ما زالت قضية المشارق والمغارب العربية التي ثارت بسبب عبارة أطلقها صلاح فضل تتفاعل في الساحة الثقافية، وكان آخر ما قرأته العمود الرائع الذي كتبه الصديق سعيد يقطين ونشرته «القدس العربي» الغراء في 30/6/2016 الذي خلص فيه إلى نتيجة تبدو منطقية ومقنعة هي أنه لم يعد من الصالح النظر إلى الثقافة العربية وفق ثنائية المغرب والمشرق، فالدول المشرقية ذاتها والمغربية ذاتها تختلف كل منها عن غيرها في التوجهات الثقافية، بحيث لا يمكن النظر إليها على أنها منظومة واحدة.
وهذا التحليل – الذي كتبه يقطين بكياسته المعروفة ورفعة ذوقه حتى جاء غفلا من الإشارة إلى أشخاص بعينهم بما في ذلك صلاح فضل – هذا التحليل صحيح إلى درجة كبيرة.. وأحببت أن أزيد عليه هنا ملاحظات أظن أن من المهم عدم إغفالها.
وفي السنوات الأخيرة أصبحت الحركة النقدية العربية عموما تعاني من فوضى كبيرة، فليس بالإمكان التعرف على مشروع نقدي عربي. النقد العربي يعاني من تخمة نظرية، فبعد أن يسرت الإنترنت الاطلاع على ما أنجز من نظريات واتجاهات في سنوات العولمة الرأسمالية تلقفها المترجمون والنقاد، تلك النظريات ظهرت في الغرب تطورا طبيعيا لمنظومة فكرية وفلسفية حاضنة، ولكننا جئنا بها وزرعناها على عجل في الجسد النقدي العربي، وشاعت مقولة إن من لا يتقبلها رجعي أو ممن فاتهم قطار الحضارة، وما يزال يقتات على الشفاهية العربية.
وفي الجامعات العربية الآن تنجز كل يوم رسائل وأطاريح تحمل عناوين تبدو كبيرة مشتقة من مصطلحات، مثل نظرية التلقي التداولية والحجاج وأفعال الكلام، ولكن ما الذي أضافته فعلا؟ بكل ثقة أقول لا شيء ولم تستطع أن تنجز منهجا تطبيقيا يستطيع الكشف عما لم يكتشف في الأدب العربي. بينما كان النص الأدبي العربي يتطور في سياقه التاريخي حتى بلغنا اليوم مرحلة أصبح فيها النص متقدما كثيرا على النقد.
قبل أربع سنوات أقمت في مصر سنة كاملة واندمجت في الوسط الثقافي هناك. ومع أن مصر تمثل في الوعي العربي أنموذج الجناح المشرقي، فإنني وجدت نفسي في مدرسة نقدية مختلفة تماما عن العراق، فبينما نهتم في العراق بآليات النص وتقنياته وحرفيته، وجدت المصريين يعلون قيمة المضامين الفكرية والأخلاقية ويعدونها الجانب الأهم الذي يستحق الدراسة في النص الأدبي.
ما لم يذكره الصديق سعيد يقطين هو أثر الكولونيالية التي نتوهم أننا غادرناها، بينما هي لما تزل ـ في الحقيقة ـ مؤثرة في تفكيرنا وكتاباتنا. وهذا تحديدا هو الأمر الذي يســــبب سوء الفهم بين المشرق والمغرب، ففي المشرق نقرأ الإنكلــــيزية ونترجم عنها بينما يقرأ المغاربيون الفرنســـية ويترجمون عنها. وهنا حدثت فوضى المصطلحات وتعارضها وتضاربها، فلو أننا قابلنا بين ترجمة مشرقــــية وأخرى مغربـــية لكتاب بعينه فسنشعر كما لو أننا إزاء كتابين مختلفين.
ثمة إجراءات لابد للمؤسسات الثقافية العربية أن تتخذها إذا أرادت أن تنقذ الثقافة العربية من ترديها الحالي:
أولا: إنشاء معهد مصطلحات عربي يأخذ على عاتقه توحيد المصطلحات وإقرارها ونشرها.
ثانيا: الاهتمام بالنص الأدبي العربي ومحاولة اكتشاف اتجاهاته وبناه من داخله بدلا من محاولة حشره في نظرية قد تصلح لفهمه وقد لا تصلح.
ثالثا: الاهتمام بالجانب التطبيقي من الدراسة النقدية والتخفيف من التخمة النظرية التي أدت إلى تعطيل النقد التطبيقي تقريبا.
رابعا: إنشاء جمعيات ومنتديات نقــــدية عربــــية نشيطة ما سيساعد على بلورة مشروع نقدي عربي.
٭ العراق
ثائر العذاري
أنارة مهمة