عن مذبحة الطنطورة للباحث تيدي كاتس في جامعة حيفا كانت حاسمة. كذلك كتاباتي عن انفجار الانتفاضة الثانية تسببت بذلك. الكسر الشخصي تم في حرب لبنان الأولى، لكن الصدام الجبهي مع الإسرائيليين وقع بدءا من عام 2000 أي سبع سنوات قبل كتاب التطهير العرقي.
■ كيف تعرف نفسك؟
■ من ناحية أيديولوجية أنت تعرف نفسك مقابل شيء ما وأنا إسرائيلي مناهض للصهيونية ويهودي لحد معين، رغم أنني لست متدينا فيهوديتي أكثر هوية ثقافية تاريخية.
■ الفارق بين حيفا وبين إكسيتر؟.
■ في موضوع فلسطين، تعليم وبحث القضية في إكستر أسهل. الطلاب شباب أكثر وهم أكثر نشاطا سياسيا من الطلاب الإسرائيليين لاسيما أنني أعلم طلاب دكتوراة. اكستر أكثر حرية من لندن وأقل عرضة للضغوط. إكسيتر مريحة لكن قلبي في حيفا مسقط رأسي.
■ كيف حال المقاطعة لإسرائيل أو للمستوطنات في العالم؟
■ في ما يتعلق بحملة المقاطعة الدولية في العالم هناك نجاحات وإخفاقات وكل أسبوع مختلف عن سابقه. الحزب الحاكم في جنوب أفريقيا أوصى بقطع العلاقات مع إسرائيل قبل فترة وهذا مهم. العقوبات الأوروبية حتى الآن في بدايتها. بشأن الجامعات في العالم هناك نجاحات. برؤية للخلف يمكن القول إن حملة المقاطعة نجحت نجاحا كبيرا. الآن لا بد من نقلة جديدة نرى فيها نتائج ميدانية وانتقال المقاطعة للحكومات لا للمجتمع المدني فحسب.
■ إسرائيل تنجح دوليا رغم كل شيء، بل تزدهر، وهذه ليست دعاية لنتنياهو وهناك أمثلة لماذا؟.
■ المجتمع المدني ناقد لكل الحكومات. في موضوع جنوب أفريقيا استغرق النضال 20 عاما حتى تبنت حكومات العالم موقف المجتمع المدني. نتوقع وننتظر أن تبدأ حكومات العالم بالشعور بضغوط المجتمع جمهور الناخبين في هذا المجال بفضل نشاط المجتمع المدني. وهناك تطور إيجابي. مثال رئيس حزب العمال البريطاني مناصر للقضية الفلسطينية، وربما يكون رئيس حكومة، وهذا ما شهدناه مع المرشح الديمقراطي الأمريكي ساندرز.. الخ.
■ هي المصالح كما يتجلى في العلاقات مع الهند؟
■ نعم هناك مصالح إستراتيجية وعسكرية وغيرها. أوروبا ما زالت تحت تأثير المحرقة واللاسامية رغم أن هذا يخبو بالتدريج، ولكن للأسف اليوم حل الإسلاموفوبيا التي تخدم إسرائيل، ولكن أقل مما كنا نتوقع. هناك أسباب أخرى، والأوضاع والحسابات مختلفة من دولة لدولة. هناك دول تنظر بقلق وخوف لما يشهده الشرق الأوسط وتقول إن إسرائيل في نهاية المطاف ليست سوريا، فتبدو بصورة «الفيلا داخل الغابة». هناك قدرات تكنولوجية إسرائيلية تلعب دورا بالأمن والمخابرات وغيرهما، وهناك دول فيها لوبيات يهودية ومسيحية كما في الولايات المتحدة. لكن بشكل عام وبما يتعلق بالمجتمع المدني في الغرب وحتى في الهند الصورة واضحة جدا وإسرائيل خسرت المعركة.
المشكلة أننا لا نعرف تقييم الموضوع، وهذا ليس فقط بشأن فلسطين…وهل يمكن للنخب السياسية في أجندتها السياسية الاقتصادية الاجتماعية أن تكون قادرة في الوضع الراهن أن تتجاهل بالكامل المجتمع المدني في دول نظمها ديمقراطية؟ مبكرا أن نقّيم إلى أين تتجه الأمور من هذه الناحية وحاليا هذا لا يعمل.
■ يهود الولايات المتحدة تغيير استراتيجي؟
■ نعم جيل الشباب اليهودي في الولايات المتحدة يشهد تغييرا استراتيجيا وهو موجود في موقع مختلف عن الجيل القديم، وإسرائيل تخسر المعركة هناك لأنهم أكثر ديمقراطية وليسوا أقل يهودية. المشكلة اليوم أن هناك أوساطا مسيحية – صهيونية تريد إسرائيل بشكل أعمى. هذا اللوبي الوحيد الذي يدعم إسرائيل دون تحفظ وبدوافع دينية.
■ ما معنى تصريح ترامب بشأن القدس وهل المقارنة مع وعد بلفور مبالغة؟
■ هناك أوجه شبه من ناحية الخطورة: نوع الدولة المعلنة. بكلتا الحالتين هناك تجاهل للفلسطينيين ضمن لغة واحدة وكأنهم غير موجودين. في الولايات المتحدة كما في بريطانيا من قبلها يرون الفلسطينيين وكأنهم أقلية قدمت من المريخ. وبشأن التبعات الخطيرة نحن نعرف ماذا كانت نتيجة بلفور، ولكن لا نعلم ما يتعلق بتبعات تصريح ترامب، فأمريكا ليست دولة عظمى وحيدة اليوم والحركة الوطنية الفلسطينية موجودة في مكان مختلف، ولذا التبعات ممكن أن تكون مختلفة. لا يمكن تحديد دلالة تصريح ترامب مستقبلا لكن يمكن القول إن المجتمعات المدنية في العالم تحركت نحو موقع ناقد أكثر حيال إسرائيل وتصريح ترامب سيعزز هذا الانتقال.
■ أهم خطأ ارتكبته الحركة الوطنية الفلسطينية تاريخيا؟ 
■ ارتكبت عدة أخطاء ولكن  من المهم التذكير بسياق هذه الأخطاء. لدي شعور أنه لو لم يرتكب الفلسطينيون أي خطأ فإنهم سيجدون أنفسهم بذات المكان اليوم. هذا لأن الفلسطينيين واجهوا ائتلاف قوى لم يكن أي شعب يستطيع أن يسجل مواجهة أفضل منه. الولايات المتحدة والدول الأوروبية قالت للفلسطينيين: الآن أنتم ستسددون ثمن كل ما فعلناه لليهود. القيادة الفلسطينية ليست على ما يرام وفسادها أحيانا يقتلني والوحدة الفلسطينية الداخلية مرعبة. ولكن لنفترض أنهم تحاشوا كل ذلك فإن النتيجة تكون ذاتها . احتمالهم الوحيد هو كاحتمال السود في جنوب أفريقيا حينما تدخّل العالم ومارس ضغوطا حقيقية لتغيير موازين القوى وغيّر الواقع، والعالم الآن ليس مستعدا بعد لذلك. مع ذلك ارتكبت الحركة الوطنية الفلسطينية أخطاء كثيرة لكن رفض قرار التقسيم لم يكن غلطة. بالعكس فقد كان الرفض قرارا سليما. لو قبل الفلسطينيون والعرب قرار التقسيم ولم يدخل جندي عربي واحد لنجدة فلسطين لكانت النتيجة ذاتها، نكبة وكان هناك كل الشعب الفلسطيني لاجئا لا مليون لاجئ فقط. أما أوسلو فقد كانت غلطة كبيرة لأن كل من كان عقله في رأسه فهم أن الاتفاق كان مناورة إسرائيلية ناجحة تهدف لتحويل الاحتلال أكثر راحة، وهناك فلسطينيون فهموا ذلك ولم يكترث (ياسر عرفات) أبو عمار بتحذيراتهم. أرادت إسرائيل بواسطة أوسلو احتلالا بوسائل أخرى دون أي نية لسلام ولدولتين وتحويل الوضع الراهن لأمر ما يصفه العالم بـ «سلام» وذر الرماد في عيون العالم وكأنها تقول للعالم: «ها هنا الفلسطينيون سعداء.. لديهم علم في رام الله ولديهم علم في غزة وقد تنازلوا عن حق العودة، والرئيس الفلسطيني وقّع وانتهى الصراع».
■ الى أين نحن ذاهبون من هنا طالما أن «حل الدولتين» لا يتحقق؟
■ نحن ذاهبون لدولة واحدة غير لطيفة، بل إننا بتنا فيها على أرض الواقع وإسرائيل تسيطر على كل شيء وهي غير ديمقراطية وأكثر قمعا. والسؤال من سيكون أسرع ..إسرائيل بتشريعها نظاما للأبرتهايد أم العالم المفترض به أن يخرجها من خانة الديمقراطية ويحاسبها؟
■ الدولتان مقابل دولة واحدة.. الحل أصعب؟
■ هذا مجاز من القرية لا من المدينة. في المدينة السكان يقيمون في العمارة ذاتها ولا يعرفون بعضهم البعض. أقصد أن دولة واحدة ليس قصة حب. ما يجبر الدول أن تتحد في دولة واحدة كالولايات المتحدة هو الفهم أن هذا الحل هو الأفضل وليس الحل المثالي. هناك فلسطينيون لا يحتملون فلسطينيين آخرين وكذلك اليهود. الدولة الواحدة  تظهر أن الفوارق بين الناس ليست هوية قومية فقط بل هناك فوارق في التوجهات وفي أنماط الحياة وفي مفاهيم مختلفة، والأمر متعلق بأين أنت تقيم داخل الدولة الواحدة التي ستقسم الناس من جديد حسب أمور لم تتحها لك الهوية القومية. هذه الدولة شركة واجبها تقديم خدمات كي تعمل الأمور. هي ليست وسيطة وهذه ليست زفافا أو عرسا ولذلك أرفض مجاز «السكن في شقة واحدة».
■ هذه دولة ثنائية القومية أم ديمقراطية؟
■ كما تعلم أنا متردد لأنه مبدئيا أنا مؤيد لدولة ديمقراطية ولكنني أعي أن هناك أوساطا واسعة لدى الطرفين ترى بأهمية الهوية الجماعية، وأنا احترم ذلك على أن تحترم هذه الهوية الجماعية حقوق الإنسان وبهوية جماعية للآخرين. هناك أسئلة مفتوحة كالسؤال كيف سيشارك اللاجئون الفلسطينيون في المحادثة هذه حول المستقبل وهم خارج البلاد منذ سبعين عاما؟… كذلك السؤال حول رؤى دوغماتية يهودية أو عربية متطرفة كيف سيشاركوننا في المحادثة الرامية لتحقيق تسوية.
■ ألا تضع العربة أمام الحصان؟ لديك أسئلة بدون أجوبة؟
■ لا . رؤيتي واضحة ولدي أجوبة لكن المشكلة أنني وحيد. اعتقد أننا في حاجة لبحث مشترك بحثا عن الإجابات في حوار مفتوح، وفي حال لم نتوصل لإجابات فنبقيه للمستقبل. هذا مفهوم عربي شرقي عتيق للحوار من فترة الجاهلية، يؤمن بإمكانية الحوار كنمط حياة وبإمكانية التعايش مع مشاكل وعدم اتفاقات. وهذا بعكس مفهوم أوروبي يرى بضرورة حل كل المشاكل. والسؤال هو هل وجدت آلية تتيح العيش مع هذه الخلافات. أنا مؤمن بذلك وسبق وكتبت مقالا بعنوان «دولة الحوار» وهذا هو الحل المثالي بنظري وعلينا انتخاب سياسيين فنانين ومبدعين.
■ مثقفون فلسطينيون كثر ما زالوا يعتبرون هذا ترفا فكريا… وهم تحت احتلال يومي وقاس.
■ لا تناقض بين نضال غير متهاود ضد الاحتلال وبين التفكير لليوم التالي بعد انتهائه. الناس تحت الاحتلال بطبيعة الحال يصعب عليهم التخطيط لليوم التالي فهم منشغلون كيف يحاربون الاحتلال واستطيع فهم ذلك. لكن دور الفلسطينيين في إسرائيل وفي الشتات ودور ناس مثلي ممن لديهم وقت وراحة أكبر هو التفكير باليوم التالي بعد الاحتلال ودورنا تقديم مساعدة تتعلق بالرؤيا.
■ هل نجحت إسرائيل في أسرلة فلسطينيي الداخل؟
■ لا، إسرائيل لم تنجح بتحييد الفلسطينيين فيها وبتغيير هويتهم ولديهم تياران الوطني والإسلامي يعتبرانهما جزءا من الحركة الوطنية، وهناك تيار شيوعي يراهم جزءا من اليسار الإسرائيلي ومن الحركة الوطنية الفلسطينية دون نجاح كبير.
■ قيل عن فلسطينيي الداخل ‘نهم أقلية مطيعة… ما رأيك؟
■ فترة الحكم العسكري وتجربة كفر قاسم كانتا تهديدا صارما وواضحا لفلسطينيي الداخل، والإسرائيليون يكرسون طاقات كبيرة كي  يكون هذا الوضع، وهناك قرار استراتيجي لدى فلسطينيي الداخل بعدم استخدام النضال المسلح وفي حال فعلوا ذلك فإنها ستشن عليهم عدوانا سيكون عدوان «السور الواقي» عام 2002 فسحة مقارنة به. فلسطينيو الداخل يفهمون ذلك وهذا لا يعني أسرلة بل اتقاء شر الإبادة. هم تعلموا العيش والبقاء. بالعكس هم لا يشترون قصة الديمقراطية الإسرائيلية ولا المجتمع المتنور وهم يعتبرون إسرائيل بربرية بما لا يقل عن الدولة الإسلامية. هذا هو شعورهم الحقيقي.

المؤرخ اليهودي إيلان بابيه لـ «القدس العربي»: أصاب الفلسطينيون برفضهم التقسيم

وديع عواودة:

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول تونسي ابن الثورة:

    هذا الأكاديمي الإسرائيليّ يقول الحقّ ولا يخشى في الله لومة لائم لأنّه يعتقد أنّ قول الحقّ فضيلة ولو كان المستهدف فيه ذاته الإسرائيليّة، والأعراب من بني جلدتنا يوادّون الصّهائنة سرّا وجهرا ويتآمرون معهم على الأمّة وقضاياها المصيريّة !!!

  2. يقول AL NASHASHIBI:

    WE ARE AGAINST BRUTAL ZIONISM COLONIZER … WHICH ITS AGAINST HUMANITY AND AGAINST JUDAISM TOO……. EDUCATION IS PROTO STEP TO BE HUMAN … .

  3. يقول محمود:

    هناك شيء غير مريح في شخصية هذا الرجل تجعلني اشكك في نواياه

  4. يقول Al NASHASHIBI:

    Action speakes louder than words
    Our leaders they achieved nothing just hallucinations policy
    So don’t be skeptical one

إشترك في قائمتنا البريدية