«نحن في انتظار أن يصدر الناطق الرسمي للقوات المسلحة السودانية خالد الصوارمي بيانا ينفي فيه هزيمة البرازيل من ألمانيا»، النص الساخر المشار إليه بين مزدوجين، تعليق لأحد السودانيين، ردا على ما جاء فــي البيان الأخـــير للناطق الرســــمي للقوات المسلحة السودانية، هذا التعليق الساخر يكشف في عمقه وإيحاءاته ورمزياته عن سخرية الشعب السوداني من البيانات العسكرية السابقة واللاحقة، التي تصدرها مؤسسة الناطق الرسمي التي تحولت إلى مؤسسة «حزبية» فقـــدت المصداقية، الناطق فيها مهمته الحصرية تلاوة ما يأتي إليه وهو مرتد بذته العســـكرية بدون مساءلة عـــن ماهية البـــيان والجـــهة التي اصدرته، وهل هناك ملاءمة أو مواءمة مع طبيعـــة الموقع الحساس والمهم الذي يرتبــط بهيبة المؤسسة العسكرية ورجالاتها والقضايا المتعلقة بالأمن الوطني.. إلخ.
سبب ما تقدم هو أن الصحف المصرية أوردت خبرا في الأسبوع الماضي تقول فيه «أن سلطات أمن مطار القاهرة أوقفت دبلوماسي سوداني قادم من الخرطوم، يتبع الملحقية العسكرية بالسفارة السودانية في القاهرة، وفي حوزته كيس قمامة بداخله مبلغ 175 الف دولار»، في الحيثيات والوقائع صنفت الجريمة باعتبارها جريمة تهريب كاملة الأركان وعليه تم توقيف الدبلوماسي، وعند استجوابه أدلى بىعترافات خاطئة/تضليلية، كقوله ان الأموال داخل الكيس هي مئة ألف دولار وعند عدها من طرف السلطات تأكد انها 175 ألفا، أما الجهة المرسلة إليها فذكر بأنها مرتبات العاملين في السفارة.. المهم بدون الدخول في التفاصيل تم إرجاع كيس القمامة بما يحتوي من أموال الشعب السوداني إلى مركز التصدير في الخرطوم.
وبموجب ذلك أصدر الناطــــق الرسمي باسم الجيش كله بيانا هزيلا، يؤكد فيه إفادات المهرب وصحتها في كون هذه الأموال مرسلة للجهات المذكورة وبمستندات رسمية، إلى نهاية البيان الذي أثار استياء الجميع في تلاعب رجالات الدولة بالعــــديد من المؤسسات الوطنــــية لتغطــــية ما سموه «بغسيل الأموال» الذي تمارســـه الحكومة السودانية في الداخل والخارج، لسد فجـــواتها المادية ودعم آلة حربها وأمنها للمضي في صنوف الاستبداد والتعذيب.
تبقي ضمن حالة الاندهاش والغرابة التي لازمت هذه العملية، ثمة أسئلة وإجابات تفرض ذاتها، هذه الأسئلة لا تتعلق مطلقا بالأسئلة والإجابات المتجاوزة من قبيل الجهة المعنية، هل هي الخارجية أم الدفاع أم الأمن، ام حتى تفسير ربكة الدبلوماسي أثناء توقيفه وإقراره فقط بالمئة الف وليس الـ175 الف دولار، ومنذ متى تحول أموال البعثات الدبلوماسية من مرتبات ومخصصات ومهام أخرى بأكياس البلاستيك، أو قل حتى الحقائب الدبلوماسية المخصصة للوثائق الرسمية والسرية، أيضا هل شهد تاريخ العلاقات الدبلوماسية أن تم تحويل أموال بهذا الشــــكل الكلاسيكي؟ والســـؤال الأكثر أهمية هــــو، هل يحـــتاج أمر كهذا إلى بيان رسمي من القوات المسلحة السودانية، وما هي جهة الاختصاص؟ كلهـــا أسئلة تنســف بيان الناطق الرسمي الذي حاول تحمل الجريمة باعتــبارها جريمة ارتكبتها القوات المسلحة السودانية، في حين أن القوات المسلحة السودانية كمؤسسة قد تكون بريئة ولا علم لها بوقائع الجريمة .
تلك هي بعض من صيغ أسئلة الإجابات المتجاوزة التي تريد ان تفكك في الجريمـــة وعناصـــرها، رغم أن المتهم في كل الأحوال واحد، ويرتبط بأجهـــزة نظــــام الخـــرطوم، هذه الأجهزة جاءت بثوب أمني أو مدني أو عسكري أو استخباراتي أو اقتصادي، فيما نحن نعتقد أن السؤال المركزي الذي يجب أن يبحث ليس في المصدر وإنما في وجهة الإرسال المقصودة والمعنية ولماذا؟
وقائع كيس «القمامة» السوداني المرسل إلى القاهرة المؤكد فيه هو إنه تم – رغم أن العملية الإجرامية فشلت- استغلال أجهزة الدولة التي تتمتع بالحصانة القانونية/الدولية كأفراد البعثات الدبلوماسية وتسليمهم أموالا- بالضرورة من خزينة الشعب السوداني- ووضعها بطريقة رثة كشكل من اشكال التمويه. دخول وزارة الدفاع في الخط وتبنيها الأمر يحمل أكثر من إشارة في حين العرف الجاري هم ينقلون ملايين الدولات في الخارج لصالح حساباتهم ولكن في الحالة المصرية التخوفات كثيرة وهو ما فرض التجريب بمبالغ غير مكشوفة عادية جدا.
٭ كاتب سوداني مقيم في لندن
محجوب حسين