المايسترو نبيل عزام: التطبيع الموسيقي خطير وألوم المتعاونين من الفلسطينيين

حجم الخط
0

بيروت ـ «القدس العربي»: سَحَرَ نغم نبيل عزّام الموسيقار الفلسطيني السامعين في بيروت. تواصله مع أوتار الكمان حنون كتواصل القلب مع شعاع غرام. عبر نغماته تسللت نسمات من الناصرة حيث الحنين إليها مسكون بالتاريخ والجغرافيا. وبشوق اقتفاء الأثر الديني الذي تحتضنه المدينة الرمز. الحنين متبادل، ومن المدينة الرمز حمل الضيف أمانة سلام وحب، طارت ووصلت رغما من حواجز الاحتلال.
في ضيافة المعهد العالي للموسيقى حلّ المايسترو نبيل عزّام لأيام، وقاد الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق ـ عربية في الأول من آذار/مارس في حفل حاشد احتضنه مسرح بيار أبو خاطر. وخلال الحفل تسلم شهادة تقدير من وزير الثقافة اللبناني، ممثلاً في مدير المعهد بالوكالة الدكتور وليد مسلم.
مع المايسترو نبيل عزّام هذا الحوار:
○ جئت إلى بيروت حاملاً باقة من العطر والحب والأنغام. هل كنت على يقين أن تبادلاً في الود والحب قائم بينكما؟
• لدي مع القائمين على إدارة المعهد الموسيقي الوطني أصدقاء كثر مشتركين. التواصل الأولي بيننا أكد معرفتهم بإنتاجي الموسيقي، والمهمات التي أقوم بها في لوس أنجليس مع أوركسترا «مستو» المتعددة الإثنيات والقوميات منذ 17 سنة. الإتصالات الأولى مع المسؤولين في المعهد افرحتني لأن الطلب تحدد بحفل آلات أي للأوركسترا ودون غناء. جميل جداً أن يتميز الحفل بأنه للنغم فقط.
○ وماذا عن برنامج الوهابيات الذي اخترته؟
• وضعت الكثير من الجهد في التوزيع الذي اعتمدته للألحان المختارة. قدمت برنامجاً متقناً، وأشير له بإصبع الدلالة على صعيد التوزيع الجديد لموسيقى عبد الوهاب، حتى أني أضفت لها ألحاناً جديدة. كما غيرت قليلاً في المبنى.
○ وهل يحق لك ذلك؟
• أملك الإذن من محمد عبد الوهاب نفسه. فهو أحب أسلوب عملي وباركه. ومنحني حرية عرض موسيقاه كما أشاء. وهو يدرك مدى أمانتي على هذا التراث الموسيقي الذي درسته وحللته كثيراً. والأهم أن المعهد العالي للموسيقى أمن كل المطلوب لتقديم حفل ناجح. تميزت العلاقة مع مسؤوليه بالسلاسة. وفاق التعاون مع أعضاء الأوركسترا الوطنية اللبنانية خلال البروفات تصوراتي. وسبق للمايسترو اندريه الحاج أن درّب الأوركسترا على المعزوفات بناء على ما أرسلته من نوتات. ولدى وصولي إلى بيروت وضعت لمساتي الخاصة خلال ثلاثة أيام من التمارين.
○ ما الذي حتّم غلبة الوهابيات على المعزوفات واكتفيت برحبانيتين وواحدة من تأليفك؟
• أنا موسيقي صحيح، لكني أدافع عن قضية وطني وأحمل الرسالة الاجتماعية كما كل فلسطيني. «سنرجع يوماً إلى حينا» نوستالجيا فلسطينية. فلسفة الرجوع «يوماً» وليس في شهر أو سنة، أعطت الأمل للشعب الفلسطيني عبر شاعر وموسيقي لبناني يؤمن بلبنانيته وبقضيته القومية كذلك. «سنرجع» من روائع الأخوين رحباني الخالدة، وهي تتلاءم معي كفلسطيني يعتبر نفسه مواطناً من العالم. أما الوهابيات فهي خياري الدائم والطبيعي.
○ بعد أغنيات العودة والقدس للأخوين رحباني وفيروز هل حقق إنتاج فني آخر الوقع نفسه؟
• مطلقاً. الأخوان رحباني هرمان التقيا في نبع فكري، وحالة فلسفية استثنائية، وعملا كما يجب. ما أتى بعدهما ليس بالخلود نفسه. كتب الأخوان رحباني ما كتباه بناء على مبدأ، وليس استعطافاً أو انتهازية. ولا شك بمباركة كل من أنتج فناً لفلسطين من مرسيل خليفة، أحمد قعبور وغيرهما. كل فلسطيني علم بزيارتي للبنان حمّلني رسالة حب بلا حدود. لبنان بنظرنا ذروة الحلاوة سواء كنا في داخل بلدنا المحتل أو خارجه. ولا فرق إن كان هذا التصور واقعيا أم خياليا.
○ ماذا عن لقائك بعبد الوهاب؟
• كتبت رسالة الدكتوراه عن التجديد في موسيقاه، وكانت بيننا لقاءات، وهو أمنني على إنتاجه كاملاً. سميته أب الموسيقى العربية في القرن الـ20. عبد الوهاب حالة خاصة، احتضن الموسيقى والموسيقيين على مدى القرن الماضي، عاش عمره مشغولاً بالتجديد وقيادته، وهذا لم يحدث حتى في الغرب. جدد في كافة العقود، وقدم أفضل الأفلام. وكانت الذروة في غناء «من غير ليه». لهذا كان اختياري لمقطوعات من عبد الوهاب لحفل بيروت.
○ كموسيقي عربي وفلسطيني هل تتيح لك الإقامة في الولايات المتحدة مساحة تعبير أكثر من وطنك المحتل؟
• المواهب في فلسطين المحتلة لا حصر لها. درست الكمان الشرقي، ومن ثم الغربي، وتخرجت من الجامعة بشهادة كمنجاتي غربي. ومن ثم درست الماجستير، ونلت الدكتوراه من جامعة UCLA. والدي رحمه الله كان عازف عود، والدتي عازفة تشيللو، وأخواتي يعزفن البيانو والأكورديون، ويعزف أخي الايقاع. وكانت للعائلة حفلات عديدة مشتركة في الناصرة وخارجها. بالعودة لأصل السؤال وهو الأهم في نظري، نعم أحمل قضيتي، إنما يعنيني في الأساس أن أكون موسيقيا جيدا، يتقن عمله. الموسيقى وسيلتي للتعبير. وجودي كموسيقي في الولايات المتحدة يعكس صورة فلسطين بشكل غير مباشر. في فرقة «مستو» خمسون عازفاً أمريكياً، جميعهم يعرف أني من فلسطين.
○ لماذا تفضل الكمان على العود؟
• في الصغر منعني والدي من العزف على العود مفضلاً أن أكون مخلصاً للكمان. وظل المنع سارياً إلى مرحلة شبابي. لاحقاً تعلمت العود منفرداً وكان لي حفل مشترك مع سيمون شاهين وتبادلنا معاً العود والكمان، وكان هذا في فلسطين. كتبت بمرافقة العود سي دي للأطفال هدية لحفيدي لدى ولادته. بقي زمناً في الدرج، ومن ثم أنتجه صديق لي مضيفاً إليه حلّة من الإيقاعات، وعنوانه «آه يا زين».
○ كموسيقي منذ الطفولة وحاصل على أعلى الدرجات العلمية هل تعبر عن نفسك في التأليف؟ وهل يأخذ التلحين مساحة من اهتمامك؟
• تعرّف الجمهور اللبناني إلى مقطوعة «الملاّح» من تأليفي. عديدة المقطوعات التي ألفتها. اشتغل كثيراً على التوزيع وحفل بيروت جميعه من اعدادي وتوزيعي. لحنت بعض الأغنيات رغم ضيق الوقت. فأوركسترا «مستو» التي أتولى إدارتها تحتاج كل الوقت.
○ ماذا عن الريبرتوار التي تضعه لهذه الأوركسترا؟
• تقتصر حفلاتها على ثلاث في السنة. سنلبي دعوة جامعة UCLA في جامعة كاليفورنيا في 17 الجاري، وسيكون الشركاء في هذا الحفل من أمريكا اللاتينية، اسبانيا، المكسيك، وأغنيات أيه فيفا الإسبانية، بكتب اسمك يا بلادي، سنرجع يوماً غناء، الحلوة دي.
○ هل تكتب في كاتالوغ الحفل حكاية سنرجع يوماً؟
• ليس بشكل مباشر، لكن اللبيب سيفهم.
○ ما هو شكل التعاون مع كريمة الصقللي كصوت مميز؟
• غنت كريمة الصقللي عدة مرات مع أوركسترا «مستو». التعاون معها مبدئي نظراً لإيماني بصوتها النظيف الجميل، الراقي الأصيل. أغنياتها مع الأوركسترا تبلغ أعلى المستويات. يُقبل على هذه الحفلات مواطنون أمريكيون من ثقافات مختلفة. وأذكر هنا أن العازفين في الأوركسترا أمريكيون باستثناء فهد شعبان عازف العود وهو لبناني، كويتي وفلسطيني. فوالدته لبنانية، ووالده فلسطيني، ولد وعاش في الكويت.
○ ماذا يختصر اسم «مستو» الذي تحمله الأوركسترا؟
• هو اختصار لـ «مالتي اثنيك ستار أوركسترا».
○ هل من وقت تخصصه لفلسطين؟
• من الآن فصاعداً بات مطلوباً مزيدا من الاهتمام بعد أن أوكلت لي السلطة الفلسطينية تمثيل وطني في مجمع الموسيقى العربية. وتمّ الاتفاق مع رئيس المجمع الموسيقي العربي كفاح فاخوري على توثيق موسيقيي فلسطين في كتاب.
○ يسرق الاحتلال الأزياء والتراث والطعام الفلسطيني فهل يعمل كذلك على سرقة الموسيقى؟
• طبعاً. وللأسف يجد المحتلون عرباً يشاركونهم حفلاتهم التي يسطون فيها على موسيقانا. عادة ينظم المحتلون حفلات مع أوركسترا كبيرة جداً، ويتعاونون مع موسيقيين روس وأتراك. هذه الحفلات منتشرة منذ زمن بعيد وبكثرة ملحوظة، والإقبال عليها يفوق التصور.
○ أن تأخذ على عاتقك توثيق الموسيقى الفلسطينية فهل تتوفر لديك المادة الأساسية؟
• الأساس متوفر وهو الإرادة، وكذلك الرغبة في التعاون من قبل العديد من الأشخاص.
○ كيف تنظر إلى تصويب المحتل على الجانب الثقافي ليكون باباً ناعماً للتطبيع؟
• لي وجهة نظر في التطبيع الموسيقي وهو خطير. ولومي فيه على الذات الفلسطينية. على سبيل المثال في دار الإذاعة الإسرائيلية فرقة موسيقية تضم يهوداً من الدول العربية، وخاصة من العراق ومصر. هؤلاء حين قدموا إلى فلسطين في هجرة جماعية بحثوا عن عمل، وكان للأجهزة الأمنية أن تستغلهم. وهكذا تمّ عبرهم تسجيل الألحان العربية، وكذلك تسجيل أغنيات عربية جديدة جاءت متقنة للغاية. هؤلاء الموسيقيون تمّ استعمالهم كبوق دعائي. وللأسف وجدوا أيضاً مغنين يتعاونون معهم من بيننا نحن الفلسطينيين. الهدف الأساسي للأجهزة الأمنية الصهيونية أن تُظهر التعايش قائماً في الدولة المحتلة. كان هذا في السبعينات، ومن ثم كرّت السبحة. وبالمناسبة كان الصهاينة يستغلون حاجة العرب في بلدهم، فيغرون بعضهم بالمال من أجل حضور الحفلات والتصفيق والغناء بحماس خلالها. الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لا تزال على أهدافها، لكنها طورت أساليبها وإغراءاتها. وعندما كنت لا أزال في الناصرة تلقيت الكثير من الدعوات للمشاركة في حفلات للسلام. إنما طريق السلام يبدأ بإنهاء الاحتلال.
○ كيف تصف صلتك بالكمان؟
• هي صلة الروح بالجسد. أمسك الكمان وكأني أمسك يدي. وبالمناسبة قوس الكمان الذي أمسكه صنع لي خصيصاً. الخشب الذي يمسك شعر القوس من طرفيه وصلني وبطلب خاص من خشب الأرز في لبنان، وذلك عن طريق الأب الصديق إيلي كسرواني. كان هذا قبل 10 سنوات.

المايسترو نبيل عزام: التطبيع الموسيقي خطير وألوم المتعاونين من الفلسطينيين
«سنرجع يوماً» فلسفة عودة فلسطينية وأمل كُتبت ولُحنت بمبدأ وفكر
زهرة مرعي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية