أعلن العراق الرسمي انتهاء معركة الموصل بنصر مؤزر على «دولة الخلافة». وفي غضون ذلك «تبخر» مقاتلو التنظيم الإرهابي الأشد هولاً بمعيار فظاعاته المشهدية، فلا قتلى ولا أسرى. ومن المتوقع أن تنتهي قريباً معركة الرقة بطريقة مماثلة، لتصعد إلى الواجهة مدينة دير الزور، المعقل الأهم المتبقي لداعش في سوريا، فيكون «تحريرها» منها نهايةً لدولتها الإسلامية التي صمدت ثلاث سنوات ونيف في مواجهة الحروب الضارية عليها.
الأهم من كون «التبخر» المذكور للمقاتلين متعددي الجنسية، انتقالاً إلى العمل تحت الأرض كخلايا نائمة تستعد لجولات جديدة مختلفة عن الحرب السابقة، هو أنه (أي التبخر) يعبر عن تحول الوجود الملموس لـ»الدولة» إلى الوجود المجرد كـ»فكرة». والحال أن داعش، في الأصل، هي فكرة أكثر من كونها كياناً محسوساً. وبصفتها هذه لا يمكن حبسها في إطار حدود فيزيائية أو جغرافية، الأمر الذي يفسر كونية الظاهرة الداعشية وقدرتها على التحرك والضرب في كل مكان، والمبايعات التي جرت لها في مناطق بعيدة عن مركز دولتها، في مناطق متفرقة من جنوب سوريا وفي كل من ليبيا ومصر، كما يفسر، بالمقابل، عبثية «الحرب الدولية على داعش» بالطريقة التي تدار بها في كل من العراق وسوريا، كما في مناطق أخرى. بمعنى أن هذه الحرب التي اقتصرت مفاعيلها، إلى الآن، على آلاف الضحايا المدنيين، وخراب العمران، والأهم من هذا وذاك: مراكمة المزيد من المظالم ومشاعر القهر في النفوس، بما يؤسس لاستدامة الفكرة الداعشية، كمظلومية تبحث عن الثأر، أكثر من كونها سعياً وراء استعادة أمجاد امبراطورية غابرة لدولة الإسلام، هي حرب لا يمكن كسبها، إلا بمعاني الغلبة والقهر ضد السكان المحليين ممن كانوا تحت السلطة الغاشمة للتنظيم الإرهابي، وتعتبرهم القوى المحاربة لداعش «حاضنتها الاجتماعية».
حسناً، لنسلم جدلاً أن هؤلاء السكان هم فعلاً حواضن اجتماعية لداعش، فهل يكون الرد على ذلك بإبادتهم؟ على العكس تماماً، هذه المقاربة تمنح داعش ومثيلاتها ميزة تمثيلية، لا تحوزها، لقسم من السكان، أي تمنحها شرعية لها مقتضياتها من اعتراف وتفاوض وحقوق. فإذا كان كل سكان الموصل قاعدة اجتماعية لداعش، ترفض السلطة المركزية في بغداد، فلا بد من منحهم حق تقرير المصير، وليس الإبادة. بالمثل، لو كان كل سكان مدينة الرقة يشكلون القاعدة الاجتماعية لداعش، فبأي حق يأتي غرباء لتحريرها أو لإبادة سكانها بدعوى أنهم حاضنتها الاجتماعية؟
الواقع أن ما حدث في العراق، بعد سقوط نظام صدام حسين في العام 2003، هو بالضبط ما يتكرر اليوم في «الحرب على داعش». أي إبادة «الحاضنة الشعبية» السنية المزعومة، سياسياً في الحالة الأولى، ومادياً في الحالة الثانية. القوى الشيعية المنتصرة في حرب 2003، عملت على إسقاط المكون السني كتحصيل حاصل لسقوط نظام صدام. وهو الأمر الذي لعب دوراً رئيسياً في ولادة تنظيم الزرقاوي الذي سيتحول لاحقاً إلى داعش. ولعبت كل من إيران والولايات المتحدة دور مظلة القوة الغاشمة المشجعة لهذه الغلبة الشيعية الفظة.
هذه التحولات التي مهدت لظهور داعش وتمكنها، ليست كافية بذاتها لتفسير وظيفة هذه المنظمة الإرهابية التي يلف الغموض الكثير من أنشطتها. وإلا كان الأحرى أن تتمثل مقاومة التهميش السني في العراق بوسائل أخرى، سياسية أساساً، من شأنها أن تؤدي إلى نتائج سياسية أكثر عدالة. أما وقد تمثلت هذه المظلومية في صورة داعش، فقد تحول الأمر إلى منجم ذهبي لاستثمار قوى متنوعة تزعم في العلن محاربة التنظيم، في حين تمده سراً بوسائل القوة والديمومة. من أمثلة ذلك الفاضحة تبادل السيطرة المتناوب على مدينة تدمر، في السنتين الأخيرتين، بين قوات النظام الكيماوي ومقاتلي داعش؛ وكذا هي حال مهزلة سيطرة داعش على مدينة الموصل، قبل ثلاث سنوات، وفرار قوات جيش المالكي أمامه، تاركةً كميات كبيرة من السلاح والذخائر ستشكل ترسانة الدولة الداعشية. هذا غير إطلاق كل من بشار الأسد ونوري المالكي سراح مئات الجهاديين من سجونهما، وتجارة النفط النشطة بين داعش والنظام الكيماوي في دمشق.
كذلك هي الحال بالنسبة لقوى دولية فاعلة، ساهمت بسياساتها في نمو الظاهرة الداعشية وتمكنها، كالولايات المتحدة وروسيا وغيرهما، شكلت «الحرب على داعش» ذريعة ممتازة للتهرب من واجباتها كقوى عظمى، كما لتصفية حساباتها على الأراضي العراقية والسورية، وتقاسم النفوذ فيما بينها على طريق إعادة تشكيل نظام عالمي واقليمي بما يتفق مع مصالحها وتطلعاتها الاستراتيجية.
المرعب أن ما يحدث، هذه الأيام، في بلدان ومناطق مختلفة، بالتزامن مع قرب نهاية «الدولة الإسلامية» يؤسس لتقوية الداعشية كفكرة. ما يحدث في لبنان هو المثال الأبرز: تقوم مخابرات الجيش اللبناني بمداهمة مخيمات اللاجئين السوريين، فتقتل من تقتل، بذريعة كاذبة حول انتحاريين مزعومين قاموا بتفجير أنفسهم، ثم تعتقل العشرات وتقتل بعضهم تحت التعذيب، وتتعمد إصدار بيان ركيك في تبرير قتلهم، كما لو أنها تقول (نعم قتلتهم، هل من اعتراض؟!). هذا ما نفهمه من صيغة البيان ومن تعامل مخابرات الجيش مع المحامية داليا شحادة التي سطت منها على عينات من أجسام المقتولين أخذت بغرض التحقيق في ملابسات قتلهم. ولم يختلف تعامل الطبقة السياسية الحاكمة مع الحدث كثيراً عن تعامل الجيش ومخابراته، فبررت انتهاكات الجيش وأعلنت حصانة هذا الأخير أمام أي نقد.
كذلك هي الحال بالنسبة للمشكلة السورية ككل. يطغى شعور لدى قطاعات واسعة من السوريين أن العالم كله يتآمر عليهم ويشارك في قهرهم وإذلالهم: النظام الكيماوي والحكومة اللبنانية وإيران والحكومة العراقية وروسيا والولايات المتحدة والأمم المتحدة.. إلخ. وها هو أحدث المرحبين ببقاء السفاح الكيماوي بشار الأسد في السلطة، عنيت به الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون.
إذا كان عالم اليوم يدار من قبل هذه القوى والشخصيات والسياسات، فإن داعش لن يتحول إلى خبر كان، بل سيستولي على المستقبل.
٭ كاتب سوري
بكر صدقي
الامر بسيط جدا في القضاء على داعش واخواتها السنية والشيعية هو بقصقصة اجنحة رجال الدين وجعل دروس التربية الدينية تدعو للتسامح ونبذ الطاءفية
صدقت والله يا استاذ صدقي
عندما ارادت واشنطن اسقاط صدام حسين زجت بقوتها وانهت جيش العراق العرمرم صاحب ام المعارك بأيام معدودات، واعتقلته ثم علقت مشنقته ومشنقة معاونية وقتلت اولاده. لم تنته الحرب في العراق من جيش صدام الى قاعدة الزرقاوي والآن مع داعش البغدادي، ولكن هذه المرة ظهرت داعش وكأنها قوة عظمى يواجهها الجيش العراقي، والامريكي، والبريطاني، والإيراني، والفرنسي، والتركي، وقوات قسد التركية، وبعض فصائل المعارضة السورية، والحشد الشعبي.. وكل هذه القوى ضد بضعة آلاف من الدواعش يعني الداعشي بلغة امريكا بات رامبو يهزم وحده جيشا، الواقع ان الجميع ساهم بانعاش داعش بدءا من نظام الكيماوي بشار وانتهاء بالأمريكان مرورا بصفوي ايران وأزلامهم من ميليشيات ابو شحاطة، الكل مستفيد من داعش لشيطينة الثورة السورية المجيدة لأنها العدو الحقيقي لامريكا واسرائيل وايران وروسيا والسعودية وحزب الله وبالطبع لبشار الكيماوي ابن ابيه ابو المسالخ والمحارق البشرية
*قاتل الله (داعش والحشد الشعبي والقاعدة)
وكل المتطرفين في العالم.
سلام
يتحدث كاتبنا عن مظلومية سنية لا عن بشر يتعرضون للقهر و القمع , هذه سلسلة لا نهاية لها, جريمة تقود إلى جريمة و جريمة تتستر بجريمة سبقتها , و “مظلوميات” تنتج قمعا و مجازر جديدة فقط. قبل عقود فقط كان الشيعة و العلويون هم من يتعرضون للاضطهاد , هكذا تصبح القضية في من يضطهد من , لا في القضاء النهائي على الاضطهاد . و إذا كان من حق أية مجموعة أن تدير شؤونها بنفسها فهذا يصح على أية مجموعة بل على أي فرد حتى .مثلا يصح على حلبجة و كردستان التي أمطرها صدام بالكيماوي بفرض أنها كانت حاضنة شعبية للقوى السياسية القومية الكردية أو الأرمن في الامبراطورية العثمانية بدلا من قتلهم بالجملة و طردهم إلى مجاهل الصحراء . بالمناسبة كان الإعلام الغربي ينكر أن صدام هو الذي ألقى الكيماوي على أطفال حلبجة بل اتهم الإيرانيين بذلك المجازر :الأكاذيب ليست جديدة في هذا العالم و لن تنتهي غدا حتى ينتهي القمع و الاضطهاد مرة واحدة و إلى الأبد